أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رمضان عيسى - أبو إدريس - قصة قصيرة














المزيد.....

أبو إدريس - قصة قصيرة


رمضان عيسى

الحوار المتمدن-العدد: 5775 - 2018 / 2 / 2 - 22:41
المحور: الادب والفن
    


في حارتنا أشياء كثيرة ملفتة للنظر، وتستثير الاهتمام، منها أبو إدريس، رجل في العقد الخامس من عمره، متوسط الجسم والطول، ذو قسمات وجه صارمة، قل أن تراه ضاحكاً، قوي الشكيمة، هادئ الطبع، لا يظهر في الحارة إلا مساءً وهو عائد من العمل في بيارات الحمضيات أو في المواصي.
من عادة أبو إدريس أن يذهب للعمل مع أذان الفجر، لا يشاركه في ذهابه للعمل إلا الطورية التي يضعها علي كتفه في الذهاب والعودة، مع منديل كبير يلف به بعض الزاد له في العمل، وتراه يحزم بعض الفاكهة أو الخضار وهو عائد لبيته في المساء.
عرفنا أبو إدريس من سنوات طويلة، لم نره يغير شكله أو سلوكه إلا يوم الجمعة وهو يوم الراحة الإسبوعية.
رُزق أبو إدريس من الأولاد أربعة أكبرهم إدريس ويعمل في حقل البناء، أما الابن الثاني فكان محمد الذي أنهى الثانوية بنجاح والتحق بالكلية الحربية، وتخرج ضابطاً برتبة ملازم، وباقي الأولاد لا زالوا صغاراً وتحت طور الاعتماد على النفس.
كان محمد الضابط فخوراً بنفسه معتداً بها، عز عليه أن يرى والده بهذه الحال، أراد أن يظهر نوعاً من العرفان بالجميل لوالده، فتوجه إليه قائلاً:
إنني أرى يا والدي أنك تجهد نفسك كثيراً بالذهاب للعمل.
فقال الوالد: إن العمل هو حياتي وقد تعودت عليه، لا أستطيع أن أتصور حياتي بدون عمل.
فقال الضابط محمد: أريدك أن تستريح وتترك العمل فنحن بخير والحمد لله، ولا تشغل بالك من ناحية المصاريف.
فقال أبو إدريس: إن ما تقوله جميل، لكنه يعني ترك العمل، إنه الكسل، التقاعد المبكر.
بعد إلحاح متواصل توقف أبو إدريس عن العمل، جلس في البيت، لكنه بقي محتفظاً بالطورية، فعلقها على فرع الشجرة المزروعة في صحن الدار.
اختلفت حياة أبو إدريس، أحس بفراغ كبير، حيث كان يمضي جل وقته جالساً على وسادة في ساحة البيت، عيناه مشدودتان إلي الطورية كل صباح المعلقة على فرع الشجرة.ولما خلا له الجو وخرج الجميع أخذ ينظر إليها مناجياً. أنا وأنت يكسونا الهم والضجر لأننا منفصلان، أنت تعانقين الشجرة دون حراك، وأنا أعانق الفراش، لا من دافع للحركة.
أنت رفيقتي الخرساء يا من تلبين النداء وقت ما أشاء، أنت تمنحيني السعادة حينما اعزق الأرض بكِ، وأمهدها، فتزهو بالخير الوفير.
يكسوني إحساس بأنك بعيدة عني، لا أستطيع أن أحنو على عصاكِ بيدي، فأنت الآن تعانقين فرع الشجرة وأنا أعانق الفراش، عروقي أصابها الانكماش، أشعر أنها تتيبس لأنك بعيدة عني.
تقلب في فراشه، عيناه لا تتحول عن فرع الشجرة وقال: كنت أعانقك مع كل صيحة ديك، مع كل انبلاج صبح، عناقك يستثير عروقي، فيدب فيها النشاط.
ولكن مهما حاولوا إبعادك عني فلن يستطيعوا، سأسكب الماء على الشجرة التي تحتضنك كل مرة أنهض فيها لصلاة.
كل هذه الأفكار كانت تهاجم أبو إدريس وهو متكئ على فراشه لا يغادره، ويتقلب عليه وهو ينتظر مواعيد الصلاة والأكل.
ورغم انه لا عمل له، فقد بقي على عادته يصحو مبكراً، لا يغادر الدار مصطحباً رفيقته الطورية للحقول.
زاد التصاق أبو إدريس بالفراش فأحس أن أوتاره تنكمش وعضلاته تتيبس، ثقلت همته، هاجمته الآلام في أطرافه، تباطأت حركته، أختل النظام الداخلي لأحشائه، أخذ يشكو من انتفاخ هنا ومغص في الجهة الأخرى وإمساك في القولون، وساءت حالته بشكل ملفت للنظر.
أحست الأسرة بحالة أبو إدريس السيئة، لا مفر من عرضه على الأطباء.
فعلاً فقد تم عرضه على الأطباء من كل التخصصات، لم يمر يوم إلا ويتم عرضه على طبيب.
فأمس زاره طبيب العظام، واليوم تم استدعاء طبيب الباطنية على عجل، أصبحت حالة أبو إدريس الصحية هي الشغل الشاغل للأسرة، خصوصاً الضابط محمد، الذي أحس أكثر من غيره بأنه هو المسئول عن الوضع الذي آل إليه والده، فأصابه الارتباك في العمل وفي البيت، اختل الوضع المالي له وللأسرة، فكل يوم دكتور داخل ودكتور خارج، ازداد الطلب على الدواء وأصبحت الأسرة تعرف أسماء الكثير من الأطباء، والكثير من الصيدليات، أصبح من الواجب على الضابط محمد معرفة أسماء الصيدليات المناوبة أيضاً حتى يستطيع توفير العلاج المطلوب فوراً ودونما تأخير.
رجع الضابط محمد يوماً من العمل فوجد أم إدريس جالسة وقد وضعت يدها على خدها، تحملق في صحن الدار زائغة النظرات، شاردة الذهن.
فقال لها: مالك يا أمي، ايش إلي شاغل بالك؟ فقالت: حالنا تغير بعد مرض أبوك ومش عارفين هو يشتكي من ايش؟ وغلاوتك عندي، والله أبوك لما كان بشتغل عمره ما شكا من أي وجع، ولا قال أخ يا راسي. ومن يوم ما رمى هالطورية هجمت عليه كل الأوجاع.
وقف محمد مشدوهاً مما سمعه من والدته وقال: ما في حل إلا هي.... فتساءلت أم إدريس: ايش إلا هيه؟ فقال الضابط: مش عارفة ايش هيه؟ قالت: لا. فقال: الطورية...الطورية...يا أما هي الحل لكل الأوجاع التي يشكو منها والدي، أسرع إلي الشجرة، انتزع الطورية المستلقية على فرع الشجرة، قذف بها لوالده قائلاَ : خذ يا والدي , هذا هو دواؤك ، فدواء الأطباء عجز حتى الآن عن إخراجك من الحالة التي أنت فيها، ولكن الطورية ستكون الدواء الأمثل.
لقد نسيت أن العمل هو العلاج الأمثل لك جسدياً ونفسياً أيضاً. وهنا مد أبو إدريس يده إلي الطورية، تلمسها، مسح يده عليها باشتياق، وابتسم.



#رمضان_عيسى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لاجئ للمرة العاشرة !!
- ما هي أداة التفكير عند الانسان ، الدماغ أم القلب ؟
- كيف تولدت الخرافة من الأحلام ؟
- هل الجنة في الأرض أم في السماء ؟
- كيف تكون عقلانياً ؟
- هل اللغة العربية لغة محصنة من الانقراض ؟
- == الحرية والارادة الالهية !!
- مظاهر ال- فوبيا - عند المسلمين
- = مأساة العقل العربي !!
- متى سيعتذر المسلمون لداروين ؟
- مشاهير وعلماء وفلاسفة - لا دينيين - !! لماذا؟؟؟
- هل يمكن التفكير بدون اللغة ، الكلمات ؟
- الأسرى مشاعل على الطريق !!
- الأخلاق والدين
- طوفان نوح بين الحقيقة والمقدس !!
- سفينة نوح بين الحقيقة والمقدس
- الدعاء والاستخارة والنذور لا تحل المشاكل
- = خمسون سؤالاً يجب أن يجيب عليها الاسلام :
- جمعيات التعريف بالإسلام ودورها الارهابي !!
- لماذا تتحمل البشرية خطأ آدم ؟


المزيد.....




- وفاة الملحن المصري الشاب أمير جادو
- -فنان العرب- يظهر في عيد ميلاده.. -روتانا- تحتفل به وآمال م ...
- فنانة لبنانية ترقص وتغني على المسرح في أشهر متقدمة من الحمل ...
- “فرحة للعيال كلها في العيد!” أقوى أفلام الكرتون على تردد قنا ...
- موسيقيون جزائريون يشاركون في مهرجان الجاز بالأورال الروسية
- الشاعر إبراهيم داوود: أطفال غزة سيكونون إما مقاومين أو أدباء ...
- شاهد بالفيديو.. كيف يقلب غزو للحشرات رحلة سياحية إلى فيلم رع ...
- بالفيديو.. غزو للحشرات يقلب رحلة سياحية إلى فيلم رعب
- توقعات ليلى عبد اللطيف “كارثة طبيعية ستحدث” .. “أنفصال مؤكد ...
- قلب بغداد النابض.. العراق يجدد منطقة تاريخية بالعاصمة تعود ل ...


المزيد.....

- سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان / ريتا عودة
- أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة / ريتا عودة
- صحيفة -روسيا الأدبية- تنشر بحث: -بوشكين العربي- باللغة الروس ... / شاهر أحمد نصر
- حكايات أحفادي- قصص قصيرة جدا / السيد حافظ
- غرائبية العتبات النصية في مسرواية "حتى يطمئن قلبي": السيد حا ... / مروة محمد أبواليزيد
- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رمضان عيسى - أبو إدريس - قصة قصيرة