أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد عصيد - في الحاجة إلى الفلسفة، ضد العنف والوصاية














المزيد.....

في الحاجة إلى الفلسفة، ضد العنف والوصاية


أحمد عصيد

الحوار المتمدن-العدد: 5694 - 2017 / 11 / 10 - 19:01
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


ما زلت أذكر محاضرة قيّمة ألقاها على مسامعنا في "بيت الحكمة" قبل سنوات باحث بيداغوجي ألماني، حول "تدريس الفلسفة للأطفال"، أبدينا اهتماما زائدا بشخص يتحدث لنا عن الفلسفة في عالم الأطفال، إشكالية هي على النقيض تماما مما ثبت لدى الناس في أذهانهم، من أن الفلسفة تأتي في نهاية سنوات التمدرس بسبب "صعوبتها"، والحال أن أولائك إنما وقعوا في فخّ مأسسة مادة منفلتة من أي تنميط، فالطفل حسب الباحث الألماني متفلسف بطبيعته لأنه لا يتوقف عن طرح الأسئلة، والمطلوب فقط مساعدته على تنظيم أسئلته ومتابعتها، لأنها أسئلة ترتبط بصميم حياته اليومية، وبمفارقات محيطه وتجارب الناس من حوله، وبما أن التجارب لا تنتهي، فإن الأسئلة أيضا تتناسل وتظل منفتحة على المجهول، وهذا هو جوهر الفلسفة.
يخطئ كثير من الناس عندما يخلطون بين الفلسفة وبين تاريخها، أي بين فعل التفلسف الذي هو عمل ممكن بالنسبة لأي إنسان، وبين تدريس تاريخ الأفكار الفلسفية والتيارات والمذاهب والاتجاهات، وتخطئ المؤسسة عندما تطالب التلميذ باستظهار دروس تتعلق بمواقف فلسفية أصبحت في ذمة التاريخ، ذلك أن قراءتنا للفلاسفة ليست بغرض استعارة أفكارهم أو الاهتداء بها كما لو أنها عقائد ضوغمائية، إنما هي قراءة تهدف إلى ملامسة أرواحهم القلقة، فما نتعلمه من الفلاسفة إنما هو أسلوبهم في التفكير الذي يقوم أساسا على مغامرة الخلخلة، المتمثلة في زحزحة الوهم المشترك، ودفع العقل إلى إعادة التفكير في أسس وثوابت الفهم المتعارف عليها، والتي تعوق الإنسان عن متابعة جريان الزمن الذي لا يتوقف، وهذا أمر نحتاج إليه في كل عصر، ما دمنا لسنا في نهاية التاريخ، وما دام الإنسان كما قال اليونان القدماء "لا يستحم في مياه النهر مرتين".
إن وظيفة الفلسفة هي جعل التفكير إمكانية الجميع، ولهذا يعاديها الذين لا يحبون التفكير لأنهم يعتقدون بأن ما لديهم هو نهاية الحكمة والعلم، وبأن مصير الناس أن يخضعوا لوصايتهم، بينما الحقيقة أن الحوادث تجري من حولهم، والوقائع تتوالى ورؤوسهم مدفونة في التراب.
تتعارض الفلسفة بوصفها فعلا عقليا حيّا مع الأنساق المغلقة والمنتهية، ولهذا يتم قتل الفلسفة بتدريسها، بوصفها نسقا مكتملا لفيلسوف ما لم يقم في الواقع إلا بمساءلة عصره والإطلالة على هموم الناس، من الأخلاق والعلم مرورا بالسياسة إلى الميتافيزيقا.
لقد انطلقت الفلسفة حوارا ساخرا من أجل توليد المعرفة، كان ذلك في الفضاء العام، في السوق والحديقة والبيت، ورغم أن مغامرة البداية انتهت بقتل الفيلسوف، بسبب غوغائية الخطاب التحريضي، إلا أن التاريخ احتفظ بأقواله منحوتة على الصخر، بينما نسي كل النسيان أسماء جلاديه الذين لم يتركوا أي أثر. وهكذا ظلت الفلسفة حوارا دائما مع الذات ومع العالم والآخر، في حين ظلت الغوغائية قابعة في سراديب التاريخ تتحين الفرص للظهور بين الفينة والأخرى، كلما خفت وهج العقل، لتشيع الخراب والكراهية.
ونظرا لهذا التصادم بين العقل والعنف، ترتبط الفلسفة بالشجاعة لأنها تقتضي قرارا تحرريا من الوصاية، فأن يقرر الإنسان استعمال عقله معناه أنه لم يعد مقتنعا ببديهيات الحسّ المشترك، وهذا بحاجة إلى عزم وتصميم ورغبة في التحرر ملازمة لفعل التفلسف، فالوصاية تطمس العقل والسؤال يوقظه من سباته.
إن العنف في مواجهة الفلسفة منذ اللحظة الأولى لبدايتها يعود أساسا إلى الاعتقاد الراسخ بأن العادة والتقليد هما أساس نظام عام يكتسب شرعيته من سلطة الجماعة، التي لا ترى استقرارها إلا من خلال الإبقاء على حال الناس كما هو، لكن بقاء الوضع كما هو لا يمكن أن يوقف تدفق الزمن والتاريخ، مما يؤدي إلى التأخر والجمود وشيوع الظلم، وهي الحالة التي تستفز الفيلسوف وتجعل التفكير ضرورة قصوى.
في زماننا هذا ينضاف إلى العنف ووصاية الجماعة على الفرد، سعيُ الإيديولوجيات إلى التنميط واحتكار الفضاء العام، بينما الواقع الإنساني عصِيّ على التنميط لأنه تنوع خلاق وغني بالرموز الحية، تدفع الفلسفة من خلال يقظة العقل النقدي نحو التأمل في قيمة الأشياء ووظائفها، مسلحة بالعلوم الإنسانية التي هي ابنة شرعية للفلسفة بعد أفول الميتافيزيقا.
إننا بحاجة إلى الفلسفة حتى لا تتحول الحياة إلى تقنيات بلهاء وسلوك آلي مبرمج، فرغم كل التطور التقني، مازال ما يجعل الإنسان إنسانا هو قدرته على استعمال عقله.
قد يتساءل القارئ الكريم : هل نحن بحاجة دائمة إلى تبرير الفلسفة بالدفاع عنها ؟ نقول نعم، لأن تواجد الفلسفة في وضعية الدفاع التي تواجدت فيها منذ 800 عام في المجتمعات الإسلامية، دليل على أننا لم نبرح مكاننا منذ ذلك التاريخ..



#أحمد_عصيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حِجّية الحديث (بصدد النقاش حول البخاري)
- ما الذي يمكن للبهائية أن تقدمه للمسلمين اليوم ؟
- الاعتراف بالتعددية الدينية وحرية الضمير من أوليات الحياة الد ...
- وحدة العراق، مطالب الكُرد، وموقف الحركة الأمازيغية
- معاني الدولة، السلطة، والوطن
- أي مغرب نريد ؟
- الشعور الوطني والنشيد الوطني
- الاقتتال بسبب الدين من مظاهر غباء البشر وانحطاطهم
- التحرش الجماعي الأسباب والأبعاد
- لماذا لا تنفع انتفاضات الشارع في تغيير واقعنا ؟
- جمعيات -الطابور الخامس-
- -الاستثناء المغربي- هل يخون نفسه ؟
- عود على بدء
- حياد المساجد هو الذي يقي من الفتنة
- الفلسفة في درس التربية الإسلامية
- -حتى لا تفقد الأمة روحها !-
- ليسوا أشرارا يا زغلول النجار
- تركيا: خطوات ثابتة نحو العودة إلى ترسيخ الاستبداد الشرقي
- ترتيب البيت الداخلي أولا قبل نظرية المؤامرة
- كيف نعيد للناس متعة القراءة ورُفقة الكتاب ؟


المزيد.....




- عالم أزهري: الجنة ليست حكرا على ديانة أو طائفة..انشغلوا بأنف ...
- عالم أزهري: الجنة ليست حكرا على ديانة أو طائفة..انشغلوا بأنف ...
- يهود متطرفون من الحريديم يرفضون إنهاء إعفائهم من الخدمة العس ...
- الحشاشين والإخوان.. كيف أصبح القتل عقيدة؟
- -أعلام نازية وخطاب معاد لليهود-.. بايدن يوجه اتهامات خطيرة ل ...
- ما هي أبرز الأحداث التي أدت للتوتر في باحات المسجد الأقصى؟
- توماس فريدمان: نتنياهو أسوأ زعيم في التاريخ اليهودي
- مسلسل الست وهيبة.. ضجة في العراق ومطالب بوقفه بسبب-الإساءة ل ...
- إذا كان لطف الله يشمل جميع مخلوقاته.. فأين اللطف بأهل غزة؟ ش ...
- -بيحاولوا يزنقوك بأسئلة جانبية-.. باسم يوسف يتحدث عن تفاصيل ...


المزيد.....

- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد
- التجليات الأخلاقية في الفلسفة الكانطية: الواجب بوصفه قانونا ... / علي أسعد وطفة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد عصيد - في الحاجة إلى الفلسفة، ضد العنف والوصاية