أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد مهاجر - حول الصراع المسلح فى السودان وافاق التسوية















المزيد.....

حول الصراع المسلح فى السودان وافاق التسوية


محمد مهاجر

الحوار المتمدن-العدد: 5713 - 2017 / 11 / 29 - 05:47
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


حول الصراع المسلح فى السودان وافاق التسوية
-

قبل دخول المستعمر التركى للسودان لم تك هنالك ثمة دولة واحدة كانت تبسط سيطرتها على السودان الحالى (الجنوب والشمال). وحين حكم الانجليز السودان قاموا بطريقة اعتباطية برسم الحدود النهائية للدولة. هذه الحدود لم تراعى البنية الديموغرافية اوالثقافية للمجتمع السودانى. ان طبيعة المجتمع السودانى تتميز بالحركة المستمرة والاختلاط. والحركة اما حركة داخلية حيث يتحرك الرعاة مثلا الى مناطق الكلأ والعمال الزراعيين الى مشاريع الزراعة, او حركة عبر الحدود واوضح امثلتها التدفق المستمر للمهاجرين والعابرين من شرق السودان وغربه وجنوبه. وعلى الرغم من انتشار الاسلام واللغة العربية فى معظم تراب الوطن وعلى الرغم من الدأب الشديد للنخب الحاكمة والذى ظل يسعى الى تشجيع او فرض الهوية العربية الاسلامية الا ان السودان ظل محتفظا بالتنوع والتعددية الثقافية والديموقرافية

ان الصراعات المسلحة فى السودان ما انفكت تصور على انها صراعات حول السلطة والثروة وهذا محض توهم . والسودان هو القطر الافريقى الثالث من حيث المساحة ويعد من اغنى الدول الافريقية باراضيه الصالحة للزراعة ومياهه وثرواته فى باطن الارض. لهذا فان اى نظام حكم عادل يستطيع ان يجد طريقة مثلى لتوزيع السلطة بين مجموعات المجتمع السودانى المختلفة. اما موضوع الثروة فتدحضه الامثلة الجيدة لدول استطاعت ان تسخر مواردها الشحيحة وتوفر لشعوبها عيشا كريما ورفاهية عالية, خذ هولندا كمثال, فهى تتمتع بغنى مميز وبمعدل رفاهية هو من اعلى المعدلات فى العالم على الرغم من ان مساحتها اصغر من مساحة اصغر ولاية من ولايات السودان

لقد قامت النخب السياسية المختلفة التى تعاقبت على حكم السودان بفرض الهوية العربية الاسلامية على بلد يتميز بالتنوع والتعددية. وقد شعرت الاقليات الاثنية والدينية والجهوية وغيرها ومنذ وقت مبكر بانها وان اشتد دأبها للحاق بقطار التعريب والاسلمة المتسارع, فانها سوف لن تجد لها الا مقاعد قليلة فى الدرجات الدنيا منه. وهذا الشعور ليس جماعيا فحسب, لكن على المستوى الفردى كذلك يسعى المرء الى تامين مستقبل افضل لفلذات اكباده, واذا تاكد له ان مستقبلهم المؤمل هو اما عمال او رعاة او جنود فى حرب ابادة فان الاحباط الكامل سيصيبه بلا شك. واذا اضفنا الى هذا التعسف الشديد والحيف البين الذى واجهته نخب الاقليات وقياداتها التى تقدم على الاحتجاج, فان الصورة التى يسهل رسمها هى صورة الخوف من الاخر, من السلطة المركزية الباغية

ولان السلطة اصبحت مصدرا لاكتناز الثروات فقد درجت النخب الحاكمة, فى الغالب, على استغلال السلطة للحصول على اكبر قدر من الثروات والاموال وبشتى الطرق المشروعة وغيرها بما فى ذلك الفساد. واصبح شراء الذمم وسيلة ناجعة لاسكات ضعاف النفوس من قيادات الاقليات التى تجنح الى المعارضة خاصة المسلحة منها. اذن اضافة الى عامل الطمع هنالك عامل اخر يحرك هذه النخب وهو عامل الخوف, وهو خوف يختلف نوعيا عن خوف الاقليات

ان من يتامل اتفاقية السلام الشامل واعلان كوكادام وغيرها من الاتفاقيات التى سعت الى ايقاف الحروب الاهلية, يلاحظ انها لم تدخل موضوع الهوية ضمن الاجندة لانها كانت تعلم ان موضوع الهوية لا يمكن حسمه بالاتفاقيات. وعلى العكس من ذلك اختزلت الحكومات العسكرية المختلفة الصراع فى السودان وصورته على انه صراع على السلطة والثروة والهوية. هذا الادعاء ساهم, وبطريقة متعمدة, فى تشوية للحقائق لان الصراع فى جوهره هو صراع على الهوية, اما السلطة والثروة فهى تستخدم لفرض الامر الواقع . ان نخب الاقليات لم تلجأ الى تجييش انصارها الا بعد ان يئست من الاحتجاجات السلمية الداعية الى وقف طمس هوياتها. ان الكم الهائل من ضحايا الحروب المختلفة يعطى تفسيرا لدوافع المتطوعين من القوات شبه العسكرية والذين يضعون المحتجين من ابناء الاقليات فى مرتبة بشرية ادنى ولذلك فهم فى نظرهم يستحقون القتل وتستحق نساءهم السبى والاغتصاب. والمتأمل فى ارقام ضحايا الحروب المختلفة لن يصاب بالدهشة فحسب بل بالتقزز الشديد. فلا منطق يفسر وقوع مئات الالاف من القتلى وتشريد الملايين فى بلد هو ذو كثافة سكانية متدنية جدا ويحتاج الى ايدى عاملة ويوظف اجانب ويسعى حكامه الى توطين لاجئيين اتوا بهم من قارة اخرى. هل الدافع هو الكره الشديد لسكان الاقاليم التى عانت وتلك التى ما زالت تعانى من الحروب؟

ان يكون موضوع الهوية عاملا حاسما فىى مسالة الصراع فى السودان لا يجعل منه موضوعا صالحا لكى يتم التفاوض حوله, والسبب هو ان الهوية شئ لا ياتى جبريا, فكل انسان يختار هويته بطوع ارادته ويتماهى مع من يتقبله ويشاطره الفكر والوجدان وافاق المستقبل. وعلى الرغم من الحقائق الدامغة وعلى الرغم من نجاح اتفاقية السلام الشامل فى تامين سلام فى معظم انحاء السودان بما فى ذلك الجنوب, الا ان نظام البشير تنكب عن الطريق القويم وفرض موضوع الهوية ووضعه على طاولة مناقشات مؤتمر الحوار الوطنى. وتمخض جمل لجنة الهوية ولم يلد سوى فارا صغيرا حيث اوصى بان تكون هوية البلد هى الهوية السودانية, اى بعد جهد جهيد فسر الماء بالماء. وتطوع العضو المعين فى البرلمان السودانى الخال الرئاسى لاعطاء تفسير ايسر على الفهم حيث اورد فى مقال له على الانترنت ان الهوية السودانية هى هوية عربية اسلامية افريقية. وهل يسعى الخال الرئاسى الى تحييد مقاتلى دارفور حتى تتسنى له الفرصة للقضاء على النوبة وزنوج النيل الازرق على اساسا ان السواد الاعظم منهم مسيحيين؟

فى الغرب هنالك نوعان من السياسات التى تتبعها الحكومات للتعامل مع موضوع الاقليات. وفى حين ان القسم الاول من هذه السياسات يعتمد عل مبدا ادماج الاقليات فى المجتمعات الغربية فان القسم الثانى يعتمد على مبدا التسوية. والنموذجان كلاهما حقق نجاحات ملموسة وجيدة. فهنالك نجاحات فى سياسات الاندماج فى هولندا وفرنسا والمانيا التى تبنت الاندماج كسياسة, وهنالك اخفاقات كذلك. اما سياسات التسوية فانها اكثر نجاحا واستدامة فنجد على سبيل المثال ان بريطانيا عقدت تسويات سياسية مع الاسكتلنديين والولش والايرلنديين نالت على اثرها هذه المقاطعات حقوقا اكثر فى ما يتعلق بالمحافظة على الهوية الثقافية والمشاركة فى اتخاذ القرارات المركزية وادارة الاقتصاد المحلى وحق الاستفتاء على تقرير المصير والذى مورس ولم يؤد الى انفصال اسكتلندا. كذلك نجت التسوية فى كندا وسويسرا التى اعتمدت على نظام المقاطعات وعلى انتهاج سياسات التنوع والتعددية

ان المنتقدين لهذه السياسات يرون ان المستفيدين من سياسات الاندماج هم النخب من ممثلى الاقليات فى المؤسسات المختلفة والذين يحصلون على رواتب عالية ولا ينفذون سوى مشاريع صغيرة لا تسمن ولا تغنى من جوع, اضافة الى الكسالى اكلى الاعانات الحكومية . اما القسم الاخر من المستفيدين فى نظر المنتقدين فهم نشطاء وقادة اليمين المتطرف الذين يعمدون الى اذكاء نار الفتنة والكراهية ضد القادمين الجدد باعتبار انهم اما سياسيين خداعيين مدللين وفاسدين ماليا او مجرمين ولصوص, اى اللعب على عاملى الخوف والطمع. والنقد الذى جوبه به منهج التسوية هو تدليل الاقليات وخطر الانفصال, يعنى فى هذه الحال : "كانك يا ابو زيد ما غزيت”. ومع النقد الشديد فان كلا المنهجين حقق نجاحات كبيرة تشهد عليها الاعداد الكبيرة من المهاجرين الذين نجحوا فى مجالات التجارة وادارة الاعمال والثقافة والفنون والرياضة, حتى السياسة ولجوها واصبحوا وزراء وحكام ولايات

ان الفشل فى اتفاقيات السلام المختلفة فى السودان يعزى الى انها لم تضع حلولا جذرية انما كانت مجرد مسكنات. ان فرض الهوية هو عمل فوق انه غير ذى طائل, فانه كذلك غير اخلاقى. و لان الهوية هى اختيار طوعى فان التسوية لن تحسمها. ومع ان الهوية القومية مهمة لبناء الامة الا ان الخيار الامثل هو ترك موضوع الهوية للمستقبل حين يعم السلام ويوطن ويتعايش الناس فى مجتمع يعترف فيه كل فرد بالاخر ويتقبله رغم الاختلافات الثقافية والدينية والاثنية وغيرها. وفى مجتمع تضمن فيه الدولة استدامة سياسات التنوع والتعددية

ان المدخل الصحيح للتسوية السياسية يتم بالتوزيع العادل للسلطة والثروة بين المركز والاقاليم. ولن تنجح اى اتفاقية للتسوية ما لم تقم الحكومة بتنفيذ تدابير تضمن الكرامة والسلام والعدالة. ان كرامة الانسان هى المطلب الاول وهو مطلب غير مشروط لا بوقف الحرب ولا بغيرها, فى حين ان السلام مرهون بوقف الحرب. وان العدالة لها مجالات منها العدالة السياسية وهى الديمقراطية والعدالة القانونية ويمكن ان تكون فى صورة المحاكمات العادلة والتسويات وجبر الضرر والتعويضات والمصالحات وغيرها والعدالة الاجتماعية وجوهرها هو رفد الفضل لمن يحتاجه

ان التسوية السياسية تعنى ان الاقليات يجب ان تتمكن من حكم اقاليمها بنفسها وكذلك يجب ان تتمكن من المشاركة فى السلطة المركزية بنسبة تعادل نسبة سكان اقاليمها وان تشارك فى انتخاب الرئيس بنفس هذه النسبة. وهنالك عدة خيارت فمثلا حسب النظام الامريكى يمكن ان يكون لكل ولاية عددا من اعضاء المجلس التشريعى يتناسب مع عدد سكانها وان قرر المجلس التشريعى ان يعطى المرشح الفائز كل اصوات الولاية فسيصبح هذا تشريعا ملزما لا يتغير الا بقانون جديد. كذلك يمكن ان يخير ممثلى الولايات بين مرشحين او ثلاثة والمبدا هو ان تمارس الاقليات حقها فى اختيار شاغلى المناصب المناصب الدستورية خاصة المناصب العليا. اضافة الى هذا فان هنالك حق الفيتو على قرارت المجلس التشريعى المركزى وقرارات الرئيس او غيره من شاغلى المناصب الدستورية. هذه مجرد تدابير طبقت هنا وهناك ونجحت ويمكن ان يبتدع السودانيين نموجا اخر يكون اكثر ضمانا لحقوق الاقليات وسلاحا افضل من غيرة يمن ان يشهر فى وجه اى حرب مستقبلية

ان المنتقدين للتسوية يرون انها سياسة ترضيات وهى هشة وقد تؤدى الى الانفصال. قد تكون بعض الفرضيات صحيحة لكن فى المقابل نجد ان استمرار الحرب يعنى فقدان جديد للبشر اما بالموت او بالتشريد وهم جزء اصيل منا لا يمكن ان نعتبر فقدهم مجرد خبر على شاشة التلفاز



#محمد_مهاجر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سالتنى ..... شعر
- السمندل …...... قصة قصيرة
- كلكلة ...... قصة قصيرة
- فتاة من عشيرة الطل ….. قصة قصيرة
- فيم يستخدم البشير ذهب السودان
- امر بالقبض ..... شعر
- العودة ... قصة قصيرة
- المشرد ..... قصة قصيرة
- هل ستؤدى المفاوضات الى سلام دائم فى السودان؟
- فى السودان يخلى سبيل سارق الملايين وتجلد من تلبس البنطال
- رئيس افريقيا .... قصة قصيرة
- صباحي ..... قصة قصيرة
- ميت ....... قصة قصيرة
- التغيير ...... ... قصة قصيرة
- سلحفاة ... قصة قصيرة
- إجراءات جديدة للتضييق على الاقليات في السودان
- وعل وبجعة
- كشف القناع .... قصة قصيرة
- حروبات القبائل ..... مأساة أخرى للحرب الأهلية في السودان
- شهاب ..... قصة قصيرة


المزيد.....




- أثار مخاوف من استخدامه -سلاح حرب-.. كلب آلي ينفث اللهب حوالي ...
- كاميرا CNN داخل قاعات مخبّأة منذ فترة طويلة في -القصر الكبير ...
- جهاز التلقين وما قرأه بايدن خلال خطاب يثير تفاعلا
- الأثر الليبي في نشيد مشاة البحرية الأمريكية!
- الفاشر، مدينة محاصرة وتحذيرات من كارثة وشيكة
- احتجاجات حرب غزة: ماذا تعني الانتفاضة؟
- شاهد: دمار في إحدى محطات الطاقة الأوكرانية بسبب القصف الروسي ...
- نفوق 26 حوتا على الساحل الغربي لأستراليا
- تركيا .. ثاني أكبر جيش في الناتو ولا يمكن التنبؤ بها
- الجيش الأمريكي يختبر مسيّرة على هيئة طائرة تزود برشاشات سريع ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد مهاجر - حول الصراع المسلح فى السودان وافاق التسوية