أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نقوس المهدي - المكتبة علم بلا حدود














المزيد.....

المكتبة علم بلا حدود


نقوس المهدي

الحوار المتمدن-العدد: 5645 - 2017 / 9 / 20 - 14:54
المحور: الادب والفن
    


عرفت الكتاب خارج حدود كراس المقرر المدرسي في حدود سن العاشرة حين اشترى والدي كناشا صغيرا يتضمن قصيدة عامية مغناة ، كي أقراها له لشدة اعجابه بمأثور القول الشعبي ..

في المدرسة كان الكتاب أثمن الاشياء التي ملأت فراغ ايامنا الطويلة ، و كانت المكتبة أحلى اكتشاف في طفولتنا ، برغم معارضة الاسرة لأنها تلهينا عن مراجعة الدروس ، و قد لد ذلك الشغف في السنين الاخيرة من المرحلة الابتدائية ، بتأثير من أستاذ اللغة العربية السي ( محمد أغزاف ) ــــ شاب امازيغي من الجنوب ، التحق للتو بمهنة التدريس ، حامل لكتاب الله ، كان دائم القراءة ، و يفتح في غالب اوقات الفروض كتابا يقرأ فيه ، كان ذلك الامر يثير فضولنا ، ويؤجج شوقنا للكتب ـــ زقد قام بوضع طاولة في ركن من الفصل ، أسماها المكتبة المدرسية ، وضع فوقها مجموعة من القصص المدرسية لمحمد عطية الإبراشي و أحمد سعيد العريان ، و كامل كيلاني ، وهي كل ما تتوفر كزاد ذهني يخضع لمقاييس تربوية بذلك الوقت ، اقتناها من ماله الخاص ليزرع في نفوسنا حب القراءة و عشق الكتاب ، توزع علينا مساء كل يوم سبت ، لنعيدها في متم الأسبوع الموالي ، ملخصة في ورقة و نأخذ غيرها ، مع عقاب صارم لمن يتأخر في الوفاء بالموعد ، و احدى الحوافز التي دفعته لمعاقبة كل من يبتدئ نص الانشاء بالجملة الركيكة : ذات يوم ، و ذات مرة

كانت تلك القصص العجيبة اول نافذة على العالم الخارجي ، و اولى صلاتنا بحكايات الجنيات و العفاريت والسعالي ، و عالم الخوارق و الملاحم العجيبة و الخيال ، قبل أن نكتشف مناهل وموارد اخرى

لم تكن قد وصلتنا وقتئذ بعد المقولة الفرعونية التي تقول : ( الكتاب أفضل من لوحة رائعة النحت، أقوى من حائط متين البنيان، انه بديل الهرم والمعبد في اعلاء اسمك) ، أو تلك التي تنسب لحكيم فرعوني قديم : " ليتني أجعلك تحب الكتب أكثر مما تحب أمك"، و لا قول المتنبي ، و لا تلك التي جعلت احب كاتب الى نفسي يقول بتواضع زائد في مديح القراءة : " فليفخر الآخرون بالصفحات التي كتبوا، أما أنا فأفتخر بتلك التي قرأت" [ بورخيس: أسطورة الأدب/ ص 108] . ولا سمعت بقريء مستميت ومهووس يكنى البرتو مانغويل ، او بــ برنار بيفو صاحب البرامج الثقافية الشهيرة ، كنا فقط نفترس تلك القصص افتراسا لما توفره لنا من متع زائدة تغنينا عن دروس النحو و الصرف و التربية الوطنية و الحساب و العقاب والعذاب ، منبهرين بعوالمها العجائبية ، مشدودين الى احداثها ، محرومين اراديا من لعب نهاية الأسبوع ، بما تحملنا على بسط من خيال إلى العوالم الغريبة و الفضاءات الساحرة التي لم نكن نألفها في قريتنا الفوسفاطية النموذجية " لمزيندة " ، ذات الغالبية البروليتارية ، البلدة الصغيرة المغمورة المنسية المنقطعة عن العالم المبتوتة في تجاويف هضبات جغرافيا الكنتور ، و بديلا عن حكايات أهلنا التي يحشون بها اذهاننا - وكانهم يرهبوننا نفسيا من الشغل الشاق المنتظر - عن أهوال و أخطار العمل بالمنجم و الجنازير و هدير المحركات الجبارة ، و عن امراض الحساسية و المفاصل و الربو و الشيخوخة المبكرة ، و حوادث الشغل المميتة ، و فظاظة المهندس و تقارير اعوانه الانتقامية ، و الماء البارد الذي يقطر من السقف ، و المياه الجوفية العائمة التي تنبع من تحت و تغمر لحد الحزام ، و الحزام الآلي النقال الذي يلتهم في غفلة أعضاء العمال او يعجن اجسادهم المنهكة كالطحين ، و أشياء أخرى اكثر رهبة لا يمكن تصورها تقع في جوف الجبل ، تحت الأغوار السحيقة لباطن الأرض ، تذكرني بالقرابين التي كان يتزلف بها قدماء المصريين للنيل خلال سخائه السنوي على الحقول . و التي تشكل بدورها مادة مروية تستحق بدورها ان تدون في كتاب

الان و بعد مضي حوالي نصف قرن أسررت لأستاذي السي محمد أغزاف خلال حفل التكريم الذي أقمناه لثلة من أساتذتنا القدامى الكرام بجود كرمه ، و بفضل تلك المكتبة العظيمة علينا ، و التي نمت في نفوسنا منذ تلك الفترة القصية عشقي للقراءة ، و رسخت علاقتنا الوطيدة بعالم الكتاب .. انبجست من عينيه و هو على تلك الهيئة المهيبة من الوقار والشيخوخة دمعتان ، لا ادري إن كانتا من فرط التأثر أو من شدة الفرح و الحنين ، ألا سقيا لتلك الايام الجميلة لتلك الايام ..

الآن واينما وليت وجهك في المدن الكبيرة لا تجد اثرا للمكتبات الشهيرة ، فقد اغلقت و اختفت و اجهاتها المزينة بالمطبوعات ، و حلت محلها المقاهي و المطاعم التي تعرض شطائر اللحم الفاسد و اصابع المقانق المغشوشة التي تحبس لعاب العابرين و توقظ جوعهم الدفين ، انه زمن آخر يفرض نفسه بكثير من الجسارة ، ذلك ان «الأمم المتحضّرة تبني المكتبات ، أمّا الدول التي فقدت روحها ، فتغلقها» .



#نقوس_المهدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأحذية وتداعياتها...
- في الحاجة الى طه حسين
- مقدمة ديوان - مكب اللامة - للزجال محمد الحبيب العسالي
- في تكريم الروائية الشريفة مريم بن بخثة
- تقديم ديوان - مكب اللامة - للزجال محمد الحبيب العسالي
- البنت التي طارت عصافيرها.. أقصوصة
- المصورون أشقاء الشعراء
- تقديم مجموعة -في انتظار حَبّ الرّشاد- لسعيدة عفيف
- عن الكتابة والملامح الإنسانية في المجموعة القصصية - الحذاء ا ...
- سهرة مع الثعابين
- تجليات الخطاب الصوفي في رواية قرية ابن السيد للروائي المغربي ...
- الحمرية - أقصوصة
- ظاهرة التشرميل بالمغرب
- الأدب المهجري تاريخه خصوصياته ومظاهره
- -ذكريات سرمدية- للشاعر عبد اللطيف بحيري قراءة في العتبات
- هل هي بداية خريف الحركات الاسلاموية في العالم العربي
- ترجمان الأرباض الهامشية - تأملات في تجربة ذ. علي أفيلال
- ترجمان الأرباض الهامشية - تأملات في تجربة ذ. علي أفيلال
- -وشوشات مبعثرة- ليلى مهيدرة - قراءة في الانساق
- ترنيمة لمفاتنها


المزيد.....




- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نقوس المهدي - المكتبة علم بلا حدود