أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كامل السعدون - قصتان














المزيد.....

قصتان


كامل السعدون

الحوار المتمدن-العدد: 5831 - 2018 / 3 / 30 - 21:54
المحور: الادب والفن
    


بيركناو وحكاية أخرى

قصتان قصيرتان
كامل السعدون
-1-

دُهشَ القوم حين رأوا الرجل الغريب بذقنه الطويلة التي تكاد تبلغ ركبتيه ، وثيابه الرثّة ويديه وساقيه الوسختين. ذُهلوا إذ رأوه يُزاحم الجمع بوقاحة حاملا في كفه المسودّة من الوسخ عُملة عتيقة تعود لزمن غابرٍ ليس في الموجودين من يذكره.. ولا حتى عجائزهم...!
تجمعوا حوله بفضول.. هذا يقول هو مجنون... ذاك يقهقه.. تلك تمدٌ اصابعا لتلمس الثوب الكالح السواد من الوسخ.. يتفتت الثوب بين اناملها.. يزداد الجمع حوله.. نسوة وأطفال ومتطفلين لا حصر لعديدهم ...!
ينظر ببلاهة.. يحرك لسانه لينطق.. يعييه لسانه الجاف الملتصق عند الحلق...
يتعرق بكثافة ...تهب منه رائحة العطن ...رائحة لا أبشع منها ...اخيرا ينطقً.. يُهمهم بلغة غريبة على القوم ...مفردات تعود لزمن غابر.. تنعقد الحواجب بدهشة متنامية ...!
-ماذا يقول الرجل؟
-رباه.. تلك كلمات عتيقة جدا، تعود لمئات السنين.." همهم شيخٌ لرفيقه في طابور الخبز".
يتلفت الرجل.. يجتهد في أن يخرج من الجمع.. يفسحون له مخرجاً هربا من رائحته القميئة.. يتطلع فيهم للمرة الأخيرة، يشد عضل ساقيه بقوة و...يهرول... وخلفه جمعٌ من الأطفال يرفلون بثياب العافية وعيون تتوقد...!
-اين الخبز واللحم الحلال المبارك..." يهتف به أكثر من صوت وفيهم من يهرّ بلسانٍ طويل متدلٍ".
ينظر لرفاقه بعين كسيرة ...يدمدم بأنفاس متقطعة ..." لقد انتهينا ...".
في ثوان... ليس إلا ثوان ...ثوانٍ من كينونة مكثفة ...وعي مكثف لحقيقة قاسية لا رحمة فيها تتفتت الأجساد ...وينهار الكهف على قاطنيه ...!
وتُشرق الشمس...!

-2-
بيركناو

اغتصاب ...اغتصاب ...إنهم يغتصبون العذارى ... الملاعين ...الذين مسخهم الرحمن (إلهنا) قردة وخنازير...يهمس هذا (وهو يجر الصبية المتشحة بالسواد) لرفيقه الذي يسوق نعجتين وصبيتين يتشحن َّبذات السواد.
لا عليكم سنعود بعد أن تأتي الجيوش ال...لتطرد الغزاة ...اقبضوا على جمر المفاتيح باليد فما هي إلا أيام ونعود.
-نعم أمة لا إله إلا الله ستكتسح الغزاة وتعيدنا إلى الديار...وشرفنا مصان " هتف آخر وهو يحدج بشراسة بتلك النعجة البلهاء التي لا تكف عن خرق عذرية انفها بأصبع وسخٍ أسود.
الملاعين ...الخنازير.. القردة.. أعداء الرب.. ربنا الرحيم.. العليم...!
تهرول الحشود صوب الحدود...حدود الأرض ناجية بشرفِ جسدٍ مُصانّ..!
في مكان آخر قصي كانوا يُشحنون بالقطارات العتيقة كما الخرفان ... اكداس من اللحم البشري لنساء وشيوخ وأطفال، بملابسهم الرثة، شفاههم المتقرحة وعيونهم البلهاء بنظراتها التائهة... تدوس احذية الجند اللامعة على اكف الأطفال وظهور العجائز لتمر من عربة الى أخرى.
تُغلقْ الأبواب المعدنية الثقيلة من الخارج ويهتف الضابط بالسائق ومساعده.
- إلى بيركناو.
-ماذا سيفعلون بنا؟ " تسأل صبيةٌ أباها الشيخ القابض بقوة على كفها كما لو أنه يلتقط طاقة حياة من تلك الكف الصغيرة السمراء"
-ربما سنُسخرّ لخدمة مجهودهم الحربي ..في منجم أوغابة أو مصنع اسلحة...!
- وهل سنأكل يا ابي..و..نشرب وننام..!
-أكيد " قالها بلسان مضطرب متعثر" وإلا من اين لنا الطاقة على الإنتاج إن لم نأكل ونشرب وننام؟
بدا على وجه الصبية القلق بعض الطمأنينة ..أما هو ..فكان لسان حال عقله التائه يمضغ أسوأ الخيارات..." افران الغاز..".
- لو إن أجدادنا قاوموا التيه ولم يخرجوا لما كنّا الآن هنا " همس شيخ آخر في أذن صاحبه".
- لو ...!" نطقها الثاني باستهانة وهو يغتصب ابتسامة مرتعشة..." وعقبّ" لقد فات الأوان يا صاحبي.. فات منذ زمن بعيد وعلينا نحن البؤساء أن ندفع الثمن ".
كما عدوى الخوف أو الإشاعة أو المرض.. وكما النار في الهشيم، سرتْ في الرؤوس وعلى الشفاه المتقرحة المرتجفة ذات الفكرة ...بذات الكلمات .
الليل يكلكل بأستاره على الأنحاء في الخارج كما الداخل حيث العتمة والظلام والوجوه الكسيرة والعيون التي تلتمع ربما لآخر مرّة.
يدنو ويدنو ويصفر وهو يوشك أن يخترق البوابات الكبيرة لمجمع آوشفيتز الرهيب.
-لو كُنّا هناك.. لو إن اجدادنا تشبثوا بالأرض ولم يخرجوا..!
لو...لو..لو...!










#كامل_السعدون (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شيخوخة - قصة قصيرة
- وتعود مصر كما عودتنا ...كبيرة بحجمها .. بقلبها .. بروحها و . ...
- هل لدينا حقا تيار وطني وديموقراطي؟
- الى الإسرائيلي الكريم .. إسرائيل هي من اوصلت الأمور الى هذا ...
- الى الإسرائيلي الكريم .. إسرائيل هي من اوصلت الأمور الى هذا ...
- رحبوا بالتحالف الجديد واذهبوا إلى خانة المعارضة
- الأرض بتتكلم فارسي
- العراق .. هذا العليل المشاغب
- تفضلوا للرضاعة يرحمكم الله !!
- امريكا .. إيران .. إسرائيل ... إنهم حلفاء فأحذروهم
- العرب في مطار اربيل .. هذا هو البديل الأمريكي الإسرائيلي يا ...
- ثياب الإمبراطور الجديدة
- إذا نطق الحذاء فصدقوه .. فخير القول ما قال الحذاء ..!
- عن الحذاء ( قُدس سرّه الشريف )
- هذا حذاء بألف عمامة
- إتفاقية الإنتداب الجديد – اين حق الشعب بالتعويض والإعتذار ؟
- الإتفاقية ..جاءت لمن ومن المستفيد حقا وصدقا ..!
- بركات الحسين .. إحتلال .. بركات الرضا .. رقائق بطاطس حلال
- عن الخوف الذي كتب دستور شعب مستباح
- جهود السيستاني الأريب في نشر المذهب الحبيب


المزيد.....




- فرقة موسيقية بريطانية تقود حملة تضامن مع الفنانين المناهضين ...
- مسرح تمارا السعدي يسلّط الضوء على أطفال الرعاية الاجتماعية ف ...
- الأكاديمي العراقي عبد الصاحب مهدي علي: ترجمة الشعر إبداع يوط ...
- دراسة تنصح بعزف الموسيقى للوقاية من الشيخوخة المعرفية.. كيف؟ ...
- كتّاب وأدباء يوثقون الإبادة في غزة بطريقتهم الخاصة
- حين أكل الهولنديون -رئيس وزرائهم-.. القصة المروّعة ليوهان دي ...
- تكريم الإبداع والنهضة الثقافية بإطلاق جائزة الشيخ يوسف بن عي ...
- أهمية الروايات والوثائق التاريخية في حفظ الموروث المقدسي
- -خطر على الفن المصري-.. أشرف زكي يجدد رفضه مشاركة المؤثرين ف ...
- هل يحب أطفالك الحيوانات؟ أفلام عائلية أبطالها الرئيسيين ليسو ...


المزيد.....

- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كامل السعدون - قصتان