|
توماس كون، بين -المجلس الأعلى- و -تيار الحكمة-
محمد أحمد ابو النواعير
الحوار المتمدن-العدد: 5596 - 2017 / 7 / 30 - 16:01
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
توماس كون، بين "المجلس الأعلى" و "تيار الحكمة" محمد ابو النواعير يتميز عالم السياسة، حاله في ذلك حال بقية مناحي الحياة الطبيعية، بالتغير والصيرورة المستمرة، والتحول من حال الى حال بحسب متطلبات وضرورات التطور والتغيير والتحديث، التي ألمت بالحياة المعاصرة للبشرية؛ وتقف النظريات العلمية، وحراك المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وسط هذا الزخم المتعاظم من الحركة الذاتية المحورية، والحركة الانتقالية التطورية، موقفين متباينين، فالبعض منها كان يمثل دور الثبات طلبا للاستقرار، فنجده يبدأ منهجه بثورة جديدة، ومن ثم بالتدرج تصاب ادواته بالخمول والرتابة والتقوقع، بل والعجز عن مجارات مشاكل الواقع . النمط الثاني هو النمط الثوري المتحرك، الذي يؤمن بضرورة استيعاب التغيرات الطارئة في المجتمع والحياة والسياسة والاقتصاد والعلوم الطبيعية، فيحاول ان ينبثق من ثنايا النمط الاول، دافعا بالاطر الكلاسيكية للتعاطي الفكري والعلمي الى الخلف،محاولا ايجاد ادوات جديدة وصحيحة منبثقة من الاسس الفكرية والأيديولوجية المؤسسة، تمكنه من استيعاب المشاكل المستحدثة التي لا مكان لحلها في النمط القديم ! بين هذا وذاك، نجد فيلسوف العلم المعاصر توماس كون يقف في كتابه المشهور (بُنية الثورات العلمية)، موقفا مؤسسا لنمط جديد من انماط التفكير العلمي، والذي احدث ثورة كبيرة ، عصفت بكل أطر وانماط التفكير العلمي، في كل المجالات العلمية والاجتماعية والسياسية؛ حيث يذهب كون الى ان الثورات السياسية تبدأ بشعور الناس، والذي غالبا ما يكون محصورا في قسم من المجتمع السياسي، بأن المؤسسات القائمة توقفت عن ايجاد الحلول الكافية للمشكلات البينية، التي تتنامى نتيجة الازدياد في التعقيد. ان المؤسسة السياسية القائمة على نظرية أيديولوجية معينة في وقت من الاوقات، تصبح نموذجا مقبولا ومستوعبا لحل المشاكل السياسية المطروحة في المجتمع؛ هنا يرى كون أنه ، وبعد فترة من الزمن، تتحول الادوات المنهجية لتلك الاسس الفكرية والنظرية التي تقوم عليها تلك المؤسسات السياسية الى عامل أزمة، تمثل عجز هذه الادوات والمناهج التابعة لتلك الاطر النظرية، عن ايجاد الاجوبة الكافية التي يمكن لها ان تتطابق مع الواقع المعاش، بدل ان تكون عامل حل لأزمات ذلك الواقع، وذلك نتيجةً لصعوبات اداتية ومنهجية، تواجهها أطرها النظرية التأسيسية، بحيث تعجز من خلالها عن استيعاب هذه الصعوبات. في البداية يقوم المختصون في هذه المؤسسات والمنظرين لها، بالالتفاف على هذه الصعوبات عن طريق عمل الكثير من التلفيقات وايجاد المبررات في اطرها النظرية، ولكن هذه التلفيقات تعجز عن رقع ثقب المشاكل الواقعية والعملية، والتي تعجز البنى النظرية لتلك المؤسسة السياسية من ايجاد حلول استيعابية لها؛ ويرى كون انه ومن رحم تلك المؤسسات السياسية، تنبع ثورة تغيرية، تحاول قراءة الأسس التكوينية لتلك المؤسسة السياسية، بطرق وأساليب ومناهج جديدة، لا تتقاطع مع الأسس البنائية التأسيسية، ولكنها تتميز بانفتاحها على المشاكل المستجدة للواقع العلمي والمجتمعي والسياسي؛ ويرى كون بان مثل هذا النوع من الثورة التغيرية، يقوم بها عادة الشباب، ويرفضها الشيوخ ! لقد أثبتت تجارب التأريخ، بأن من النادر تحقيق النجاح في إقناع "الجيل القديم" من القدماء، بالنظريات التغيرية الجديدة، وذلك ربما لان الحس الثوري قد انتهى لديهم او انهم اصبحوا ينتمون للسائد وتماهوا معه وأصبح يعبر عنهم !! يقول فيلسوف العلم المعاصر ماكس بلانك "لا تفوز الحقيقة العلمية الجديدة عن طريق اقناعها خصومها وجعلهم يرون النور، بل لأن خصومها سينتهون بالموت، وأن جيلا جديدا سوف يترعرع ويألفها" ! حركة التطور والتغيير الطبيعية، أوجبت قيام حراك سياسي فكري في العراق، إنقسمت اطرافه بين نوعين: نوع يرى بان المؤسسات السياسية القديمة، القائمة والمتأسسة على منهج المعارضة والمقاومة والممانعة، هي المؤسسات الأصيلة التي يمكن لها ان تحمل مشروع يمثل روح الصالح العام، وعمق الاسلام الصحيح؛ وهذا المنهج يحاول اصحابه دوما الدفاع عن ادواتهم المنهجية في التعاطي مع المشاكل السياسية. النمط الثاني، هو النمط الذي فرضه وسيفرضه واقع جماهيري وشعبي معاش، فرضته مشاكل بدأت تتفاقم وتتحول وتنشطر، بحيث اصبح منهج المدرسة القديمة غير قادر على إستيعابها فضلا عن إيجاد الحلول لها، او النظر في تفاصيلها المتشابكة المعقدة، فاندفع هذا النمط الثاني بقياداته الشابة نحو التأسيس لأطر وأدوات جديدة، تحاول النجاح في استيعاب تطور العقلية والوعي السياسي لدى الفرد العراقي، وتحاول الموائمة مع مستجدات العصر، دون ترك أسسها وجذورها وبنيتها التأسيسية. محمد ابو النواعير - دكتوراه في النظريات السياسية - المدرسة السلوكية الامريكية المعاصرة في السياسة.
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الصناعة الوطنية, مشروع يقلق الكثيرين - داعش أنموذجا.
-
الإسلام السياسي, ليس مدرستنا !
-
أمريكا والشرق الأوسط – الصامت الناطق!
-
لغة الحوار في المجتمع العراقي بين فرضية العقلانية, وسطوة الم
...
المزيد.....
-
قصف وقتل وتجويع واغتيال في غزة
-
قمة -اختر فرنسا-.. ماكرون يراهن على الاستثمارات الأجنبية
-
المئات من عشّاق -حرب النجوم- يحتشدون في شوارع سانتياغو للاحت
...
-
وزير الدفاع السوري يمنح الجماعات المسلحة مهلة 10 أيام للاندم
...
-
إيران تلوح بفشل التفاوض إذا أصرت واشنطن على وقف كلّي للتخصيب
...
-
للحوامل.. كيف تساعد الأفوكادو في صحة الجنين ؟
-
احتجاجات سائقي سيارات الأجرة تعيق حركة المرور في مختلف المدن
...
-
ستارمر وفون دير لاين يعلنان توقيع عقد شراكة بين الاتحاد الأو
...
-
كوريا الشمالية تزيل كلمة -التوحيد- من اسم مبنى في قرية الهدن
...
-
مقتل 4 أشخاص وإصابة 20 آخرين بانفجار في جنوب غرب باكستان
المزيد.....
-
الحرب الأهليةحرب على الدولة
/ محمد علي مقلد
-
خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية
/ احمد صالح سلوم
-
دونالد ترامب - النص الكامل
/ جيلاني الهمامي
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4
/ عبد الرحمان النوضة
-
فهم حضارة العالم المعاصر
/ د. لبيب سلطان
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3
/ عبد الرحمان النوضة
-
سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا-
/ نعوم تشومسكي
-
العولمة المتوحشة
/ فلاح أمين الرهيمي
-
أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا
...
/ جيلاني الهمامي
-
قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام
/ شريف عبد الرزاق
المزيد.....
|