أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمد بن زكري - الشعوبية ، نزعة عنصرية أم حركة تحررية















المزيد.....

الشعوبية ، نزعة عنصرية أم حركة تحررية


محمد بن زكري

الحوار المتمدن-العدد: 5777 - 2018 / 2 / 4 - 23:44
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


كما نحت الفكر العنصري العبريّ ، ذي البعد الأسطوري الديني الاستعلائي ، مصطلح (الغوييم) أي الأغيار .. الذين هم جميعا أدنى درجة من اليهود ، ليطلقه على كل أبناء الشعوب الأخرى ؛ انطلاقا من فكرة أن اليهود هم شعب الله المختار ، وأن الأغيار (الغوييم) ، ما أوجدهم رب اليهود الخصوصي (يهوه) ، إلا ليكونوا عبيدا في خدمة (الشعب) اليهودي المقدس ، الذي حل بينه الله و حلت في أنبيائه روح الله .

فكذلك نحت العقل العنصري العربيّ ، المثقل تاريخيا بالعصبية القبلية ، مصطلح (الشعوبية) ، ليطلقه على كل أبناء الشعوب الأخرى ، المحمولة بالسيف على التحول إلى دين قبيلة قريش الإسلام ؛ انطلاقا من فكرة أن العرب هم أيضا شعب الله المختار لحمل (الرسالة) الإلهية ، في نسختها الأخيرة الخاتمة ، و أنهم – كأي غالب – هم الأسياد و الحكام ، و أن الآخرين – كأي مغلوب – ليسوا غير موالي .. أي عبيد و أتباع و (أهالي) ، و ليس لهم غير الخضوع أو الموت .

وتخبرنا كتب التاريخ ، أنه عندما غزا الماريشال عمرو بن العاص (برقة) في ليبيا بين سنتي 642/643 م 21/22هـ ، استكتب أهلها الأمازيغ (إمازيغن) صكا ، فرض عليهم فيه - كما يقول ابن خلدون ، ويوافقه كثير من المؤرخين - دفعَ جزيةٍ ، قدرها 13 ثلاثة عشر ألف دينار فرعوني (كأن تقول اليوم 130 مليون دولار) ، يؤدونها إليه سنويا " عن يدٍ وهم صاغرون " ، في مقر حُكمه بالإسكندرية ، مشترطا عليهم في كتاب الصلح ، تحت ظلال السيوف ، أن " يبيعوا أبناءهم و بناتهم ، لسداد ما عليهم من الجزية " .
و في مسلسل حروب التوسع الامبراطوري العربي في بلاد شمال أفريقيا ، أرسل والي مصر عمرو بن العاص ، ابن خالته الجنرال عقبة بن نافع ، لغزو (زويلة) في الجنوب الليبي ، فأعمل السيف في أهلها الأمازيغ (كما يقول البكري في المسالك والممالك) حتي استسلمت ، وفرض عليهم جزية 300 رأسا من الرقيق سنويا . كما أرسل السفاح بُسر بن أرطأة لغزو (ودان) ، فباغت أهلها الأمازيغ في ديارهم ، و هم الآمنون المسالمون ، و أوقع فيهم مذبحة ، انتهت إلى فرض جزية 360 رأسا من الرقيق سنويا .

وفي عهد الإمبراطور معاوية بن أبي سفيان ، تم تكليف الجنرال عقبة بن نافع بغزو (ودان) مرة أخرى ، فأعمل القتل في أهلها الأمازيغ .. جرّاء تخلفهم عن أداء جزية الرقيق ، وقبض على صاحبها (ملكها) ، فقطع أذنه قائلا له : " هذا حتى إذا تحسستَ أذنك تذكرتَ العرب ، فلا تحاربهم " ، ثم سار إلى (جرما) وفرض على أهلها الأمازيغ دفع جزية 360 رأسا من الرقيق سنويا ، وتقدم بعدها إلى (كفرا) ففرض على أهلها الأمازيغ نفس الجزية من الرقيق 360 رأسا سنويا ، و أمر بقطع إصبع ملكها ، الذي سأله : لماذا تفعل بي هذا وقد عاهدتني ؟ فأجابه عقبة : " هذا حتى إذا تطلعتَ إلى إصبعك ، تذكرتَ العرب ، فلا تعود لمحاربتهم " .

أما عن غزو العرب لطرابلس ، فيقول ابن عبد الحكم (في كتابه فتوح مصر والمغرب) ، إن العرب قد أعملوا سيوفهم في رقاب أهلها الأمازيغ ، وغنموا كل ما فيها ، وتقاسموه فيما بينهم . و يقول الإدريسي في كتابه نزهة المشتاق : " إن مدينة طرابلس ، كانت متصلة العمارات من جميع جهاتها ، كثيرة شجر الزيتون والتين ، و بها فواكه جمة ؛ إلا أن العرب أضرّت بها و بما حولها ، و أجْلَت أهلها ، و أخْلَت بواديها ، وغيّرت أحوالها ، وأبادت أشجارها ، و غوّرت مياهها " . وهو نفس ما فعلوه بمدينة (شَرْوَس) إحدى عاصمتي جبل نفوسا (العاصمة الأخرى هي جادو) ، و كانت حول شَرْوَس 300 قرية ، جلا عنها أهلها ، و تحولت بعد الغزو إلى أثر بعد عين ، فليس في مكانها اليوم إلا بقايا من خرائب و أكوام من الحجارة ، و هو نفس مصير مدينة (زْواغا) على الساحل الغربي لليبيا ، فقد مُحيت من الوجود ، منذ ذلك التاريخ ، و لم يبق غير اسمها و مكانها على الخارطة .

نخلص من هذا السرد الموجز إلى أن ما كان يسمى عند العرب بـ (الشعوبية) ، لم يكن في حقيقة الأمر غير ردة الفعل القومية لشعوب البلدان المغزوّة ، التي تمت أسلمة أهلها ، إبادةً ثقافية ، و إخضاعا و إجبارا عسكريا بقوة السلاح ؛ و ذلك في مواجهة ممارسات الغزاة العرب التسلطية والاستعلائية ، بحق من سموهم بـ (الموالي) أي الأتباع الأدنى درجة من العرب ، تماما كما كان أبناء عمومتهم العبريون ، قد سموا أبناء الشعوب الأخرى بـ (الغوييم) أي الأغيار الأدنى درجة من اليهود .

فمن جانب شعوب البلدان المغزوّة و المفتوحة ، كبلاد فارس و العراق و الهند و الشام و مصر و شمال أفريقيا (ليبيا التاريخية) ، اعتبروا أنهم أصحاب حضارات عريقة و مدنيات راقية ، لا يملك العرب أي حظ منها ، و من ثم فقد رأوا في العرب مجرد بدو أجلاف ، لا يجيدون غير الإغارة و الاحتكام للسيف ، طلبا للغنائم ، فهم بذلك فاقدون لأهلية ولاية الأمر - بعد استقرار الإسلام في تلك الأوطان - بما يتطلبه الحكم ، من تراكم الموروث الحضاري ، في سياسة المُلك وإدارة شؤون البلاد والعباد .

أما من جانب العرب المنتصرين في حروب الغزو ، و المنتشين بالنصر ، و المزهوين به إلى حد التناقض مع مبدأ المساواة بين المسلمين ، فهم كانوا قد ذهبوا إلى تمييز أنفسهم عن أبناء شعوب البلاد المغزوّة و المحتلة . على اعتبار أنهم (أسياد) و أشراف ، و اعتبار أهل البلاد الأصليين (موالي) و عامة و أهالي . و من ثم فإنهم كغزاة عرب - منتصرين - هم أصحاب الحق الحصري المكتسب في السلطة و تقرير الأمور في دولة الخلافة الإسلامية ، و ليس للآخرين - المهزومين - غير الخضوع و الطاعة و إبداء الولاء للأسياد العرب - الغزاة الغالبين - و إلا فإنهم متمردون ، شقوا عصا الطاعة على الحكام ولاة الأمر من العرب ، في الشام أو في بغداد . ومن ثم فهم شعوب آبقة (شعوبيون) ، متمردة ضد حق السيادة العربية ، فاستحقوا التنديد المعنوي والتنكيل المادي ، بتهمة (الشعوبية) .

ولقد كان ذلك من أهم ما أدى في ليبيا التاريخية (شمال أفريقيا) ، ضمن جملة من العوامل الأخرى ، إلى تحوّل الكثير من السكان الأصليين (الأمازيغ) ، إلى ادعاء الانتساب للعرب و التعرّب اللغوي ، حتى إن ابن خلدون قال عن بني يفرن وهوّارا : " وقد تبدّوا معهم - أي صاروا بدوا مع العرب - ونسوا رطانة الأعاجم ، وتكلموا بلغات العرب " . وقال يصف تحول هوّارا من التحضر إلى البداوة ، في موضع آخر من كتابه العِبَر : " صاروا في عداد الناجعة من عرب بني سليم ، في اللغة و الزي و سُكنى الخيام و ركوب الخيل و كسب الإبل و ممارسة الحروب و إيلاف الرحلتين في الشتاء و الصيف ، في تلولهم ، وقد نسوا رطانة البربر ، واستبدلوا منها بفصاحة العرب ، فلا يكاد يُفرّق بينهم " .

و هكذا ، فلم يكن أمام السكان الأصليين (الأمازيغ) ، غير التماهي مع الغزاة العرب ، و تَمَثّل ثقافة العرب (حتى لو كانت ثقافة صحراوية بدوية) ، و فقدان هويتهم الحضرية القومية الأصيلة ، أو رفض الذوبان في الآخر و التمسك بما تيسر من مقومات الشخصية الوطنية ، متمثلة في جملة من العناصر الثقافية الأصيلة ، كاللغة بالدرجة الأولى ، ثم الأزياء و العادات و أساليب العيش ، التي تميزهم كشعب مختلف عن العرب ؛ و ذلك دفاعا عن الذات في مواجهة ممارسات الإلغاء التعريبي ، تحت شعار ذرائعي أجوف ، هو وحدة الأمة الإسلامية .
فالشعوبية إذن لم تكن ، بواقع الأمر ، في الممارسة الحينية - النصف الثاني من القرن الهجري الأول - لشعوب الأوطان المغزوّة ، غير حركة استقلال وطني ، و لم تكن بحينها في الفكر (الذرائعي الرسمي) العربي ، غير مصطلح سياسي ، يحيل إلى ما نسميه اليوم : وطنية أو قومية .
أما و نحن نعيش أحداث و حداثة القرن الواحد و العشرين ، بما تطرحه من تحولات تاريخية عميقة ، و بما يستجد فيها تباعا و بوتائر متسارعة ، من منجزات ثورة الاتصالات ، و حرية تدفق المعلومات ، و تراكم المعرفة العلمية و معطيات الاكتشافات الأركيولوجية . و في سياق إعادة صياغة قصة الحضارة البشرية ، و إعادة كتابة تاريخ الأمم و الشعوب ؛ فإن أي حراك ثقافي أو اجتماعي ، لاستعادة هوية الشخصية الليبية (الأمازيغية) العريقة ، لشعوب منطقة شمال أفريقيا ، متمثلة في عنصرها اللغوي و ميراثها الثقافي ، هو - اليوم - حراك وطني تحرريّ ، و مشروع إحياء حضاري ، جدير بالاحترام والدعم ؛ ما دام تعبيرا عن الانتماء للوطن ، والاعتزاز بتاريخه الحضاري العريق ، وما دام - خلافا لما يفعله العروبيون - لم يجنح بنشطاء الحق الأمازيغي ، إلى التطرف و الشوفينية و إلغاء الآخر .



#محمد_بن_زكري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نظرية المؤامرة
- عندما يصبح اللقّاق و النصّاب و النشّال حكاما
- شمولية التحرر استجابةً لتحدي شمولية الاستبداد
- دعوة إلى ثورة شعبية / اجتماعية ، يدعمها الجيش الوطني
- نانّا تالا
- التمييز (العنصري) في المجتمع الليبي
- السلفية .. أيديولوجيا التشرنق في الماضي التعيس
- فاضت كؤوسُها فكفّ الشرِّ أو الطوفان
- ليبيا تغرق في البحر الميت
- لماذا و إلى أين حربهم التاريخية على المرأة ؟
- هوغو تشافيز و أضاليل الليبراليين الجدد
- انتهت اللعبة ، فلماذا لا يرحلون ؟!
- هوامش على الأحداث الليبية
- قد تكون المرأة أشد ذكورية
- الحج إلى (إله الشمس) في عرفة
- الصيام عن كل ما هو جميل و نبيل
- الصيام عبادة عابرة للديانات
- هل نسيتم - وين الناتو ؟ - يا ثوار الناتو ؟!
- إبن رشد (Averroes) و ولّادة وإيزابيلا
- البروتستانت الإنجليز و (البروتستانت) الأعراب


المزيد.....




- بعد 12 يوما من الحرب بين إسرائيل وإيران.. من المنتصر؟
- ويتكوف يعلق على تسريب التقييم الاستخباراتي السري لحالة المنش ...
- مقتل 7 جنود إسرائيليين في جنوب قطاع غزة
- هل دمرت الضربات الأمريكية المواقع النووية في إيران؟ ترامب يؤ ...
- اكتشاف نوع جديد من القوارض في البيرو يؤكد تنوع جبال الأنديز ...
- الجيش الإسرائيلي.. حديث عن إخفاق في غزة وإنجاز بإيران
- شاهد.. سرايا القدس تقنص جنديا إسرائيليا شرقي الشجاعية
- مسلم يفوز بالانتخابات التمهيدية لرئاسة بلدية نيويورك
- أردوغان يرحب بهدنة إيران وإسرائيل ويدعو إلى -حوار وثيق- مع ت ...
- الكونغرس يجهض تحركا لعزل ترامب بسبب ضرب إيران


المزيد.....

- السيرة النبوية لابن كثير (دراسة نقدية) / رحيم فرحان صدام
- كتاب تاريخ النوبة الاقتصادي - الاجتماعي / تاج السر عثمان
- كتاب الواجبات عند الرواقي شيشرون / زهير الخويلدي
- كتاب لمحات من تاريخ مملكة الفونج الاجتماعي / تاج السر عثمان
- كتاب تاريخ سلطنة دارفور الاجتماعي / تاج السر عثمان
- برنارد شو بين الدعاية الإسلامية والحقائق التاريخية / رحيم فرحان صدام
- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمد بن زكري - الشعوبية ، نزعة عنصرية أم حركة تحررية