أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حكمت حمزة - من بقايا ذاكرة إنسان لاديني...نعمة العقل(3)














المزيد.....

من بقايا ذاكرة إنسان لاديني...نعمة العقل(3)


حكمت حمزة

الحوار المتمدن-العدد: 5706 - 2017 / 11 / 22 - 00:10
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


مضت تلك الليلة الكئيبة كأنها دهر، عشت فيها جميع تقلبات المناخ الفكري، فتارة ارتجف من شدة الرياح التي تعصف برأسي، وأتجمد من برد الوحدة وفقد الأمان تارة أخرى. كوضع طبيعي لمن لم يتجاوز الثانية عشر من عمره، لم أنم ولم يغمض لي جفن من شدة الخوف، نظرت إلى الساعة فكانت السابعة صباحا، خشيت أن يعلم أبي او أمي أني لم أنم في الليل، فحزمت حقيبتي المدرسية التي تقصم الظهر من شدة ثقلها، حملتها على كتفي، وتوجهت للمدرسة، رغم أن الوقت لازال مبكرا، إذا أن الدوام المدرسي يبدأ الساعة الثامنة، إلا أني آثرت الذهاب مبكرا والمشي ببطء، ربما أصادف أحدا من زملائي في المدرسة على الطريق، فنتسكع سوية ، وأنسى جزءا من الخوف الذي التصق بدماغي واستقر بين عيوني.
خرجت من منزلنا المسكون برعب الإله، أمشي ببطء كالثمل...ذكرني بطئي الشديد بالسلحفاة، تبسمت قليلا، وأنا أتخيل منظر السلحفاة وهي تحمل حقيبة مدرسية على ظهرها. بعد مدة ليست بقليلة وصلت إلى ذاك المنحدر القاسي الذي أضطر لنزوله كل يوم، لحد الآن لم أجد أحدا في الطريق. توقفت ما يقارب خمس عشرة دقيقة، لعل سيول الأولاد تبدأ بالاندفاع نحو المدارس، لكن أحدا لم يخرج من بيته. بدأ أغنية الخوف تتسلل إلى أذني مرة أخرى، ما هذا؟؟! لماذا الشارع فارغ؟ أين البشر وأين الطلاب؟ لماذا أنا وحيد هنا؟ حينها تأكدت أن كل الدنيا متآمرة مع الله لإخافتي، وأنهم أخلو الشوارع لتسنح الفرصة لله كي ينتقم مني، ربما لأني أهلي وأخوتي مؤمنون ويصلون دوما لم يشأ الله إزعاجهم بصوت تعذيبي في المنزل، فأرسلني و أنه أمرهم بالنوم فناموا ولن يستيقظ أحد منهم حتى ينتهي الله مني.
بعد كل هذه التخبطات، بدأت بالجري مثل المجنون إلى المدرسة، قلت لنفسي لا بد وأن الحارس أو أحد المستخدمين سيكون هناك، سأجلس معه ريثما تبدأ الحصص. طبعا كان هناك مرتفع قاسٍ علي صعوده للوصول إلى المدرسة، كنت أظنه أعلى قمة في العالم لشدة ارتفاعه، رغم ذلك لم أهتم، ولم أنتبه، صعدت كالمجنون، لأفاجئ بأن باب المدرسة مغلق، أحسست بأن كل شيء ضدي، حتى الحجر والشجر وكل شيء يحاول التملق لله عبر مساعدته في إرعابي. أدرت ظهري لباب المدرسة وجلست على المصطبة التي كانت بجانب الباب، لأفاجئ بمنظر القبور أمامي، فقد كانت المدرسة مقابل المقبرة تماما، هنا تأكدت أن نهايتي بين أكوام العظام تلك، ولا بد أن الملائكة ستأتي وتطبق أحجار القبر على صدريكما كنت أسمع من المشايخ. لم أتمالك نفسي وبدأت بالبكاء والصراخ كالمجنون، صرت أضرب باب المدرسة بيدي ورجلي و أنا أصرخ: أنقذوني، لا أريد أن أموت، أبعدوني عن القبور...وأشياء أخرى بمعنى وبغير معنى كنت أرددها وأنا أصرخ. فجأة فتح باب المدرسة، وظهر ذاك الحارس الكهل، ذي الوجه البشوش، تعجب من صراخي وسألني:
- اهدأ يا حكمت لماذا تصرخ؟ اهدأ وأخبرني هل هناك أحد يلاحقك؟
- لا يا عم لا أحد ولكن أرجوك أنقذني من الموت، لا اريد أن أصبح بين تلك القبور، لا أريد أن أحشر بين أحجار القبر، لا أريد أن تتهشم عظامي أرجوك.
- عم تتحدث يا فتى، هل جننت أم أنك خائف من منظر القبور؟ ثم أخبرني ما الذي أتى بك اليوم إلى المدرسة رغم أنه يوم عطلة؟؟!
- ماذا؟؟! قلتها وأنا مصعوق بما أسمع، هل أنت جاد أم تمازحني؟ كيف يكون اليوم عطلة؟
تذكرت فجأة أن اليوم بالفعل هو جمعة، و لا حصص مدرسية اليوم لأنه عطلة، وفطنت أيضا إلى أن الناس لم يكونوا متآمرين مع الله ضدي، وتأكدت أيضا بأني أهذي لأني لم أنم تلك الليلة من شدة الرعب، فجأة أطلقت ضحكة مجنونة، ضحكة طويلة جدا، بدأت عندما عرفت أن اليوم عطلة، ونسيت متى انتهت، لدرجة أن العم سعد حارس المدرسة ضحك من منظري المضحك فعلا وقال لي:
- هل جننت، منذ قليل كنت تضحك، والآن تبكي، وبعد قليل لا أدري ماذا يمكن أن تفعل.
أجبته بخبث اليافعين:
- لا شيء، سأفعل كما فعل جدي عندما تعرض لموقف كهذا.
- جدك! وماذا فعل جدك عندما تعرض لموقف مثل موقفك؟
- لا شيء، حمل أمتعته وعاد إلى منزله.
حينها انفجر العم سعد من الضحك، ودعته بابتسامة بريئة ...وبقايا الدموع لا زالت في عيوني، وعدت أدراجي إلى منزلنا. في الطريق كنت أفكر كيف حدث معي كل هذا؟ لماذا لم يعاقبني الله ولم يرسل أحد زبانيته كما قال في إحدى آيات القرآن، شيء غريب أن لا يحرك الله ساكنا في مثل هكذا موقف، رغم أني شتمت بيته، مسجده، ذاك المكان الذي يجتمع فيه أهل الحي كل يوم؟
عندما أتذكر اجتماع الأهالي كل يوم في المسجد لأداء الصلاة، أتذكر معه القمة العربية، فهم يجتمعون دائما دون فائدة تذكر، وكذلك المصلون، فهم يصطفون دوما كالمدافعين خلف رأس الحربة الذي يسجل الأهداف في المرمى، أقصد خلف الإمام الذي يصلي بهم نحو الكعبة.
يتبع...



#حكمت_حمزة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الملحمة السورية (1)
- قراءة نقدية في كتاب المدارس الفكرية الاسلامية من الخوارج إلى ...
- روزنامة أمل
- من بقايا ذاكرة إنسان لاديني...نعمة العقل(2)
- من بقايا ذاكرة إنسان لاديني...نعمة العقل(1)
- أرجوزة الحرب والسلام
- لا زالت العلمانية على قارعة الطريق رغم كل شيء
- دراسة قصيرة مبسطة: هل قامت الأديان فعلا بتغيير جوهري، أم مجر ...
- مذكرات عاشق مشتاق
- آلهة الأحزان
- الحرب الاسلامية على الالحاد والعلمانية...واجب ديني، أم خوف ب ...
- قدر الثورات أن تنمو وتكبر، ويصبح مقاس الثوب الاسلامي مناسبا ...
- اربعينية شتات العرب اوطاني


المزيد.....




- نزلها عندك.. نزل تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على الأقما ...
- شاهد: طائفة السامريين اليهودية تقيم شعائر عيد الفصح على جبل ...
- سيدة بريطانية يهودية تفضح محاولات وسائل الإعلام والسياسيين ف ...
- تونس: قرض بقيمة 1.2 مليار دولار من المؤسسة الدولية الإسلامية ...
- تونس تقترض 1.2 مليار دولار من -المؤسسة الدولية الإسلامية-
- مسيحيو السودان.. فصول من انتهاكات الحرب المنسية
- -لم توفر بيئة آمنة للطلاب اليهود-.. دعوى قضائية على جامعة كو ...
- البنك الاسلامي للتنمية وافق على اقتراح ايران حول التمويلات ب ...
- استباحة كاملة دون مكاسب جوهرية.. هكذا مرّ عيد الفصح على المس ...
- قائد الثورة الاسلامية سيستقبل حشدا من المعلمين 


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حكمت حمزة - من بقايا ذاكرة إنسان لاديني...نعمة العقل(3)