أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - احسان طالب - التشدد الديني و الإسلام السياسي - دراسة من أربعة أجزاء: الجزء الأول















المزيد.....


التشدد الديني و الإسلام السياسي - دراسة من أربعة أجزاء: الجزء الأول


احسان طالب

الحوار المتمدن-العدد: 1480 - 2006 / 3 / 5 - 11:45
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


كلما ارتقت رؤيتنا الإنسانية ارتقت معها قدرتنا على التسامح و تقبل الآخر، و كلما سما فكرنا السياسي أصبحنا أكثر على ممارسة الديمقراطية بمفهومها الأشمل و الحديث.
أفرزت الانتخابات النيابية المصرية بروزاً شديد الوضوح للتيار الديني المتزعم للإسلام السياسي بحصوله على 88 مقعد من أصل 428 مما يعكس بدون شك تحولاً حاداً في مزاج الناخب المصري أفصح عنه سقوط العديد من رموز التيار الليبرالي واليساري كرفعت سعيد وأيمن نور وخالد محي الدين. ولم تكن الانتخابات العراقية الأخيرة مختلفة حيث اكتسحت نخب التيار الديني اللوائح والقوائم وأكدت رسوخ قدمها بعد ثلاثة انتخابات تعد أكثر ديمقراطية مما جرى في مصر ، وليس ببعيد عن تلك الصورة ، فوز حماس بالأغلبية النيابية بالانتخابات التشريعية التي جرت في الأراضي الفلسطينية في يناير 2006 والتي تم على إثرها تكليف إسماعيل هنية بتشكيل الوزارة الجديدة . ولا يستغرب والحالة هذه حصول المتدينين على نصيب الأسد في أول انتخابات بلدية تجري في المملكة العربية السعودية .
إن هذا الواقع المؤكد لسيطرة كبيرة للتيار الديني على المجتمعات العربية وأمزجة الناخبين فيه من فاس وحتى البصرة يجبرنا على النظر إلى ظاهرة تبني الشارع العربي بغالبيته للإسلام السياسي، على أنها حقيقة واقعية ينبغي التعامل معها بطريقة ديمقراطية و البحث العلمي في نتائجها والأسباب التي أدت إلى خضوع غالبية الناخبين لإغراءات الشعارات الفضفاضة والشاملة التي طرحها الإسلام السياسي( الإسلام هو الحل ) ولاقت رواجا منقطع النظير في الشارع العربي عموما و كان أحد أهم دعائمها تفشي صور التشدد الديني في الأجواء الثقافية والاجتماعية والسياسية العربية .
ولعلنا نستطيع القول بأن بروز الإسلام السياسي كان نتيجة لعدد من العوامل والأسباب الموضوعية والتاريخية تضافرت لحشد التأييد لثقافة دينية رائجة صبغت المخيال الواعي والتفكير اللا إرادي لدى شرائح طاغية على التكوين الاجتماعي في البلاد العربية . معالجتنا لتلك الظواهر تنطلق من محورين اثنين :
الأول .. انتشار التشدد الديني المظاهر الأسباب والدعائم
الثاني .. الإسلام السياسي مفاعيل وتجاذبات .
قد يكون من نافلة الفعل سوق أدلة وبراهين تؤكد طغيان التشدد الديني على الحراك الشعبي العربي فالقتلى والجرحى الذين سقطوا جراء حصار كنيسة ماري جرجس بحي محرم بك في الإسكندرية في أكتوبر 2005 بزعم أنها تعرض مسرحية تسيء للإسلام وتبين أنها قصة مبالغ فيها ألقى النار على الزيت خلالها بعض الصحافيين المغرضين ( مصطفى بكري ) استغلالاً لمشاعر متأججة لتحقيق امتيازات شخصية . حيث يمكن ببساطة لإمام مسجد أن يخرج عشرات الآلاف إلى الشارع تحت ذريعة تعرض أعداء الإسلام لشخص النبي مثلاً. ولا يخرج من تحت تلك المظلة ما صدر من عشرات بل مئات التعليقات على خبر نشره موقع العربية بتاريخ 16/1/2006 يرجح احتمال موت ابن لادن كانت معظمها تدعو للشيخ بطول العمر وتسال الله تكذيب الخبر دعماً للإسلام والمسلمين . وفي سورية ما فتئت أكبر قامة دينية فيها ( د. البوطي ) تعتبر الدعوة إلى إنصاف المرآة وتغيير القوانين الظالمة دعماً للمشروع الصهيوني وتحقيقاً لغايات أعداء الإسلام .
ليس الحجاب ولا النقاب ولا الجلباب بل المتفحمات الموشحات بالسواد من قمة الرأس حتى أخمص القدم برداء سميك مزدوج على الوجه وقفازات يد سوداء وحلقات حبس على المعصم لإحكام الغطاء ، يرفعن راية لا لبس فيها على التزام التزمت والتشدد الذي غدا مهيمناً على الأحياء ذات الأغلبية السنية في المدن السورية ومنها دمشق بالتأكيد
لماذا ترعى الأنظمة الاستبدادية التشدد الديني؟ :
سؤال لابد من طرحه لما تنطوي عليه الإجابة من تفسير لطبيعة العلاقة المتناغمة بين الاستبداد والتيارات الدينية عموما , حيث تنسجم المواقف الآراء بينهما إلى حد كبير ولا تبرر الصدامات التي تفتعلها السلطات غالبا تنافرا أو اختلافا شديدا بين الفريقين , فالتقارب الفكري الشديد والتوجه العام المتوافق يؤكد التحام البينة الفكرية والثقافية المولدة للفكر الشمولي الناظم لكلى المنهجين ويتحدد الاختلاف أو النزاع الحاد بينهما في الصراع على السلطة والوصول إلى سدة الحكم .
ولكن عندما يرعى المجتمع الدولي نظاما وصل إلى سدة الحكم عن طريق الانتخابات وفق دستور ديمقراطي يضمن الحريات وتداول الحكم فان وصول أحزاب دينية إلى مراكز القيادة في الدولة يشكل أمرا طبيعيا ينبغي احترامه والتعامل معه والسعي للتغير وفقا للأساليب الديمقراطية والمدنية المتعارف عليها وطنيا وعالميا . وبناءْ على هذا التوضيح يمكننا الإجابة على سؤالنا الرئيسي بالنقاط التالية :

• سهولة قيادة هذا التيار لانقياده لشخص أو شيخ أو أمير، فإذا تمت السيطرة على الأب الروحي للمجموعة أو الجماعة كان من السهل السيطرة على الأتباع , و في هذه الحالة يتم ترتيب الاستراتيجيات و المخططات التي تساهم في ترسيخ الاستبداد و رعايته مع الأمير الشيخ و يتم إنهاء المشاكل و توجيه الجموع بخطاب حماسي شعاراتي عقائدي أثبتت الأيام سرعة و تلقائية انقياد الجموع العربية تحت لوائه( الدعوة إلى التظاهرات وحرق السفارات احتجاجا على الصور المسيئة للإسلام ) و في المقابل تقدم السلطات امتيازات و مصالح معنوية و شخصية و مادية لرواد التيار الديني و تتيح لهم نشر المزيد من مظاهر التدين و التعصب.إلى جانب تقديم مكاسب معنوية ومادية تساهم في زيادة تغلغل المريدين والمقلدين في كافة مناحي الحياة الاجتماعية والثقافية والتعليمية للمجتمعات والتجمعات الشعبية والمدنية .
لقد أثبت غزو العراق أن جماهير التيار الديني تشكل الجيش الاحتياطي الجاهز للفداء بالروح و الدم ضد كل ما يُتصَوّر أنه خروج عن مبادئ العقيدة و الإيمان أو الاختلاف في الرأي أو المذهب , و بين كذلك مدى سهولة تسخير تلك الجماهير للقيام بأي شيء تطلبه السلطات الاستبدادية مستغلة الانقياد العاطفي والوجداني حتى و لو كان التضحية بالروح والولد بما يصب في النهاية في مصلحتها الاستراتيجية. فمئات بل وآلاف الانتحاريين اللذين قدموا إلى العراق وقاموا بالعمليات الإرهابية ضد الشعب العراقي كانت دوافعهم الأساسية عقائدية وإيمانية غذتها ورعاتها السياسة الإعلامية للأنظمة الشمولية في البلدان المجاورة للعراق , والجماعات الدينية المتشددة المنتشرة في أماكن متفرقة من العالم . ودعاة التعصب والتزمت والإرهاب المتزعمين لمنابر الوعظ ومجالس الدعوة في العديد من الدول الإسلامية
• بعد تجارب الستينات في مصر و الصراع الدموي بين الإخوان المسلمين و عبد الناصر و كذلك تجارب الثمانينيات في سورية و المعارك الطاحنة التي دارت بين طليعة الإخوان المسلمين و نظام حافظ الأسد و أدت للتضحية بعشرات الآلاف من المدنيين السورين بوساطة قوى الحكم بالإضافة إلى العديد من الجرائم التي ارتكبت بحق فئات الشعب السوري من قبل الإخوان. ارتأت السلطة بعد قمع التمرد أن تكون موجة التدين ذات فوائد و منافع عديدة و تفوق تلك التي يمكن الحصول عليها من صراعها مع التيار الديني.وذلك بالتغلغل داخل ذلك التيار و السيطرة عليه بواسطة التعامل مع الزعماء التقليدين وإعطاءهم مساحة اكبر من الحرية مقابل مزيد من الانسجام مع مطروحات النظام و أيديولوجياته وسياساته. وبذلك توصل الطرفان إلى إن تبادل المصالح المقدم على أولوية الصراع الإيديولوجي الظاهري .
• منذ عقد انتهجت السلطات العربية و الأنظمة الحاكمة سياسة تخويف الغرب بالتيار الديني و ألبست صراعها مع إسرائيل والغرب ثوب الإسلام فأصبحت المقاومة الإسلامية و الجهاد أكبر عناصر الصراع جاذبية واهتماما ودموية , كذلك ألبست المقاومة في لبنان لباس التشدد الديني و أسلمت راية المقاومة لحزب الله الإسلامي. و دأبت السلطات الشمولية على نشر الفكر المتطرف والتعصب وإقصاء الآخر بين الشباب و الشابات و النساء و الرجال و شجعت مظاهر ذلك التطرف والتزمت في كل وسائل الإعلام وذلك لدفع المنظرين و المفكرين و المخططين و السياسيين في أوروبة و أمريكا للاعتقاد بأن البديل عن أنظمتها هو أنظمة متشددة و متطرفة ( الرسالة التي أفادت بها عملية حرق السفارات في كل من دمشق وطهران ) والواقع الذي تنقله وسائل إعلام السلطات الاستبدادية يركز على إظهار المجتمعات العربية" خاصة في البلدان التي كانت تعد أنظمتها نصف علمانية " على أنه مجتمع متدين و محافظ جدا ً و انطلاقا ً من هذه الصورة يتوجب على الحكومات الغربية إبقاء الأنظمة الحكمة في البلاد العربية لأنها أخف الضررين و لأنها قادرة على السيطرة على جماهير التيار الديني و باستطاعتها توجيهه حيثما تريد فهي قادرة على نقل بندقيته من العراق إلى إسرائيل و من الخارج نحو الداخل.
• إذن فالمكاسب التي تحظى بها الأنظمة الاستبدادية من تحالفها مع التيار الديني المتشدد أكبر بكثير من الخاطر المحتملة بوصوله إلى السلطة حيث اكتسبت الأنظمة خبرات هائلة في السيطرة والتحكم بالشارع بما يضمن لها البقاء والاستمرار وتجنب الأخطار
• السبب الثقافي:
من الأسباب الرئيسة و الهامة في انتشار ظاهرة التشدد الديني الرقابة الحكومية على الإعلام بكافة أشكاله وأنواعه وفق سياسة استراتيجية محددة غايتها ترسيخ الفكر الإيديولوجي المنغلق وتضيق المساحات على الفكر الليبرالي مقابل إتاحة المجالات الواسعة و الفضاءات المتنامية للخطاب الديني عموما ً, و إدخال و حشر المفاهيم الدينية في كل مجالات الخطاب الإعلامي الثقافي و العلمي و حتى السياسي .
فالحملات التي قام بها أطباء و متخصصون سوريون لدعم و نشر التداوي بالحجامة و التي دأبت فضائية اقرأ على إيصالها بشكل مبرمج و مدروس إلى شريحة عريضة من المجتمعات العربية أدت إلى انتشار مبالغ فيه لاستخدام الحجامة و قصر ثلاثة أرباع علوم الطب فيها و غدونا نقرأ على واجهات الصيدليات في أنحاء متعددة من المدن السورية الكبرى عبارات تنبه الشارع لمسألة العلاج بالحجامة و تعلن عن توفر تلك الخدمة لديها. و ليس ببعيد عن ذلك ما قام به أيضا ً دكاترة جامعات و أخصائيي مخابر بالتأكيد على أن طريقة ذبح المواشي و الطيور المعدة للاستهلاك الآدمي المرتبطة بذكر لفظ الجلالة كافية لتطهير و تعقيم تلك اللحوم من الجراثيم و الفيروسات لمجرد التكبير عليها عند ذبحها. ولا يقل عن ذلك غرابة انتشار التداوي ببول البعير في القاهرة وغيرها من المدن المصرية ،و في اليمن وباكستان تخصيص جامعات ومراكز للعلاج بالنصوص المقدسة و تحديد أحاديث وآيات مخصوصة لأمراض معروفة وشائعة بالإضافة إلى تلك المزمنة والمستعصية, توصف للمريض كما يفعل الأطباء في العيادات و المستشفيات .
"فعندما لا يتسع هامش حرية الحركة و حرية التعبير إلا للخطاب الديني هكذا بشكل عام و من دون تحديد أو ضوابط فإن التطرف سوف يستفيد من هذا الغطاء" خالد الدخيل – الاتحاد الإماراتية
فتضييق هامش الحرية إلى حد الصفر في إعلام الدول العربية التي ترفع لواء تحكيم الشريعة في كل مسالب ومناحي الحياة يترك المجال للفكر المتعصب و المتشدد ليتحرك بحرية وإسناد غير محدود لسد الفراغ و ملء الفضاء الإعلامي المتنامي الذي يلاقي رواجا منقطع النظير لدى أكثرية المتلقين و هذا بدوره يزيد من عدد المهتمين و المتابعين للخطاب الديني مما يتسبب في حرص القنوات الفضائية على زياد ة المساحات و الفضاءات المخصصة لرواد الثقافة الدينية المتشددة لأنها ببساطة تجلب المزيد من الأرباح للقنوات الخاصة و الليبرالية في الأصل فبعض القنوات الفضائية اللبنانية – أل بي سي مثلا ً – دأبت في رمضان على بث دروس لعمرو خالد لجذبه عدد أكبر من المشاهدين.
و يتماشى ذلك مع ما تقوم به وزارات الإعلام من حجب و منع نشر و تداول الكتب التي تدعو إلى ثقافة الليبرالية مظهرة بذلك انحيازها للكتب الدينية القديمة و الحديثة التي تستطيع الوصول إلى القارئ بكل سهولة و يسر.
• و يندرج ضمن إطار المبررات الثقافية لظاهرة التشدد عرض المسلسلات التلفزيونية و الدراما التي تغازل غرائز العامة بتمجيد الماضي و تعظيمه فقط و التركيز على رؤية تاريخية أحادية الجانب لا ترى في التاريخ سوى الفضيلة و الإيثار و النماذج الملائكية التي لا تحركها سوى الأهداف النبيلة والقاصد الخيرة . حتى عندما حاولت الدراما أن التحدث عن الإرهاب لم تفصح عن حقيقته و أوصلت للمشاهد أن الإرهاب المقصود به هو ما يتعرض له الداخل أي ما يمارسه الإرهابيون داخل الدول العربية مشيرة بشكل غير مباشر – و ربما مباشر – إلى اعتبار الأعمال الإرهابية للمنتسبين للإسلام في الغرب بدون إدانة .
• و إرجاع أسباب الظاهرة إلى الظروف الاجتماعية المرتبطة بالفقر والحاجة و إلى نتائج السياسة الغربية تجاه المجتمعات و الدول العربية – مسلسل الحور العين كنموذج – إن فشل الثقافة العربية في إحداث التغيير المطلوب للتنمية الإنسانية و البشرية شجع على ظهور و نمو التنظيمات المتطرفة و الأصولية" أحلام أكرم – إيلاف .
اثر المناهج التربوية والتعليمية :
ليس هناك من خلاف على الآثار الكبيرة والمباشرة لمناهج التعليم في صياغة وبناء الشخصية الثقافية والكيان الفكري للإفراد والمجتمعات , والمتعلق بدراستنا هنا الأثر المسبب لانتشار ظاهرة التشدد .
تشترك المناهج التعليمية في غالبية البلدان العربية في تقديس الموروث وتكريس الدفاع عنه والنظر إليه بعين الرضا والإعجاب بما يضع جانبا كل يحث نقدي أو تحليل محايد قادر على تلمس الخطأ وبيان النقائص والعيوب مما أوقع الأجيال الناشئة في فخ الجمود والبحث عن الحلول وطرائق للعمل والتفكير في التراث حصرا وتجنب النظر إلى الأفكار و المناهج المختلفة إلا من خلال نقدها وبيان خطئها وفشلها .ْ " جاء في كتاب التوحيد للصف الثالث الثانوي للمدارس السعودية :والانتماء إلى المذاهب الإلحادية كالشيوعية والعلمانية والرأسمالية وغيرها من مذاهب الكفر ردة عن الإسلام " .
أما تلك المناهج التي تدعي العلمانية فقد تلاقت مع المناهج الدينية في تقديس ذات الأمة إلى حد العصمة والنزاهة بمفهومها الكهنوتي وغدا كل حديث عن نقد الماضي أو النظر إليه بطريقة علمية محايدة خروج عن الملة وطعن للمقدسات, وربما يوضح ذلك تلك الحملة الإعلامية والدعوى القضائية التي تناولت المبدع أسامه أنور عكاشة عندما أراد كتابة نص درامي يتناول حياة الصحابي عمرو بن العاص من منطلق علمي تاريخي بحت .
اقترنت نظرة مناهج التعليم إلى الحضارات الأخرى بتضخيم إنجازات الحضارة العربية وربط كل تقدم أو تطور للحضارات الأخرى بما تم إنجازه من قبل العرب والمسلمين و إعطاء صورة ضبابية وهامشية عن الحضارات السابقة للعرب والمسلمين , وخاصة في مراحل التعليم الأساسي بما يولد تربة ثقافية وفكرية ملائمة لقبول التعصب والالتزام به .
كل هذه المسلمات أوجدت ظروفا ومناخا وتربة خصبة وملائمة للانزلاق نحو تبني واعتناق مفاهيم التشدد حيث أصبحت تلك المفاهيم الملاذ الأسهل و السور الأمن الذي يحافظ على وهم التفوق و الخلود و الخيرية و يحقق لذة الرضا عن النفس ويبعد مشقة نقد الذات والبحث عن البدائل وامتلاك العصا السحرية القادرة على فعل كل شيء بمجرد الرجوع إليها .
’ تكرس المناهج الدراسية العربية الخضوع و الطاعة و التبعية و لا تشجع التفكير النقدي الحر .ويتجنب محتوى المناهج تحفيز التلاميذ على نقد المسلمات الاجتماعية أو السياسية ويقتل فيهم النزعة الاستقلالية والإبداع " تقرير التنمية العربية 2003 الجزء الثاني . حال المعرفة في البلدان العربية .
وهنا لابد لنامن الالتفات إلى الأساليب التربوية الأسرية السائدة والتي ترسخ الخوف والخضوع في عقول وفكر الناشئة وتساهم بشكل مباشر في الابتعاد عن مناخات الإبداع الحر وتدفع بإصرار نحو تبني العلوم الدينية والاقتصار على تفرعاتها ومناهجها و تشجيع الالتزام منذ الصغر وإتباع أساليب الترغيب و الترهيب بما يكفل بقاء الأجيال القادمة مرتبطة وملتزمة بالموروث وثقافاته حصرا .هذا إلى جانب الأمراض التقليدية المعروفة في طرائق وأساليب التربية الأسرية العربية السائدة " إن أكثر أساليب التنشئة انتشارا في الأسرة العربية هي أساليب التسلط والتذبذب والحماية الزائدة , مما يؤثر بصورة سلبية على الاستقلال و الثقة بالنفس والكفاءة الاجتماعية " المصدر السابق
الانتصار التاريخي للتبشير الإسلامي أزكى نار التشدد:
إذا اعتبرنا عقد الثمانينيات من القرن الماضي بداية تفشي ظاهرة التدين المتشدد فإننا نستطيع تلمس بعض الأسباب التاريخية لنمو تلك الظاهرة وانتشارها ، ولا نقصد هنا عدم وجودها قبل ذلك فهي موجودة منذ بداية البعثة ،لكن تحولها إلى ظاهرة عالمية بمعنى سيطرتها على أعداد كبيرة ومتزايدة من سكان الأرض بدأت في ذلك العقد .
أعطى انتصار المجاهدين الأفغان ـ الذين يشكل العرب جزءْ مهما منهم ـ على جحافل جيوش الاتحاد السوفيتي السابق الدعوة الجهادية السلفية رصيدا تاريخيا معاصرا وزخما دعائيا كبيرا جير لمصلحة الالتزام والتشدد مما دفع بأعداد هائلة من جيل الشباب للتمسك بمظاهر التدين العميق ولاقتناع الراسخ بأفكاره ومبادئه ، حيث أعتبر ذلك النصر بمثابة دليل قاطع على صحة المنطلقات النظرية والمبادئ الفكرية والعقائد الإلهية التي قامت عليها الدعوة السلفية في مقابل هزيمة الفكر الوضعي الشيوعي وعقائده الدنيوية وما يتماشى معه من نظريات وتشريعات علمانية بشرية .
بعد ذلك جاء انتصار الثورة الإسلامية الخمينية على النظام الفاشي لشاه إيران العلماني ، وكان النصر حضاريا سلميا ساحقا وشاملا أضاف رصيدا هائلا للنظرية الدينية الإسلامية ودفعا قويا ودليلا لا ينازع على صحة وصوابية توجهات وقنا عات وأساسيات التدين . وأعقب ذلك انتصارات مهمة للمجاهدين الشيشان على القوات الروسية ,وتمكن للحكم الإسلامي في السودان وسقوط منظومة دول أوربا الشرقية , كل ذلك أوجد مناخا دعائيا مناسبا وأجواء ثقافية وفكرية مهيأة لتقبل أفكار جديدة تتبنى النظم و الأفكار الإسلامية بدا وكأنها تطرح للمرة الأولى يروج لها بريق الانتصار ووهج الإنجاز .
لكن الذي حصل بعد هدوء العاصفة وانحسار المد الجهادي والحرب الطاحنة بين المجاهدين الأفغان أنفسهم في صراعهم
الشرس على السلطة , وفشل الثورة الخمينية في تحقيق الرفاه والعدل والتقدم المأمول ، لم تتأثر تيارات الشباب المندفع نحو المزيد من التشدد والالتزام ولم ينخفض رصيد الدعوات الجهادية والسلفية بل على العكس استمر الزخم الدعوي ولم يلتفت للهزائم والعثرات والأخطاء التي وقعت فيها الثورات الدينية وأغمض عينيه وبقي محافظا على أحلام الانتصار التي أعادت أمجاد الماضي وعد الهزيمة أمرا بشريا أما الانتصار فكان ربانيا ، مما لا يستدعي المراجعة أو النقد .

الأثر النفسي للكشوف العلمية :
لا يمكن إرجاع ظاهرة انتشار التزمت والتشدد بين الشعوب العربية والإسلامية إلى أسباب علمية بحتة ، ذلك أن المكشوفات العلمية الحديثة عن الإنسان والكون لم تأتي داعمة للتوجهات والمطروحات الدينية في نفس المجال ـ راجع كتاب " وهم الإعجاز العلمي " للدكتور خالد منتصر ـ بل على العكس من ذلك استطاع العلم بطريقته وأسلوبه ومنهجه الخاص المعتمد على التجربة والاكتشافات الجديدة في الفضاء والأرض تعميق الهوة بين العقل الإنساني المجرد و التفكير الديني المرتبط بالغيبيات و النبوءات الحتمية وأكدت الدراسات الانثروبيولوجيا تبايناً عميقا بينهما ـ راجع كتاب الانثروبيولوجيا للدكتور عدنان أحمد مسلم " أصل الإنسان في مثيولوجيا الشعوب وفي العلم " ـ وجاءت ثورة الاتصالات ومنجزات علم الاستنساخ لتضيف رصيدا جديدا للفكر الإنساني المستند إلى المنهج العلمي والمؤمن بقدرة العقل البشري على إيجاد النظم و التشريعات التي تحكم حياته وتنظم علاقاته بالآخرين أفراد وجماعات .
إلا أن ردة فعل العقل العربي الإسلامي حيال التطور العلمي الذي شهده الكون كانت عكسية تماما ودفعت نحو مزيد من التدين والتمسك بمظاهر التعصب والانغلاق و اللجوء إلى الغيبيات لحل المشاكل والأزمات ، وربما يكون الشعور الحقيقي بالهزيمة تجاه التقدم الهائل للعلم انعكس خوفا شديدا على فقدان القيمة الوجدانية للمعتقدات والمسلمات .
هذا الخوف النفسي خلف قلقا وجدانيا مستمرا حيال الثورة العلمية الهائلة المتمثلة في المكشوفات الجديدة والنجاحات المهمة في مجالات قريبة الصلة بالغيبيات ، وأفرز إحساسا بخطر يتعرض لبعض أركان الدين بفعل المعول العلمي وإزاء ذلك الخوف والقلق والخطر , لم يعد التظاهر باحترام المعتقدات والبديهيات و تقديسها و التعامل مع ما تفرضه من التزامات بلامبالاة ومن ثمة مخالفتها عمليا مع الاحتفاظ بالقناعة بصدقيتها وصوا بيتها أمرا مقبولا.
فالخشية إذن قوية ولا بد من تأكيد المعتقدات و الغيبيات باحترام ما تفرضه من سلوك و تعاليم و مناهج ، ولا يكون ذلك إلا بدعم العقائد بالأعمال،بما يستوجب إبراز مظاهر التدين المبالغ فيه وتأكيد السلوكيات التي توحي بتعامل جدي وصارم مع الواجبات والفرائض والمندوبات التي تدعو إليها الشريعة ويأمر بها الفقهاء حيث لم يعد الاحترام والتقديس و التعظيم الوجداني والعقائدي كافيا للحفاظ على هوية الأمة وحمايتها من منطلق أيديولوجي مغلق , فكان من الضروري الالتزام بالتشريعات والقوانين والنظم الدينية الحاكمة لكل مناحي وسبل الحياة وهذا يعني إفساح المجال كاملا لعلماء الدين والمشايخ للتدخل في تفاصيل الحياة اليومية العامة والخاصة وتأكيد الرقابة على الفكر والإبداع وتقيد الحريات المختلفة بالضوابط المشددة . وهذا بدوره شجع على انتشار وسيطرة التشدد على الفكر والعمل .
نهاية الجزء الأول و يليه الجزء الثاني



#احسان_طالب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الكاتب السوري مظلوم تنتابه الهواجس
- التعديل الوزاري في سوريا يكرس المواجهة
- الإعلام العربي من عصر الجاهلية إلى جاهلية ما بعد الإسلام: ضر ...
- حماس بين استحقاقات الداخل و ورطة الخارج
- الأسد نجاد: دعم السلطة الأبدية بالسلطة الإلهية
- دعوة إلى لقاء الرياضَيْن
- فصل المقاومة عن حزب الله
- سقوط القناع الدبلوماسي عن النظام الأمني
- وجهة نظر في المسألة الكوردية السورية
- الوطنية السورية و الأفلاطونية الفاضلة
- توبة صدام الصدوق !!
- جبران ثانية
- جبران أيها القديس الجميل
- سوريا في مواجهة الإعصار من يدفع الثمن
- قناة الجزيرة بين الوهم و تحقيق الوهن
- آه يا دمشق نزار
- فيصل القاسم يهزأ من قتل مئة و ثلاثة و أربعين عراقياً
- جزء من حلقة نقاش حول إعلان دمشق
- إعلان دمشق موجبات التأييد و دوافع الرفض
- الأصولية ملاذ آمن للأغلبية العربية!


المزيد.....




- “TV Toyour Eljanah”‏ اضبطها حالا وفرح عيالك.. تردد قناة طيور ...
- إنشاء -جيش- للشتات اليهودي بدعم من كيان الاحتلال في فرنسا
- بينهم 5 أمريكيين.. الشرطة الإسرائيلية تعتقل سبعة يهود حاولوا ...
- اضبط تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 لمشاهدة ممتعة لاحلي اغ ...
- لم تصمد طويلا.. بعد 6 أيام من ولادتها -صابرين الروح- تفارق ا ...
- -باسم يوسف- يهاجم -إيلون ماسك- بشراسة ..ما السبب؟
- إسرائيل تغتال قياديا بارزا في -الجماعة الإسلامية- بلبنان
- -بعد استعمال الإسلام انكشف قناع جديد-.. مقتدى الصدر يعلق على ...
- ماما جابت بيبي.. تردد قناة طيور الجنة الجديد الحديث على القم ...
- معظم الفلسطينيين واليهود يريدون السلام، أما النرجسيون فيعرقل ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - احسان طالب - التشدد الديني و الإسلام السياسي - دراسة من أربعة أجزاء: الجزء الأول