التيار الوطني الديمقراطي الاجتماعي

عمار ديوب

الحوار المتمدن-العدد: 1472 - 2006 / 2 / 25 - 07:58
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

تشكل مسودة المقترح لإطلاق حوار من أجل تيار وطني ديمقراطي اجتماعي في سوريا ،ضرورة سياسية تتحدد بالتهميش الذي تعانيه القوى الوطنية واليسارية والقومية والديمقراطية وذلك بفعل عوامل تاريخية متعددة منها ذاتي ومنها موضوعي وتحديداً بسبب ممارسات السلطة الاستبدادية ضدها ، وهو ما يشكل رافعة جديدة تسهم في تمييز الخط الطبقي الوطني الديمقراطي لهذه القوى ،بحيث يتم إعادة تكوين رؤاها وسيرورتها وآليات عملها ،وأشكال نشاطها ونضالاتها من جديد ،فتخرج من الشعور بالهزيمة ،إلى وعي الهزيمة وتجاوز إشكالياتها ،تلك الهزيمة التي قادت إليها البرجوازية الليبرالية والمتوسطة. .
وهذا يستلزم من تلك القوى مواجهة نقدية مع تراثها وتاريخها وواقعها الجديد ،والقيام بأعمال جماعية ، وهو ما يعطني الورقة أهميتها و يدفع بالحوار بين أطرافها نحو تشكيل تحالف سياسي واسع ،كلحظة أولى ، يمكن أن يتطور نحو أشكال أرقى وأكثر اتساعاً . .
تقطع – المسودة – مع قضيتين اثنتين انزلقت إليهما القوى الديمقراطية واليسارية في العقد السابق هما :
أولاً: المشروع الامبريالي الأمريكي ،وإدخال إسرائيل كشريك أساسي مع أنظمة المنطقة في التحكم بها.
فالتصدي لهذه القضية هو أساس إعادة تشكيل المنطقة وربما أساس إزالة هذا المشروع منها ،ومن العالم ،بسبب " موقعها الاستراتيجي وثرواتها النفطية " وبتحديد ذاتها – المسودة – ضد هذا المشروع فهي تعيد للحركة الوطنية واليسارية والقومية توهجها وتجذرها ، وتقطع كلية مع التفكير الليبرالي الجديد أو اليساري والقومي الستاليني القديم ، المتقبل على أرضية الهزيمة للمشروع السابق ، و الانطلاق من مشكلات الواقع ، ومستجدات الهيمنة الاستعمارية ،على المنطقة العربية،وباعتبارها – الهيمنة - تستهدف سوريا بعد فلسطين والعراق والسودان ولبنان وكل البلدان الطرفية وحتى الطبقات المهمشة في الدول الإمبريالية ذاتها ،فإن هذا المقترح يقدم نافذة جديدة بإتجاه تحويل القوى المنضوية والتي ستنضوي به نحو عمل سياسي واجتماعي، ديمقراطي بالضرورة ، يشبه عمل الحركات اليسارية السياسية والاجتماعية في أمريكا اللاتينية ، وبالتالي تعميق النضال الطبقي ضد الامبرياليات العولمية وملحقاتها البرجوازيات العربية التابعة..
ثانياً : التحديد الدقيق للموقف السياسي من مسألة الديمقراطية والمواطنة وفصل المجال الديني عن المجال السياسي، مما يسمح بالقول أن تيار الإسلام السياسي لا مكان له في هذا التيار ، وهو متعارض مع قيم الديمقراطية الحقيقة ،أي القائمة على أساس المواطنة والمساواة القانونية بين جميع الأفراد دون أيّ تمييز عرقي أو جنسي أو ديني ، وبذلك تكون هذه القوى قوى ديمقراطية فعلية أي حين تكون قوى ديمقراطية علمانية ، فهي بذلك تحترم مشاعر المؤمنين ، وتساوى بين العقائد الدينية وأصحابها ، وتعيد الدين إلى تلك المشاعر التلقائية ، وإلى المجتمع ، وتمنع تشويهه لغايات سياسية ، وبالتالي هذا القطع بين الإسلام السياسي والقوى الديمقراطية العلمانية ضرورة عقلية وسياسية ليس في إطار مسودة معدو المسودة بل في إطار الواقع الموضوعي ..
فالديمقراطية على أساس الطوائف كما تشتهي بعض أطراف المعارضة وقوى الإسلام السياسي(لاحظ العراق) تخلق دولاً طائفية أو ديمقراطية طائفية في دولة بلا مؤسسات ،تكون بمثابة الغطاء السياسي لأسوأ أنواع البرجوازيات الكمبرادورية ، فتحدد اللعبة الديمقراطية بسيطرة الفئة الممثلة للطائفة ذات الأكثرية الدينية ، وتبعية الفئات الممثلة للطوائف ذات الأقليات الدينية والعرقية ،وبذلك يتجزأ ويتذرر المجتمع ، وينخرط في تكلس سياسي واجتماعي يسهل للعولمة الامبريالية ،إعادة تجديد ذاتها والسيطرة عليه في إطار وحدتها ، وعلى أرضية تشكيل كانتونات طائفية ( لاحظ لبنان) دون تشكيل الدولة الحديثة أو المؤسسات ذات البعد الديمقراطي ، فتحكمها زعامات طائفية ،يصبح همها الوحيد هو تأمين السيطرة الاستعمارية والاستمرار بالسلطة بأي ثمن كان ...
وبالتالي يشكل هذا التيار بطرحه الدقيق لمسألة الديمقراطية إعادة طرح الأبعاد الفعلية لها أي الوطنية والديمقراطية والاجتماعية والعلمانية ،فالتيار المقترح إذاً يعد ضرورة موضوعية لاستئناف وتطوير الاقتصاد الصناعي ، والشعب المتمدن ،وإطلاق مقاومة وطنية قومية بعيدة عن البعد الطائفي ،تتفاعل مع شتى المقاومات والممانعات الديمقراطية ومن كافة قوميات المنطقة العربية والعالم ، المتضررة من السيطرة الاستعمارية المتجددة ، ومن غياب الدولة عن دورها الحديث ، مما يجعل المقاومة علمانية وذات أبعاد دولية ، وتستهدف حماية الطبقات الشعبية ، والمنطقة وإخراجها من أزماتها وقيادة مشروع النهوض الديمقراطي .
ولهذا يشترط التطور الاجتماعي الكلي ،هذا التيار ، ويستحث التفاعل معه حواراً ونقداً ومشاركةً.
لقد استطاع التيار أن يكثف الأفكار النقدية التي عارضت الليبرالية السياسية والاقتصادية والإسلام السياسي ، وقطع مسألة المهادنة والمساومة مع السلطة ، وافترض مقاومة وطنية ضد الامبرياليات الاستعمارية ، وركز على خطورة ما يحدث في سوريا من اصطفافات وإخفاقات اجتماعية ،مؤكداً القطيعة كذلك مع قوى النهب والفساد والمافيات – عبد الحليم خدام وأمثاله – التي تحاول الخروج من السلطة الحالية ، والانضمام إلى المعارضة الديمقراطية ولا سيما إعلان دمشق وبعض الناطقين باسمها جماعة الإسلام السياسي- الإخوان المسلمين - ..
إن التيار بطرحه نفسه في إطار التحضير المعنوي والمادي ضد الهجمة الامبريالية الأمريكية ، والتأكيد من جهة أخرى على ضرورة الانفراج الديمقراطي ، وتحديد الديمقراطية كنظام سياسي نهائي ،يكون قد حدد السبب الفعلي لوجوده ،فهو لا يطرح نفسه كتيار سياسوي تغييري في اللحظة الراهنة ولا يستدعي أية قوى ، ومهما كانت للانضمام إليه ، ولا يعتقد أن التغيير قد بدأ ،ولكنه من جهةٍ أخرى لا يتجاهل اللحظة الراهنة ،كما اشرنا قبل قليل ، و يطرح نفسه في إطار العمل الاستراتيجي وانطلاقاً من الإحساس بخطورة غيابه ،إن حدث تغيير موضوعي ،داخلي أو خارجي ،دون ذلك التحضير المعنوي والمادي ، وتحسباً من عمق ما تراكم من أزمات وهزائم وضرورة تجاوزها ، والخروج من السلبية والاتكالية ، والانعزال ، والعيش في زمن سابق حينما كانت السلطة تستطيع استخدام القمع العاري ،والغرق في صنمياتٍ ثنائيةٍ مانويةٍ ،سلطة أم معارضة،استبداد أم ديمقراطية ،النظام أم الإخوان ،النظام أم الامبرياليات ،النظام أم إسرائيل ..
لا شك أن هذا التيار في إطار الظرف العام في سوريا سيلقى استجابة مجتمعية كبيرة ، وإن بشكل متدرج ، فهو يسعى لتجاوز بنية الوعي المتخلف "الطائفي والعشائري " ، ويقطع معه ، ويستحث الوعي النقدي ، والكتل المجتمعية،من أجل تجاوز واقعها ،والاستفادة منه نحو واقعٍ أفضل ،و يستهدف المحافظة على ما بني في إطار الدولة المحلية " الوطنية " من حق للفلاحين بأراضيهم ورفض إعادتها للاقطاعين ومحاسبة المسئولين عن نهب القطاع العام والفساد ، وإعادة بنائه ، وإعادة ما نهب من الثروات الوطنية وتثبيت دور الدولة الاقتصادي والاجتماعي ، وتحديد دور القطاع الخاص في إطار عملية التنمية وفي القطاعات الإنتاجية لا في القطاعات الهامشية وإلغاء حالة الطوارئ ، وإعادة كل الحقوق للذين طالهم الاعتقال والسجن والقتل وإقرار دستور مدني حديث ، من خلال الآليات الديمقراطية...
فالانطلاق الفعلي في التغيير يتحدد من ما بني تاريخياً والعمل على تجاوزها نحو الأرقى ، وتعميق الحوار في القضايا الثلاث المشار إليها في مسودة المقترح وهي:
أولاً :مواجهة المشروع الأمريكي والمشروع الصهيوني وإطلاق المقاومة الوطنية ..
ثانياً : إقامة نظام ديمقراطي يعتمد على مفهوم المواطنة وفصل المجال الديني عن المجال السياسي والإقرار بالحقوق الثقافية للأكراد الخ ..
ثالثاً : الاعتماد على الطبقات الشعبية في تنفيذ القضيتين السابقتين ،كونها الحامل الاجتماعي وتحسين وضع الفئات الوسطى والقطاع الخاص الصناعي
من الضرورة الإشارة إلى أن التيار يقدم نفسه منذ السطر الأول لمقترحه بأنه يهدف من أجل أوسع حوار ممكن بين كافة أطياف العمل الوطني ، وينهي مسودته بالقول أن الحوار والتفاعل سيغني الأفكار ، والعمل المشترك ، ويعرف ذاته تواضعاً بأنهم معدو المسودة ، وبهذا نجد أن هذه الصياغات توحي بالثقة عند الناشطين السياسيين للتفاعل وإبداء الرأي خاصة ً وأن هذا التيار يؤمن بضرورة اشتراك كافة أطياف العمل الوطني والمثقفين والشخصيات الوطنية والنقابية والعلمية ، والهيئات المجتمعية من اجل مستقبل أفضل ، يشارك به الجميع عبر صياغته بعيداً عن الاستمرار بالتأزم الحاصل ، وبالعكس يعتقد أنصار هذا التيار أن التغيير في سوريا إن حصل بدون تشكيل التيارات الوطنية والعلمانية الديمقراطية والماركسية في هذا الشرط المتأزم سيكون ولا شك تغيير شكلي نحو نظام يكمل سيرورة النظام السابق ويعبر عن طبيعة القوى المغيّرة، وربما سيكون أكثر تخلفاً وتبعية ورجعية من النظام الحالي ، وهذا ما يتطلب من القوى الوطنية والقومية والديمقراطية الارتقاء لمستوى اللحظة الراهنة ووعي خطورة الأزمة المأزقية للسلطة وللمجتمع بأن واحد ..
وأخيراً نقول تفتقد مسودة التيار لآليات العمل المستقبلية ، وبالتالي ، لابد من إيراد توضيحات وتحديد مهمات العمل المستقبلية إنطلاقاً من النقاط الثلاثة المشار إليها وتفعيل دور التيار حتى يسهم في سيرورة متجددة للانطلاق والتطور ، وإمكانية فعلية نحو مستقبل ديمقراطي وعلماني ممكن ..

#عمار_ديوب (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات