أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سليمان الهواري - عباس الفلسطيني .. بكل أسف _1_ // الهروب من -الأحواز- إلى الكويت














المزيد.....

عباس الفلسطيني .. بكل أسف _1_ // الهروب من -الأحواز- إلى الكويت


سليمان الهواري

الحوار المتمدن-العدد: 5852 - 2018 / 4 / 21 - 23:30
المحور: الادب والفن
    


حكايا من همس الذاكرة
***********************

ميناء "خرمشهر" يتراجع في الأفق وأضواء مناراته تتلاشى بينما سفينة الصيد المهترئة "عبادان" تستسلم لصدر بحر الخليج يبتلعها كما سمكة صغيرة بين فكي قرش لا يرحم .. صوت محركها يتحشرج كما لو أنه يصارع قوى الماء الرهيبة ولا وقت للخوف هنا وقد استقر العفاريت في اليابسة على الضفة الأخرى لبلاد فارس ..
عباس على سطح السفينة غارق في صمته بينما أمواج الشرود تأكل عقله وهو تائه بين المجهول الذي سيحمله الصباح القادم وسيل الذكريات الطرية التي تتزاحم في ذهنه ..
كان "عباس أصفهاني" لا يزال في سنته الجامعية الأولى حين داهمت الإضرابات الجامعات الإيرانية وانقلبت مدن " الأحواز" إلى ساحة مواجهة بين الجماهير الغاضبة وقوات "الشاهنشاه بهلوي" إمبراطور مملكة إيران الفارسية ..
كان اسم "عباس أصفهاني" على لوائح المطلوبين ل"السافاك" جهاز مخابرات الشاه .. ولم يعد ممكنا المكوث بالبيت وهو تحت عيون النظام ..
كثير من رفاق عباس تم اعتقالهم بتهمة الإنتماء للحزب الشيوعي الإيراني "تودة" لتختفي أخبارهم تماما بعد ذلك ..
عانى عباس الويلات في رحلة هروبه من شرطة الشاه وهو يتنقل بين معارفه الذين لم يكونوا أحسن حالا منه وخاصة عندما يعرفون أنه ملاحق من "السافاك" الذي تنتشر أساطير تعذيبه لمعارضي الحكم ، تغذي مسلسل الرعب لدى الشعب الإيراني الفقير ..
عباس يتذكر جيدا وجه أمه الباكي وهي تودعه بينما كانت تدس في يده سرّة صغيرة سيكتشف أنها تضم بضع آلاف "تومانات" لعلها تساعده في رحلة الهروب إلى الكويت .. لم يكن يعلم أنها آخر مرة يشم رائحة أمه قبل أن يلتهمه ظلام المجهول ..
نام عباس من شدة القهر والتعب وريح مياه الخليج تلفح جسده المكوم على سطح المركب جنب شِباك الصيادين .. عباس لم يكن نائما تماما ولم يكن مستيقظا تماما ..
لقد كان في حالة يعرفها المتعبون فقط ..
ومع أشعة الفجر الأولى كانت يد رئيس المركب توقظه من غفوته الطويلة ..
_ "قم يا عباس ، لقد وصلنا "
قفز عباس من مكانه ويده مثبتة على السرّة تحت حزامه ..
كانت آخر أضواء الليل تلوح من شاطئ قريب ..
_ " إنه ميناء "أم قصر" " .. قال أحد الصيادين ..
_ "اجمع أشياءك واستعد للنزول فبعد ربع ساعة سنصل أطراف الميناء حيث ينتظرك الشيخ " فاضل" الذي سيتكلف ببقية الرحلة ..
لا شيء يظهر على قسمات "عباس أصفهاني" فكل الأحاسيس غادرته من مدة .. لا الخوف يعتريه ولا الفرحة تجتاحه .. هو فقط يريد أن يطوي صفحة هذا الشيء الذي يسمى "جحيم الوطن" ..
الرحلة بين ميناء "أم قصر" والحضيرة التي رماه فيها الشيخ "فاضل" لم تتجاوز النصف ساعة .. وعباس لا يعرف أي شيء سوى أنه في إحدى مناطق محافظة "البصرة" العراقية ..
عباس لم يكن متدينا ومن سنوات لم يلتزم بطقوس الصلاة كما كان يأمره أبوه قبل أن يموت .. لكنه في هذه اللحظة تمنى لو يطير إلى ضريح "مقام الحسين" وهو الذي تشرب منذ الصغر أن "كربلاء" ملاذ كل مظلوم وحضن كل مضيوم .. تمنى لو يصلي فعلا و يبكي حتى يفرغ كل هذا القهر الذي يسكن صدره ..
كان هناك رجل أربعيني يجلس في ركن الغرفة الطويلة وجنبه يتمدد شابان سيعرف في الطريق أن أحدهما إبنه والثاني إبن أخيه وهم من بغداد .. كانت مخابرات "حزب البعث العراقي" وأجهزة "صدام حسين" تلاحقهم .. وقد تكفل وجوه الخير بإيصالهم إلى أيدي الشيخ "مرتضى" الذي قد يكون هو نفسه الشيخ "فاضل" ..
على الحدود يتساوى البشر ورؤوس الأغنام وأكياس الرز .. كلها مصنفات تجارية تنتهي بأصفار رقمية في جيوب مافيا المآسي الإنسانية ..
عملية المرور في منفذ "سفوان" المعبر البري الوحيد بين العراق والكويت لم تستغرق إلا وقت بعض عناق وضحكات تبادلها الشيخ "فاضل" وأحد ضباط الجمارك على الحدود ..
كان قلب عباس يكاد يتوقف من الخوف الآن وهو يختنق تحت أكياس البضائع المهربة مع رفاقه العراقيين في الصندوق الخلفي للشاحنة الفلاحية الصغيرة ..
لكن "الرشوة" سيدة القانون هنا ..
لم يعد مهما الآن أن يعرف عباس كم المسافة المتبقية إلى مدينة الكويت .. ولا توجد لغة كي تصف إحساسه وهو مقبل على كل هذا الذي لا يعرف عنه شيئا ..
منتصف الليل مرّ والشاحنة تفرغ بضاعتها في المخزن الخلفي لمقهى "فلسطين" وسط العاصمة الكويتية .. ومعها يتم إنزال عباس الذي سيتكلف به "حسن" أحد الشباب العاملين بالمقهى .. وبسرعة تخلو من أي إنسانية كان "حسن" يقود عباس إلى زاوية غرفة نصف مظلمة يسمع فيها شخير بعض رجال نائمين ..
فعلا إن النوم لا يستشير المرهقين ..
توسد عباس يده ثم نام ..



#سليمان_الهواري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- على أرصفة الحنين
- خروبية العينين
- على حافة الحرب أحبك
- يا امراء
- نكاية في الحرب
- العرّافة .. ليلة حْمدُوشيَة
- سروال حليمة
- سُبحان فلسطين
- أحبكِ .. ضِعفيْن
- حب .. شعر وخوف
- في اليوم العالمي للشعر ..
- يا أبانا
- على خطو زوربا سِرْ ..
- تتقنين الغوص في دمي
- عندما أجّلت ولادتي
- رسائل ام غسان -6-7-
- يارفيقتي في الجنون
- إنه الله أيها المؤمن البخيل ..
- كل شيء ينذر بالكارثة في الوطن العربي ؟؟
- توفيق بوعشرين .. لقد -طحنوه -


المزيد.....




- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سليمان الهواري - عباس الفلسطيني .. بكل أسف _1_ // الهروب من -الأحواز- إلى الكويت