أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نادية خلوف - إنّها غضب -2-















المزيد.....

إنّها غضب -2-


نادية خلوف
(Nadia Khaloof)


الحوار المتمدن-العدد: 5889 - 2018 / 5 / 31 - 12:56
المحور: الادب والفن
    


أرى حالة فرح تلوح في الأفق . تقترب منّي، ترغب أن أعانقها، أقف مذهولة أمامها: يا لقلبي المريض بالألم! لماذا فوّت على نفسي روعة الطّفولة، وتألّق الشّباب، لكن لا بأس، فكلما ظهرت الشّمس من جديد سوف يكون يوم جديد، وبدء جديد.
بينما أقترب من حالة الفرح التي تتردّد دائماً في احتضاني، وتنفر منّي موليّة أدبارها. تعترض طريقي امرأة عجوز: أحتاج أن أتحدّث معك لبضع لحظات.
-تفضلي!
-كنت أسمع دقّات قلبك وهي تعدك بالفرح، وأسمع أفكارك التي تنتظر البدء بالحياة. انسي هذا! انسي ما قرأت عنه في الكتب عن التفاؤل والتّشاؤم. لا داعي لهما. في الكتب التي قرأتها لا يوجد أيّ دليل على ما يكتبون فيها. كتب ترحل بك إلى عالم التّرهات. اسأليني أنا. أمضيت عمري أنتظر شيئاً لا أعرف ما هو. كنت أقول: سوف أكافح لأنّ المستقبل أفضل، وعلى حدّ تعبير كتبنا المدرسية علينا أن نؤمن بالمستقبل الشخصي، ومستقبل الشّعوب. تخيّلي أنّني لم أدرك تلك الكذبة خلال عقود، ما فائدة أن أدركها الآن.
قلبي معبا حكايات ندب. . . وزعلان منون ومن حالو
ما في زمن بيروح، وبيرجع . . . يبقى العمر متل الصدى حالو
ياريتني ما تعبت ولا مرّة . . . وتركت الزمن داير علي وعلى حالو
-أبكيتني معك أيتها العجوز، لكنك تحدثت أكثر مما يجب. أنتم العجائز لا تكفّون عن الثرثرة، تعيدون الأحاديث، والعتاب، وكأنّكم لا زلتم تعيشون في الماضي. دعيني أمرّ سيدتي، فهناك الكثير ينتظرني، ولكلّ إنسان همومه، ولم يتبقّ لك في هذه الدنيا سوى أيّام .لا تقضيها في الندب. دعيني أمر. أرغب أن أحتفي بنفسي.
-يا لك من عديمة الإحساس!
لو تدرين أنّني أشكو لك لأنّني اعتقدت أنّ لديك بعض المشاعر، وهذا ما يقوله البشر عنك. كلام النّاس ليس له علاقة بالصّح والخطأ، هو مجرّد شائعات ينشرها شخص ما لغرض ما، قد يكون زعيم عشيرة، أو قبيلة، أو غير ذلك. يؤمن به النّاس دون أن يمحّصوا في صحته. على أمثالك أن يعتني بالبحث عن الحقيقة بدلاً من الذهاب لمقابلة الفرح. عن أيّ فرح تتحدّثين؟
-ولماذا تهدّديني بسبابتك أيتها العجوز؟
أنا لست طفلة، ولست ابنتك أيضاً. من أعطاك الحقّ في منعي من ملاقاة الفرح؟
-كلمة عجوز تحمل في طيّاتها اإهانة. لا أحد اسمه عجوز في العالم. قد يكون اسمه مسنّ لكن ليس عاجزاً وعجوزاً.
اقتربت العجوز منّي والتصقت بي ، ولم أعد أسمع صوتها، أو أراها.
تلك العجوز التي التصقت بخاصرتي لا تكفّ عن نكز خاصرتي كلّما حاولت أن أقوم بعمل أحبّه. وعندما تنكز خاصرتي أتراجع طالما الأمر لا يناسب فكر العجوز، لكنّني أرغب أن أعيش. كيف؟
البارحة قرع جرس الباب شخص ما، فتحت فإذ به رجل ممّن أتوا من خيالي في زمن كنت أبحث فيه عن رجل ولا أجده في الكومة مهما قلّبتها.
قال: مساء الخير. أفتقدك!
إنّه الصّوت الذي أحتاجه. صوت رجل يملآ ذلك الفراغ في روحي. ضمّني إليه، جلسنا إلى ما بعد منتصف الليل نتحدّث عن الحياة، وانتهينا بلقاء حميم عالج بعض ما لدي من وحشة واغتراب. شعرت به وطناً، وأملاً.
قلت له: أنا أيضاً أفتقدك. أين كنت؟ لقد ذهبت إلى معرض الرّجال، وفتّشت في الواجهة عن رجل يشبهك، وعدت بخفيّ حنين. كانت ليلتنا من ليالي العمر الحمر، وأسرّ لي أنّه مهما قلب في كومة النساء لم يهتدي إلى امرأة يرغب فيها غيري .
هذا هو الفرح الذي كنت أبحث عنه، وكان هو يبحث عنه. . .
. . .
أشعر أن أمعائي تتمزّق، وخاصرتي تنبض بالعجوز التي تؤنّبني. أفهم عليها دون أن تحدّثني . لديها لغة تستعملها عن طريق نكز الخاصرة ، أترجمها لها. وصفتني بالخاطئة، وأنّني أستحق الرّجم. كيف أنام مع رجل دون نقر على الدّف وإشهار لشرعية الحدث، وأشرح لها أنّ أمّي علمتني أن هذه الأشياء عيب، وقد كنت أخجل أن أصرح أنّني سعيدة بوجود رجل في غرفة نومي عن طريق الإشهار، فاكتفيت بالرضا عن الحدث، ولم أكن أعرف أنّك تتابعين التّفاصيل.
لكنّ العجوز تقول أنّني خاطئة، وقمت بجريمة بحقّ الإنسانيّة. أفكّر الآن في كلام العجوز. انتهى مفعول الليلة الحمراء، وحلّ مكانها ليال سود حيث أن كلام المرأة العجوز فقط في ذاكرتي، لقد لبستني الخطيئة . أنظر في المرآة وأتّهم نفسي بالجريمة، تظهر الشّمس وأركض بين أشعّتها كالتائهة، ويحلّ الظلام فأحنّ إلى الرّجل، وأعطي لخاصرتي حقنة منوّمة فتغفو العجوز، لا تقوم بالنقر على الدّف، أتقلّب من الشوق، والانتظار أن يحلّ ذلك الصوت الحنون ثانية، وتمتلئ به فراغات الحياة.
. . .
في الصباح نستيقظ جميعاً إلا بعض الذين لا يحبون تجربة الحياة، لكن هذا الصباح الذي كنت أتحضّر للسير برفقته في الغابة حيث تمرّ أشعة الشّمس بين أوراق الأشجار العالية، ويهرب الغزلان من رائحة البشر، لكن شجاراً وقع بينهما منعني. أعني بين غضب الفتاة والمرأة المسنّة، وكلاهما تسكنان جسدي، إحداهما في ظهري والأخرى في خاصرتي.
الشّجار يدور حول الزواج حيث تطلب العجوز من غضب أن تتزوّج الشّاب الذي طلبها من أهلها كي تخفّف أعباء الحياة عنهم، فقد بلغت الثالثة عشرة من عمرها، ولا زالت تنتظر مسنّا غنيّاً يتزوجها لأنها لا تحبّ الفقر.
تصرخ غضب بالعجوز: عن أيّ أهل تتحدّثين؟ أنا بلا أهل. هل عائلة آل الفقير يصلحون كأهل، وهل تلك القبّة التي بنتها أمّي تصلح للحياة؟ لا . لا أرغب بشاب. أرغب بالطعام والشراب والسكن اللائق، والحياة.
تقول العجوز: هذا كلام فاجر. كأنّك لست في الثالثة عشر من عمرك. ربما تقمّصت جسد فتاة يافعة بينما أنت امرأة ساحرة أتيت إلى الدنيا كي تقضي عقوبتك في جسد إنسان .سوف أبسمل كي تظهر حقيقتك.
.
غضب الفتاة. هي حفيدة العجوز غضب، وقد كانت أيضاً السّابعة في ترتيب أسرتها. يا إلهي! التقى في جسدي غضبان. يتشاجران على مدار السّاعة.
وتضحك غضب الفتاة من جدّتها: بسملي يا غضب الكبرى، وليتك تخرجين مع بسملتك النّار كي تحرّقني. لا أرغب أن أكون مثلك. لماذا يا جدتي غسلت دماغك من الحياة؟ ما قيمة إن عشت خمسين، أو ستين عاماً، أو حتّى مئة عام. أنت تنظرين لس مثل نظرتك لغرض تالف عند آل الفقير، وكونهم فقراء فإنّ الأشياء لا تتلف لديهم إلا إذا لم تعد تصلح لشيء، وقد يرقعونها عدّة مرات. لماذا لا تموتين يا جدتي؟
آسفة يا جدتي غضب . لا تبكي. لم أقصد إيذائك. خرجت منّي في لحظة غضب.
-لا أبكي منك أيتها الغضب الذي حلّ علينا من السّماء. أبكي من ابني غضبان الفقير الذي أنجبك إلى الدنيا. فلتذهبا أنت وهو إلى الجحيم.



#نادية_خلوف (هاشتاغ)       Nadia_Khaloof#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اسمها غضب-1-
- اللعبة السياسية لا تهتم سوى باستغلال الحدث والمتاجرة به
- لا اندماج في الغرب إلا للقلّة المجتهدة
- متلازمات سورية
- زواج ملكي متعدّد الثقافات
- قصاقيص
- ترامب يحوّل الخسارة إلى نجاح
- الحبّ يصنع المعجزات
- نتحدّث كي لاننفجر
- ترامب وأنصاره يحاولون التّعجيل بنبؤءة هرمجدون
- يوم البيعة العربية لإسرائيل
- سجن الرّوح-الحلقة الأخيرة-
- الغرب غرب ولن يتحارب
- السّياسيون، ورجال الأعمال مخلوقات مستنقعيّة
- حملة مي تو تلاحق الأموات ، وتعرّف بعبقريّة الرّجال
- حرب تجارية بين ترامب وأوروبا تحت عنوان الملف النّووي ، فمن س ...
- سجن الرّوح-23-
- عصر سقوط النجوم
- سجن الرّوح 22
- من القصص الإنسانية


المزيد.....




- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نادية خلوف - إنّها غضب -2-