أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عباس علي العلي - العمامة الدينية ومستلزمات الصراع البيني في المجتمع الديني الإسلامي















المزيد.....

العمامة الدينية ومستلزمات الصراع البيني في المجتمع الديني الإسلامي


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 5584 - 2017 / 7 / 18 - 14:53
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


عندما كان رسول الله محمد ص يرتدي العمامة لم يكن ذلك أستجابة لأمر ديني أو أتباعا لقاعدة أمرة، إنما كان يرتديها لأنها الزي العام لرجال المجتمع العربي وجزء من الشخصية الأجتماعية السائدة في ذلك الوقت، فهي جزء من التقاليد المرتبطة بالتوافق لبيئب والثقافي للمجتمع، وعليه فهو لم يبتدع هذا الزي لأنه نبي أو لأنه أراد أن يسن سنه لمن خلفه أو من يأت بعده، كما أنه كان يرتدي لامة الحرب في وقتها ويبقى حاسر الرأس في غير موضع وقت العمامة، هكذا أستمر الحال في الأجيال اللاحقة التي تلت عصر الرسالة والعصور الإسلامية الأولى، حتى وفدت الثقافات الأخرى دينية أو حضارية على مجتمع المسلمين، وتأثرت تبعا لذلك الكثير من مظاهر الحياة العامة ومنها الدينية بشكل خاص بتلك الأفكار والتقاليد المتوارثة، حتى وقت قريب نسبيا كانت العمامة جزء من اللباس الرسمي للخلفاء والوزراء وحتى عامة الناس.
في مراحل لاحقة وحين تحولت المؤسسة الدينية إلى هيكلية مميزة لها قوانينها ولها حضورها المميز، أمرت السلطات الحاكمة ومن باب التميز خاصة أن يرتدي رجال الدين نوعا مميزا من اللباس الرسمي تقليدا لليهود والنصارى في طريقة تعاملهم مع الثقافات الدينية السائدة في المجتمعات التي دخلها الإسلام وأختلط فيها وتأثر بها بوجه خاص من ناحية التنظيم وتقليدا لها، فظهرت العمامة الدينية والجلباب الذي يسمى شرعيا، وتحول رجل الدين إلى شخصية متفردة لها حضور شكلي واضح، إلا أن هذا الأمر لم يكن موحدا على نطاق واسع وعام، بل أن طريقة التعمم وشكلية اللباس بقيت مرتبطة بالواقع المحلي وتبعا للبيئة والذوقالعام السائد في مناطق المسلمين، حتى جاءت الدولة العثمانية التي حاولت أن تفرض شكلا موحدا للزي الديني على مناطق نفوذها كجزء من عملية ضبط رسمية، فنجحت إلى حد بعيد بفرض شكلية عامة على كل رجال الدين وخطباء المساجد والمفتين الذين كانوا يمثلون جزء من نظامها الأداري والحكومي.
فالعمامة واللباس الديني الذي نشاهده اليوم كجزء من الشخصية الدينية لا يرتبط بالدين كوجه من وجوه حتمية ما كان بل جاء نتيجة تدخلات شخصية وأستجابة لحالة مرتبطة بنوع من التقليد السلفي الذي يغلف العقلية الدينية في طريقة تعاطيها مع الدين، وإصرار المؤسسة الدينية على فرز نفسها كطبقة مختلفة عن باقي الناس، مما يمنحها وجودا طبقيا أمكن أستغلاله وتسخيره لوظائف أجتماعية لا علاقة لها بالواجب والمستوجب الديني، فغالب العمامة السنية هي قرارات رسمية صدرت من سلطات دنيوية الهدف منها في حينها تسخيرها لأغراض تنظيمية تتعلق بالدور المؤسسي للمؤسسة الدينية، أما غالب العمامة الشيعية فهي تأثيرات أجتماعية للأقوام والحضارات التي كانت تؤدي دور المعارضة للحكم الرسمي للدولة الإسلامية وطريقا إريد من خلاله مقاومة المدر المخالف، وقد أنتشرت بادئ الأمر في المناطق التي كانت مناؤة للحكم السني خاصة في إيران والمحيط المتأثر فيها دينيا ومذهبيا وصولا إلى حدود الهند والباكستان وأفغانستان، أما في المناطق البعيدة في أفريقيا لم تتأثر شكلية الزي الدينية إلى وقت قريب حين بدأ الصراع الشيعي الوهابي على مناطق النفوذ هناك ، فظهرت العمامة الشيعية والزي الوهابي لتؤشر بحقيقتها على ولاءات المجموعات الإسلامية وبقى جزء صغير ما زال متبعا الزي الرسمي العثماني.
لقد تحولت العمامة والزي الديني إلى جزء من صراع تأريخي بيني داخل المنظومة الدينية الإسلامية، كما حدث ذلك أيضا عند بقية الأديان والمذاهب العقائدية الأخرى، وهذا يكشف للدارس والباحث عمق الأزمة الحضارية التي يعيشها دائما الجتمع الديني نتيجة صراعات فكرية تجذرت حول محاور لا دينية وليشكل نوعا من الأنحياز لهذا الصراع دون أن ينتبه كل رجال الدين إلى أن حقيقة الدين الجوهرية لا علاقة لها ولا تأثير منتج للأختلاف الشكلي بقدر ما يؤشر إلى حالة تفكك وأنعزالية نجحت المؤسسة الدينية في توظيفها لأغراض الصراع وزجها في عقيدة المسلم ودينه على أنها أتباع لسنة حسنه، ووظفت لذلك الكثير من الأقلام والأفكار المزيفة التي أعتدت على الحقائق التاريخية وحرفت الكثير منها توظيفا للصراع وأنتصارا لأفكارها دون خوف وخشية من أن ذلك يزيد من حالة التغريب والتحريف الديني.
إن الحديث اليوم عن تقديس العمامة وبالتالي تشخصن الدين بها كعنوان يكشف لنا هوية مرتديها إنما يمثل صورة من صور الأنحراف العقائدي، فالله تعالى عندما خاطب الناس عامة إنما جرى ذلك لهدف أسمى وأجل من أن يكون له عنوان شكلي أو مظهري، بل كل الدعوة الدينية كانت تتمحور حول الإصلاح والتغيير والتحرر وإرساء القيم الأخلاقية التي تركز على الفعل الإيجابي لدور الإنسان في الوجود، ومحاولة فوقية لبسط مظاهر الإحسان والعدل والمحبة بين الناس، دون أن يطلب منا أن نخصص أو نفرز طبقة متمتعة بأمتيازات حياتية ووجودية لتتولى رئاسة الدين وتأطيره بشكليات محددة ومتميزة لتتولى سدنة الدين بدل العقل البشري الإصلاحي الهادف إلى بسط الحق وأشاعة الخير في المجتمع.
لقد تحول صراع العمامة والثوب الديني اليوم إلى وجه من أوجه الصراع الأجتماعي والفكري والسياسي داخل المجتمع الإسلامي، وتحولت بذلك إلى رمزية تؤشر إلى طبيعة الصراع ومحاولة للأستقواء على الإنسان المجرد من خلال فرض القداسة المزعومة لها، وما يرتب على ذلك من تقسيم المجتمع الذي حرص الإسلام على وحدته وترابطه إلى أقطاعيات متعددة تتنازع مناطق النفوذ الديني، وجرت معها عموم المجتمع الإسلامي إلى صراع عقيم لم ينتج إلا مزيدا من الصراعات الفردية التي تتوالد يوميا صراعات فرعية حتى داخل الكانتونات الممزقة أصلا، وتحول صاحب العمامة إلى سلطة حاكمة باسم العمامة يفرض ويفترض رؤية خاصة به لتعبر عن محاولة إلغاء الإسلام المحمدي دين وإحلال القراءات الفردية والأعتباطية بديلا عنه تبعا لحالة الصراع على أحقية التمثيل والمتابعة.
إلى وقت قريب جدا كانت العمامة واحدة من مستلزمات رجل الحكم والسياسة في مختلف أنظمة الحكم الإسلامي في البلاد التي يحكمها ما يعرف بالخليفة أو مستند إلى حق ديني، حتى جاءت عملية علمنة الدولة التي أنقلبت على أساسيات الحكم الشرعي، فنزع رجال الحكم العمامة وتأقلموا مع متطلبات الواقع المعاصر دون أن يخل ذلك أو يؤشر على عدم أنتمائهم الديني أو نقص ونقض الوظيفة الأجتماعية والسياسية، فهل يستطيع اليوم رجل الدين أن يحذو حذو رجل السياسة وينزع عنه القنبلة التي يعتمرها؟ ليعود للواقع ويمارس دوره من خلال فكره وعلمه ومعارفه دون أن يربط ذلك بالعمامة أو الإحساس بأنتمائه لعصر النزاعات والصراع الفكري والسياسي، وبذلك سيصبح عنصرا فاعلا في التوحيد الأجتماعي والديني وينزع فتيلا من فتائل الصراع المتوهجة، أم يبقى مصرا على أن يستمر في تشبثه بالشخصية التقليدية ليحافظ على القداسة المزعومة ويحافظ على أسس الصراع الديني والمذهبي المستعر. .



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في مسائل توظيف الوعي لبناء المعرفة وتنمية الميل العقلاني للن ...
- أسئلة مأزومة قبل الأنتحار
- معيار التفريق بين التفسير والتأويل وحقيقة التدبر في فهم النص ...
- راهنية النص ومشكلات القراءة المتتالية زمنا وحالا
- بسط مفهوم الكفر ومفهوم الإيمان
- حقيقة المحكم والمتشابه في النص الديني، تفريق المفهوم أم توفي ...
- المجتمع العلماني وحلم الإنسانية بالسلام
- الجبر والأختيار والحرية في التكليف
- الإسلام التاريخي ونظرية الحكم
- المشروعية ومصدر الإرادة
- سعدي يوسف ومحاولة الظهور على سطح الموت
- قيمة التجربة التأريخية
- جدلية الفرد والجماعة
- إسلام ومسلمون
- محاولة في الأنتصار على الذات
- منهج الأنتصار
- التقليد والأجتهاد
- المسلم والأخر الغيري
- أزمة المسلمين وأفاق المستقبل
- الإسلام المعاصر وتحديات العصر


المزيد.....




- المبادرة المصرية تحمِّل الجهات الأمنية مسؤولية الاعتداءات ال ...
- الجزائر.. اليوم المريمي الإسلامي المسيحي
- يهود متشددون يفحصون حطام صاروخ أرض-أرض إيراني
- “متع أطفالك ونمي أفكارهم” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 ب ...
- لولو يا لولو ” اظبطي تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- شاهد: عائلات يهودية تتفقد حطام صاروخ إيراني تم اعتراضه في مد ...
- أمين عام -الجماعة الإسلامية- في لبنان: غزة لن تبقى وحدها توا ...
- وزيرة الداخلية الألمانية: الخطوط الحمراء واضحة.. لا دعاية لد ...
- لجنة وزارية عربية إسلامية تشدد على فرض عقوبات فاعلة على إسرا ...
- اللجنة العربية الإسلامية المشتركة تصدر بيانا بشأن -اسرائيل- ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عباس علي العلي - العمامة الدينية ومستلزمات الصراع البيني في المجتمع الديني الإسلامي