أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - سلاح تونس …. زيتونة














المزيد.....

سلاح تونس …. زيتونة


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 5750 - 2018 / 1 / 7 - 10:32
المحور: الادب والفن
    


في الطريق من مطار قرطاج الدولي، إلى مدينة سوسة التونسية للمشاركة في "مهرجان الزيتونة الدولي للآداب"، توقفت بأحد المقاهى لتناول فنجان من القهوة الساخنة، يساعدني على مقاومة لسعات البرودة الساحلية وأمطار الشمال الأفريقي. كنت أغلقُ مظلّتي وأخلع بالطو المطر، حين جاء النادلُ يسألني باللهجة التونسية: “عَسْلامة. إنتي فاطيما ناعووت، الكاتبِي المصريِي؟ أنا نْحِبُ نِقرالكْ كتوباتكْ. مرحبا بيكْ فِ تونس. نِحِبُو ناخد معاكْ تصويرة، أمّا بتليفونك باشْ نِضْمَن تسجِلْ رقمي. وتبعتلي التصويرة." التقطنا الصورة بهاتفي، وبدأ يُملي عليّ رقمَه لأرسلَ له الصورة. سألتُه عن اسمه، فقال: “سْلاح". اتّسعتْ عيناي دهشةً، ولم أصدّق. فأعدتُ سؤالَه: “اسمك سِِلاح؟!!” فابتسم في ودٍّ قائلا: “نعم سْلاح. مرحبى بيك سيدة فاطيما!” صافحته ضاحكةً وأنا أقول: "حصل لنا الرعب سيد سِلاح!".
تركته ومضيتُ إلى رفاقي التوانسة الذين سبقوني إلى عمق المقهى. أشرتُ إلى النادل وأنا أقول بنبرة عتاب حزينة: “من امتى بقيتوا دمويين كده يا توانسة؟! خسارة! كنتم أرق شعوب الأرض! تصوروا الجرسون اللي واقف هناك اسمه إيه! سلاح! ليه بقيتوا تسموا أولادكم أسماء عنيفة كده! يا إلهي! الثورة عملتم فيكم إيه؟ ناقص تسموا: "قذّاف الدم" زي الليبيين!”
المدهش أن أصدقائي التوانسة لم يندهشوا من اسم الجرسون العجيب. بل اندهشوا من دهشتي! قالت منسّقة المهرجان “عروسية بوميزة: “نعم اسمه سْلاح. شبيكْ باهتة؟ انتوما المصريين زادة تسميوا سْلاح!” فقلتُ لها في إنكار واستنكار وشيء من العتب: “لا لا لا! احنا مستحيل نسمي سِلاح. ممكن "سيف الدين"، لكن سلاح نو-واي!” فقالت بإصرار: “بلا تسميوا زادة "سْلاح الدين"”. فأدركتُ فورًا الخطأ الذي وقعتُ فيه.
التوانسة، وسائر المغرب العربي، بوسعهم تسكين الحرف الأول من الكلمة، في حين نحن المصريين لا نقدر على تسكين الحروف الأولى من الكلمات. وكذلك قد يرقّق التونسيون ما نُفخِّمُ من حروف، وقد يُفخِّمون ما نُرقِّق. هنا تختلط بيننا الكلماتُ ويَعسُر الفهم أحيانًا. النادل اسمه: “صَلاحُ"، ومع تسكين حرف الصاد وترقيقه، صار: “سْلاح"، والتقطته أُذني: “سِلاح"، بمعنى أداة القتل؛ فاستنكرتُ الاسم الدموي على هذا الشعب المثقف الرائع.
ذكّرني هذا بموقف مشابه حدث معي في ليبيا قبل عشرة أعوام. كنت في مدينة "سبها" الليبية في مؤتمر حول المرأة. وبعدما أنهيتُ قراءة ورقتي، وهممتُ بالنزول عن المِنصّة، جاءني شابٌّ من مُنظمي المؤتمر وابتسم قائلا: “تحبي الآن نروحو نتدهور؟" لم أفهم كلمة "نتدهور"، ورأيتُ أن بها عدم لياقة! ذاك أن "التدهور" حرفيًّا: هو الوقوع على الأرض، ومجازيًّا: هو التدهور الأخلاقي. فغضبتُ وعنّفتُه، وتركتُه شاخصَ العينين مندهشًا؟! بعد هذه الواقعة بشهرين زرتُ تونس للمشاركة في مؤتمر أدبي. وجمعني لقاءٌ بأديبات تونسيات. ففتحتُ حديثًا حول غرابة اللهجات العربية واختلافها الشديد عن بعضها البعض، حدَّ عُسرِ الفهم بين المشارقة والمغاربة، رغم ما يجمعنا من “قومية عربية”. فأمّنتْ على كلامي صديقتي الأديبة التونسية "حياة الرايس" قائلة: “معك حق. فمثلا أنتم في مصر تقولون: "نِتْفَسَح"، وفي سوريا يقولونها: “نِطلع شي مِشوار"، ونحن في تونس نقولها: “نِحَوِّس"، وفي ليبيا يقولون: “نِتْدَهْوَر..." هنا أدركتُ أنني ظلمتُ الشابَّ الليبي الذي كان فقط يودُّ أن يأخذني في جولة سياحية بالمدينة.
ها مقالي أوشك على الانتهاء، من دون أن أتكلم عن جمال "سوسة" جوهرة الساحل، ولا روعة أشجار الزيتون التي تترقرق أوارقُها بالضوء تحت رذاذ المطر وأشعة الشمس، ولا عن تحضُّر الشعب التونسي المثقف، الذي قضى على الأميّة والتطرف واستعاد مكانة المرأة الرفيعة؛ بفضل العظيم: "الحبيب بورقيبة"؛ الذي وضع تونس في مصافّ العالم الأول، ولا عن الصديقات التونسيات الرائعات اللواتي كسبتهنّ في هذا المهرجان، ولا عن مهرجان جني الزيتون الأسطوري في مدينة سوسة، ولا عن عشرات المواقف الجميلة التي صادفتُها هناك. سأتكلم عن كل هذا في مقالات قادمة. ويبقى أن أقول إنني استعنتُ بصديقتي التونسية "سامية الجزيري" التي تُشرّف مصرَ بالإقامة، في ترجمة بعض الكلمات في هذا المقال للهجة التونسية الآسرة. سلاحُ تونس… زيتونة. ويعيشك برشا يا تونس.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ميري كريسماس … يا سامح!
- الشيخُ الطيب … الشيخُ الشابُّ … شكرًا لك
- أيها -المؤمنون-… أنا مسلمةٌ أحب جرس الكنيسة
- هنا سانت كاترين
- جميعُنا قتلة … لا أستثني أحدًا
- يوسف زيدان …. اكسر كوّةً في الجدار… وامضِِ
- القدسُ بين اليهود والصهاينة ورشدي
- خذوا عيني شوفوا بيها!
- جاءنا من الحجاز البيانُ التالي
- ماراثون أطفال المستحيل
- إيترو-عا … حعبي
- -ولاد البلد- يجوبون أرجاء مصر
- حارسٌ للمسجد … حارسٌ للكنيسة … فتّشْ عن البغضاء
- دموعُ الفارس | إلى الفنان محمد صبحي
- اتبعْ ذاك الدينَ لأنه الأفضل
- -الألِفُ- الزائدة … عند فرسانِ الرحمة
- -المنيا- مهانةُ مصرَ … والسبب -قُبلة يهوذا-!
- عُبّادُ الوثن … عشّاقُ التماثيل
- عيد ميلاد البابا تواضروس
- خالد جلال يرفع مرآة ميدوزا في وجوهنا


المزيد.....




- بعد افتتاح المتحف الكبير.. هل تستعيد مصر آثارها بالخارج؟
- مصر.. إصابة الفنان أحمد سعد في ظهرة ومنطقة الفقرات بحادث سير ...
- أول تعليق لترامب على اعتذار BBC بشأن تعديل خطابه في الفيلم ا ...
- من الوحش إلى البطل.. كيف غير فيلم -المفترس: الأراضي القاحلة- ...
- من الوحش إلى البطل.. كيف غير فيلم -المفترس: الأراضي القاحلة- ...
- لقاء خاص مع الممثل المصري حسين فهمي مدير مهرجان القاهرة السي ...
- الممثل جيمس فان دير بيك يعرض مقتنياته بمزاد علني لتغطية تكال ...
- ميرا ناير.. مرشحة الأوسكار ووالدة أول عمدة مسلم في نيويورك
- لا خلاص للبنان الا بدولة وثقافة موحدة قائمة على المواطنة
- مهرجان الفيلم الدولي بمراكش يكشف عن قائمة السينمائيين المشار ...


المزيد.....

- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - سلاح تونس …. زيتونة