أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - تامر سلامة - رواية - 69 يوماً فلسطينياً -















المزيد.....



رواية - 69 يوماً فلسطينياً -


تامر سلامة

الحوار المتمدن-العدد: 5734 - 2017 / 12 / 21 - 23:03
المحور: الادب والفن
    


69 يوماً فلسطينياً

بقلم : تامر سلامة

تدقيق و تنسيق : مرام البواب
بتاريخ

15. يوليو . 2017


لا يوجد تضحية أسمى من أن تضحي للوطن المتألم من عذابات الجراح الخالدة ، ولا أجمل من أن تصرخ بأعلى صوتك من عمق الجراح " عاشت فلسطين " !





الفصل الأول : النار تشعل الذاكرة

كان القمر مكتملاً ، يلقي بشعاع نوره الفضي فوق شوارع و أسطح المخيم المستورة بالاسبست البسيط ، حيث لا نور ولا كهرباء تضيء الطرقات أو المنازل ، كان مكتملاً في تلك الليلة كحلم طفلٍ لم يكابد نكبات شعبه اللامتناهية ، كحلم عجوزٍ لم يتخلى ولو للحظة عن مفتاح بيته الذي هاجر منه من ما يقارب السبعين عاماً ...
في منزلٍ متصدع الأركان ، في الجزء الغربي للمخيم ، يقطن غسان ، غسان الذي يبلغ من العمر عشرون
ربيعاً تخللتها الحروب و الانتفاضات ، عشرون عاماً عاشها تحت ظلم الاحتلال الصهيوني ، ذلك الاحتلال الذي سلب منه والده منذ أن كان في الثالثة عشرة من العمر ، سبع سنوات عاشها كأنها سبعون عاماً منذ استشهاد والده ، فقد أصبح أباً و أخاً أكبر لإخوته الصغار ، ليعين أمه في تربيتهم .
في تلك الليلة التي أضاءها نور القمر ، كان الحاج أبو فايز يجلس على عتبات منزله ، يستشفي الدفء من نارٍ أوقدها في تنكة زيتٍ قديمة ، وجد فيها ملجأً آمناً لعظامه التي نخرها الزمن ، و مهرباً حنوناً من برد شوارع المخيم القارص ، ينظر إليها بابتسامة بريئة شاردة ، تكاد أن لا تلاحظ بسبب تجاعيد الزمان العابرة التي تركت بصماتها على وجهه ذو الثمانين عاماً . في تلك اللحظة كان غسان قد انتهى من عمله في مخبز الكرامة في الجزء الشرقي من المخيم ، عائداً إلى منزله كما هي عادته متأخراً ،يمر بالطرقات سيراً على الأقدام يفكر في مستقبلٍ أفضل و غدٍ جديد ، يصل إلى منتصف الطريق ليقابله حاجز صهيوني ليلي ، يخرج هويته الشخصية و يتعرض للتفتيش بشكلٍ مزرٍ و مهين ، كما العادة ..
الجندي : أخرج بطاقتك الشخصية و ارفع يديك للأعلى للتفتيش...
غسان : ها هي ، هويتي
الجندي : حسناً ، ما الذي أخرك هكذا ؟ ألا تعرف أن حظر التجول قد بدأ منذ ساعتين ؟!!
غسان : كنت أعمل في المخبز و تأخرت بسبب ضغط العمل ، لم أعلم أنه يوجد حظر تجول من الأساس!
( الجندي مفتشاً غسان بطريقة مهينة )
الجندي : اخلع قميصك و بنطالك فوراً ، هيا لا وقت لدينا لمخربين أمثالكم !
غسان : لماذا ؟ يمكنك تفتيشي بدون أن اقوم بخلعها !
الجندي : قلت لك اخلع ملابسك يا حقير ( ضارباً غسان بكعب البندقية في وجهه )
غسان : لم أفعل شيئاً ، لم أفعل شيئاً !! (صارخاً و هو يتلقى المزيد من الضربات من الجندي )
الجندي : هيا هيا اخلع ، فتىً جيد ، و الآن اذهب قرب ذاك الجدار ، استدر نحوه ، ارفع يديك و قف على قدمٍ واحدة ، و إياك ثم إياك أن تنزل قدمك أو يديك !! أفهمت يا مخرب ؟
غسان : حسناً ، سأفعل ما تريد ( و الدم يسيل من فمه و عينيه )
مرت ساعتين و غسان على هذا الحال ، البرد القارص ينهش جسده الهزيل المنهك ، و الخوف من دموية و سادية الجنود يحاصر عقله ، و يشل كل أفكاره و حواسه ، بينما الجنود جالسين داخل الجيب العسكري يستمعون للموسيقى و يستمتعون بمشاهدة غسان يتلوى من البرد على قدمٍ واحدة ، مطلقين رصاصة أو رصاصتين نحوه كلما شعروا بالملل .. أصبحت الساعة الثانية بعد منتصف الليل ، و إذ بمكبر الصوت من فوق الجيب العسكري ينادي : " غسان فارس ، تقدم للجيب على الفور و ارتدي ملابسك و غادر المكان خلال خمس دقائق " ، سمعها غسان و كانت كرصاصة رحمة ، أنزل قدمه الثانية بحذرٍ مطلق و استدار نحو الجنود مسرعا ً، تقدم بخطواتٍ حذرة نحو الجيب ، لبس ملابسه ومشى بخطواتٍ سريعة ليخرج و يبتعد عن بطش الصهاينة الذين لا أمان لهم ولا ميثاق.
يسير غسان بخطى متثاقلة نحو المنزل ، يجر آلام شعبٍ كاملٍ يتعرض يومياً للإهانة و التنكيل على حواجز قوات العار الصهيونية المزروعة فوق تراب الوطن المسلوب .. يصل لمنزله و قبل أن يدخل ، يرى جاره أبو فايز جالساً حتى هذا الساعة المتأخرة على عتبات منزله ، ينادي عليه ، فلا يستجيب ، يعيد الأمر ثانيا ًو ثالثاً لكن دون جدوى ، يقترب منه و يجلس قربه واضعا ًيديه على كتف أبو فايز ..
غسان : أبو فايز ؟؟ أبو فايز ؟؟ أتسمعني ؟ ما بك سارحٌ في هذه النار ؟
أبو فايز : سامحني يا بني ، لم أسمعك ، فقد كنت مستغرقا ًفي خيالي قليلا ً.
غسان : بسيطة يا عم أبو فايز ، لماذا ما زلت جالساً هنا حتى هذه الساعة المتأخرة ؟
أبو فايز : فقط جالس أستمتع بقليل من الدفء ، بهذه النار ، يرحم الله أباك فهو فقط من كان يؤنس وحدتي في مثل هذه الليالي الباردة ، لكن ما هذه الجروح في وجهك ؟! ما هذه الدماء على قميصك ؟! أخبرني من فعل هذا بك يا ولدي ؟؟
غسان : آآآآخ ، و من غيرهم ؟ جنود الصهاينة ، لأنني كنت متأخراً و قد فات موعد منع التجول ، هيا دعني أساعدك لتدخل و تنام ، كي لا تمر دورية صهيونية و أنت لست حملاً للتنكيل ، هيا فقد شارفت الساعة على الثالثة صباحاً ..
أبو فايز : اصبر قليلاً يا ولدي ، اجلس معي قليلاً هنا قرب النار ، انظر لها كم هي عميقة المعنى و الإحساس !
غسان : بحقك ، أي عمق و أي إحساس في النار ؟ أخبرني أرجوك بماذا كنت سارحا ًحين أتيت إليك ، كنت كأنك غارقٌ في التفكير و أنت تحدق في هذه النار ..
أبو فايز : ان النار يا بني ، تعود بي بالذاكرة سبعين عاماً للوراء ، حين كنت طفلاً ، أتذكر تلك الليلة التي غيرت جميع ملامح حياتي البريئة ، التي كان كل همي حينها أن أصبح فلاحاً مثل والدي ، أعتني بأرضي و أرض أجدادي دون كلل أو ملل ، تلك الليلة المشؤومة ، كانت ليلة صيفية صافية من الغيوم ، حين هاجمت عصابات الهاجاناه الصهيونية قريتنا ، فقتلت الرجال و حرقت الأشجار ، كان أبي رجلاً شجاعا ، فقد هاجم صهيونياً بفأسه فأرداه قتيلا ، و لكن رصاصات الغدر مزقته خلال ثانية من الزمن ، و ما أرجع لي الذاكرة في هذه النار البسيطة ، أنني أتذكر كيف نظرت لمنزلنا ، يحترق و قد التهمته النيران و تصاعد الدخان الكثيف منه ، و من بيوت جيراننا المجاورة ، حتى أصبحنا لا نرى النجوم في السماء ، و لا نسمع سوى إطلاق النار و بكاء النساء على فراق أزواجهن ، و خروجهن بأولادهن اليتامى من الأرض الطيبة التي عاشوا فيها وورثوها من أجداد أجدادهم ، ليستولي عليها الطغاة ...
غسان : نعم ، إنها النكبة عمي أبو فايز ، لكن ما الذي جعلك ترسم تلك الابتسامة البسيطة على شفتيك حين كنت تتأمل النار رغم أنها ذكريات مؤلمة جداً على حد وصفك ؟
أبو فايز : لا تنخدع يا بني ، قلبي كان يحترق ألماً على تلك الذكريات ، و لكن الابتسامة خرجت رغماً عني ، فأنا أوقن في داخلي و من أعماق قلبي ، أننا حتماً سنعود ، سنعود و نعمر بيوتنا ، سنزرع أرضنا من جديد ، سنعود و سيعود حقنا المسلوب ...
قالها أبو فايز و قد تصلبت شرايين وجهه بنبرة إصرارٍ و تحدي أدهش فيها غسان ، نظر إليه غسان في تعجبٍ و استغراب و تساءل في سره : " كيف لهذا الرجل العجوز ذو الثمانين عاماً ، أن يبقى متمسكاً بحقه في العودة ؟ من أين له هذا الإصرار و اليقين بالعودة، يا له من رجل أصيل !
غسان : هيا عمي أبو فايز ، لقد تأخر الوقت حقاً و عليك أن ترتاح ، هات يديك ..
أبو فايز : حسناً يا بني ، فقد نعست أنا أيضاً و أشعر بالتعب .. تصبح على خير ..
غسان : تصبح على خير عم أبو فايز ..
يوصِل غسان أبو فايز للمنزل ، ثم يعود لمنزله ، يفتح باب المنزل ، يدخل بهدوء كي لا يستيقظ إخوته الصغار من النوم ، يجد أمه متكئة في صالة المنزل تصلح قميص أخيه الصغير الممزق ، يقبل يديها و رأسها ، و يدخل لغرفة إخوته ، يضع لهم مصروفهم البسيط على طرف الطاولة قرب حقائبهم المدرسية ، و يغادر لغرفته الصغيرة ، يخلع قميصه الملطخ بدمائه ، ليغسله في الصباح ، يلقي جسده المنهك فوق السرير ، واضعاً رأسه المثقل بالهموم و ملايين الأفكار ، التي بدأت تتسلل إلى رأسه بعد ما عايشه من إذلال في الحاجز وصولاً لحديثه مع أبو فايز .. و يغط في نومٍ عميق ، حالماً بحالٍ أفضل و مستقبل أأمن له و لإخوته ووالدته .


الفصل الثاني : اتصالٌ مجهول يرسم المستقبل

تمر الأيام كشريطٍ يتكرر كل يوم دون انقطاع ، بطريقةٍ روتينية عقيمة مقيتة ، إلى متى سأبقى أعمل و أعمل كحمار الطاحونة دون نهاية ؟ متى سأكمل تعليمي الجامعي ؟ لكن من سيهتم أو يعيل أسرتي إن توقفت عن عملي هذا ؟ من سيجلب لأمي المريضة الدواء كل أسبوع ؟ آآخ يا والدي .. قدمت روحك فداء هذا الوطن الذي أصبح تجارةً لحاكميه و أصحاب الدكاكين الوطنية ، فلم يطرق باب منزلنا مسؤول بعد انتهاء العزاء ، فهُم فقط يتذكروك في خطاباتهم العقيمة أحياناً ، فالوطن الذي ضحيت لأجله اختطفته و اغتصبته أيدي صهيونية آثمة ، بينما تناوب مدعي الوطنية الفتك والنهش فيما تبقى منه ، و المتضرر الأول و الأخير هو الشعب ، مثلي و مثل إخوتي الجوعى الحفاة ، يحاور غسان نفسه بينما يقلب عجين الخبز بيديه النحيلتين ، يتنهد تنهيدةً عميقة ، و ينظر لصورة أبيه المعلقة على الجدار ، يلمسها بيدٍ مرتجفة ، يلتمس منها القوة على الاستمرار في مكابدة هذه الحياة التي عجنته كما يعجن هو الخبز بدوره . فجأةً ، ينادي عليه صاحب المخبز ، ليخبره أن هناك اتصالا هاتفياً مهماً لأجله ..
غسان : ألو مرحباً ..
مجهول : مرحبا ،، غسان فارس معي ؟؟ ابن الشهيد ناصر فارس ؟
غسان : صحيح ، من معي ؟؟ صوتك غير مألوف ؟ هل هناك خطب ما ؟
مجهول : ستعرف قريباً من نحن ، ستجد رسالةً ملصقة خلف صورة والدك الشهيد ، على الجدار المقابل لمنزلكم الليلة الساعة الواحدة صباحاً ، لا تنسى ..
غسان : عفواً ، من معي ؟! لا تعبث معي يا هذا ! من أنت !! و ما دخل صورة أبي في الموضوع ؟؟!!
مجهول : لا تنسى ، الجدار المقابل لمنزلك، خلف صورة والدك ، الساعة الواحدة صباحاً ،لا تخبر أحد ، و احرص على أن لا يراك أحد ! ذلك لسلامتك أنت فقط !
غسان : و لكن ..
أغلق ذلك الرجل المجهول السماعة دون أن يترك لغسان أي مجال للحديث ، مكالمة لم تستمر لعشر ثواني ، قلبت كيان غسان مئة و ثمانون درجة .. وضع غسان سماعة الهاتف بهدوء ، و صعد الى سطح المخبز ، أشعل سيجارته محاولاً تقليص حجم توتره ، محاولاً تجميع أفكاره و استيعاب ما حصل له تواً ، فمن هذا المجهول الذي يريد إعطائي رسالة في منتصف الليل ؟ و لِم ليس علي أن أخبر أي أحد ؟ و لماذا يجب أن أحذر من أن يراني أحد و أنا أخذها ؟؟ ملايين الأسئلة تدفقت في عقل غسان كمطرٍ انهمر بعد انحباس دام سنوات ! . قاطعه صوت صاحب المخبز ، " غسان ، أين أنت يا فتى ! هيا تعال و انهي عملك ، ماذا تفعل على السطح ! انزل من عندك فوراً " ، أطفأ غسان سيجارته و نزل مسرعاً ، و قال في عقله لربما هي مجرد خدعة أو مقلب من أحد أصدقاءه الحمقى ، و أكمل عمله مبعداً ذاك الاتصال الغريب عن عقله ...
قاربت الساعة على منتصف الليل ، يغادر غسان المخبز عائداً للمنزل ، سلك طريقاً جبلياً وعراً كي لا يمر من خلال الحاجز الصهيوني الفاصل بين شطري المخيم ، استمر طريقه نصف ساعة ، وصل المنزل و تذكر ذاك الاتصال ، راقب الشارع عن كثب من شباك غرفته الصغير ، لم يقترب أحد من صورة والده المعلقة على ذاك الجدار المتهالك ، أراد النوم لكنه لم يستطع ، فشبح ذاك الاتصال بدأ يتردد في مخيلته كلما أغلق عينيه ، كأنه يسمع ذاك الصوت المجهول الآن ! ، نهض عن سريره و قرر الذهاب لتفحص صورة والده ، خرج من المنزل بخطواتٍ هادئة كي لا ييقظ أحداً ، و ما أن خرج من المنزل ، اتجه بخطواتٍ سريعة كالبرق نحو الصورة ، تفحصها جيداً فوجد فيها تمزقاً جديداً من الجانب الأيمن للصورة ، و منه تبرز ورقة صغيرة كأنها رسالة مطوية بعناية فائقة . أخذ غسان الرسالة و عاد للمنزل قبل أن يراه أحد ، دخل غرفته و أغلق الباب بالمفتاح ، أضاء المصباح الصغير الموضوع على مكتبه ، فتح الرسالة بعناية و يداه ترتجفان ، فأي قدرٍ قد تحمله رسالة من شخص أو جهةٍ مجهولة ، في وطنٍ محتلٍ لا أمن فيه ولا أمان لمواطنيه ، يقرا غسان الرسالة بصوتٍ منخفض كي لا يسمعه أحد ،و يقراً باهتمام و بطءٍ بالغ هذه الرسالة الغريبة القادمة من المجهول ..


" إلى غسان ناصر فارس ...
نعلم كم عانيت في حياتك ، نعلم كم ضحيت أنت و عائلتك من أجل وطنك ، و لكن الوطن دوماً بحاجة للمزيد و المزيد من التضحيات ، نريد أن نعلمك بوصية والدك الشهيد ناصر ، و الذي كان أحد الأركان الأساسية لمجموعاتنا المسلحة ، لقد انتظرناك سبع سنوات حتى تصير شاباً قويا ًلنبلغك بها ، كما طلب والدك رفيقنا ناصر ، و لك حرية الاختيار في تطبيق وصية والدك أو نكرانها ، و لك حرية تصديق هذه الرسالة أو تجاهلها و تكذيبها ، فالحياة كلها محض متاهة مليئة بمفترقات الطرق المتشعبة ، كل انعطاف فيها لهو خيار صعب و جدي ، نتمنى أن لا نكون قد أطلنا عليك .. ها هي وصية والدك لك :
==========================================================
ابني الغالي غسان ، ابني البكر ، اعتذر عن رحيلي عن هذه الحياة الفانية ، في أهم فترة من حياتك ، أعتذر عن هذا الحمل الثقيل الذي تركته ملقى عليك و أنت في ريعان طفولتك والآن أنت في ريعان شبابك ، أعترف أنني سلبت طفولتك منك باكراً ، و لكن هذا حال جميع أطفال فلسطين ، فالصهاينة يأبون أن يتركوا الورود تكبر لتبقى ورودا ً، فطفولتكم المسلوبة هم من سلبوها ، فنحن مقاتلون من أجل الحرية ، و أنا قد قمت بالتضحية بروحي و حياتي في سبيل أن تنعم أنت و إخوتك و أمك بحياةٍ أفضل ، فنحن بإمكانياتنا الضعيفة و لكن بعزيمتنا القوية ، لا بد أن نهزم و نمرغ أنف المحتل الغاشم في تراب هذا الوطن الطاهر ، هذا التراب الذي تطهر بدماء رفاقي و أجدادي من الشهداء و الثوار ، فكما قال الشهيد غسان كنفاني : " خلقت أكتاف الرجال لحمل البنادق ، إما رجالاً فوق الأرض أو عظاماً في جوفها " ، فأنا ضحيت من أجلكم ، فلا تنسوني ، و أنا واثق كل الثقة أنني قد تركت خلفي رجلاً لا ينحني للأيام مهما كانت صعبة ، رجلاً ذو شخصيةٍ عصية على الانكسار . لقد تركت هذه الرسالة مع رفاقي الذين سيواصلون الدرب من بعدي ، و أوصيتهم بأن يعطوك إياها بعد سبع سنواتٍ من الآن ، فأنا أكتبها و انا أنظر إليك نائما ًقرب أخيك الذي يصغرك بسنتين ، محتضناً كرتك الصغيرة ، أشتاق إليكم منذ الآن ، يا ليتني أستطيع أن أبقى ، و لكن الثورة و الوطن ينادونني ، و الصهاينة سيقتحمون المخيم هذه الليلة ، و لن نسمح لهم أن يصلوا إليكم ، أعدكم أنني سأقاتل ببسالة كما عاهدت رفاقي الذين سيخرجون معي ، وصيتي لك أن تحافظ على إخوتك ، أن تسير على دربي و درب من سبقوني من الشهداء ، وصيتي لك أن تتمسك بكل ما أوتيت من قوة بهذه الأرض ، فهي حق لك و لإخوتك و لأولاد أولادك من بعدك يا بني ، أريدك أن تأخذ شيئاً قد تركته لك ، فقط لك لترثه عني ، اذهب لأمك و أخبرها ، يقول لكِ أبي أن الوقت قد حان ، أعطني شادية ، و هي ستقوم بالباقي ، اعتني بها يا بني ، ولا تفرط بها مهما حصل ، فلن يصونك أحد مثلها ... أحبكم جميعاً ، و أشتاق لكم جميعاً مجددا ً، أنتم الأمل الباقي ، أنتم المستقبل .. تحية الوطن و الثورة ..
والدك المحب دوماً و أبداً ...
ناصر فارس – أبو غسان –
==============================================================
نتمنى منك يا غسان أن تكون على قدر المسؤولية التاريخية التي ألقاها والدك على كاهلك الآن ، و نتمنى أن تفكر ملياً في هذه الرسالة ، نعطيك يومين للتفكير في وصية والدك ، و لتتأكد من صحة هذه الوصية ، يمكنك أن تقول لأمك كلمة السر التي كانت تعلمها جيداً من والدك ، قل لها ( النسر كبر ) ، و اطلب منها أن تعطيك ما أخبرك به والدك ، و أبلغنا بردك بالقبول أو بالرفض ، بقبولك أن تكمل مشوار والدك ، أو رفضك و تفضيلك حياتك العادية .. لك كل الحق في أن تختار ما شئت فلن نضغط عليك .. سنتصل بك بعد ثماني و أربعين ساعة ، كن قرب الهاتف العمومي قرب صيدلية أبو خالد يوم الأربعاء الساعة الثالثة عصراً ، سنتصل لنعرف ردك .. ملاحظة : احرق الرسالة بعد أن تنتهي من قراءتها ، فالشخص الوحيد الذي تستطيع نقاشه فيها هي والدتك فقط .. إياك أن تناقش أحداً بها فذلك سيشكل خطرا ًعلى حياتك و حياة عائلتك ..
تحية الثورة و الصمود و البطولة
رفاقكم في كتائب الثورة
"


أخذ غسان نفساً عميقاً ، كانت ضربات قلبه تتصاعد كخفقات أجنحة طائرٍ طنان خائف ، و قال في رأسه : " يا إلهي ! كل هذا كان مخبأً عني طوال حياتي ؟! يا لها من ليلة عصيبة ، يرحمك الله يا والدي ، لكن الآن لست قادراً على اتخاذ أي قرار ، سأنام الآن و أفكر جيداً غدا ًو آخذ مشورة أمي " ..
استلقى على سريره ، و ظل ممسكاً بالرسالة في قبضة يده ، لم ينم تلك الليلة ، ظل مستيقظا حتى ساعة الفجر ، فالصدمة التي جلبتها له الرسالة ، قد سرقت النوم من عينيه ، و ضخت ملايين الأفكار و الذكريات إلى عقله المنهك ، فهذه الرسالة هي مفترق طرقٍ و مرحلة فيصلية في حياة غسان ، و ما هي شادية التي ذكرها والده ؟ أهي شادية ابنة جارهم الصيدلي أبو خالد ؟ أم أن اسم شادية هو رمزية لشيء آخر أراد والده أن يموهه به ؟ لم يكف عقل غسان عن إفراز و طرح الأسئلة التي لم يجد لها أجوبة واضحة و منعته من النوم ، حتى غط في النوم دون وعيٍ منه بعد أن استنفذ التفكير آخر ذرة طاقة و قوة لديه ...
في صباح اليوم التالي ، استيقظ غسان من نومه ، على صوت أمه حين نادته لتناول إفطاره ، غسل وجهه ، و ظن أن الرسالة كانت مجرد حلمٍ ، عاد لغرفته ووجد أن الرسالة ملقاةٌ على السرير ، تأكد أنها حقيقة محضة ، جلس لتناول فطوره مع والدته ، و استغل فرصة أن اخوته في المدرسة ، فباشرها بالحديث بعد أن انتهوا من إفطارهم ...
غسان : أمي أريد أن أتحدث معك في موضوع هام .. هل يمكننا ذلك الآن رجاءً ؟
الأم : بكل تأكيد يا بني ، ماذا هناك ؟ فوجهك يوحي بأن الأمر خطير ، ماذا هناك أخبرني ؟!
غسان : لقد استلمت ليلة البارحة رسالة غريبة ، من رجال يدعون أنهم كانوا يعملون مع والدي ، و أعلموني بوصيته التي تركها لي معهم ، كما اوصاهم هو بدوره قبل استشهاده منذ سبع سنوات ، هل لكِ أي دراية بها يا أمي ؟ أرجوكِ لا تخبئي عني شيئاً ، فمنذ أن وصلتني الرسالة لم يتوقف عقلي عن التفكير و لن أرتاح حتى أعرف تفاصيل القصة كاملة ...
الأم : لم أتوقع أن هذا اليوم سيأتي سريعاً هكذا .. آآه على حسرتي ، جدك استشهد و سلم الأمانة خالك محمود الذي أصبح أسيراً ، منذ ثلاثين عاماً ، حين سلم الأمانة الملقاة على عاتقه لوالدك ، حين كان أسيراً بدوره ، و ها أنت الآن يا ولدي ، تستلم حملاً أدعو الله أن تكون قدراً و أهلاً له ، إنها فلسطين يا غسان ، إنها قضية أجدادي و أجدادك .. يا إلهي .. كيف مرت السنوات السبع بهذه السرعة ...
غسان : إذاً ، فالرسالة حقيقية إذاً ، لماذا أخفيتي عني الحقيقة طيلة هذه السنين ؟ لماذا لم تخبريني شيئاً عن هذه الوصية ؟
الأم : أنا يا ولدي نفذت وصية والدك بحذافيرها كما طلب مني .. سامحني ..
غسان : لا بأس يا أمي ، أتفهمك جيداً ، على كل حال و كما كان مكتوباً في الرسالة ، أريد أن أعرف ما أو من هي شادية التي أخبرني والدي عنها ؟
ابتسمت الأم ابتسامةً ممزوجة بالألم ، فقد تدفقت ملايين الذكريات المدفونة منذ سبع سنوات في ذاكرتها ، انسابت من قلبها صعوداً لعينيها التي تحولت في لحظةٍ لدمعة تدحرجت على خدها ، دمعة تبخترت بين ثنايا وجه أم غسان التي أنهكتها السنين المغبرة ، سرحت قليلاً ، تذكرت زوجها بعطفه و حنانه الممزوجين بصلابة المقاتل ، بقداسة صاحب القضية التي لم يتوانى في الدفاع عنها منذ أن تعلم أبجديات الحياة الفلسطينية المثقلة بالجروح و آهات ما يزيد عن ستون عاماً من المعاناة و التهجير .
مرت لحظات و كان غسان يتأمل دمعةً ، فثانية ، فثالثة ، تنساب من عيني أمه و هي ترسم تلك الابتسامة على وجهها الجميل ، كان هو الآخر قد امتلأ رأسه بالعديد من الأفكار ، كان قلبه يخفق بسرعة كطائرٍ طنانٍ أنهكه تعب يومين من التحليق المستمر ، التفتت إليه أمه و رسمت ابتسامةً أكبر على وجهها ، عانقتها بكل ما أوتيت من قوة و دفء ، قبلت رأسه بعمقٍ و حنان ، و غادرت الصالة ببطء قائلة لغسان : " تناول المزيد من الطعام يا ولدي ، فستحتاج كل نقطة طاقة في طريق حياتك الجديد ، سآتي على الفور " ، غادرت الصالة تاركةً غسان وحده يسبح في محيط أفكاره محاولاً النجاة متشبثاً بفكرةٍ واحدةٍ ، هي فلسطين !


الفصل الثالث : شادية !

مرت خمس دقائق ، حلق فيها غسان بمخيلته في انتظار قدوم والدته ، بدأ القلق يتسلل إلى قلبه ، فما هي شادية ؟ فتارةً يظن أنها جارته الحسناء شادية ، و تارةً يعتقد أنها قطعة الأرض التي تركها لهم والده من ميراث جده ، و لكن لم يخطر على باله قط ما هي شادية ، فشادية التي ستغير حياته و تضفي عليها طابعاً جديداً ، لوناً جدياً صارماً لم يشهده في حياته .
تدخل والدته و هي تحمل بين يديها كوفية والده الحمراء ، و قد لفتها حول شيء ما ، تحملها كأنها طفلتها الوحيدة ، تسير بحذر و قد لفت ذراعيها حولها محتضنةً إياها ، تنظر إليها كأمٍ تنظر لطفلتها التي أنجبتها بعد سنواتٍ طويلة من العقم ، تقترب من غسان الذي بدأت عيناه تلتهم والدته منذ أن دخلت الغرفة بطفلتها الملفوفة بالكوفية الحمراء ، الكوفية التي كانت حوافها ملطخة ببعض الدماء الجافة القديمة . حين اقتربت أمه منه و كشفت اللثام عن شادية ، انهالت الحقيقة عليه كجبلٍ أصيب بصعقة برق مدمرة ، شادية ليست سوى بندقية ! ، و لكنها ليست أي بندقية ، فهي بندقية والده التي قاتلت معه سنيناً طوال ، هذه البندقية التي زغردت رصاصاً و موتاً في وجه المحتلين الجبناء ، التي دافعت بجوار والده و رفاقه عن هذا المخيم المنهك ، ناولته إياها أمه في حذر ، أخذها منها و هو يتأملها بأدق تفاصيلها ، يتلمس كل تفصيلٍ صغير على مقبضها الخشبي الداكن ، يستشعر روح والده فيها ، يشعر بشيءٍ من والده قد تدفق للتو منها إليه ، كأنها تحادثه و يحادثها ، بالنظرات و اللمسات الهادئة ، لم يتوقع قط أن والده كان قد أطلق على بندقيته اسم شادية ، تذكر غسان كيف كان والده دوماً يشحمها و يزيتها ليحافظ عليها من الغبار و الصدأ ، تذكر تلك الليالي الكثيرة التي كان والده يمتشق بندقيته السمراء ، يمتشق محبوبته شادية ، يخرج واثقاً بها ، لا يهمه شيءٌ لطالما هو يثق بها و هي تثق به ، تذكر كلمات والده حين كان صغيراً ، حين رأى لأول مرة البندقية و أخبره والده :" يا بني ، البندقية هي طريقنا لتحرير أرضنا ، هي العرض ، هي العشيقة ، هي الحب الأبدي الذي سينجب لك حقوقك المسلوبة من هذا المحتل الجبان الذي لا يعرف سوى لغة الدم و البارود ! " يستمر غسان في النظر و التأمل ، يتلمس الزناد تارة ، و يقبض على بطن البندقية تارة أخرى ، يتحسس هيكلها المصنوع من الفولاذ الأسود ، يمرر يديه على ماسورتها الطويلة الباردة ، ثم يحتضنها بقوة ، كأنها حبيبته التي لم يراها منذ عقود ، قبلها و ذرف بعض الدموع العابرة ، نظر لأمه فرآها تنظر لصورة والده المعلقة على الجدار ، و قد ارتسمت على وجهها ابتسامةٌ مليئة بالحب و الفخر ، و كانت تهمس كأنها تحادث الصورة المعلقة بصوتٍ خافت " كبر ابنك يا ناصر ، كبر و أصبح رجلاً الآن ، و ها هو يكمل المشوار ، و ها أنا قد أوفيت لك بوعدي يا حبيبي ، ارقد في سلام " . كان غسان يستمع لهمسات أمه دون أن ينبس ببنت شفة ، تسللت له حينها مشاعر الفخر و القوة ، أحس أنها تنبع من شادية ، من صورة والده المعلقة على الجدار ، من كلمات أمه القوية ، من قلبه الذي شعر بأنه أصبح ينبض ثورةً و شموخ ، أشاح بنظره ثانيةً على أمه و عاد لينظر الى شادية مجدداً ، ثم بادر بالكلام ...
غسان : أمي ، أعدك أنني سأحافظ على شادية ما حييت ، لن أفرط بها يا أمي ، سأعتني بها كأنها زوجتي و ابنتي ..
الأم : حافظ عليها يا غسان ، فهي ما تبقى لنا من والدك ، و هذه الكوفية هي التي كان والدك متلثما ًبها حين أقدم الصهاينة على اجتياح المخيم ، و قد عطرها والدك من عبق دمه الثائر ، فهو لم يفرط و لو للحظة بالثوابت ، و لم يخن العهد يوماً ولا القضية ..
غسان : سأكون الرجل الذي تمنى أبي أن أكون ، و لن أخيب ظنه بي ما حييت .. أعدك بذلك .

وضع غسان البندقية جانباً ، و أمسك يد أمه ثم قبلها و هو ينظر لعيني أمه التي كانت لا تزال تنزف دموعاً ، احتضنته أمه و قبلت كتفه ، بقيا على هذا الحال لما يزيد عن الخمس دقائق ، مرت كأنها ثواني معدودات ، فغسان الذي أصبح يرى مستقبله من منظور آخر الآن ، أصبح يرسم طريق ذاك المستقبل بجانب شادية ، أصبح يرى فلسطين أقرب عبر فوهة البندقية ، عبر عيني شادية التي كانت تتكئ بجانبه بكل برودة و صمت ، تتأهب لمعركةٍ جديدة ، لتسطر أبجديات البطولة من جديد ، بدماءٍ شابة ، برفيقٍ جديد لها .
عاد غسان لغرفته حاملاً شادية ، أغلق الباب جيداً ، جلس على سريره ووضعها أمامه ، تأملها مجدداً ، لم ينبس ببنت شفة و لم يشعر بأي ملل من التحديق في هذه البندقية العزيزة ، خبأها في خزانته و اغلق عليها جيداً ، فوقتها لم يحن بعد ، و عليه أن يخبر رفاق والده بقراره النهائي غداً . أيقن أنه قد عرف طريقه الآن ، فهو لم يعد طفلاً لا يعلم حقيقة الأمور و حقيقة الحياة الصارخة ، أصبح رجلاً عليه ما عليه من مسؤولية و له ما له من حقوق مسلوبة سيسترجعها يوماً ما .
غير ملابسه و قرر الذهاب لعمله سيراً على الأقدام ، لتنشق بعض الهواء النقي و التفكير ملياً فيما سيفعله في المستقبل المترصد له من كل اتجاه ، خرج من منزله ، و عقله ما زال مشدوداً إلى شادية ، و هو خارج من بيته لمح جارته شادية كذلك ، لم ينظر إليها أبداً من قبل بهذه الطريقة ، فكيف يكون هذا ممكناً ؟ شادية جارته ذات الثماني عشر عاماً قد كبرت و أصبح جمالها الفاتن يتجرد من شرنقة الإنسانية إلى فراشة الملائكية الأخاذة ، كانت تسير ببطءٍ تتهادى على الأرض كأنها قطرات مطرٍ تقبل الأرض بكل لطفٍ و حنان ، ابتسم لها ابتسامةً و حياها ، بادلته الابتسامة بخجلٍ و أسرعت في خطواتها نحو البيت ، بقي غسان متجمداً في مكانه يراقبها تبتعد و تلتفت خلفها في خجل جميل ، قاطعه صوت جاره العجوز أبو فايز ضاحكاً " و الله كبرت يا غسان و بدك عروس ! " ، امتلأت وجنات غسان بالدماء خجلاً كشقائق النعمان البرية ، ثم سارع بالسير كي لا يتأخر عن عمله دون أن يلتفت للوراء ، و عقله يضج بالأفكار المتناحرة ، ما بين شادية البندقية ، و شادية جارته الحسناء ، فكلاهما سلبتا عقله منذ الوهلة الأولى التي نظر فيها إليهما بتمعن و إحساس .
كان يسير على عجلٍ حائماً بأفكاره بعيداً ، لم يشعر بالطريق قط ، اصدم فجأةً برجلٍ فوقع أرضاً ، استفاق غسان من دوامة أفكاره فجأة دون سابق إنذار ، ليجد رجلاً طويلاً عريض الكتفين متصلب الجبين ، وقف و نفض ملابسه من الغبار ، اعتذر من الرجل على حماقته و تابع سيره دون أن يلتفت للوراء .


بينما وصل غسان لعمله ، كانت شادية قد وصلت للمنزل ، قبلت والدتها و غيرت ملابسها ، و بينما كانت أمها توجه لها الحديث لم تكن شادية في عالمنا هذا ، بل كانت تطوف هي الأخرى في عالمها الخاص ، فلم تغب نظرات غسان إليها عن بالها لحظة ، فشادية ابنة الثمانية عشر عاماً ، لم يكن لديها ما يشغلها في حياتها سوى دراستها الثانوية و هواية الخياطة التي تعلمتها من والدتها ، لم يكن هناك رجلٌ في مخيلتها أكثر كمالاً من غسان ، تذكرت تلك السنين البعيدة التي قضوها معاً حين كانا طفلين ، يلعبان أمام المنزل و يصرخان و يركضان على طول شوارع المخيم القديمة ، كم كانت تلك السنوات جميلة ، لكنهما كبرا الآن و لم يعد مسموحٌ لهما حتى الحديث سوياً أمام العامة ، تذكرت كم كان طفلاً مشاغباً يشد شعرها و يشاكسها دوماً ، و لكنها كانت تعود لتلعب معه في صباح اليوم التالي ، كل شيء تغير الآن ، غسان أصبح رجلا ًقوي البنية و جاد الطباع ، و شادية أصبحت امرأة على عتبات الزواج ، تنفست شادية الصعداء متعجبةً من سرعة مرور تلك السنوات التي شعرت لتوها أنها لم تكن سوى لحظات سعادة في ذاكرتها الوردية.
قاطعتها أمها حين نادتها لتناول الغداء ، أخرجتها من عالمها الذي تسللت له لبضع لحظات من خلال بضع نظراتٍ بريئة تبادلتها مع غسان دون حسبان أو ترتيب ، تناولت الغذاء و هي شاردة الذهن ، صعدت لغرفتها ، صورة غسان ما زالت عالقة في رأسها حتى الآن ، ما هذا الشعور الغريب الذي سيطر عليها ، هي نفسها لم تعد تعلم ما حل بها من لعنة غسان ، أصبح كلعنة و هاجسٍ يطاردها كل ثانية ، جلست تدرس و تخربش هنا و هناك بين أوراق كتابها ، و في منتصف قراءتها سرحت قليلاً مجدداً ، و حين استفاقت من رحلتها القصيرة وجدت نفسها قد كتبت دون وعيٍ أو إحساس اسم غسان فوق ورقات الكتاب الباردة َ ! ، صدمت شادية من نفسها ، فهي لم تكن تفكر قط في رجل أو شاب و لم تكن تؤمن بروايات الحب و الأفلام التلفزيونية الدرامية ، لم تكن ذات خبرة في الرومانسية ، لم تحب سوى المسرحية الشكسبيرية " روميو و جولييت " ، و لكنها كانت ترفض الحب أو العلاقات العابرة ، و لم تكن تؤمن بالحب من أول نظرة كما علمته من الروايات و القصص الغرامية التي قرأتها على مر الأعوام السابقة ، كانت الحيرة سيدة الموقف ، و كان القلب ينبض دون توقف مما يزيد الأمر إرباكاً و توتراً على شادية ، قررت أن ترتاح قليلاً و تأخذ قسطا ًمن النوم .



الفصل الرابع : حياة جديدة

مر يومين على استلام غسان للرسالة ، فكر جيداً و تأكد من رغبته الكاملة في السير على خطى والده و من سبقوه من شهداء و أسرى على طريق الحرية و التحرير ، رمى غسان الرسالة في الفرن ليحرقها ، استأذن من العمل و غادر باكراً كي يصل قبل موعد الاتصال كما وضحت له الرسالة ، وصل صيدلية أبو خالد ووقف منتظراً قرب الهاتف ينتظر الاتصال ، شارفت الساعة أن تصبح الثالثة عصراً ، نظر إلى ساعته حيث شعر أن عقرب الدقائق يتحرك ببطء شديد ، مرت الدقائق كأنها ساعات على غسان ، جمع أفكاره و كلماته منتظراً ذاك الاتصال الذي سيبدأ من خلاله مشوار البطولة و الكفاح ، جنباً لجنب مع رفاق والده .
رن الهاتف ، رفع غسان السماعة بسرعة و لهفة ، و كان الصوت نفسه الذي حادثه المرة السابقة ..
غسان : مرحبا
الرجل : أهلا غسان ، لا وقت للسلامات ، معك أبو علي ، أخبرني ما قرارك ؟
غسان : و كيف تأكدت أنني غسان ؟
الرجل : كفاك تشكيكاً ، ليس لدينا وقت لهذا الهراء ، إني أراك ’ أخبرني فقط ما ردك بكل اختصار ، نعم أم لا ؟؟
غسان : نعم ، قررت أن أنفذ وصية والدي ..
أبو علي: حسنا ً، هل قابلت شادية ؟
غسان : أجل ، قابلتها و هي عندي بالمنزل الآن ..
أبو علي : جيد ، خذها و قابلني خلف المدرسة القديمة بعد نصف ساعة من الآن ، و احرص على ألا يراك أحد ..

أغلق السماعة و لم ينتظر رد غسان ، تعجب غسان من طريقة كلام هذا الرجل ، لم يكن غسان يعرفه أو يثق به ، فكل ما يعرفه أنه استلم تلك الرسالة الغامضة و أن هذا الرجل هو من أرسلها إليه ، توجه نحو المنزل و غير ملابسه و لف شادية في كوفية والديه القديمة ، وضعها في حقيبة رياضية طويلة ، و خرج متسللاً بين بيوت المخيم كي لا يراه المارة ، بعيداً عن عيون الناس حتى وصل إلى المدرسة القديمة ، تأكد أنه لم يتبعه أحد ، و جلس متكئاً على حائط المدرسة المتصدع ، و بينما هو ينتظر لمح رجلاً من بين الأشجار يلوح له بيده ليقترب ، اقترب غسان منه ، كان الرجل ملثماً لا يظهر من وجهه سوى عينيه ، و بعض التجاعيد التي تركها الزمن في جبينه ، لم يتحدث الرجل بكلمة ، أشار بيديه بأن يتبعه غسان ، تبعه غسان و سار خلفه لساعة على الأقل ، وصلا إلى بيتِ مهجور متصدع الأركان ، دق الرجل على الباب ثلاث دقات خفيفة و دقتين قويتين ، فتح الباب رجل عجوز امتلأ رأسه بالشيب ، دعاهما للدخول و أغلق الباب بالترباس و المفتاح من خلفهما ، كل هذا و غسان مندهش و لا يعلم أي شيء ، بدأ الخوف و التوتر يتسللان إلى قلبه ببطء قاتل ، شعر ببردٍ بسيط ينخر عظام ظهره جراء الخوف و القلق ، فهو في مكانِ لم يدخله من قبل مع رجالِ لا يعرفهم بعد ، أين هو أبو علي الذي حادثه و دبر له هذا اللقاء ، و ما هذا التكتيك الأمني المحكم ! ، ملايين الأسئلة كانت على لسان غسان منذ الوهلة الأولى التي دخل فيها هذا المكان الغريب ، دخل خلف الرجل الملثم في غرفة داخل المنزل حيث وجد كرسياً في منتصف الغرفة ، أشار إليه أن يجلس ، بينما تبعهما الرجل العجوز ، مرت ثواني و غسان قلبه يكاد أن ينفجر من الخوف من هذا الموقف الغير مألوف له ، حتى أثلج صدره صوت الرجل العجوز حين نطق أخيراً بضع كلمات جعلت من خوفه يتبدد ولو قليلاً : " لا تقلق يا غسان ، اجلس و انتظر الرفيق أبو علي سيأتي بعد قليل " .
يدخل الغرفة رجلٌ طويل القامة ، عريض الكتفين ، صدم غسان ! ، إنه ذاك الرجل الذي اصطدم به غسان البارحة حين كان مستعجلاً في طريقه للعمل دون قصد ، سمع ضحكةً خفيفة ، فبادر غسان الحديث ..
غسان : هل أنت أبو علي ؟؟
أبو علي : صحيح يا غسان ، أنا أبو علي ، أنا من اتصلت بك مرتين و أنا من كتبت الرسالة ..
غسان : أخيراً ! سامحني لم أتعمد أن أصطدم بك البارحة ..
أبو علي : لا عليك ، أعلم أن لديك الكثير من الأسئلة التي تريدنا أن نجيبك عليها ، فلا تخف و اسأل ما شئت ، فلن أتردد في الإجابة عن أي شيء تريد أن تعرفه ..
غسان : أريدكم فقط أن تعلموا أنني سأمضي على خطى والدي ، و أريد أن أعلم ما سيكون دوري في هذه القضية العادلة ؟ أريد أن أعرف ما لي و ما علي في هذه الثورة !
أبو علي : إذاً ، لقد حان الوقت لتنطلق في ثورتك الخاصة ، سيكون دورك يا بني أن تكون كل شيء ، فالشاب الفلسطيني هو كل شيء ، هو الأرض ، هو المقاتل الصلب عنها ، هو الفلاح و الطالب و العامل ، هو كل شيء للأرض كما هي كل شيء له ..
غسان : حسناً ، أخبرني متى سنبدأ ؟
أبو علي : يعجبني حماسك .. سنبدأ ليلة غد ، لكن قبل كل ذلك عليك اتخاذ اسم حركي لك للتمويه في الكتابات و المراسلات فيما بيننا .. و لكننا نفضل أن نطلق عليك اسم : أبو وديع .. ما رأيك ؟!
غسان : حسناً ، لا بأس به ، من الآن فصاعداً سيكون إسمي أبو وديع .
أبو علي : اتفقنا إذاً ، غادر الآن سألقاك هنا صباح غد الساعة السابعة صباحاً ، لا تتأخر و أحضر شادية معك ، و هاك عشر رصاصات لا تضيعها ..
غسان : حسناً ،، سأكون على الموعد .

غادر غسان متوجهاً لمنزله ، تحت ستار الليل الداكن ، لا يرشده سوى نور القمر المنعكس على طرقات المخيم الباردة ، و حين اقترب من منزله ، شاهد جارته شادية جالسةً قرب نافذتها تتأمل سماء الوطن المزين بنجومٍ تماثل عددا بأعداد الشهداء ، كان الجو لطيفاً محملاً بنسمات الهواء المنعشة ، و هدوء الليل يكاد بضجيجه الآني أن لا يعكره شيء سوى رصاصاتٍ بعيدة اعتاد أهل المخيم على سماعها كل ليلة ، وقف حائراً متأملاً جمال شادية من بعيد ، يتأمل شعرها الأسود الداكن المسدول فوق كتفيها السمراوين ، كانت دقات قلبه تتسارع دون رأفة ، سند ظهره للحائط خلف عمود الكهرباء خشية أن تراه و تعود لتختفي في غرفتها من جديد ، هامت فكرة متناقضة الأوصاف في عقله الذي يكاد أن ينفجر من كثرة التفكير في الآونة الأخيرة ، فكيف له أن يعشق الآن ؟ لقد كانت شادية طوال عمره أمامه و لم يفكر قط أن يتقرب منها حتى ، فقد كان يخجل من أن يرد عليها السلام من بعيد ،و الآن أحبها و قد بدأ حياةً جديدة قد تنتهي في اشتباكِ لن يرحمه فيه الاحتلال الذي لا يعرف حباً أو أي معنى للحياة ! .
في تلك اللحظة التي شرد فيها غسان بذهنه بعيداً داخل متاهات عقله اللامتناهية ، استفاق من شروده إذ بشادية تنظر إليه و قد ارتسمت على وجهها ابتسامةً رقيقة ، وجد غسان نفسه يقترب دون وعيٍ منه نحو منزل شادية ، كان ستار الليل فقط هو ما يحمي العاشقين الصغيرين ، اقترب من نافذتها بحذر ، و هي تنظر له نظرةً ملؤها الخجل و الحياء ، اقترب منها ، و كان قد تجسد الوطن المسلوب في عينيها السوداوين ، و ارتسمت الحرية العارية من القيود في خصلات شعرها المسدول ، و رأى الأمل مزروعاً في ثغرها المتبسم ، ظل يقترب منها و لم تتحرك عيناهما ، فقد كانا يحدقان في أرواح بعضهما البعض دون شعور أو حسبان ، و حين لم يبقى بينهما سوى ما يقل عن النصف متر ، و دون سابق إنذار أطلقا رصاصة الرحمة على قلبي بعضهما البعض ، نطقا بنفس الكلمة في نفس اللحظة ، تبادلا كلمات الحب ، التي خرجت لأول مرة من لسانيهما ، انبهرا بتوحد شعورهما ، عرفا أن العالم كله قد يحول دون حبهما ، عرفا انه من المرجح أن لا يتسع هذا العالم المكتظ بالبشر لحبهما ، و أن هذا الوطن الذي تكاثر عليه الأعداء لربما لن يتسع لإنسانيتهما البريئة .
مد غسان يده لشادية ، سائلاً إياها ، أتشاركيني حياتي ؟ أتنضمين لي في مغامرة عشقنا الخطيرة ؟ ، مرت ثواني شعر غسان بها كأنها سنوات مليئة بالألم و الأوجاع ، قربت شادية يدها ببطء و هي ترتجف ، فلم يلمسها أحد من قبل ، وضعت يدها الصغيرة في يد غسان الكبيرة الخشنة ، و تمسكت بها في صمت ، كانت يدها ناعمةً جداً مقارنةً بيد غسان الذي دعكته الحياة ، كانت لحظةً تمتلئ دفئاً و أمان ، كانا كشمسين يتقدان حرارةً وسط فضاء المخيم البارد ، تواعدا باللقاء مجددا ًغداً في المساء كما حصل اليوم ، ترك يدها و الحزن يعتصر قلبه بينما كان الخوف كامنا ًبين ثنايا روحه من عدم اللقاء من جديد ...

أشرقت شمس الصباح مخترقةً بأشعتها الذهبية فتحات ستارة شباك غسان المهترئة ، لتزعجه من نومه الذي شعر بأنه كان حياةً كاملة من عمقٍ غير متناهي الأبعاد ، تناول إفطاره في صمت ، تذكر و هو يتناول طعامه ما حصل ليلة أمس ، من لقاء الكتائب و رسم بداية مسيرته الثورية ، و لقاء شادية التي سلبت عقله ووجدانه ، شادية التي سحرته بطبيعتها الجميلة و البسيطة كأرض الوطن الحبيب .
نهض و لبس ملابسه ، قبل أمه على جبينها و أخبرها أنه ذاهب لرؤية أبو علي ، و أنه انضم للكتائب ، بادرته والدته بالاحتضان و أخبرته مدى فخرها به و أنها ستنتظر عودته على أحر من الجمر ، جلس و كتب رسالةً إلى حبيبته مخبراً إياها بشوقه لرؤيتها الليلة و بدأها بمقولة درويش " نحن شعب نحب الحياة ما استطعنا إليها السبيلا " ، و أراد أن يعطيها اياها حين يراها ذاهبة لمدرستها بعد قليل في طريقه للقاء أبو علي ، فالساعة الآن السادسة و النصف صباحاً ، غادر المنزل على عجل ، قطف وردةً من تلك الورود التي كانت والدته تزرعها في اصيص الورود على عتبات المنزل ، و هرع لينتظر شادية و هي ذاهبة للمدرسة ، رآها ، اقترب منها شيئاً فشيئاً ، أعطاها الوردة و الرسالة على عجلٍ كي لا يراهما أحد . لم تتفوه شادية سوى ببضع كلمات أشعرته بها أنه يطفو في فضاء الحياة دون قيود أو حدود ، على رغم أن جل ما نطقت به كان " صباحي أجمل بك يا غسان " مصاحبةً كلماتها بابتسامةِ بريئة فاتنة ، و هو من فرحته لم يرد عليها سوى بكلماتٍ لم يتوقع خروجها مما أضحكها " و أنا كمان " ، و انسحب في عجلة من أمره ليلحق بموعده مع الكتائب .
وصل غسان إلى مخبأ الكتائب خلف المدرسة القديمة ، انتظر قدوم باقي رفاقه ، اتكأ تحت شجرة زيتونٍ عملاقة فوق حقيبته التي أخفى فيها بندقيته شادية ، حتى وصل الرفاق و دخلوا في المخبأ ليتفقوا و يخططوا ما سيفعلون .




الفصل الخامس : عناق مع تراب الوطن

بينما كان غسان جالساً مع أبو علي ، يتناقشان في أبجديات الثورة و يعلمه كيفية استخدام البندقية ، كان هناك طرقٌ على الباب ، فتح أبو علي الباب ، دخل ثلاثة شباب آخرين لم يعرفهم غسان ، خلعوا لثامهم و جلسوا في دائرة بجوار غسان ، وضعوا بنادقهم بجانب بندقية غسان قرب الحائط بينما ذهب أبو علي لإحضار القهوة ، و حين عاد أبو علي بادر بتعريف الشباب على بعضهم البعض ..
أبو علي : أهلا و سهلا بالشباب ، أريدكم أن تتعرفوا على رفيقنا الجديد ، الرفيق غسان ناصر فارس و سيكون لقبه " أبو وديع " ، سيكون إضافة نوعية و عوناً كبيراً لنا و للقضية ، و هو ابن رفيقنا الشهيد القائد ناصر فارس ، هيا أريدكم أن تعرفوا أنفسكم له ..
الشاب الأول : مرحباً ، أنا الرفيق ماهر نزال و اسمي الحركي " عسكر " ، تشرفت بك رفيقي .
الشاب الثاني : أنا الرفيق سامر سعدات و اسمي الحركي " أبو وطن " ، تشرفت بك رفيقي .
الشاب الثالث : سعدت بمعرفتك ، الرفيق فارس سمير حداد و يمكن مناداتي " أبو هاني " .
غسان : تشرفت كثيراً بكم رفاقي ، سعيد جداً بالتعرف عليكم جميعا ً، أتمنى أن أكون عند حسن ظنكم بي .
أبو علي : حسنا شباب ، غسان ، أنت الآن ضمن خلية الشهيد ابراهيم الراعي ، و ستكونون جميعاً يداً واحدة و سيكون مسؤولكم الرفيق عسكر ، سيتلقى التعليمات مني و من قيادة الكتائب و يتفق معكم على آليات المهمات و تنفيذها حسب تكليفات الكتائب ، لذلك أترك له المجال ليبدأ الحديث معكم عن التكليف الجديد الذي كلفناكم به.
عسكر : أريدكم أن تركزوا معي يا شباب ، لست مسؤولاً ولا أحب هذه المسميات الرسمية ، سنكون يداً واحدة كما قال الرفيق أبو علي ، لذا اسمعوني جيداً ، فكل واحدٍ منكم سيكون له دوره في أي مهمة تكلفنا بها الكتائب و سنكون جميعاً في الميدان ، أهم شيء هو روح العمل الجماعي رفاقي الأعزاء ، و السرية هي روح عملنا كي لا نخسر القضية ، فالموت في سبيل القضية شيءٌ نبيل ، و لكن القضية تحتاجنا أحياءً و ليس جثثاً هامدة ، فهل لدى أيٍ منكم أي أسئلة ؟ خاصةً أنت يا رفيق غسان لأنك جديد ؟
غسان : كيف ستكون طريقة تواصلنا ؟ و هل أستطيع أن أودع أمي قبل أي مهمة ؟
عسكر : سؤال جيد ، سنتواصل بلغة مشفرة في كتاباتنا و عبر الهاتف بتلميحات مجازية كي لا ننكشف و سنستخدم أسماؤنا الحركية في كل شيء بما يخص الكتائب ، و إن وقعتم في أسر الصهاينة إياكم الاعتراف بأي شيء ، فالاعتراف خيانة ، و نعم يمكنك اخبار أمك يا غسان فهي كانت من رفيقات درب والدك ، و يمكنكم جميعاً توديع أمهاتكم قبل كل مهمة فلا نعلم متى سنموت ، فكما قال الشهيد غسان كنفاني " احذروا الموت الطبيعي و لا تموتوا الا بين زخات الرصاص ، و حين تنفذ حبات الرصاص تكون الشهادة أقرب الطرق للوطن الجريح " .
غسان : شكراً لك رفيقي هذا كل ما كنت آمل سماعه منك ، يمكنك أن تكمل ..
عسكر : ستكون عمليتنا دقيقة لا نريد أن نخطئ فهي في قلب أراضينا المحتلة ، و لكن احذروا و لا تؤذوا طفلاً أو امرأة مدنية ، فذلك ليس من أخلاقنا فنحن شعبٌ نحب الحياة و لكنهم شعبٌ يهوى الموت و الخراب و الاستعمار ، فالمستهدفين من عمليتنا هم الجنود الذين سيكونون على الحاجز الموجود على الحدود الشمالية للمخيم ، ستكون مهمتكم تصفية الجنود و الانسحاب ، و ستكون أدواركم موزعة كالآتي : ( أبو هاني ) سيكون عليك أن تحضر سيارةً بدون أرقام تعريفية ، ستكون سائق المجموعة . ( أبو وطن ) أنت ستكون عنصر الاستطلاع و المراقبة ، يجب أن تحضر لنا جميع المعلومات قبل العملية عن مكان العملية و عدد الجنود الموجودين و ان كان هناك تواجد للآليات أو لوحدة المستعربين . ( غسان ) ستكون أنت عنصر الاسناد و ستطلق النار على الجنود بعد أن أطلق النار عليهم و تعطيني غطاءً نارياً عند انسحابي حتى عودتنا بالسيارة ، أنا سأطلق النار على الجنود ، لا أحد يطلق النار الا اذا اضطرتكم الحاجة لذلك لتتركوا مهامكم الموكلة اليكم .
أبو وطن : متى ستكون العملية يا رفيقي ؟
عسكر : انطلق الآن فالعملية ستكون عصر هذا اليوم ، لقد انتهى الاجتماع الآن ، عودوا لتمارسوا حياتكم الطبيعية الآن ولا تخبروا أحداً بتفاصيل العملية ، و عودوا اليوم قبل صلاة العصر بساعة ، كي نبدأ ، و أنت يا أبو هاني عليك أن تكون قد أحضرت السيارة بينما أنت يا أبو وطن أحضر المعلومات كاملة كي لا نقع في خطأ قد ينهي حياتنا جميعاً .. باسم فلسطين ننهي اجتماعنا .
أبو علي : حسنا يا شباب ، توكلوا على بركة الله ، فالثورة تناديكم ، خذوا هذه ثمانون رصاصة لكم ، كل رفيق له عشرون رصاصة للعملية ، كونوا شجعانا ًفالوطن يحتاجكم ، و سيروا على بركة الله .

خرج الرفاق بعد أن ودعوا بعضهم البعض ، و غادروا كلٌ في طريقه ، بقي غسان مع أبو علي في المخبأ يعلمه المزيد عن استخدام البندقية حتى أتقن استخدامها . غادر غسان الى المنزل وودع أمه و أخبرها أنه ذاهب لتلبية نداء الوطن ، ليتيح للأجيال القادمة و لإخوته مستقبلاً زاهرا ًفي وطنٍ آمن خالي من الاحتلال و الطغيان ، أخبرها عما حصل بينه و بين جارته شادية ، و أنه أحبها و يريد أن يتزوجها ، وعدته والدته أنه ان عاد سالما ًستزوجه اياها في أقرب وقت ..
مضى الوقت مسرعاً ، أتى موعد العملية ، توجه غسان نحو المخبأ ووجد الرفاق جاهزين ينتظروه ، راجعوا سوياً جميع تفاصيل العملية بالإضافة للمعلومات التي أحضرها الرفيق أبو وطن ، و ركبوا السيارة متجهين نحو المجهول ، فلا احد منهم يعلم ما كان القدر يخبئ لهم في جعبته من مفاجآت القدر اللامتوقعة .
وصل الرفاق لمكان قريب من الحاجز ، نزلوا بين أشجار الزيتون كي يخفوا السيارة ، أخرجوا بنادقهم و تقدموا ببطء نحو الحاجز عن مسافةٍ لم تتجاوز المئة متر ، كانوا يتوارون بين شجيراتٍ بسيطة متباعدة ، تقدم عسكر برفقة غسان زحفاً شيئاً فشياَ ، بدأ عسكر المهمة فأطلق رصاصةً أصابت جندياً في رأسه فأردته قتيلا ، و هم يطلق النار على باقي الجنود بغزارة ، أمطرهم بوابلٍ من رصاصاته الثائرة ، تقم نحوهم و هو يطلق النار بينما غسان ينتظر انتهائه ليغطيه نارياً عند انسحابه ، قتل عسكر خمسة جنودٍ صهاينة ، تعبق الهواء برائحة الموت الخانقة ، عاد عسكر أدراجه و كان قد رأى باصا ًينقل طلاباً من المدرسة العبرية للمستوطنة المجاورة للمخيم ، لم يطلق النار ، أراد فقط أن ينسحب من المكان ، عاد ليأخذ بنادق الجنود الموتى ليغتنمها للثورة ، و هو في طريق عودته للسيارة ، توقف الباص ، و خرج جندي من المستعربين ، أطلق النار على عسكر من مسدسه فأصابه إصابةً مباشرة في القلب ! ، صدم غسان من مفاجأة الهجوم ، و استغلال المستعربين لباص أطفال في هجومهم ، يا لجبنهم ، أطلق غسان لهيب بندقيته نحو المستعرب بكل غزارة ، أصاب كتفه بينما كان رفاقه الآخرين يركضون نحو عسكر لسحب جثمانه ، و لم تمضي نصف دقيقة حتى أتت قوة من جيش الاحتلال لتطوق المكان ، انسحب الرفيقين نحو السيارة حاملين معهم جثمان رفيقهم عسكر ، منادين على غسان ، الذي انشغل بالاشتباك مع بعض جنود الاحتلال ، أصاب اثنين منهم ، و حين نفذت ذخيرته ، وضع بندقيته على ظهره و نهض راكضاً نحو السيارة ، فشعر بشيءٍ ساخنٍ يخترق بطنه ، شعر بألمٍ شديدٍ يمزق أمعائه ، سقط على الأرض و اسودت السماء في عينيه ، سيطر البرد على جسده و رأى دمائه تسيل منه ، و فجأةً فقد الإحساس بالمكان و الوقت .
سقط غسان على الأرض يلامس رأسه تراب الوطن الدافئ ، نزل أبو وطن من السيارة راكضا ًنحوه لسحبه بينما كان أبو هاني يعطيه غطاءً نارياً مشتبكا ًمع جنود الاحتلال الذين بدأوا يتوافدون نحو المكان ، و حين حمل أبو وطن غسان على يديه أصابته رصاصة قاتلة في ظهره ، فسقط شهيداً لينضم لرفاقه في هذه العملية البطولية ، و كان آخر ما قاله بأنه صرخ موجها كلامه لأبو هاني : " اهرب رفيقي ! " قبل أن يرتطم بالأرض هو و غسان .
أدار أبو هاني محرك السيارة ، سلك طريقاً جبلياً وعرا ًحتى وصل إلى قلب المخيم ليستطيع تضليل دوريات المستعربين الذين لاحقوه حتى تاهوا في شوارع المخيم المتشابكة المتشابهة ، ترك السيارة و تخفى في أحد منازل أقاربه ، بقي مختبئاً لما يقارب الساعة ، وضع الكوفية على رأسه ، و غادر متجهاً نحو المخبأ ، قابل أبو علي هناك ليخبره بما جرى في العملية ..
أبو علي : الحمد لله على سلامتك رفيقي ، أين الشباب ؟؟
أبو هاني : استشهد عسكر ، استشهد أبو وديع ، استشهد أبو وطن ، لا نعلم ما حصل ! قتلنا أربعة جنود و أصبنا البعض منهم .
أبو علي : يا الهي ! ، كيف حصل ذلك ؟ يا حسرتك يا أم غسان ، يستشهد ابنها في أول عملية له ! أخبرني المزيد يا رفيقي ، كيف استشهد رفاقنا ؟ و ما الخطأً الذي وقعتم به ؟! أبو هاني : لم نخطئ بشيء ، اشتبك عسكر ، استشهد وهو ينسحب بينما كان يحضر سلاح الجنود القتلى ، حضر باص أطفال و كان فيه مستعربون دون أن نعرف ، و بينما عسكر يعود أطلق عليه المستعربون النار على غفلة غدروه فسقط شهيداً ، اشتبك أبو وديع معهم و ذهبنا أنا و أبو وطن لنسحب جثمان عسكر و بعد أن أعدنا جثمانه ، بينما كان أبو وديع يشتبك معهم نفذت ذخيرته هم يعود للسيارة و غطيناه ناريا ، فأصابه أحد الجنود الذين هرعوا للمكان ، فأصابوه في ظهره فسقط شهيداً هو الآخر ، ذهب أبو وطن لسحب جثمانه فغدره أحد الجنود في ظهره أيضاُ فسقط شهيداً هو الآخر ، و كان آخر ما قاله أن أمرني بالهروب ، فهربت و بجهدٍ جبارٍ استطعت تمويه و تضييع المستعربين في شوارع المخيم بعد مطاردة استمرت لساعة على الأقل و ها انا هنا الآن ...
أبو علي : يرحمهم الله ، يا لها من صدمة ، علينا أن ننتظر أخبار الاحتلال لنرى ما سيصرحون به ، علي أن أخبر قيادة الكتائب عما جرى ، و عن نتائج و تبعيات هذه العملية البطولية ، عد لمنزلك الآن و لا تخرج منه ليومين و مارس حياتك طبيعية امام زوجتك و أولادك ، اترك بندقيتك هنا سأخفيها كي لا يمسكوك بها على الأقل لو استطاعوا التعرف عليك ..
غادر أبو هاني و أبو علي المخبأ ، بعد أن أخفيا البندقية ، و عاد كلٌ منهم لمنزله منتظرين سماع نشرة الأخبار المسائية كي يعرفا ما حصل بأدق التفاصيل قبل أن يعلنوا أي شيء و قبل التأكيد للكتائب .

في تلك الساعات ، كانت شادية تنتظر الليل على أحر من الجمر ، لتقابل غسان على عتبات شباكها الصغير ، فغسان لم يغادر تفكيرها طوال النهار ، كم كانت سعيدة برسالته ، كانت جالسةً تحتضن رسالته و تشتم رحيق الوردة التي أهداها اياها حبيبها صباح اليوم ، كانت تفكر فيهما معاً ، سعيدين يملأهما الحب و الأمل ، سويا ًيزرعان الأرض الطيبة ، يسيران كفاً بكفٍ نحو حياةٍ أفضل ، يؤسسان جيلاً جديداً ، يحلم بالسلام و العشق و الوطن الحر من الأوجاع و الآهات . مرت ساعات و أتى الموعد ، بينما غسان لم يأتي ، قاربت الساعة أن تصبح الثانية بعد منتصف الليل ، و ما زالت شادية تنتظر حبيب قلبها على نافذتها ، دون كللٍ أو تعب ، بدأ القلق يتسلل الى قلبها الصغير ، بينما هاجمها النعاس كمستعمرٍ وحشي ليستوطن عينيها ، و يرديها فوق عتبات شباكها نائمةً دون وعيٍ منها أو رغبة .

في صباح اليوم التالي ، انتشر الخبر ، كانت الشوارع مليئةً بالمنشورات الموقعة باسم كتائب الثورة ، معلنةً تبنيها للعملية البطولية التي قضى فيها الشهداء الثلاثة و سطروا ملحمةً بطولية من الفداء و التضحية في سبيل الوطن الجريح ، و أبوا إلا أن يكونوا شعلةً تنير الدرب لمن سيتبعونهم من رفاق الدرب على طريق الحرية و التحرير ...
وصل الخبر لأم غسان ، التي استقبلت خبر استشهاد ابنها بالزغاريد و الفخر ، ووزعت الحلوى على جيرانها فخراً بابنها البطل ، على الرغم من كمية الأسى التي كانت تغرق قلبها على فراق ابنها و فلذة كبدها غسان ، الذي لم تسنح لها فرصة توديع جثمانه الطاهر حتى ، بعد أن اختطفه الاحتلال روحاً و جسداً ، و بينما هي توزع الحلوى على الجيران ، رأت شادية جالسةً تبكي بحرقة على عتبات شبكاها الصغير ، ممسكةً بوردة غسان ، و الكحل الأسود يمطر من عينيها سيولا ًسوداء ، تجسد ألم دمار حلمٍ اعتاد الاحتلال سلبه كل يوم .
ابلغتها ام غسان ان غسان قد صارحها بحبه لها و أنها كانت تريد أن تزوجها له ، و أنها تحبها كابنتها ، و أن عليها أن تكون أقوى من ذلك ، فغسان باقٍ فينا جميعاً ، و ان سلب الاحتلال روحه و جسده ، فغسان سيبقى حياً بيننا بذكرياته الجميلة معنا ، و لن ننساه ما حيينا ، و سنبقى نخرج جيلاً بعد جيل يحمل مشعل الثورة حتى عودة الأرض و الإنسان ، و لن نتنازل عن قضيتنا التي ضحى غسان و رفاقه و من سبقوهم من شهداء و أسرى في سبيلها .






الفصل السادس : زنزانة الموت

يستفيق غسان و هو لا يصدق بأنه ما زال على قيد الحياة ، يجد نفسه مكبلاً بقيودٍ حديدية في سريرٍ في مستشفىً عسكري ، لم يكن يشعر سوى بالخوف قد استشرى بين عظام جسده الهزيل ، و كان هناك ألمٌ لا يطاق قد عشش بين أمعائه ، شعر و كأنه في منعزلٍ تامٍ عن العالم ، و فجأة دخل ضابطٌ صهيوني للغرفة يرافقه جنديين و معهم طبيبة ، بدأوا يتحدثون بالعبرية و لم يكن غسان يفهم منها شيئا ً، اقترب جندي منهم و فك قيده ثم أعاد تكبيله واضعا ًيدي غسان خلف ظهره ، لم يكن لدى غسان أي خيار غير أن ينظر نحو الجنود في خوف و قلق ، فهو لم يجرب تجربة الأسر و لم يتم اعتقاله من قبل ، حاول النهوض و لم يستطع فقد سيطر عليه الألم ، وقع على الأرض و ارتطم رأسه بالأرض بقوة ، انهال الجندي عليه ضرباً بكل شراسة ، جاراً إياه عبر ممرات المستشفى و هو يرطم بجسده الباب و جدران الممرات ، جاراً إياه بواسطة القيد الفولاذي الذي كان ينخر في لحم جسده دون رحمة ، بينما كان يسير الضابط الصهيوني و الجندي الآخر خلفه يشتماه بكلمة " مخرب " ، وصلوا لمخرج المستشفى ، دفعه الجندي من فوق عتبات درج المستشفى ليستلقي مقبلاً الأرض قرب الرصيف ، جره نحو الجيب العسكري و رماه في صندوقه البارد ، ليجد غسان نفسه تحت نعال بساطير جنود الاحتلال الغاشم ، محاطاً بجنودٍ لم يرحموه حتى في الجيب من ركلاتهم الفاشية طوال الطريق منذ أن تحرك الجيب و حتى توقف داخل السجن .
أمسك به جنديين من ذراعيه و رفعاه مدخلاه داخل غرفة تحقيق ، يجلسانه على كرسي حديدٍ بارد و يكبلان يديه و قدميه بالأغلال ، تركوه في تلك الغرفة الباردة لما يقارب النصف ساعة ، بينما كان الظلام الدامس يحيط به ، يفقده الشعور بالوقت و المكان ، و لم يكن هناك شعاع نورْ سوى مصباحٌ قويٌ مسلطٌ نحو وجهه مما يعمي نظره فيلتفت يميناً و يسارا ً، و كان صوت قطرات الماء تتساقط في مكانٍ ما في تلك الغرفة ، كان التعذيب النفسي الذي يجريه ضباط الاحتلال عليه منذ الوهلة الأولى التي استيقظ فيها في المستشفى ، و ها هم الآن يستمرون في مسلسل التعذيب النفسي ليوصلوه لمرحلة الانكسار و الاعتراف .
يدخل الغرفة فجأةً رجلٌ يرتدي الملابس المدنية و بيده دوسيه فيها بعض الورق ، يجر كرسياً حديدياً آخر معه على الأرض محدثاً صوتاً مزعجاً للغاية ، يضعه أمام غسان و يجلس ليبدأ معه التحقيق ...
المحقق ( موجهاً صفعةً لغسان ) : استيقظ أيها المخرب ، اسمك غسان أليس كذلك ؟!
غسان : لست مخرباً .. ( متلقياً ضربةً أخرى من المحقق تنزل الدم من فمه ) المحقق : أجبني فقط على أسئلتي ولا تتحذلق يا غبي ! ، ما هي صلتك بكتائب الثورة ؟ من قتل باقي الجنود ؟ من الذي هرب ؟! من أرسلكم ؟! أجب هيا !!!
غسان : لا أعرف شيئاً عما تقول ، أي جنون ؟ أي كتائب ؟!
المحقق : حسناً ، أرى أنك تريد أن تسلك الطريق الصعب إذاً ، انتظرني قليلاً سآتيك بهدية ستعجبك و ستجعلك تخرج كل ما في جعبتك من أسرار لا محالة !
غادر المحقق الغرفة و ساد الهدوء لدقائق معدودة ، جمع فيها غسان أفكاره و لملم شتات ذاته ، و استجمع قواه كاملةً ، فهو كان يعلم أن القادم لن يكون أرحم ، فهو يعلم أن التحقيق في معتقلات الاحتلال لا يخلى من الأساليب النازية الدموية الشرسة ، دخل المحقق حاملاً معه حقيبةً صغيرة سوداء ، وضعها على الطاولة بينه و بين غسان بعنف تبين من صوت ارتطامها بالطاولة مدى ثقلها ، فتحها قبالة وجهه دون أن يرى غسان ما بداخلها ، أخرج منها ما يشبه الكماشة الصغيرة ، بدأت أوصال غسان ترتعش خوفاً و بردا ً من هول ما رأى من معدات تعذيبٍ بربرية ، فأي شخص قد يعترف بأي شيء باستخدام هكذا أساليب تحقيق قذرة.
فك المحقق يد غسان اليسرى من أغلالها و شدها نحوه بقوة مثبتا ًاياها فوق الطاولة بالأغلال مجدداً ، أخذ غسان يصرخ بأعلى صوته ، و لكن لم يكن هناك من يجيب نداء الأسير الجريح ، هم الضابط بتكرار نفس الأسئلة على غسان ، أخذ يخلع ظفراً بعد ظفر من أصابع غسان ، يتبعها بنفس الأسئلة و التي أبى غسان أن يعطيه أدنى اجابة عنها أو حتى تلميح ! ، كان يلوح أمام عينيه رغم تتابع خفقات الوجع المبرحة شبح رفيقه الشهيد عسكر الذي أوصاهم أن الاعتراف خيانة ! ، فهو لم يشأ أن يكون خائناً للقضية مهما كلفه الأمر من تضحيات و آلام .
بقي غسان على هذا الحال ليالٍ طوال ، تحمل التعذيب تلو التعذيب ، تصاعدت آهاته لتحتضن عنان السماء ، لتخترق ذاك السقف الإسمنتي البائس ، لتصل لشمس الوطن التي لا تغيب مهما حاول المحتل تغييب شعاعها الثوري النابض في قلوب الشرفاء و الثوار ، لم يكن يؤنس ليله الطويل ووحشته القاتلة سوى ضوء القمر المتسلل من بين فتحات شباك الزنزانة الصغيرة ، الذي كان يتسلل خلسةً ليلامس أرض الزنزانة السوداء القذرة ، معطياً بصيص أملٍ و حرية يتمسك به غسان و من يماثلوه في زنازين الاحتلال المنتهي لا محالة !
مر شهرين على غسان ، و هو يدور في حلقةٍ مفرغة ، ما بين تحقيق و تعذيبٍ و عزلٍ انفرادي ، في ظروفٍ لا يتحملها مخلوقٌ على وجه الأرض ، كانت تدور حلقته المفرغة حول رأسه كدوامةٍ محيطية لا تهدأ ولا تستكين ، كان يحرم من أدنى الحقوق الآدمية و يعامل معاملة الحيوانات ، تلقى الضرب و الشتائم و الاهانات مراراً و تكراراً دون جدوى ، كانت عزيمته أشد من سوط السجان و كانت إرادته صخرةً صلبة في مواجهة ظلم المحتل الجائر .
في اليوم السابع و الستين ، فُتِح باب الزنزانة بعنف ، دخل الجنود ككلابٍ مسعورة دون سابق إنذار ، انهالوا عليه ضرباً دون رحمة أو شفقة ، تناوبوا الضرب حتى بات غسان كخرقة مليئة بالدماء ، و حين خارت قواه و لم يستطع حتى الصراخ ، سحبوه الى خارج الزنزانة بعنف و رأسه المصاب يرتطم بالباب تارةً و بالجدران تارة ، أجلسوه فوق كرسيٍ حديدٍ صغير ، كبلوه بالأصفاد بل و كانت أشد هذه المرة من سابقاتها ، جلس غسان ينظر للأمام بصعوبة ، و الدماء تسيل من أنفه و فمه ، عينيه المتورمتان تكادا ألا تفتحا ، جسده الهزيل لم يعد يحتمل المزيد من الكدمات ، دخل المحقق ذاته إلى الغرفة ، حينها أدرك غسان أن مسلسل الألم و المعاناة سوف يستمر بل و من الممكن أن يستكمل بطرقٍ جديدة أكثر فاشية من قبل .
المحقق : أرى أنك بدأت تتداعى شيئاً فشيئاً – موجهاً نظره نحو تقرير بين يديه - ، حسبما أرى أن وظائف الكلى بدأت تتدهور و صحتك توشك على الانهيار ، ألم يحن الوقت يا غسان أن تستريح ؟
غسان : هذا لا يعنيك ! – صارخاً في وجه المحقق بما تبقى له من قوة - ، لن أخون وطني ما حييت !!!
المحقق : هدء من روعك أيها الشاب ، ستستسلم ثق بي ، فأنا المحقق يوداف جولدنستاين ، لن أتركك في حالك حتى تعترف ، فالحل الوحيد لك بالخروج من هنا على إحدى الصور التالية : إما أن تخرج جثة هامدة أو تخرج عالةً على نفسك و مجتمعك ، أو يبقى الحل الأصح لك و لي ، وهو أن تعترف بالقليل من المعلومات و ترتاح و تعود لبيتك و لمحبوبتك في سلام و هناء ..
غسان : ليس لدي عائلة أو محبوبة ، كفاك تلاعباً بي فلن أخضع لألعابك النفسية المريضة !
المحقق : مممم ، حسناً حسنا ً، أرى أنك تفضل الأساليب القذرة إذاً، لكن لماذا تكذب ؟ هل نسيت والدتك ؟؟ هل نسيت محبوبة القلب شادية ؟ نحن نعرف كل شيء أيها الغبي !
غسان : لا علاقة لهم بي و بما يجري ، لا تلمسوهم و إلا !! – استدرك غسان أنه وقع في فخ المحقق وصمت - ...
المحقق –مصفقاً- : جيد ها قد بدأنا نتحدث الآن .. هل تعلم يا غسان أننا لو أردنا قتل والدتك الآن نستطيع فعلها بكل سهولة ؟ ألا تعلم أننا لو أردنا مجرد الإرادة أن نحول محبوبتك الصغيرة شادية لعاهرة سنحولها دون أدنى حسٍ بتأنيب الضمير ؟ هيا عليك أن تكون عقلانياً قليلاً ، فقد مر عليك هنا شهرين دون أن تتلقى رسالةً أو اتصالاً منهم ، لعلهم نسوك ؟ هيا انظر لي ولا تحدق في بلاط الغرفة أيها الأحمق !
يجلس غسان في صمتٍ مخيف ، فجأةً شعر بجبالٍ تنهار فوق كتفيه الهزيلتين ، شعر بأن الكون كله قد صب جام ثقله و غضبه عليه ، مرت الدقائق و غسان يتقوقع في ذاته باحثاً عن مخرج و مهرب من أسئلة المحقق القاتلة ، لقت تمكن المحقق من الولوج إلى عقله و هز كيانه الصلب الذي بات مصدعاً ، فالخوف كان يتسلل فوق جدار صمته الفولاذي كلصٍ في ليلةٍ لا يوجد فيها ضوء قمر ، لينتزع منه ما تبقى من صمودٍ و قوة ، فالآن حياة أمه على المحك ، و شادية التي لا علاقة لها من الأساس بما فعل قد باتت محط تهديدٍ و أداة مساومةٍ حاسمة ، تجمعت الأفكار السوداوية اليائسة نحو عقله كشلالٍ مملوء بالدماء و الأوجاع ، و لكن كان الخيار الأول دائماً هو الوطن ، فكيف يثق في عدوه الذي لا يهتم سوى لمصلحته و مصلحة كيانه المسخ بالدرجة الأولى .
رفع غسان عينيه نحوه المحقق من جديد ، بصق في وجهه ، استجمع قواه و فرغها في كلمة واحدة ، صارخاً بأعلى صوته " عاشت فلسطين ! " ، أطلقها مدويةً كرصاصة بندقية اخترقت صمت المعتقل و كسرت جمود هذا السكوت المقيت ، صرخ متحدياً جبروت سجانه من جديد ، " لا أعلم شيئاً و لن أخون وطني ! "
مسح المحقق وجهه و قد امتلأت عيناه غضباً و شراً ، رمى الملف الذي كان معه بعيداً و انهال عليه بمزيد من الصفعات و اللكمات الغاضبة ، فقد كانت كلمات غسان كخنجرٍ قد طعنه في قلب هذا المحقق المتعجرف ، استمر المحقق بتوجيه اللكمات لغسان حتى أغمي عليه من شدة الضرب .
أمر الجنود باقتياد غسان نحو زنزانة أخرى ، وضعوه في زنزانة فيها 3 أسرى آخرين ، لم تكن تختلف كثيراً عن سابقتها سوى بأقل من مترين ، رموه داخلها و أغلقوا الباب ، استفاق غسان منهك القوى ، فتح عينيه ليجد ثلاث رجال يحدقون به بحذر ، زحف نحو زاوية الغرفة و قد تملكه الرعب و الهلوسات ، كانت الأفكار ما زالت تتراقص في عقله على سيمفونية الألم دون توقف ، ظل يفكر في كلام المحقق ، يتخيل حياته و يتذكر تلك الأيام السابقة الجميلة ، يتذكر محبوبته شادية التي لم تمر ليلة إلا و كان يستحضرها في مخيلته عروساً تعينه على أعباء الحياة ، يستحضر والدته التي كانت تعتني به طوال حياته ، و لم تحرمه من شيء ، يستحضر رفاقه الذين قضوا نحبهم في طريق الحرية و الفداء ، و بين فينة و أخرى كان يرفع رأسه موجها ًببصره نحو من معه في الزنزانة ، فهو لا يعرفهم و يكاد ألا يثق بأحد ، يكاد ألا يثق بنفسه حتى ، فهو يتوقع كل شيء من هذا المحقق المجرم ، بينما كان يصول و يجول بنظراته في الزنزانة الجديدة ، و حين كانت نظراته تتقاطع مع نظرات الرجال الثلاث كان يشيح بنظره بعيداً خوفاً منهم ، فقد كانوا يراقبوه بصمتٍ و حذرٍ منقطعي النظير ، و كان ضجيج الصمت سيد الموقف و صاحب الكلمة و القرار . لم ينم غسان تلك الليلة ، بقي متمسمراً ً مكانه كمسامرٍ قديم ، كلما غفت عيناه لثوانٍ معدودات، كانت تفزعه أي حركةً يصدرها الرجال الثلاث ليستفيق مرتعباً دون أن يدري حتى ما يجري من حوله من أمور ، قضى ليله مفكراً كما قضى نهاره ، و قبل مطلع الفجر بلحظات ، تغلب عليه النوم و التعب ، و سقط في عالم أحلامه الخاص المليء بالحرية و المستقبل الواعد و الحياة ..
يستيقظ غسان شاعراً بأن هناك يداً تربت على كتفه ، فزع حين رأى الرجال الثلاثة جالسين حوله و يحاولون إيقاظه ، قفز من مكانه مسرعاً ليقف مرتجفاً لا يعلم ما يفعل ، لا يعلم ما المجهول الغريب الذي خبأه له القدر بين يدي هؤلاء الرجال الغرباء ، حتى بادره أحدهم الحديث ليكسر جليد الصمت العالق في الزنزانة منذ وفود غسان ..
أحد الرجال الثلاثة : مرحباً بك يا بني ، تبدو كأنك قد تعرضت لتعذيبٍ شديد ، هل أنت أسير جديد هنا ؟ أنا أخوك أبو يحيى ، محكوم عشرة مؤبدات بتهمة قتل ثلاثة صهاينة ، و هذا أخوك أبو عاهد ، محكوم ثلاثة مؤبدات بتهمة قتل حاخام صهيوني ، و هذا أخوك أبو خليل ، محكوم بخمسة سنوات بتهمة محاولة طعن جندي صهيوني و هو جديد مثلك تماماً هنا في الزنزانة ...
غسان : أنا غسان ، لا أعلم ما مدتي حتى الآن ، و لكنني قضيت شهرين في الحبس الانفرادي ...
أبو يحيى : ما تهمتك ما الذي قمت به أخبرنا ؟
غسان : لم أفعل شيئاً ..
أبو يحيى : حسناً كما تشاء ، هيا يا شباب فلترجعوا الى أسرتكم و اتركوني قليلاً مع غسان ..
غسان : ما الذي تريده مني ؟
أبو يحيى : أريد أن أحذرك يا بني ، أنا أكبر منك سناً و أعلم منك بأساليب التحقيق ، احذر من ذاك الشاب السمين أبو خليل ، فهو قد يكون عصفوراً – جاسوساً – للصهاينة و اياك أن تعترف له بشيء مما فعلت ، فنحن نشك به منذ الوهلة الأولى التي أتى فيها إلينا .
غسان : و ما الذي يجعلك تثق بأنني لست عصفوراً ؟
أبو يحيى : خبرتي طويلة ها هنا فقد تجاوزت العشرين سنة هنا في السجن و أستطيع تمييز العصفور من الأسير بكل سهولة ، فقط لا تثق بأحد هنا ، و ان احتجت شيئا ًفاعتبرني مثل والدك أو أخوك الكبير ولا تخجل ...
غسان : حسناً شكرا لك ، لا تقلق علي .
مر اليوم بطيئاً جداً على غسان ، كان يشعر بأن الكون كله قد اختزل في هذه الزنزانة ، كانت الوحدة تفترسه في صمت ملأ صداه عقل غسان ، تناوبت عليه الذكريات كمنشار لا يرحم ، يقتطع منه جزءاً بعد جزء ، حبيبته شادية و رفاقه الشهداء ، أمه و فلسطين .. فلسطين ! الحب الأسمى و قلب كل ثائر نابض ، كان يفكر في ذاك المستقبل الزاهر ، كيف سيعيش هو و أطفاله الذين سينجبهم من شادية ، يعطيهم الفرصة و الأمل ليترعرعوا تحت أشجار هذا الوطن الدافئ ، كي يأكلوا من برتقال يافا و عنب الخليل ، يتذكروا الأجداد و الشهداء ، يعطيهم ما يفتخروا به من تاريخ و تضحيات ، يعطيهم الحب الأزلي المجبول في هذه الأرض الحنونة ، كان يفكر في شرودٍ غير مألوف ، حتى التحمت أفكاره في تلك الأحلام الفجائية حيث غط في نوم عميق ، يأمل أن يصبح على وطنٍ حر و سعيد ..
استيقظ غسان على وقع صوت الباب الحديدي للزنانة الذي اصطدم في الحائط كقذيفةٍ طائشة ، دخل الجنود كالكلاب المسعورة يفتشون هنا و يضربون هناك ، كانوا كالموج الهادر ينهالون على الأسرى بالضربات دون رحمة أو ضمير ، يقلبون أركان الغرفة رأساً على عقب ، استفاق غسان من تلك الأحلام الوردية على صدمة الحقيقة و الواقع المتهالك الذي فرض عليه و على أبناء شعبه على حد سواء ، تكور غسان في مكانه كجنينٍ خائف ، لف رأسه بيديه عسى أن يحمي نفسه من هراوات الجنود الغاضبين ، صرخ بأعلى صوته كما فعل باقي الأسرى دون جدوى ، سمع صراخاً في كل مكان ، تأوهات من الألم في كل شبر من الممر خارج الزنزانة ، ظن أنها ساعة الموت الحتمية دون شك ، و لكن بين كل دوي الآلام سمع أحد الأسرى من زنزانة بعيدة قد صرخ " عاشت فلسطين " !!! .
مرت دقائق كأنها سنوات صبغت بالألم و الدماء ، خرج الجنود من الغرفة تاركين الأسرى غارقين في دمائهم يتأوهون و يتجرعون الألم في أنين صامت ، سالت دماء غسان من رأسه ، شعر ببرودةٍ و ضعفٍ شديد ، بالكاد استطاع أن يزحف نحو الحائط ، رأى الدماء تنهال من رأسه كشلالٍ أحمر دافئ ، وضع يده على رأسه ، نظر للدماء ، لطخ يديه بالدماء من جديد ، رفع يده في تثاقلٍ شديد ، استجمع ما تبقى له من قوة و رفع يده ، كانت عيون باقي الأٍسرى في الغرفة مصوبة نحو هذا الأسير الصغير ، الذي كان كما يبدو عليه يفارق الحياة في بطء ٍ شديد ، وضع يده على حائط الزنزانة الباردة الصماء ، و خط بدمائه بكل صعوبة و ألم " الحرية لفلسطين " !
استشهد غسان ، فارق الحياة و امتزج دمه الطاهر بأرض الزنزانة ، التي كانت و ما زالت جزءاً - و ان كانت للمحتل- من أرض وطنه الحبيب ، و صعدت روحه للسماء لتنضم للمسيرة اللامتناهية من قوافل الشهداء و المعذبين ، لتلك المسيرة التي لا ترى هدفاً لها سوى فلسطين .. كل فلسطين .. مسيرةً استمرت عشرات السنين عقيدتها و دينها .. الحرية لفلسطين .. !

الفصل السابع : نهوض من الرماد


في صباح اليوم التالي ، تستيقظ أم غسان و تعد الفطور لأولادها ، تجلس لترتاح فتشغل التلفاز لتصطدم بالحقيقة الخانقة ، حقيقيةٌ تمحورت في سطرين من حروفٍ مكللين بإطارٍ أحمرٍ قانٍ ، " خبر عاجل : استشهاد الأسير الفلسطيني غسان فايز داخل السجون الاسرائيلية " ...
يحتجز العدو جثمانه و يعلن عن عدم نيته في الإفراج عن جثمان غسان ، و هنا قد استشهد غسان للمرة الثالثة , فقد حرمه الاحتلال حتى من أبسط حقوق الانسان و هو أن يدفن في تراب وطنه المغتصب ، استقبلت ام غسان خبر استشهاد ابنها مجدداً بالزغاريد و الفخر، تخرج للشارع موزعةً الحلوى على الجيران فهي أم الشهيد ، و يا له من فخر لها و يا لها من أمٍ تشدقت الجراح و المعاناة منذ سنينٍ طوال و قافلة الشهداء ما زالت تستمر ، تسمع شادية زغاريد أم غسان فينتفض قلبها لتعتصره ألماً من جديد ، مودعةً أحلام الصبا و أمنيات اللقاء المستحيلة !
في صباح اليوم التالي، قامت جرافات الاحتلال بهدم منزل غسان و لكن امه لم تقف مكتوفة اليدين فمشهد ذلك البيت الذي نحتت بداخله حياتها و جميع ذكرياتها يتحطم امام عيناها ايقظ بداخلها روح فتية ثائرة فأخذت تلقي على الجنود الحجارة ، فأطلق احد الجنود رصاصة جبانة خائفة نحوها دون مبالاةٍ أو أدنى شعورٍ بالإنسانية ، لتستقر في قلبها في صمتٍ ثقيل ، لتمهد لها الطريق بالالتحاق بزوجها و ابنها و من سبقوها من شهداء ، لتنغمس معهم بدمائها بين ثنايا تراب الوطن المسلوب .
تحتضن شادية و عائلتها اخوة غسان الأيتام .. و العالم لم يحرك ساكناً بل اكتفى بالسكوت و المشاهدة الصامتة دون مبالاة ، فمن سيهتم ان ماتت عائلة فلسطينية أم لا ، فحين يخذلك العالم أجمع و تتحول الانسانية و قوانينها الدولية لأداةٍ في يد السياسيين ، تصبح بلا قيمة أو معنى في عيون المستضعفين و المظلومين .

تستفيق شادية من ذلك الحلم الحلو المر، لتخطو خطواتها للانتقام لمحبوبها غسان و النهوض بالوطن الحبيب و ايقاف شلال الدم الجارف ، فالأرض قد اختنقت ..
ولكنه انتقام و مقاومة من نوع آخر .. فقد تغيرت شادية و نضجت مبكراً و أيقنت بعد رحيل غسان و امه و اباه و رفاقه ان القتل والعنف ليس السلاح الاقوى، بل السر يكمن في الإنسان.
فتنشئ شادية مركزها الخاص بعد سنواتٍ من المأساة ، لتبدأ برسم سيمفونية السلام في حيها، ثم مدينتها، ثم موطنها فلسطين، حتى اصبحت من اشهر العازفات في العالم .. لتنقل بذلك رسالة سلام من فلسطين للبشر أجمع : " نحن شعب نحب الحياة ما استطعنا إليها السبيلا ".



#تامر_سلامة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القصة القصيرة - مأساة روح -
- قصيدة ، لقاء روحي
- الوعي الشبابي في قطاع غزة -
- قصيدة -صحوة من الموت-
- القصة القصيرة - الهارب و عازفة البيانو -
- قصيدة -مشىردٌ فيكِ -
- قصيدة - المواجهة الأخيرة -
- أزمة وعي حادة لدى شباب غزة
- سرطان الرجعية المتفشي في قطاع غزة !
- القصة القصيرة - ذكريات مفقودة -
- قصة قصيرة بعنوان - السجين و الذئب -
- رواية العشق في زمن الرجعية -الرواية الكاملة -
- القصة القصيرة - لقاءٌ مصيري غير متوقع -
- فجوة و إشراقة الفن في قطاع غزة
- تشابه الدور بين رأس النعامة واليسار الفلسطيني


المزيد.....




- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - تامر سلامة - رواية - 69 يوماً فلسطينياً -