أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - فاطمة ناعوت - صلاح عيسى … ورقة الغلابة التي سقطت














المزيد.....

صلاح عيسى … ورقة الغلابة التي سقطت


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 5752 - 2018 / 1 / 9 - 08:08
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    



لازلتُ أذكرُ ذلك النهار الشتوي المشمس، من عام 2003، حينما صففتُ سيارتي على عجل فوق رصيف "اتحاد كتاب مصر" بشارع حسن صبري بالزمالك، مستغلةً معرفتي بسائس السيارات الذي صار صديقًا لكثير من الكتّاب. ثم أسرعتُ جاريةً نحو جريدة القاهرة المجاورة لاتحاد الكتاب. ثم ارتقيتُ السُّلَّمَ ركضًا صوب مكتب رئيس التحرير. طرقتُ الباب بلهفةٍ، فجاءني صوتُ الأستاذ العريض الأجشّ سامحًا بالدخول؛ فدخلت.
كان يراجع بروفة الجريدة من خلال نظارته المربعة الكبيرة التي صارت جزءًا من ملامحه. فيرسم بقلمه دوائرَ فوق كلمة في مانشيت يريد تعديلها إلى كلمة أخرى، وأسهمًا صاعدة وهابطة، ليغير مكان خبر من أعلى الصفحة إلى أسفلها، أو يشطب بعلامة إكس على خبر أو تقرير يرى وجوب حذفه.
كان قلبي يخفقُ بشدّة. ليس بسبب صعود درجات السلم ركضًا بعد الجري نصف ميل، بل لأن هذا لقائي الأول مع هذا الهرم الصحفي الهائل، والمؤرخ المصري الثقيل الأستاذ "صلاح عيسى" الذي رافق "محمد حسنين هيكل" و"فؤاد سراج الدين" في زنزانة واحدة، كسجناء رأي. والذي يجلسُ الآن خلف مكتبه في يمناه قلمٌ، وفي رأسه "حكاياتٌ من دفتر الوطن" وهموم مستقبله. ثم أصبحتُ يومَها أحدَ كتّاب جريدة "القاهرة" التي تصدر نهار الثلاثاء من كل أسبوع عن وزارة الثقافة المصرية، وإن لم تكن اللسان الناطق للوزارة، كما كان الأستاذُ يؤكد دائمًا.
لا ينكرُ كاتبٌ صحفيٌٌّ من جيلي أنه تتلمذ على يد الأستاذ، إن بشكل مباشر بالعمل معه رأسًا، أو من خلال تأمله لأسلوب المدرسة الصحفية التي دشّنها صلاح عيسى خلال دهرٍ من الكتابة والعمل الميداني في مجال السياسة والحقوقيات البروليتارية والمعارضة. ولا ينكرُ عاقلٌ قيمةَ ذلك الرجل السياسية والصحفية والتأريخية، مهما اختلف معه المختلفون، أو اتفق المتفقون. ولا ينكرُ أحدٌ سطوعَ حضوره وكاريزماه في الحديث عن تاريخ مصر وهموم الفقراء وحركات المقاومة خلال عقود من العمل على أرض الواقع وبين تراب الكادحين، وليس من فوق المنصّات والمنابر والشاشات والغرف المكيّفة.
وعلّ انخراطه الطويل في صفوف العمّال والفقراء، هو الذي جعله يلتقط حدوتة أشهر سفّاحتين في تاريخ العالم: “ريّا وسكينة" من زاوية إنسانية حانية لم يتطرق إليها أحدٌ قبله ولا بعده. في كتابه الإنساني الجميل "رجال ريّا وسكينة"، الصادر عام 2002 عن دار "الكرمة"، حاول الأستاذ صلاح عيسى نزع الغلالة الشيطانية التي دثّر بها الرأيُ العام هاتين المرأتين البائستين بنتيْ "علي همّام" اللتين قتلتا عشرات النساء في أحد أحياء الإسكندرية الفقيرة. فلم تكونا في الواقع هما المرأتين ذواتيْ العينين القاسيتين كما جسدتهما الممثلتان البارعتان "نجم إبراهيم"، و"زوزو حمدي الحكيم" في الفيلم الذي يحمل اسميهما، من إخراج المخرج الرمزي الكبير "صلاح أبو سيف". إنما كانتا فتاتين تعستان تعرضتا في حياتهما لألوان القهر والقمع والعوز الأسريّ، وفاتهما أن يُنظر إليهما كضحية لقسوة المجتمع، عوضًا عن النظر إليها، وفقط، كقاتلتين متسلسلتين روّعتا الضمير المصري في أوائل القرن الماضي. قال عيسى في كتابه إن الهالة الشيطانية، والحكايات المفبركة التي نُسجت حول القاتلتين كانت بسبب احتياج المجتمع المصري آنذاك لخلق نموذج ناصع للشر، كما حاجة المجتمعات دائمًا إلى خلق نماذج للبطولة والفروسية والزعامة، وغيرها من الحاجات المجتمعية التي إن لم تجدها المجتمعاتُ، نسجتها نسجًا. عرفنا في هذا الكتاب الماسّ كيف تعرفت "د. لطيفة الزيات"، استاذ الأدب الإنجليزي، على صورة "الشرّ"، لأول مرة في طفولتها عبر حكايات أمها لها عن السفّاحتين "ريّا وسكينة" اللتين كانتا تقطّعان أوصال الضحايا من النساء بعد ذبحهن، ثم تحرقان أجزاء الجسد بالنار اللاهبة، على صوت دقّات الدفّ العالية التي تغطّي على صرخات استغاثات الضحايا وآهاتهن. وغيرها من نسيج الخيال الذي أثبتت التحريات المباحثية عدم صدقها. حيث كان يتم القتل بكتم الأنفاس، وليس بالخنق أو بالذبح والتقطيع والحرق. إنه الخيال الخصب الذي يجعل الناس يكتبون مع التاريخ سيناريوهات لم تكن، من أجل خلق حال دراماتيكية جديرة بأن تخلدها صفحاتُ التاريخ.
وعلّ الأستاذ صلاح عيسى هو الوحيد الذي فتح كوّة من "الرحمة" ننظر منها إلى هاتين القاتلتين البائستين، فنمزج سياطَ الإدانة والويل، بشيء من الرأفة، لأن القاتلَ في غالب الوقت، كان قتيلاً في وقت ما. فكأن كلَّ قاتلٍِ قتيلٌ في الوقت نفسه.
غزيرة هي كتاباتُ وكتبُ ذلك الطود الصحفي والأدبي الشامخ الذي سقط بالأمس عن وادي مصر. ورقةٌ عزيزة من أوراق شجرة مصر الثرية، سقطت إلى ثراها الطيب بالأمس، عزّ أن تُعوَّض، وعلى الله عِوَض ما خسرنا ونخسرُ كلَّ يوم.
نمْ ملء جفونك عن شواردها يا أستاذي العزيز، صلاح عيسى، فقد أديتُ دورَكَ كاملاً غير منقوص. رحمك الُله بقدر ما أعطيتَ مصرَ من جهد وفكر وتأريخ وحمل هموم وطن.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سلاح تونس …. زيتونة
- ميري كريسماس … يا سامح!
- الشيخُ الطيب … الشيخُ الشابُّ … شكرًا لك
- أيها -المؤمنون-… أنا مسلمةٌ أحب جرس الكنيسة
- هنا سانت كاترين
- جميعُنا قتلة … لا أستثني أحدًا
- يوسف زيدان …. اكسر كوّةً في الجدار… وامضِِ
- القدسُ بين اليهود والصهاينة ورشدي
- خذوا عيني شوفوا بيها!
- جاءنا من الحجاز البيانُ التالي
- ماراثون أطفال المستحيل
- إيترو-عا … حعبي
- -ولاد البلد- يجوبون أرجاء مصر
- حارسٌ للمسجد … حارسٌ للكنيسة … فتّشْ عن البغضاء
- دموعُ الفارس | إلى الفنان محمد صبحي
- اتبعْ ذاك الدينَ لأنه الأفضل
- -الألِفُ- الزائدة … عند فرسانِ الرحمة
- -المنيا- مهانةُ مصرَ … والسبب -قُبلة يهوذا-!
- عُبّادُ الوثن … عشّاقُ التماثيل
- عيد ميلاد البابا تواضروس


المزيد.....




- الهجمة الإسرائيلية المؤجلة على إيران
- بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ...
- أصولها عربية.. من هي رئيسة جامعة كولومبيا بنيويورك التي وشت ...
- مصدر التهديد بحرب شاملة: سياسة إسرائيل الإجرامية وإفلاتها من ...
- الشرطة الفرنسية تستدعي نائبة يسارية على خلفية تحقيق بشأن -تم ...
- السيناتور ساندرز يحاول حجب مليارات عن إسرائيل بعد لقائه بايد ...
- إعادة افتتاح متحف كانط في الذكرى الـ300 لميلاد الفيلسوف في ك ...
- محكمة بجاية (الجزائر): النيابة العامة تطالب بخمسة عشر شهرا ح ...
- تركيا تعلن تحييد 19 عنصرا من حزب العمال الكردستاني ووحدات حم ...
- طقوس العالم بالاحتفال بيوم الأرض.. رقص وحملات شعبية وعروض أز ...


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - فاطمة ناعوت - صلاح عيسى … ورقة الغلابة التي سقطت