أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - الفنون والسجون














المزيد.....

الفنون والسجون


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 5685 - 2017 / 11 / 1 - 05:46
المحور: الادب والفن
    


الفنون والسجون

فاطمة ناعوت


حينما أُعلن عن موضوع صالوني لشهر أكتوبر: "الفنون والسجون"، ظنّ كثيرٌ من جمهور الصالون، ومقدمي القنوات والصحفيين، أنني سأتكلم عن: "فنون السجون"، أي عن "أدب السجون"، أو "دراما السجون"، أي عن الروايات والقصائد، أو الأفلام والمسلسلات التي تناولت موضوع "السجن". ربما حدث هذا اللبس بسبب أن ضيفة الشرف لهذا الشهر هي الفنانة الجميلة "سميرة أحمد"، ذات المنجز الثري من الأفلام الدرامية والمسلسلات، ومنها ما تناول قضايا خاصة بالسجون.
هنا انتبهت إلى أن عنوان محاضرتي كان مخاتلاً، يحمل غير ما يرمي، وهذا جيدٌ في دنيا الأدب. أن يحمل عنوانٌ، لرواية أو قصيدة أو مقال أو حتى محاضرة، معاني عديدة يفهمها كلُّ متلقٍ وفقَ ما يرى، ووفق خبراته واهتماماته. هنا تصبحُ الجملةُ الأدبية مشعّةً ثريةً متعددة الزوايا، غزيرة الدلالات، وليست أحادية المعنى والدلالة. فالحقيقة إن ذهني كان بعيداً كل البعد عن أدب السجون أو دراما السجون حين فكرتُ في موضوع صالوني، إنما كنت أقصدُ العلاقة "العكسية" “الضدية" بين الفن الرفيع، وبين جدران السجون.
تبدأ العلاقةُ العكسيةُ الضديةُ من أن الفنَّ، كلَّ فنٍّ، هو "حريةٌ". الفنانُ إن لم يكن حرًّا، لن يبدع. وإن لم يكن فنُّه تكسيراً للقيود، ما كان فنّاً. وإذن لا بد أن يكون الفنانُ نفسُه حرّاُ، وأن يقدّم فنّاً حرًّا، ينتصرُ للحرية. حتى وإن كان الفنان مكبّلاً بالسلاسل والأصفاد، فلن يعدم أن تكون روحه حرّةً. وهذا يقودنا إلى فلسفة "الرقص داخل الأغلال"، وهو كتاب للباحث الأمريكي جوشوافو دينستاج، الذي استلهم مادة كتابه من إحدى لوحات جوجان العظيمة. وسبق وتناولتُ ذلك الكتاب بالدراسة والتحليل، وربما يكون موضوع مقال قادم.
لكن ما قصدته في صالوني، هو الحديث عن قيمة الفنون الراقية في بناء الإنسان وبناء المجتمعات. فثمة علاقة طردية مباشرة بين علوّ الفن في مجتمع، وبين مستوى تحضّر مواطنيه. لهذا زار أفلاطون مصر في القرن الرابع قبل الميلاد، ثم وجه كلامه لأبناء الإغريق، قائلاً في كتابه "القوانين": الموسيقى في مصر كاملةٌ متكاملةٌ، وعلى شعب اليونان أن يطّلع على الموسيقى المصرية لما فيها من عناصر جيدة فنية وأخلاقية وتربوية دونًا عن موسيقى الشعوب الأخرى. ثم ختم مقولته بعبارته الشهيرة، أونصيحته لشعبه اليوناني: "علّموا أولادكم الفنون، ثم أغلقوا السجون".  وقصد أفلاطون بهذا أن الجريمة سوف تختفي من المجتمع إن تعاطى أبناؤه كافة ألوان الفنون الراقية من مسرح وشعر وموسيقى ونحت وتشكيل وغير ذلك.
وتلك حقيقة علمية. أثبت العلمُ مؤخراً، ما فطن إليه أفلاطون قبل خمسة وعشرين قرنًا من الزمان. فقد لاحظ علماء الاجتماع أن المجرمين والسفاحين والمتحرشين والغلاظُ والمتطرفين وغيرهم من الخارجين عن ناموس الإنسانية، قلّما يسمعون الموسيقى أو يرتادون المسارح أو دور الأوبرا وغيرها من محافل الفنون الراقية. لهذا تقسو قلوبهم فيلجون عالم الجريمة.
وحاول العلماء تفسير تلك الظاهرة العجيبة في العلاقة العكسية بين تعاطي الفن وبين تعاطي الجريمة، من خلال تشريح ودارسة وظائف المخ البشري. ووصلت النتائج إلى أن الإنصات إلى قطعة موسيقية راقية، أو مشاهدة لوحة فنية مدهشة، أو عمل مسرحي مبهر، يحفّز خلايا فصّ الدماغ الأيمن على العمل. وهذا الفص هو المسؤول عن تحفيز الجانب الرومانسي في الإنسان والحث على الإبداع والحدس والخيال والاختراع. أما النصف الأيسر، وهو الفص الفاعل النشط طوال الوقت، فهو المسؤول عن تحفيز الجانب العملي مثل الحث على تسيير الأمور الحياتية العادية من الحفاظ على الحياة والشعور بالخطر وتنظيم الأمور الغرائزية المعتادة من طعام وشراب ونوم، وغير ذلك. ولهذا فنحن "نستمع" إلى الموسيقى بفصّ أدمغتنا الأيسر، لكننا "نتذوّق" الموسيقى بالفص الأيمن. وهو الفص الأنشط في الإنسان الذي يستخدم اليد اليسرى: الأعسر.
وكما وصل أفلاطون في القرن الرابع قبل الميلاد إلى تلك الحقيقة العلمية المؤكدة، وصل إليها عظيمُ الأدب وليم شكسبير في القرن السابع عشر. وألمح إلى ذلك في مشهد جميل من مسرحية "يوليوس قيصر". كان قيصر يستعرض قائمة الشخصيات المرشحة لخيانته والتآمر ضده بغية اغتياله. فمرّ ببصره فوق اسم "بروتوس"، ربيبه وحبيبه فلم يتوقف كثيرًا. فكان يظن أن ظهره آمنٌ من غيلة صديقه الحبيب، قبل أن يعرف أنه سيكون قاتله. ثم وقعت عيناه على اسم "كاسيوس"، فهتف لنفسه قائلاً: "إن كان عليّ أن أحذر أحدًا، فليس إلا كاسيوس. احذرْ كاسيوس، فإنه لا يحبُّ الموسيقى".

صدق أفلاطون، وصدق شكسبير، وإن خانه حدسُه، وصدق العلمُ، وصدقت من قبلهم جميعا الموسيقى، وصدق الفن الرفيع



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صناديقُ عمّ محفوظ
- جيشُنا العظيم أحبطَ حرقَ مصر
- صراعُ الخير والشر … عند أجدادنا
- سميرة أحمد ... خيوطٌ في حب مصر
- هل المسيحيُّ في ذمّتي؟!
- دمُ القسّ في رقبة هذا الرجل
- إني لأعجبُ كيف يمكنُ أن يخونَ الخائنون!
- عصفورٌ بلا حقيبة
- كيف ينجح الناجحون؟
- أنا اليومَ مشغولةٌ بلحظة فرحٍ لعيون الحجازية
- الزمن النظيف فوق الشجرة
- المنيا ... على مسافة السكة … شكرًا يا ريّس!
- نصير شمّة…. تِهْ موسيقى
- مثلثُ التفوق والإنسانية
- لماذا اليابانُ يابانُ؟
- قطعةٌ من الفرح في صندوق الحَزَن
- أسئلة (مفيد فوزي) الحرجة! العيل بيجي برزقنا!
- السماءُ حزينةٌ ونحن نضحك!
- معايدةُ العيد من ألدّ خصومي!
- (مسافة السكة) ل المنيا الشقيقة يا ريّس!


المزيد.....




- -الدوما- الروسي بصدد تبني قانون يحظر الأفلام المتعارضة مع ال ...
- المرحلة الانتقالية بسوريا.. مجلس شعب جديد وسط جدل التمثيل وا ...
- تركي آل الشيخ يكشف عن رسالة لن ينساها من -الزعيم-
- الاحتفاء بالأديب حسب الله يحيى.. رحلة ثقافية وفكرية حافلة
- رغم انشغاله بالغناء.. ويل سميث يدرس تجسيد شخصية أوباما سينما ...
- قوارب تراثية تعود إلى أنهار البصرة لإحياء الموروث الملاحي ال ...
- “رسميا من هنا” وزارة التربية العراقية تحدد جدول امتحانات الس ...
- افتتاح الدورة الثانية لمسابقة -رخمانينوف- الموسيقية الدولية ...
- هكذا -سرقت- الحرب طبل الغناء الجماعي في السودان
- -هاو تو تراين يور دراغون- يحقق انطلاقة نارية ويتفوق على فيلم ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - الفنون والسجون