أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - مصر وسوريا والسودان والأسئلة المسكوت عنها















المزيد.....

مصر وسوريا والسودان والأسئلة المسكوت عنها


طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 5613 - 2017 / 8 / 18 - 00:30
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



من بين الأمورالمسكوت عنها فى الثقافة المصرية السائدة، المناقشة العلمية الجادة حول (هوية مصر) الثقافية والحضارية. وقد ترتب على هذا السكوت (والأدق التجاهل) أنّ أغلب المتعلمين (المصريين) المحسوبين على الثقافة المصرية، من شعراء وروائيين وإعلامين وباحثين..إلخ لم يخطرعلى ذهنهم طرح بعض الأسئلة البديهية، التى يتوقف أمامها العقل الحر، مثل السؤال حول موقع مصرالجغرافى، وامتدادها الطبيعى، وهل هوفى القارة الأفريقية، أم فى غرب آسيا؟ وهذا السؤال يفتح الملف الذى يتجنــّـبه المتعلمون المصريون (ملف الوحدة المصرية السورية) وبالتالى عدم القدرة على طرح السؤال البديهى: لماذا كان قرارالبكباشى عبدالناصربالترويج للوحدة مع سوريا وليس مع السودان؟ ومن الأقرب (جغرافيـًـا) لمصر؟ ومن الأقرب (ثقافيـًـا) لشعبنا المصرى؟ سوريا أم السودان؟
وكان من أخطرالمقولات العروبية/ الناصرية هى (حصر) حدود مصرفى الحدود الشرقية، وكأنّ مصرليستْ لها حدود أخرى، وكأنّ الخطرعلى أمن مصرالقومى، لايأتى إلاّمن الحدود الشرقية .
إنّ مساحة مصر1041115 كم مربع. وتقع فى الركن الشمالى الشرقى من قارة إفريقيا. يحف بها من الشمال البحرالمتوسط. وفى الشرق فلسطين وخليج العقبة والبحرالأحمر. وفى الجنوب خط عرض 22 درجة شمالا، ويُمثل الحدود بينها وبين السودان. وفى الغرب خط طول 25 درجة شرقــًـا، وهى إلى حد كبيربينها وبين ليبيا. وتنقسم أراضى مصرجغرافيًا إلى ثلاثة أقسام كبرى: الصحراء الشرقية ويلحق بها جزيرة سيناء، وأراضى النيل ويدخل فيها منخفض الفيوم. ثم الصحراء الغربية. أما الصحراء الشرقية فمساحتها 223000 كم مربع تشمل الهضبة الممتدة من وادى النيل إلى البحرالأحمر. أما الصحراء الغربية فتشمل أكثرمن ثلثىْ مساحة مصر.
هذه هى حدود مصرالجغرافية. مصرملتقى ثلاث قارات. والبحرالأبيض المتوسط يُفرّق ويصل بين مصروأوروبا. والبحرالأحمريصل مصربصفة خاصة بالشرق والشرق الأقصى. فإذا أضفنا إلى ذلك أرضها الخصبة بسبب وجود طمى النيل (قبل بناء السد العالى بالطبع) لدرجة أنّ ابن عبدالحكم فى سرده لوقائع الغزوالعربى لمصروصف النيل بأنه ((نهرالعسل فى الجنة)) (فتوح مصروأخبارها- مؤسسة دارالتعاون للطبع والنشرعام 1974 ص 103) وكثرة خيراتها واعتدال مناخها، ترتب على ذلك أنْ أصبحتْ مصرضحية لموقعها الجغرافى المتميز، فتعرّضتْ- على مرالتاريخ- لعدة غزوات. ولم تكن الحدود الشرقية وحدها هى سبيل الوصول إلى مصر، وإنما الحدود الغربية أيضًا مثلما حدث مع الغزوالليبى فى العصورالقديمة.
وإذا كان الناصريون و(العروبيون) روّجوا لمقولة أنّ الحدود الشرقية (وحدها هى مصدرالخطرعلى مصر، فإنّ وقائع التاريخ تنفى ذلك حيث كانت الإسكندرية هى (بوابة) الاحتلال. وتقع الإسكندرية على ساحل البحرالمتوسط غربىْ فرع رشيد. وأنشأها الإسكندرالأكبرعندما غزا مصر332 ق . م وهى أكبرثغورمصر. وكان اسمها عند جدودنا المصريين القدماء (راكوتى) وعند اليونان (راكوتيس) وأطلق العرب عليها (راقوده) وكانت مسرح الأحداث عندما جلستْ كليوباتره السابعة على عرش مصرعام 37 ق. م عندما تزوّجتْ أنطونيوس وحرّضته على محاربة أوكتافيوس. ولكن هزيمتها فى أكتوم عام 31 ق. م قضتْ نهائيًا على كل آمالها. وبالرغم من ذلك ظلّتْ الإسكندرية عاصمة مصر حتى تاريخ الغزوالعربى، إذْ أنّ عمروبن العاص قبل أنْ يصل إلى مدنها المختلفة، ومنها ما أطلق عليه الفسطاط (القاهرة فيما بعد) اختارأنْ تكون الإسكندرية هى مدخله لإحتلال مصر. ودعا عمروبن العاص إلى غزوالإسكندرية مرتين: الأولى عام 641 والثانية عام 645 وذكرابن عبد الحكم أنّ الإسكندرية فُتحتْ عنوة (أى بالقوة) بغيرعهد ولاعقد ولم يكن لهم صلح ولاذمة. وفى وصف عمروبن العاص للإسكندرية فى كتابه إلى عمربن الخطاب قال ((ما رأيتُ مثل مصرقط وكثرة ما فيها من أموال)) (المصدرالسابق– ص 46 ، 63)
وأثناء الصراع بين الملك الناصروالأمراء، كانت الإسكندرية هى مسرح الأحداث للسيطرة على مصر(النجوم الزاهرة فى ملوك مصروالقاهرة- لابن تغرى بردى– ج 12 – هيئة قصورالثقافة عام 2008 من ص 180- 230) وعندما غزا الفاطميون مصرفإنّ المعزلدين الله الفاطمى اختارأنْ يكون دخوله (= غزوه) عن طريق الإسكندرية (بدائع الزهورفى وقائع الدهور- لابن إياس- هيئة الكتاب المصرية- عام 1982- ج 1 ص 186) وكانت الإسكندرية- أيضًا- مسرح الأحداث أثناء الغزوالعثمانى على مصرعام 1517.
وقبل أنْ يحتل جيش نابليون بونابرت الإسكندرية عام 1798 سبقتها محاولة من الإنجليز، إذْ ذكرالجبرتى أنه وردتْ إلى القاهرة المكاتيب بأنّ عمارة إنجليزية (يقصد الأسطول) من نحوثلاثين مركبًا وقفتْ بعرض البحرأمام الإسكندرية. وحاول الإنجليز إسترضاء السيد محمد كريم، وإقناعه بأنهم جاءوا لمدافعة الفرنساوية الذين يتهددون مصر. وأنّ محمد كريم لم يقبل العرض وردّ عليهم بكلام خشن ((هذه بلاد السلطان. وليس للفرنسيين ولا لغيرهم عليها سبيل)) ولكن بعد هذا التاريخ بعدة أسابيع، جاء الأسطول الفرنسى إلى مصر، وكانت الإسكندرية هى مدخل الإحتلال، حيث دخل الغزاة عن طريق جزيرة العجمى. وبعد خروج الجيش الفرنسى من مصرعام 1801 حاول الإنجليزإحتلال مصر. وكانت الإسكندرية– أيضًا- هى مدخلهم فى هذه المحاولة. إذْ أنه فى أول مارس 1807 دخلتْ سفينة إنجليزية إلى مياه الإسكندرية. وفى يوم 14 دخلتْ سفينة أخرى، وفى مطلع يوم 17 وصل عدد السفن الإنجليزية 25 سفينة. وذكرالمؤرخ عبدالرحمن الرافعى ((أنه فى ليلة 21 دخل الإنجليزالإسكندرية دون أنْ تُطلق رصاصة واحدة)) والسبب أنّ ((محافظ الإسكندرية (أمين أغا) شغل منصبه بفرمان من الحكومة التركية. وكان متواطئــًـا مع الإنجليزعلى أنْ يُسلمهم المدينة)) وبعد تفاصيل كثيرة، زحف فريزرعلى رشيد لإحتلالها وإتخاذها قاعدة للجيش البريطانى. وفى يوم 29 مارس تحرّكتْ القوات الإنجليزية من الإسكندرية لإحتلال رشيد . ثم وصف المقاومة الباسلة لأهالى رشيد حتى تم جلاء القوات الإنجليزية (لمزيد من التفاصيل: أنظرعبدالرحمن الرافعى- مصرالمجاهدة فى العصرالحديث– من ولاية محمد على إلى نهاية حكم سعيد– ج 2 كتاب الهلال– عام 1989من ص 28- 36)
تكررالاعتداء على هذه المدينة (الجميلة / المنكوبة) مرة أخرى، إذْ فى شهرمايو1882 عندما تفاقم الخلاف بين الخديوتوفيق وأعضاء الوزارة، أعلنتْ الصحف الأوروبية أنّ إنجلترا وفرنسا عازمتان على إرسال أسطوليهما إلى الإسكندرية. وبالفعل تحققتْ توقعات تلك الصحف. وفى يوم 12 مايوقال اللورد (جرانفيل) وزيرخارجية إنجلترا للمسيو(تيسو) سفيرفرنسا فى لندن ((إنّ الحاجة ماسة إلى القيام بمظاهرة بحرية فى مياه الإسكندرية)) وذكرعبدالرحمن الرافعى أنّ تلك المظاهرة البحرية كانت الثانية التى قامت بها الدولتان. وأنّ الأولى كانت فى أكتوبر1881 والثانية كانت أشد خطرًا من الأولى، إذْ أنها لم تكن مظاهرة فحسب، بل كانت مقدمة لضرب الإسكندرية والإحتلال البريطانى. فقد وصلتْ البوارج إلى مياه الإسكندرية يوم 19 مايو1882 وفى يوم 11 يونيو وقعت مذبحة الإسكندرية بسبب الشجارالذى وقع بين أحد المالطيين من رعايا الإنجليزوالمصرى السكندرى (السيد العجان) الذى أجرّحماره للمالطى ولم يعطه إلاّقرش صاغ بعد أنْ استغل الحمارطوال النهارإلى آخرالواقعة المشهورة التى انتهتْ بمذبحة راح ضحيتها 49 قتيلا منهم 38 أجنبيًا والباقى من السكندريين. واستمرالتوترحتى كانت الذروة يوم 11 يوليو1882عندما ضرب الأسطول الإنجليزى مدينة الإسكندرية (لمزيد من التفاصيل أنظر: عبدالرحمن الرافعى فى كتابه " مصرالمجاهدة فى العصرالحديث– الثورة العرابية والاحتلال الإنجليزى والسودان " ج 4– كتاب الهلال– عام 1989من ص 72- 126)
هكذا كان قدرهذه المدينة الجميلة، أنْ تكون مدخل الغزاة لاحتلال مصر. إذن فإنّ حدود مصرلا تقتصرعلى الحدود الشرقية، وأنّ الغزاة يختارون الدخول (= الغزو) إلى مصرمن أية جهة (= حدود) وفقًا لحساباتهم. وإذا كان عام 1882 المحطة الأخيرة بالنسبة للإسكندرية مع الغزاة، فإنّ عبدالناصروالقيادة العسكرية أثناء حرب السويس بعد تأميم القناة، توقع أنّ بريطانيا فى حالة استخدامها القوة العسكرية، فإنها ستتقدم أساسًا بقواتها نحومصرمن ناحية الإسكندرية ورشيد. لذلك بُنيتْ الخطة الدفاعية على أساس هذا الاحتمال. وعندما أبلغ خالد محيى الدين عبدالناصربالمعلومات التى حصل عليها من أحد أصدقائه بباريس، وتُشيرإلى أنّ فرنسا تعمل متعاونة مع إسرائيل لمهاجمة مصر، فإنّ عبدالناصرلم يأخذ هذه المعلومات مأخذ الجد، واعتقد هووعبدالحكيم عامرأنّ الغرض من هذه المعلومات دفع مصرإلى حشد قواتها الدفاعية تجاه إسرائيل، تاركين الإسكندرية ورشيد (وهى طريق تقدم القوات البريطانية وفق رأى عبدالناصروعبدالحكيم عامر) دون قوات دفاعية (مصرية) للتصدى لها. وأكثرمن ذلك أنّ ضباط الإتصال (المصريين) كان تقديرهم أنه من الصعوبة بمكان إنزال قوات معادية فى بورسعيد أوالسويس. وإنْ كانت هناك محاولة من العدوفستكون من غرب الإسكندرية، ولذلك لم تُعط أهمية قصوى لتقوية الدفاعات فى منطقة القناة، وذلك رغم أنّ الإنذارالبريطانى/ الفرنسى كان قد حدّد المنطقة التى هدّدا بإحتلالها وهى منطقة قناة السويس التى هى موضع الخلاف بعد قرارالتأميم (لمزيد من التفاصيل أنظر: مذكرات عبداللطيف البغدادى- ج 1 ص 327 ، 351)
والسؤال المسكوت عنه فى مسألة حدود مصرهو: هل استباحتْ إسرائيل المدن المصرية عن طريق الحدود الشرقية فقط، أم أنّ طيرانها استباح كل الحدود المصرية واستطاع تدميرالطائرات والممرات المصرية فى كارثة بؤونة / يونيو 67 التى أطلق عليها الإعلام العروبى المعادى لمصر( شعبًا وحضارة) اسم الدلع (نكسة) وأنّ إسرائيل فعلتْ ذلك فى ثلاث ساعات ونصف، ضربتْ فيها 11 قاعدة جوية مصرية فى وقت واحد من العريش إلى الأقصر؟ (هيكل– حرب الثلاثين سنة- الانفجار1967 من ص 701- 713) فهل يجرؤالإعلام الناصرى/ العروبى تكذيب هذه الحقائق؟ خاصة وأنها منشورة فى كتاب عروبى كبيرهوالأستاذ (المقدس) هيكل؟ وأثناء السنوات التى أطلق عليها هذا الإعلام (حرب الاستنزاف) فإنه (أى هذا الإعلام) لم يسأل– حتى لاتنتقل (عدوى) السؤال إلى شعبنا (المصرى) الذى دفع ثمن الحــروب، كيف استباح الطيران الإسرائيلى حدود مصر، فضرب مصانع (أبوزعبل) ومدرسة بحرالبقربمحافظة الشرقية، وضرب مدينة الفيوم وحى المعادى بالقاهرة إلى آخرالجرائم التى ارتكبتها إسرائيل ضد مصر؟ ولم تتوقف إلاّبعد الاستعانة بالطيران الروسى والطيارين الروس، وهى حقيقة أخرى مسكوت عنها.
وذكرعالم المصريات والآثارالكبيرسليم حسن أنّ أفريقيا هى الامتداد الطبيعى لمصر، وليست غرب آسيا (موسوعة مصرالقديمة- ج10- أكثرمن صفحة. وأعتقد أنّ البُعد الثقافى أهم من الامتداد الجغرافى مثل ولع شعبنا وشعوب أفريقيا بالفن، وهوما تأكد من خلال علم الآثار، حيث التشابه الكبيربين الفن المصرى والفن الأفريقى، فمن يتأمل التماثيل (سواء لملوك أولفلاحين) سيُـدرك هذا التشابه بسهولة، ولمن يريد التأكد من ذلك عليه الاطلاع إلى مجموعة الصورالتى نشرها المفكرالسنغالى (شيخ أنتا ديوب) فى كتابه (الأصول الزنجية للحضارة المصرية) نفس الشىء يجده الباحث على الرسومات المنقوشة على الجداريات، حيث روح الفن واحدة: الملامـح، نظرة العيون، الصلابة، الألوان...إلخ.
فإذا ما انتقلنا من فن النحت والفن التشكيلى إلى فن الموسيقى، فإنّ الدارسين المُـتخصصين لهذا الفن أجمعوا على وجود الكثيرمن العناصرالمُتشابهة بين الموسيقى المصرية وموسيقى الشعوب الأفريقية. كذلك يتوقف الباحثون أمام ظاهرة ولع شعبنا المصرى (منذ أقدم العصورحتى لحظتنا الحاضرة فى الألفية الثالثة) بالرقص والغناء، وهوذات الولع لدى الشعوب الأفريقية. أما إبداع الأساطيرفهوالمجال الخصب الذى يؤكد الكثيرمن التشابهات بين شعبنا المصرى وشعوب أفريقيا، حيث قصة خلق الكون ودورالطبيعة (الشمس والقمر...إلخ) سواء فى الميثولوجيا أوفى الأنثروبولوجيا (علم الإنسان) وخاصة فيما يتعلق بعلم (الأنثروبولوجيا المعرفية) الذى هوفرع من فروع الأنثروبولوجيا الثقافية، ومهمة علمائه دراسة أسس العلاقة بين اللغة والثقافة، على مستوى الشعب الواحد، وعلى مستوى التشابهات بين بعض الشعوب. وكذلك الدراسات والأبحاث الميدانية التى أجراها بعض العلماء، أمثال جيمس فريزرفى موسوعته (الغصن الذهبى) وفى مؤلفه الضخم (الفولكلورفى العهد القديم)
وأشار(شيخ أنتا ديوب) إلى ظاهرة غاية فى الأهمية وهى أنْ عددًا كبيرًا من ملوك أفريقيا أطلقتْ الأساطيرالأفريقية عليهم اسم (آمون) وذكرفى كتابه بالنص على (( إنّ الآنو(الزنوج) حقيقة تاريخية وليسوا مجرد تخيُـل أوفرضية للعمل بها. ولنلاحظ أيضًا أنه يوجد حتى أيامنا هذه شعب الآنوفى ساحل العاج الذى يسبق أسماء ملوكه لقب آمون)) وكتب أيضًا إنّ آمون الإله الأعظم، الزنجى فى السودان (بما فى ذلك فى النوبة) وبقية أفريقيا بأسرها، هوالإلـه ((المصرى الصرف...ومن الممكن أنْ نواصل تفسيركافة السمات الأساسية المُميزة للروح الزنجية وحضارتها انطلاقــًـا من الظروف المادية فى وادى النيل))
فما علاقة كل تلك الشواهد بسوريا؟ ولماذا كان إصرارعبدالناصرعلى انفصال السودان عن مصر؟ ولماذا توافقت رغبة عبدالناصرمع رغبة بريطانيا؟ التى كان يهمها ابتعاد السودان عن مصر، وهوما أكده أحد ضباط يوليو(عبداللطيف البغدادى) الذى كتب أنّ إتجلترا كان يهمها دائمًـا إبعاد السودان عن مصر. وتعمل على أنْ ينال السودان الاستقلال الذاتى لأنّ ذلك يـُـحقق مصالح بريطانيا. وكان موقف مصر(قبل يوليوة52) أنّ انفصال السودان ضد الأمانى الوطنية للشعب السودانى. وفى سنة1953فازالحزب الاتحادى فى الانتخابات البرلمانية. وهذا النجاح جعل أمل مصرفى الاتحاد مع السودان أملا كبيرًا. ولكن هذا الأمل تعرّض للإجهاض وكان السبب كما ذكرالبغدادى: أنّ القيادة السياسية فى مصرقامت برشوة كثيرين من السودانيين. وكان ذلك له أثرسيىء على أغلبية الشعب السودانى، حتى إنّ الشك تناول كل شخص يتعامل مع مصر، لاعتقادهم أنّ وراء هذا التعاون منه رشوة قد حصل عليها من مصر. وهذه الصورة السيئة جعلتْ الكثيرين ممن يؤمنون بالاتحاد مع مصر، يبتعدون عن التعاون معها درءًا لهذا الشك. وبالتالى فإنّ أمل الاتحاد مع مصرأصبح ضعيفــًـا للغاية. ووافق عبدالناصرعلى استقلال السودان فورًا. وقرّرمجلس قيادة (الثورة) أنْ يذهب عبدالناصرإلى السودان ليـُـعلن بنفسه أنّ استقلال السودان عن مصركان بإجماع البرلمان السودانى. ليكون عبدالناصرهو((بطل استقلال السودان عن مصر)) وأنْ يتولى عبدالناصر(منفردًا) مسألة السودان. وأنّ عبدالناصركان يعلم بتحركات السودانيين الراغبين فى الانفصال، وكان يـُـشجعهم على ذلك. وقبل الانفصال قال صلاح سالم لعبدالناصر((هناك مؤامرة تـُـدبـّـرلعدم إتمام اتحاد مصرمع السودان)) ويشترك فى هذه المؤامرة بعض المسئولين داخل مجلس (الثورة) وعلى رأسهم على صبرى الذى يـُـنفذ سياسة الأمريكان والإنجليز. واتهم أنورالسادت- كذلك- فى هذه المؤامرة (مذكرات عبداللطيف البغدادى- المكتب المصرى الحديث- ج1- عام1977- ص73، ومن ص273- 299)
وذكرمحمد نجيب أنّ الحزب الوطنى السودانى الاتحادى كان يطالب بالوحدة مع مصر. وأنّ بريطانيا طلبتْ من مصرسنة1946منح السودانيين الحق فى المطالبة بالاستقلال التام، وحق الانفصال عن مصر، ورفضتْ مصرهذا الطلب. وأنّ البريطانيين توصلوا بالدعاية والبطش لاسكات جموع السودانيين الذين يطالبون بالوحدة مع مصر. وأنّ أعضاء مجلس قيادة (الثورة) وضعوا السودان ((فى ذيل اهتماماتهم)) وأهم ما ذكره نجيب أنّ ((عبدالناصركان يعتبرالسودان عبئــًـا على مصريجب إزالته)) وكان عبدالناصركى يـُـقنع بعض السودنيين المؤيدن للانفصال، فإنه أغراهم (كنوع من الرشوة) بتملك بعض الفلل والقصورالمصرية. وعلى سبيل المثال فإنّ (على الميرغنى) بعد أنْ اعترف بوحدة وادى النيل، تغيـّـرموقفه بعد أنْ أهداه عبدالناصر (سراية) أى قصرًا فى الإسكندرية. ثم تبيـّـن أنه (على الميرغنى) أحد عملاء المخابرات البريطانية.
ومن ملحوظات نجيب المهمة أنه كتب ((ومن سخريات القدرأنّ يسعى عبدالناصرإلى الوحدة مع سوريا، ويفعل المستحيل ليفك الوحدة مع السودان.. رغم أنّ الوحدة مع السودن أمرطبيعى، بينما مع سوريا فهى بين بلديْن متباعديْن جغرافيـًـا ونفسيـًـا)) (الأدق حضاريـًـا وثقافيـًـا) وعندما ذهب عبدالناص لزيارة الخرطوم، لم ينس السودانيون مواقفه (بتأييد انفصال السودان عن مصر) فخرجوا لاستقباله وألقوا على موكبه الطماطم والبيض)) (كنت رئيسًـا لمصر- المكتب المصرى الحديث - سبتمر1984- ص236، 274، 289، 300)
يبقى السؤال الخادش لحياء العروبيين والناصريين: لماذا أصرّعبدالناصرعلى انفصال السودان عن مصر؟ ولماذا استخدم أحط الأساليب (الرشوة) لتحقيق هدفه المُـعادى لمصلحة السودان ومصر؟ ولماذا توافقتْ إرادته السلطوية مع إرادة بريطانيا وأميركا؟ وهما الدولتان اللتان كان يصفهما بالاستعمارية والامبرالية..إلخ؟ وهل يمكن للعقل الحرتجاهل الربط بين العداء للوحدة مع السودان، مقابل الوحدة (التى وُلتْ مشوهة فماتت سريعـًـا) أى المُـسماة الوحدة بين سوريا ومصر؟ والتى أصرّالبكباشى على أنْ يكون هو(الزعيم) للبلديْن، ورغم تاريخ سوريا ومصرالحضارى، نفى عنهما صفة (الوطن) ودلــّـس لتكون سوريا مجرد (إقليم) ومصرمجرد (إقليم) وترتب على ذلك أنْ تـمّ (بقدرة العروبة) الباطشة شطب اسم مصرلتكون مجرد الحروف الثلاثة البائسة (ج. ع. م)
***







#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل القرآن كتاب دين أم كتاب علم ؟
- كيف وصل تشويه مصر لدرجة الانحطاط ؟
- دور الأزهر فى تخريب عقول التلامبذ
- العقلانية وتحليل العهد القديم
- إلى من تٌوجه مقولة الخلل فى فهم الإسلام؟
- حرب النصوص الدينية
- قراءة فى مذكرات بنيامين نتنياهو
- لماذا يصمت النظام على جريمة مكتبات المساجد
- قراءة فى مذكرات جولدا مائير
- لماذا انتقل البعض من الماركسية إلى الإسلام ؟
- زويل ومصير العلماء المصريين
- العلاقة بين الجاهلية والإسلام
- الخطر الحمساوى والغيبوبة المصرية
- صعود السماء بين القرآن والأساطير
- أليس التعليم المدنى أرقى من التعليم الدينى ؟
- لماذا لم يغفر (الله) لأم نبيه ؟
- تناقضات شيخ الأزهر حول بنى إسرائيل
- أليست اليهودية والمسيحية والإسلام من مصدرواحد؟
- نصائح كبار (السلفيين) لأتباعهم
- إلى متى ستستمرظاهرة عبادة الفرد؟


المزيد.....




- “العيال الفرحة مش سايعاهم” .. تردد قناة طيور الجنة الجديد بج ...
- الأوقاف الإسلامية في فلسطين: 219 مستوطنا اقتحموا المسجد الأق ...
- أول أيام -الفصح اليهودي-.. القدس ثكنة عسكرية ومستوطنون يقتحم ...
- رغم تملقها اللوبي اليهودي.. رئيسة جامعة كولومبيا مطالبة بالا ...
- مستوطنون يقتحمون باحات الأقصى بأول أيام عيد الفصح اليهودي
- مصادر فلسطينية: مستعمرون يقتحمون المسجد الأقصى في أول أيام ع ...
- ماذا نعرف عن كتيبة نيتسح يهودا العسكرية الإسرائيلية المُهددة ...
- تهريب بالأكياس.. محاولات محمومة لذبح -قربان الفصح- اليهودي ب ...
- ماما جابت بيبي أجمل أغاني قناة طيور الجنة اضبطها الآن على تر ...
- اسلامي: المراكز النووية في البلاد محصنة امنيا مائة بالمائة


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - مصر وسوريا والسودان والأسئلة المسكوت عنها