أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - إيترو-عا … حعبي














المزيد.....

إيترو-عا … حعبي


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 5716 - 2017 / 12 / 2 - 15:20
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


إيترو-عا … حعبي


كان غضبُ المصريين عظيمًا، حينما قيلت كلمةٌ غيرُ مسؤولة عن هذا الإله العظيم، صانع الفرح، الذي لولاه ما كانت لمصرَ حياةٌ، ولا مجدٌ، ولا تاريخٌ، ولا كان لنا سلفٌ صالح. لهذا اختار جمهورُ صالوني الشهري، الاثنين الماضي بمكتبة مصر الجديدة، أن تكون فقرة "مصريات"، عن "إيترو-عا"، الذي عشقَه أجدادُنا، ورهبوه، خافوا عليه، وخافوا منه، تودّدوا إليه، ودلّلوه، ووضعوا شروطًا صعبة للتعامل معه بحذرٍ، ورهنوا دخولَ الجنّة برضائه عنهم.
كلمةٌ تعسةٌ قالتها مطربةٌ شهيرة في لحظة غياب، أقامت الدنيا وأشعلت غضبَ للذود عن شرف الأرض الطيبة التي لولاها ما سطر التاريخُ أول سطوره. ذلك الغضبُ العارمُ أنبأني أن "چين" السلف الصالح الرفيع يسري في دمائنا حتى في لحظة الرِّدّة الثقافية التي نمرُّ بها اليومَ.
اسمه "إيترو-عا"، وتعني باللغة المصرية: "النهر العظيم"، ومنها جاءت كلمة “التُّرعة”. هو ذاك النهر الوسيمُ الذي بفضله نشأت حضارتُنا الماجدة لتُحيّر علماء الدنيا في الفلك والفيزياء والكيمياء والطب والهندسة والمعمار والرقص والموسيقى والتشكيل والنحت والدراما والأزياء والآداب والسياسة والدين. لابد من استرضائه حتى يفي بعهده ويأتي في منسوبه المضبوط في عيد "الوفاء"، فترتوي الأرضُ وتُشرقُ الزهورُ وتخضرُّ الأشجارُ وتُثمرُ الثمارُ، ويشربُ الطيرُ فيصدحُ، ويرتوي الإنسانُ فيحيا ويُبدع. فإن حَزن النهرُ وجفَّ ماؤه، انكسر الغصنُ وجاع الإنسانُ والحيوان وعَمَّ الخرابُ. وإن غضبَ وفاض ماؤه، أغرق الأرضَ والدورَ وعمَّ الخراب. لهذا حرص الجدُّ على عدم إحزان النهر أو إغضابه، ووضع شرطًا صعبًا لبعث الموتى في الحياة الأخرى ودخول الفردوس. لا يدخلُ الجنةَ قاتلٌ ولا كاذبٌ ولا سارقٌ ولا ظالمٌ. ولا يدخل الجنّةَ من لم يكن عينا للأعمى وساقًا للكسيح ويدًا للمشلول وأبًا لليتيم وعونًا للمظلوم. ولا يدخلُ الجنّةَ من تسبّب في دموع إنسان أو حيوان. وكذلك …. لا يدخلُها من لوّثَ مياهَ النهر العظيم.
لهذا ابتكر الجدُّ المصريُّ العظيم لهذا النهر "إلهًا" يلجأون إليه ضارعين إن حزَنَ النهرُ ذو المزاج المتقلّب، أو غضبَ. أطلقوا على ذاك الإله اسم "حعبي"، وتعني باللغة المصرية "صانع السعادة". فالنهر هو صانع الفرح. حرف العين مُخفَّفٌ ،فتُنطق "حابي" ومنها كلمة Happy بالإنجليزية. هذا الإله موجود في جيبك الآن على ورقة الخمسة جنيهات. منحوه شكلاً أسطوريًّا يجمع بين سمات الرجولة والأنوثة في آن. فهو أعظمُ من أن يكون رجلا أو امرأة. ساقان وذراعان قويّتان كما لفارسٍ، ونهدان وبطن كما لامرأة ولود تحملُ الخيرَ في نهديها والخِصبَ في خِصرِها. حصد "حعبي" مزايا الذكورة والأنوثة ليقف على ربوة الكمال، المستحيل. فوق هامته زهرتان: اللوتس، شعار مصر العليا "الصعيد"، والبردي، شعار مصر السفلى "الشمال”. وبين الزهرتين سُنبلة قمحٍ، رمز "الزمن”. والمعنى أن النهر العظيم هو الشريانُ الأبدي الذي يربطُ شمالَ مصرَ بجنوبها على مر الزمان. يحمل حعبي فوق يديه صينيةً عامرة بالثمار والطير. أليس هو واهبَ الثمر ورازقَ الطير؟ وأحيانًا يُصوَّر حعبي على هيئة شابين ممشوقين يجدلان معًا زهرتي لوتس وبردي بميثاق غليظ.
آمنَ الجدُّ القديم أن حُزنَ النهر وجفافه يحدثُ بسبب شرور البشر. فكانوا يسترضونه بالغناء والتراتيل: “حعبي/ أبا الآلهة/ أيها الآتي بالحصاد لتُطعم مصرَ كلَّها/ يا واهبَ الحياة لكل إنسان ومُلقيَ الخير عند أطراف أصابعه/ مجيؤك إلينا يجلب البهجة والفرح/ أيها الفريدُ الذي لا أحدَ يعرفُ جوهرَك إلا أنت.” وآمن الجدُّ أن غضبَ النهر وفيضانَه هو تذكارٌ لدموع إيزيس التي انهمرت حزنًا على حبيبها أوزوريس حين قتله شقيقه الشرير "سِت"، أو "ساتان"، ومنه جاءت Satan بالإنجليزية وتعني "الشيطان إبليس". فكانوا يهدئنون من غضبه بإلقاء عروس جميلة منحوتة من الجرانيت الأحمر، على شكل الربّة إيزيس، وكأن العروسُ تُزفُّ إلى عريسها. حتى إذا ما صفح النهرُ عن البشر، جاء في منسوبه المضبوط، فخرج الأجدادُ يغنّون ويرقصون احتفالا بعام قادمٍ من الرغد الوفير في عيد أسموه "وفاء النيل". ومن أين أتت كلمة "النيل"، لهذا مقال قادم.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -ولاد البلد- يجوبون أرجاء مصر
- حارسٌ للمسجد … حارسٌ للكنيسة … فتّشْ عن البغضاء
- دموعُ الفارس | إلى الفنان محمد صبحي
- اتبعْ ذاك الدينَ لأنه الأفضل
- -الألِفُ- الزائدة … عند فرسانِ الرحمة
- -المنيا- مهانةُ مصرَ … والسبب -قُبلة يهوذا-!
- عُبّادُ الوثن … عشّاقُ التماثيل
- عيد ميلاد البابا تواضروس
- خالد جلال يرفع مرآة ميدوزا في وجوهنا
- هل تذكرون الدكتور محمود عزب؟
- الفنون والسجون
- صناديقُ عمّ محفوظ
- جيشُنا العظيم أحبطَ حرقَ مصر
- صراعُ الخير والشر … عند أجدادنا
- سميرة أحمد ... خيوطٌ في حب مصر
- هل المسيحيُّ في ذمّتي؟!
- دمُ القسّ في رقبة هذا الرجل
- إني لأعجبُ كيف يمكنُ أن يخونَ الخائنون!
- عصفورٌ بلا حقيبة
- كيف ينجح الناجحون؟


المزيد.....




- الرئيس الأمريكي: نعرف تماما أين يختبئ المرشد الأعلى ولكن لن ...
- الرئيس الأمريكي دونالد ترامب: نعرف تماما أين يختبئ المرشد ال ...
- ثبت الأن تردد قناة طيور الجنة الحديث على النايل سات وعرب سات ...
- مقتل العشرات من منتظري المساعدات جنوب قطاع غزة، وإغلاق المسج ...
- العراق.. السوداني يدعو الدول العربية والإسلامية للتعاون في ...
- هل تعتقد أن اغتيال المرشد الأعلى لإيران علي خامنئي فكرة جيدة ...
- 1400 عام من الصمود.. ما الذي يجعل أمة الإسلام خالدة؟
- وزراء خارجية 20 دولة عربية وإسلامية يدينون الهجمات الإسرائيل ...
- هكذا يتدرج الاحتلال في السيطرة على المسجد الإبراهيمي بالخليل ...
- خطوات تثبيت تردد قناة طيور الجنة نايل سات وعرب سات 2025 .. ث ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - إيترو-عا … حعبي