أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - تامر سلامة - القصة القصيرة - مأساة روح -















المزيد.....

القصة القصيرة - مأساة روح -


تامر سلامة

الحوار المتمدن-العدد: 5662 - 2017 / 10 / 7 - 21:03
المحور: الادب والفن
    


أصواتٌ عالية , صراخٌ لا يكاد أن يتوقف عن النواح و العويل , رجاءٌ بالرحمة و بكاءٌ متواصل لا ينقطع البتة و لا ييأس , طرقاتٌ متواصلة بعنفٍ متناهي الجنون لا يسكته الألم , صخب الهدوء يقودها للجنون دون أي إعتبارٍ للوقت و الزمن , يتوقف الوقت لملايين الأعوام محبطاً كل شعورٍ بالأمل المنسدل كدموع طفلةٍ بائسة توفت أمها فوجدت نفسها فوق عتبات الغياب و بين أرصفة الشوارع التائهة , كسجينٍ محكومٍ عليه بمئتي مؤبد حتى اللانهاية الأبدية , كل هذا مجرد تنفيسٍ صغيرٍ من قلب روحٍ محبوسةٍ بين جدران الذات و العقل و الجسد المهترئ , لا ترى النور بل أصبحت تخشاه , فكلما أبصرته أصيبت بالعمى أو ببعض الحروق البارزة الدائمة .
تلك الروح المسكينة البائسة , أصبحت لا تطيق الحياة و لكنها لا تستطيع أن تفارقها , هي تعلم كم تحبها الحياة , و هي تحب الحياة حد الجنون و التعب , و لكنها أثخنت بجراحٍ لم تعد قادرة أن تبرأ منها في خضم إهمال الحياة لها لتتقيح و تزيد الوجع أوجاعاً أعمق من ذي قبل , تطرق جدران الجسد محاولةً خلق بوابةٍ ترى من خلالها النور أو تهرب دون رجعة , لكنها لا تقدر .. مغلغلة بالقيود الداخلية , فالعقل سجانها القاسي لا ينفك يذكرها بمأساتها بل و يلومها مراراً و تكراراً على أخطائها الشنيعة , و القلب أضحى يعذبها بمزيدٍ من العشق و حب الحياة و تمسكاً بكل ما هو جميل و دافئ , و الجسد الذي هو زنزانتها الباردة يزيد حرارةً في كل مرة يشتاق للحياة و يحتاج ما يحتاج ليلبي حاجته البالية , و لكن الأقصى ان تعذب هي نفسها بتعلقها اللامعقول دون أي وعيٍ بالحياة رغم كل شيء .
و حين تتعب ترتمي خائرة القوى على الأرض لتلتقط أنفاسها , سائلة نفسها نفس السؤال الذي ما لبثت أن طرحته ملايين المرات " لماذا ؟ , كيف فعلت ذلك ؟ , ماذا يحصل لي ؟ , كيف وصلت ها هنا ؟ , كيف سمحت لي يا قلب بذلك ؟ , أين كنت؟! " , و تزداد الأسئلة قسوةً و همجية كلما تعمقت في التفكير لإيجاد حلٍ لهذه المأساة و المعضلة , تتناثر الأفكار هنا و هناك كسربٍ من الفراشات الخائفة , لتتمسك بشمعةٍ لا تكاد ترى يديها بنورها في وسط هذا الظلام المطبق , تصرخ مجدداً بأعلى صوتها " كفى ! , من منا لا يخطئ ؟! ألم يحن لهذا الكون الآتي من العدم أن يكون رحيماً قليلاً ؟ , اخرسي أينها الأفكار الظلامية الشائكة , لم يعد هناك متسع للجراح و الآلام , نفذت كل الآهات مني , لا أريد شيئاً سوى الحياة !!! " .
لا تسمع سوى صدى صوتها , يبدأ البرد بالتسلل خفيةً من خلفها واضعاً خنجره المسموم فوق رقبتها بهدوء الليل الساكن كي لا تشعر , يبتسم ابتسامةً خبيثة ثم يهمس في أذني الروح " الموت سيكون خياراً جيداً , سأريحكِ من هذا العذاب فالحياة لا تكترث , لا تقلقي لن تشعري بشيء , لن تشعري بغير الراحة و الأمان , سآخذكِ للسلام و الراحة الأبدية حيث لن تبصري سوى النور و الهدوء " , تفكر الروح قليلاً , تفكر بالاستسلام , تشعر ببعض الغرام بذاك البرد المخيف , تنظر للشمعة المضيئة بين يديها , تشعر بلسعات الشمع الذائب المتساقط منها على يديها , ثم تلقي نظرةً على البرد بعباءته السوداء الممزقة المضرجة بالدماء , ثم تعود لتنظر لهذه الشمعة الصغيرة , فهي الآن توقفت عن التفكير كلياً , توقف صراعها لثوانٍ يتيمة , كيف وصلت لهذه المرحلة التي أودت بها لتكون في قرار اختيارٍ ما بين الدفء و البرد ؟ , ما الذي أوصلها لهذه المرحلة المميتة , للاختيار كذلك ما بين الموت و الحياة ؟ , و الاختيار بين الأمل و اليأس ! .
ساد الصمت المخيف لبعض الوقت , تخدرت الروح و لم تستطع أن تحرك أي شيء . لم تستطع أن تشعر سوى بنبضات القلب الذي كان ينبض ببطء شديد في أعلى زنزانتها القاتلة , و ببعض الدفء المتسرب لها من شمعتها التي لم تخذلها يوماً كما خذلتها هي , رغم الجراح التي سبباها كلاهما لبعضهما البعض , الا انها ما زالت مضيئة , رغم أن ضوئها بدأ يخفت شيئاً فشيئاً , ليقل بذلك الدفء بشكلٍ تدريجيٍ باهت , تضغط عليها لعلها ترجع تقوى من جديد دونما جدوى , فكلما ضغطت عليها أكثر آلمتها أكثر , أحرقتها أكثر دونما وعيٍ أو قصد .
تخترق ضحكات البرد المرعبة الهدوء الجميل , لتوقف تلك اللحظة الدافئة المنيرة , يضحك بصوتٍ عالٍ ليدب في الروح الرعب و يجعلها ترتجف كطفلٍ عارٍ ملقىً بين الثلوج , ينفضها بكل قوته صارخاً في وجهها " لا جدوى ! لا جدوى ! لا تحاولي , فلا أنتِ تستحقين الشمعة ولا هي تستحقكِ , فالحياة ستتخلى عنكِ ببطء شديد , صدقيني فخنجري سيريحكِ للأبد في بضع ثوانٍ لا أكثر " , و يستمر في بث ضحكاته المقززة مقرباً خنجره شيئاً فشيئاً , تحاول أن تنتفض بعيداً عند فتجد قيود العقل قد زادتها اختناقاً و تشدها بعنفٍ نحو بلاط هذه الزنزانة , تحاول مراراً أن تنهض لتبتعد عن هذه البرد فتزيد القيود جراحها , تنتفض بكل قواها مرةً أخرى ممسكةً بشمعتها المفعمة بالأمل , تحاول قدر استطاعتها أن تصل بيدها نحو ذاك الحبل الذي قد أنزلها لها القلب خلسةً , تحاول بيدها الفارغة أن تستجدي الأمل و الحياة دون أن تفرط بشمعتها الصغيرة , تزداد قيودها قسوةً و ضيقاً بعد كل محاولة منها , لكنها لا تيأس , تنهمر دموعها من شدة الألم , تندفع الدماء من قدميها حين تنهض لتمد يدها نحو ذاك الحبل , حبل الخلاص من الوحدة و الاكتئاب و الألم , تصرخ بأعلى صوتها " أنقذيني أيتها الحياة ! , أنقذيني كفاكِ تعذيباً و قمعاً , أعلم بأنني مذنبة , فالضمير ذاك الجلاد السادي لم يكف عن تعذيبي للحظة مذ أخطأت بحقكِ , تعبت من خوض المعارك الدامية مع ذاك البرد الموحش , لم أعد أتحمل المزيد ! " .
يضحك البرد من جديد , غروره النرجسي ما زال سيد الموقف و يقتات على خوفها و عذاباتها المريرة , يراها جالسةً يائسة تبكي في بحرقة على ما جرى بها , تلعن نفسها على كل أخطائها السابقة الكبيرة و الصغيرة , تشعر باليأس و الإحباط اللامتناهي أن تلبي الحياة ندائها و صرخاتها البائسة , يرى شعاعاً رفيعاً يأتي من أعلى , من ذاك القلب الذي يراقب المأساة متألماً بعمق , يحاول الوصول لتلك الشمعة الصغيرة التي يراها بدوره تافهةً إلى أبعد حد , رغم أنه يخشاها و يخشى دفئها القادر على قتله بكل بساطةٍ و عنف .
تنتبه الروح لذاك الشعاع و قد زاد دفء و شعلة شمعتها , تبتسم قليلاً و لا تلبث أن تعود للبكاء , تستشعر ذاك التأثير الدافئ , تستمع لنبضات القلب الذي أصبح ينبض أقوى و أقوى ليحدث ضجيجاً عارماً في أرجاء المكان كطبول الحرب المتفجرة , يباغتها البرد صارخاً " لا تنظري اليه ! فهو ليس سوى وهمٍ تافه ٍ لن يزيدك سوى عذابات و مشقة لن تقدري على احتمالها من جديد " , تتجاهله و تحاول النهوض , تنهض لتمد يدها محاولة الوصول لحبل الخلاص من جديد , تؤلمها القيود أكثر هذه المرة , يشد البرد تلك القيود نحوه محاولاً إيلامها أكثر لترضخ لرغبته بقتلها , ترفض و تتمرد على الألم , تستجمع كافة قواها و تندفع مرةً واحدةً نحو ضوء الخلاص , تزداد شمعتها اشتعالاً , يتراجع البرد و يترك القيود من يديه الرماديتين , تقفز الروح مقتربةً أكثر من شعاع القلب المفعم بالحب و الدفء و تنجح بالتشبث به , يشدها القلب نحوه , ببطءٍ شديد , تنغرس القيود في لحم قدميها لتزيد جراحها آلاماً غائرة , و لكنها لا تفلت , يزداد القلب و قيود العقل شداً كلٌ من طرفه و بينهما الروح تعاني أقسى الويلات و تكاد أن تتمزق , تمدها شمعتها بالدفء و الشجاعة و القوى بأن تتمسك و تثق بالقلب , و تنبذ كل شيء سواه , ترى البرد يتسلق القيود نحوها محاولاً افتراسها و قتلها بجنونٍ حيوانيٍ بحت , تشد هي الحبل و تبدأ بالتسلق مقاومةً ذاتها , مقاومةً آلامها غير مكترثة بشيء , و في لحظة كانت المفصل في هذا الصراع , صرخت صرخة ألمٍ لم تصرخها من قبل , تمزقت أقدامها , بقيت ملتصقةً بتلك القيود السادية القاسية , نظرت للأسفل لترى البرد يلتهمها في ذاك الظلام الداكن الذي لطالما مكثت فيه طويلاً و عانت فيه لملايين الأعوام , خسرت جزئاً من ذاتها لتصل للحياة , لتتشبث بذاك الأمل الضئيل الذي تشبعت منه من شمعتها و من ذاك الشعاع الرقيق الدافئ , لتقرر أن تستمر بالحياة بكل أوجاعها و ان لم تعطها الحياة ما تستحق أو ترغب .
النهاية
7/10/2017



#تامر_سلامة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصيدة ، لقاء روحي
- الوعي الشبابي في قطاع غزة -
- قصيدة -صحوة من الموت-
- القصة القصيرة - الهارب و عازفة البيانو -
- قصيدة -مشىردٌ فيكِ -
- قصيدة - المواجهة الأخيرة -
- أزمة وعي حادة لدى شباب غزة
- سرطان الرجعية المتفشي في قطاع غزة !
- القصة القصيرة - ذكريات مفقودة -
- قصة قصيرة بعنوان - السجين و الذئب -
- رواية العشق في زمن الرجعية -الرواية الكاملة -
- القصة القصيرة - لقاءٌ مصيري غير متوقع -
- فجوة و إشراقة الفن في قطاع غزة
- تشابه الدور بين رأس النعامة واليسار الفلسطيني


المزيد.....




- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - تامر سلامة - القصة القصيرة - مأساة روح -