أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد بن زكري - نحو أنسنة العلاقة بين المرأة و الرجل















المزيد.....

نحو أنسنة العلاقة بين المرأة و الرجل


محمد بن زكري

الحوار المتمدن-العدد: 5810 - 2018 / 3 / 9 - 17:54
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


منذ أن فقدت المرأة صفتها الألوهية البدئية ، قبل نحو أربعة آلاف عام ، حيث أنزلها الرجل مِن على عرشها ، الذي كانت متربعة فوقه كربة معبودة ، و ذلك نتيجة لتغير شكل المِلكية والعلاقات الاجتماعية ، ليحل محلها رمزيا .. كإله ذكر ؛ صار هو من يمتلك سلطة التشريع ، وفرْضِها على الواقع باسم المقدس ، غير القابل للطعن على ما يقرره ، مما لا يأتيه الباطل من بين يديه أو من خلفه ! .
و بِسطْو القبائل العبرانية البدوية على التراث الديني لحضارات الشعوب الشرق أوسطية القديمة ، و بخاصة البابليين و الآشوريين والكنعانيين ؛ اقتبس كتبة التوراة من حضارات تلك الشعوب - بصورة انتقائية - الجانب المذكر من أساطيرها الدينية متعددة الآلهة ، و حوّروها إلى ديانة توحيدية ذكوريّة بَدويّة ، نصّبوا لها إلهاً ذَكراً أسموه (يهوه) ؛ حيث تمثلت في التعاليم المنسوبة إليه ، أقصى صور كراهية الأنثى ، و احتقار كينونتها الإنسانية ، و تبخيس قيمتها الذاتية ، و تتفيه دورها الاجتماعي .
و في سياق سيرورة المعطيات التاريخية لتطور الظاهرة الدينية ، انتقل ذلك الموقف التوراتي المتوتر من المرأة ، ليشكل مجمل النظرة المناوئة للنساء ، لدى إله قبيلة قريش الذكَر ، الذي ما كان له ، بحكم طبيعته الذكورية الأبوية ، إلا أن يكون منحازا بصورة مطلقة إلى جانب الرجل ضد المرأة ؛ ومن ثم فقد كان لابد - مثلا - من أن ينص في منظومته التشريعية ، على تعدد الزوجات و مِلك اليمين من الجواري و السراري ، و لا ننسى أن النبي الملك ديفد ، كانت له تسع وتسعون امرأة ، و أن ابنه النبي الملك شلومو ، كانت له ألف زوجة و سَريّة ، وفقا لأسفار التوراة في كتاب العهد القديم .
فلماذا الله لا يحب النساء ؟!
الحقيقة أن الطابع العُصابي المسيطر على نظرة الإله الذكر إلى الأنثى ، كما يبدو فيما تنوء به الأديان من حمولة الموقف العدائي تجاه النساء ؛ إنما يعكس خوفَ الرجل ورعبَه الشديد من الإمكانات الطبيعية (البيولوجية والفسيولوجية) للمرأة ، و شعوره الكامن بالقصور ، جرّاء طاقتها الحيوية الايروسية الكبيرة ، وما تتوفر عليه (طبيعيا) من الطاقة الجنسية المتجددة ، التي يعرف جيدا أنها تفوق و تتجاوز كثيرا إمكانات طاقته المحدودة ، و أن الطبيعة قد زودتها بخاصية الوصول إلى الأورجازم مرارا عديدة في الممارسة الواحدة للعلاقة الحميمة ، في حين ليس بإمكانه الوصول إلا مرة واحدة - غالبا - في الممارسة الواحدة ، ويكون بعدها الانطفاء إلى حين ، خاصة مع ما للكبت من تأثير مثبط ، فضلا عن فقر الثقافة الجنسية التي ترفع من كفاءة الأداء .
و بذلك تتكون لدى الرجل حالة رعب شديدة من أن تكتشف المرأة تلك الحقيقة (الطبيعية) ، فتسعى إلى التعويض عند غيره ، طلبا للإشباع ؛ الأمر الذي يعتبر استفزازا له ، و مساسا بكرامته ، و انتقاصا من قدره و قدرته ، انتهاءً إلى (خطر) اختلاط نَسبه . ولذا فقد كان لابد من لجم الأنثى ، والسيطرة على جسدها وعقلها وروحها ، باسم المقدس . وكان لابد من تبرير ذلك بان المرأة هي المسؤولة عن (الخطيئة الأولى) ، وهي سبب كل شقاء البشرية ، وعليها أن ترضى بالعقوبة الربانية ، التي تجعل منها كائنا بشريا مستلبا ، خاضعا للرجل و في خدمته ، على المستويات كافة .
و من ثم عمد الكهنة (الذكور) منذ آلاف السنين ، إلى فبركة كل تلك التصورات التبخيسية لقيمة المرأة ، و تتفيه عقلها ، و تنجيس كل ما يتصل بها كأنثى ، مع وضع كل تلك القيود على حركة جسدها ، و شيطنة تعبيراته الطبيعية ، باسم الإله (الذكر) ، كما عمد الفقهاء - في كل الديانات - إلى فبركة خرافات خلق الأنثى و الشجرة المحرمة و الغواية الشيطانية ، و ما إليها من هلاوس عذاب الآخرة ، من قبيل أن " النساء هن أكثر أهل النار " ، و ذلك ضمانا لقمع نزوع المرأة إلى تأكيد ذاتها و تحرير إرادتها ، بإرجاع الأمر إلى مشيئة الرب ، الذي يعاني من حساسية مفرطة تجاه النساء !
فما كل تلك الخزعبلات الدينية عن نقص المرأة (الوهمي) ، إلا أواليات دفاعية ، للحفاظ على التوازن الداخلي للرجل ، و تعويضا له عما يستبطنه من شعور بالنقص (الحقيقي) . و الواقع هو أن الرجل كائن بشري هش ، قياسا إلى قوة المرأة ؛ وفقا لما أثبتته الدراسات الجينية ، بشكل قطعي . و ما كل هذه الأفكار السائدة عن فاعلية الرجل و قصور المرأة ، إلا نتاج ثقافي ذكوري ، ترسخ بمرجعية التراث الأسطوري ، الذي تناقلته الأديان الذكورية عن بعضها ، حتى انتهى إلى النسخة الأخيرة من ثلاثية الديانة العبرانية .
هذا .. على أنه إذا سلمنا بأن التجدد ، هو قانون - أو سُنّة - الحياة ، ارتقاءً من الراهن إلى ما هو أفضل منه و أرفع و أجمل ، و أن التغير هو قانون طبيعي ، يتجاوز بمفاعيله الأشياء ، لينسحب على أنماط التفكير ؛ من حيث إن المفاهيم و القيم ، تتغير من زمن إلى زمن ، و من مكان إلى مكان ، و من بيئة اجتماعية إلى أخرى في ذات الزمان و المكان ، كبنيات ثقافية ، رغم أن التغير في البنية الثقافية بطيء جدا و غير ملحوظ ؛ فلا بد إذن من التسليم بأن العلاقات الاجتماعية كافة محكومة بنفس القانون ، الأمر الذي ينسحب على العلاقة الإنسانية بين عنصري النوع البشري : الرجل و المرأة .
و بهذا المنظور ، تبدو الحاجة ماسة إلى أنسنة العلاقة الزوجية ، و الارتقاء بها إلى شكل حداثي متقدم حضاريا و أخلاقيا ، و أكثر إنسانية و حميمية ؛ ذلك أن الزواج التقليدي الحالي ، لا يخرج عن كونه علاقة اجتماعية غير متكافئة الطرفين ، فهو علاقة تراتبية في سياق ثنائية : الأعلى - الأدنى ، السيد - الخادمة ، بحيث يبدو أقرب إلى كونه علاقة دعارة ، مشرعنة اجتماعيا ، على خلفية دينية ، للاستغلال الجنسي ، مدفوع الأجر ، في صورة مهر و إعاشة و كساء و إيواء ؛ فحيث لا يكون التكافؤ ، و من ثم لا يكون الانسجام العاطفي ، و الفهم و الاحترام المتبادلين ، يكون الحديث عن كرامة المرأة و حريتها و احترامها ، في إطار النمط الحالي من علاقة الزواج ، هو مجرد لغو أجوف .
و هنا لابد من الإشارة إلى أن نظام الزواج التقليدي (الحالي) ، و العلاقات الزوجية المترتبة عليه ، هو نظام ظالم غير متوازن و غير متكافئ الطرفين حقوقيا ، بحكم ارتباطه قيميا بمنظومة الثقافة الذكورية السائدة . وهو في واقع الممارسة العملية ، نظام اجتماعي مُستنفَذ الصلاحية ، و لم يعد - كمؤسسة اجتماعية - مؤهلا للاستمرار ، بدليل تنامي ظاهرة الطلاق ، وارتفاع مؤشره بين كل الفئات العمرية ، و خاصة بين الشباب .
و كأي نظام اجتماعي - أو ظاهرة اجتماعية - محكوم في تطوره بقانون التناقض ، فإن نظام الزواج التقليدي الحالي ، صائر إلى التلاشي تدريجيا ، ليحل محله نظام علاقة زوجية من نوع جديد ، يقوم على أساس اتفاق إرادة و رغبة طرفين متساويين متكافئين ، تجمع بينهما أرضية واسعة من القناعات الحضارية المشتركة ، المتجاوزة للثقافات و الأعراف و العقائد الدينية الراهنة ، التي هي ليست سوى منتج بشري ذكوري تاريخاني ، ليحققا من خلال علاقة التواصل بينهما ، اتحادا وجوديا لذاتين مستقلتين في ذات واحدة ، لإثراء التجربة الإنسانية المشتركة و الإشباع المتبادل ، وجدانيا ونفسيا وعقليا وجسديا . و هو نظام يستمد مشروعيته من اتفاق إرادة و رغبة طرفي العلاقة ، ويكتسب صفة الاستمرار أو الانتهاء ، من مدى استمرار أو انتهاء حرارة وحيوية العلاقة الإنسانية الحميمة ، أو فلنقل مِن مدى نشاط موجة البث والتواصل الكيميائي - النفسي بين الطرفين .
و ليس من شك في أن الزواج ، سيكون له مفهوم اجتماعي - ثقافي مختلف ، و مرتبة مختلفة في سلم القيم ، لإنسان الأزمنة القادمة . بما هو الزواج تلك العلاقة الإنسانية .. الحرة .. التي تنشأ بين إنسانين ناضجين واعيين ، بمحض اختيارهما الحر ، تأسيسا على قاعدة : التناغم العاطفي ، والتقارب أو التطابق الفكري ، والقبول والارتياح النفسي ، والتكافؤ الحقوقي ، و التفاهمات و القناعات المشتركة ؛ بعيدا عن تأثير كل الإملاءات و الإكراهات الخارجية ، وبالقطيعة التامة مع موروث الثقافة الذكورية . و الأذكياء المتميزون - الرؤيويون - الذين يتمتعون بالجرأة و الاستقلالية ، هم وحدهم المؤهلون (ذاتيا) لأن يعيشوا اليوم علاقة الزواج الراقية تلك ، بأبعادها الوجدانية و النفسية و الروحية و الجسدية ، التي سيكون الآخرون على مقربة منها ، ذات زمن قادم ، قد لا تبدو مقدماته ظاهرة في المدى المنظور .



#محمد_بن_زكري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التأنيث و المنفى
- البربر / إمازيغن هم الأحفاد المباشرون ل (كرو – ماجنون) *
- الشعوبية ، نزعة عنصرية أم حركة تحررية
- نظرية المؤامرة
- عندما يصبح اللقّاق و النصّاب و النشّال حكاما
- شمولية التحرر استجابةً لتحدي شمولية الاستبداد
- دعوة إلى ثورة شعبية / اجتماعية ، يدعمها الجيش الوطني
- نانّا تالا
- التمييز (العنصري) في المجتمع الليبي
- السلفية .. أيديولوجيا التشرنق في الماضي التعيس
- فاضت كؤوسُها فكفّ الشرِّ أو الطوفان
- ليبيا تغرق في البحر الميت
- لماذا و إلى أين حربهم التاريخية على المرأة ؟
- هوغو تشافيز و أضاليل الليبراليين الجدد
- انتهت اللعبة ، فلماذا لا يرحلون ؟!
- هوامش على الأحداث الليبية
- قد تكون المرأة أشد ذكورية
- الحج إلى (إله الشمس) في عرفة
- الصيام عن كل ما هو جميل و نبيل
- الصيام عبادة عابرة للديانات


المزيد.....




- هل انتهى «العد التنازلي لزوال إسرائيل»؟ فرانس24 تتحق
- الناتو يرسم مستقبل الامن الجماعي في لاهاي
- ويتكوف يأمل باتفاق سلام مع إيران وماكرون يدعوها للتعاون مع و ...
- إيران تعيد فتح مجالها الجوي جزئيا بعد وقف إطلاق النار مع إسر ...
- -أمريكا ستنقذه-.. ترامب مدافعًا عن نتنياهو وسط محاكمته بتهمة ...
- مقتل عدة أشخاص خلال هجمات للمستوطنين الإسرائيليين بالضفة الغ ...
- خبراء: عملية خان يونس أكبر مقتلة للإسرائيليين هذا العام وأقس ...
- إنفوغراف: قتلى وجرحى الاحتلال الذين سقطوا في غزة خلال يونيو ...
- وزراء إسرائيليون يقرون بالفشل في غزة ومسؤولون بالائتلاف يدعو ...
- ترامب: أميركا أنقذت إسرائيل والآن ستنقذ نتنياهو من المحاكمة ...


المزيد.....

- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد بن زكري - نحو أنسنة العلاقة بين المرأة و الرجل