أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أفنان القاسم - قمر الجزائر 2














المزيد.....

قمر الجزائر 2


أفنان القاسم

الحوار المتمدن-العدد: 5844 - 2018 / 4 / 13 - 14:29
المحور: الادب والفن
    



القسم الأول: الزمن الاشتراكي
الفصل الأول
عند المساء، تردد سعدي في الذهاب إلى دار حسيبة، وهو يفكر: "ربما من الأفضل أن أقلع عن ذلك". في الواقع، منذ بعض الوقت، لم يعد يحتمل كل تلك اللقاءات الليلية. كانا يلتقيان سرًا، وغدا الاختباء له هكذا أكثر فأكثر شيئًا لا يطاق. انتهى الأمر بما ليس متوقعًا في لقاءاتهما إلى فقدان السحر وقوة الإغراء، ولم يعد يبالي بكل هذا: لُعَبُ الإرجاء الأولى، الكلمات التي نرغب في نطقها ونُمْسِكُ عنها، الأحاديث التي تقودك إلى الأحاسيس اتفاقًا. سار بخطى ثقيلة، وهو يفكر في مشاعره التي كانت تموت. فكر في الموت. توقف تحت فانوس، وفكر في كل الذين ماتوا من أجل الوطن. بلا ثمن. ماتوا بلا ثمن. مجانًا. ماتوا كيلا يتركوا من ورائهم غير كل هذا الحزن الذي تَبْيَضُّ منه العينان. كان لدى سعدي إحساسُ من يشاهدُ أثرًا من آثار الموت.
توغل في طريق طويل يذهب به إلى القصبة، طريق مستقيم، كأنه الصراط الفاصل بين فردوسه وجحيمه. ماذا سيكون اختياره؟ الفردوس أم الجحيم؟ الجحيم أم الفردوس؟ أصابه الدوار. لم يكن يمكنه الاختيار على الإطلاق. كان أبوه يريده أن يكون قاسيًا، صارمًا، حاصل الكلام أن يكون رجلاً! لكنه هو، سعد، لم يكن يعتقد بذلك. حاول جاهدًا، غير أنه، في الحقيقة، كان يعلم كونه ضعيفًا، مترددًا، يُؤَثِّرُ فيه أي واحد. سيعلو القمر في كبد السماء، وسيستعد لهزم نفسه شر هزيمة. سيعاني آلامًا كبيرة، الضعفاء والجبناء وحدهم يعرفون احتمالها. أذهلته هذه الإمكانية. كان يسعى إلى حتفه. تَطَيَّرَ من مستقبله. فكر في حسيبة التي كانت تنتظره بفارغ الصبر كل مساء، كسفينة ترسو في الطين كانت تنتظره، وتجعله يسير على الماء حتى ميناء ضياعه.
في زقاق غرناطة، طوقته العتمة. كان يخاف من الظلام: ذُعْرُ طفولتِهِ الشديد المَرَضي. أبوه. دومًا وأبدًا. كان يخاف من الظلام لأنه لم يكن يعرف أمه، ولأن أباه كان يرغمه دومًا على إطفاء الضوء قبل النوم. "أنت لست امرأة، سعد!"، كان يقول له. "أنت رجل، وأنت لا تخاف من شيء، هل تسمعني، أيها الغائطي الصغير؟ أنت لا تخاف من شيء! من شيء!". كان يتخيل أباه غولاً مروعًا، غولاً أسود، أو شيئًا مشابهًا، غولاً يشبه الليل الأسود، ليلاً من تلك الليالي التي لا تتلألأ في جَلَدِها أية نجمة، فيغمض عينيه، ويبكي. "أنت لست خَرِعًا، يا وليدي، أليس كذلك؟ عُقْلَةُ الإصبع! أنت لست خَرِعًا، أنت لست خَرِعًا!". أخذ سعد يسير بسرعة، كما لو كان يهرب من الغول، من السواد، من الليل، وخطواته على البلاطات الرطبة دون صدى. توقف، وتأوه. حسيبة! يا لها من مجنونة! رَجُلُهَا، رَبُّهَا، عالمُهَا: كانت تتوهم أنني كل شيء لها! كانت مجنونة تمامًا! إلى مستشفى المجانين، حسيبة الصغيرة! منذ الوقت الذي توقفت فيه عن حب أبيها، تخيلت أنني رجل حياتها الأوحد. لا توجد إلا لأني أوجد، لأني هنا إلى جانبها، وتكفيها رضىً الساعات القليلة التي أقضيها معها. عالم بأكمله لعدة ساعات. مجنونة تمامًا أقول لكم. ومع ذلك، أنا لستُ من تظن. أنا لست إلهًا، يا بيت البغاء!
استدار ليطمئن على أن ظله يتبعه، لكنه كان بلا ظل. تساقط ضوء باهت، وأرهق الصمتُ المدينة. كان وحيدًا، وكان يقطع الظلام مع شعور بكونه رقيقًا. في تلك اللحظة، كان باستطاعة الموت وحده أن يحرره. كان في قلب القصبة، فأخذ يصرخ: "ليمت كل الموتى! أنا لا أريد أن أكون امرأة، أنا لا أريد!"
سَيُؤْثِرُ سعدي، لو يستطيع، ترك الموتى للموتى، فلا يفكر إلا في الهوى. الحب الذي يحلم به، الحب الحلو، الحب السحري، حب الحكايات العجيبة، حبُّ عُقْلَةِ الإصبع. الحب الذي يَفْتِنُ، والذي يجمح جموح الجواد. لكنه كان تعبًا. أمله الخداع. حسيبة، حسيب، حَس، مجنونته الصغيرة، حبه. كانت تنتظره لتلجأ إلى ذراعيه. لكن هو، ماذا كان يستطيع من أجلها؟ ماذا كان يستطيع؟ هو من كان يكظم غيظه، معطَّلاً برجولته، فهل تكون عواطفه إنقاذًا، وذراعاه من طين، هو من أُرْغِمَ على أن يغدو رجلاً؟ رجولته، كان يجرجرها ككرة المدانين. كانت تمنعه من أن يقول لحسيبة حاجته إليها، أو رغبته فيها. لم يعد يعرف، لم يعد يفرق. كان الإِصَيْبِع، الرجل رغمًا عنه، في حاجة إلى امرأته الصغيرة. "لا تنس. إذا أردت أن تكون رجلاً، إذا أردت أن تكون رجلاً...". فَكَّرَ في هذا الحب الذي يشيخ، الذي شاخ. مع ذلك، لم تكن حسيبة تعلم أن بإمكان الحب أن يموت يومًا. لم تكن تريد أن تعلم. كانت تريد فقط الاحتفاظ بِسَعْدِيِّها. كانت مستعدة لكل شيء. رجته، وطلبت منه الزواج بها، فرفض طبعًا. كان نِير الزواج له أسوأ من نِير الغرام. لم يكن يريد الاختناق. لم يكن يستطيع العيش من أجل هذا. لكن هذا لم يكن يقلقها، هي. كان في وسعها القبول بأقل شيء. إن وافق سعد على البقاء قليلاً قربها، اعتصمت بالصبر. كانت تريد الاحتفاظ به، الإمساك به. لها، قربها. لأنه كان هو، ولم يكن شخصًا آخر. لهذا تبقى في الليل هناك، وهي تمسكه من يده، وهي تنظر إليه. بلا كلل. كانت تخلع خمارها لأجله، وتُبدي وجهها. كانت تعلن تحبيذها إياه، بشكل طبيعي. شيء ضخم لامرأة من القصبة أن تستقبل الرجل الذي تحب في السَّنَى المتكبر لحرمانها. في النهار، يلزمها الاختباء من جديد، البقاء في السر، الاعتزال. خلف حجابها، تصبح المرأة عالمًا من المتعذر بلوغه. لكن في الليل، تَهِبُ كلَّ كيانِها قلبَ الرجلِ العاشق. المرأة هي العالم.





#أفنان_القاسم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قمر الجزائر 1
- حبيبتي إيران
- الملكة مارجو
- لبن العرب
- عسل اليهود
- فواكه الفرس
- إلى واشنطن
- من باريس
- في لندن
- بانتظار رد طهران... أربعة مواقف 5 وأخير
- بانتظار رد طهران... أربعة مواقف 4
- بانتظار رد طهران... أربعة مواقف 3
- بانتظار رد طهران... أربعة مواقف 2
- بانتظار رد طهران... أربعة مواقف 1
- أعلام العالم والسفراء
- خمس همسات في أذن حسن نصر الله
- ملفات قوس قزح
- إيران والشرق الأوسط الحديث النص الكامل
- إيران والشرق الأوسط الحديث الخاتمة
- إيران والشرق الأوسط الحديث المقدمة


المزيد.....




- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أفنان القاسم - قمر الجزائر 2