أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عباس علي العلي - جدلية الفرد والجماعة















المزيد.....

جدلية الفرد والجماعة


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 5575 - 2017 / 7 / 8 - 01:27
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


جدلية الفرد والجماعة


من المواضيع التي لم يطرقها جديا الفكر الديني التراثي موضوع الفردية وحقوق الفرد والخطاب الديني بمفهومه العام منصرف للإنسان فرد أم للإنسان كمجموع؟ الحقيقة كل ما نقرأه تأريخيا يشير إلى أن هدف الدين بناء أمة من خلال بناء مجتمع مؤمن ليصار إلى عالم منتظم يدار وفقا للنظرة الإيمانية، التي يستمد صورتها البعض من فهمه للدين مقتدين بالنص التالي {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً}الكهف54.
فهل الإنسان في الفكر الإسلامي هو ذات الإنسان في الدين فكرة؟ قد يبدو السؤال فيه تساؤل غريب وغير ذي جدوى في الوقت الذي يرى البعض إن الإنسان هو المجتمع، وهو مجموع الأفراد الذي يرغب الدين أن يبنية ليكون العنصر المتغير في أطار ثابت، المتغير بفكرة أن موجبات التغيير تأت من الدين ومن الطرائق التي يختارها الله القوي للإنسان الذي خلقه الخالق ضعيفا وعجولا وكفورا، لذا يجب التركيز على علاقة الإنسان بالدين حتى يتحول إلى كائن صالح يبني أمة مؤمنة بقيادة الكهنوت مهما كانت قواعده لأنه هو الأقدر من غيره لفهم مصلحة الإنسان.
هذه النظرة التقليدية التي ورثناها من تأريخية الفكر الديني عماد ما يصفه الدكتور يحيى اليحياوي باليمين الفكري الديني، ومنها مارس الفكر السياسي المستمد قواعده من المدرسة المحافظة في صراعها مع الإنسان في محاولة أستعباده وأستبعاده من ممارسة الحق في تقرير المصير له وفقا لمراد النص الديني، فهل حقيقة أن هناك صراع أصلا (القول بأن "الله هو الباقي، والعالم هو الفاني، الله هو الغني والعالم هو الفقير المحتاج، ويستطيع الغني أن يفعل بالفقير ما يشاء، فلا قانون يحفظ للفقير حقوقه إلا رحمة الغني، ولا إرادة تقف في مواجهة الغني إلا فضله وإرادته." وهذا هو طرح اليمين في الفكر الديني) .
يستطرد الكاتب في شرح الفكرة فيقول مقارنا بين اليمين واليسار الديني (الذي تبشر به النظم اليمينية الرجعية، التي يهمها سلب عالم الجماهير المستغلة، والإيحاء إليها بأنه عالم فان لا قيمة له، وأن القيمة كل القيمة، فيما وراء هذا العالم." وفي مقابل هذا الموقف، هناك اتجاه آخر هو اتجاه اليسار في الفكر الديني الذي "يجعل هذا العالم باقيًا مستقرًا، ويجعل جهد الإنسان فيه منتجًا ومؤثرًا، فالعلم ليس وسيلة لشيء آخر، بل هو غاية في حد ذاته، وهو ليس فانيًا، بل باقيًا، ووجود الإنسان فيه ليس عارضًا، بل جوهريًا) .
الملخص الذي يريده الدكتور اليحياوي الوصول له أن اليمين الديني يتبنى فكرة المجتمع وضرورة بناءه حتى لو تم على حساب فردية الإنسان الأساسية، ومنها كان موضوع القهر السلطوي مبررا شرعا على أنه ضرورة أجتماعية لاحظها الدين وركز عليها، بينما يفهم اليسار المقابل أن الإنسان هو رأسمال الوجود ومحل أهتمام الفكرة الدينية، ولا قيمة للنظم بدون أن يكون العامل الجوهري وإرادته ومصيره محل أعتبار وتقدير أولي.
لقد أدرك النص الديني أهمية الإنسان كفرد ورتب على هذه الأهمية منظومته الخطابية في التكليف وفي البناء الفكري، فمن التكليف وتحمل الجزاء جاء النص {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} المدثر38، فهي أي النصوص لا تحمل المجتمع المسئولية بل تجعلها جزاء الخيار الفردي ومضمون تجربة الإنسان، ومن ناحية الأخرى تخاطب الإنسان كفرد بأعتباره ذات مستقلة {يُنَبَّأُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ}القيامة13، هذه النظرة قد لا نجد لها صدى في الفكر الإنساني بشقيه الفلسفي والمعرفي إلا في وقت متأخر جدا حين ربط الفلاسفة وأمتداد طبيعيا لوعيهم الذاتي المكنون وهو جزء من الأنا الفكرة التي لها جذور دينية قد لا تظهر بالضرورة في الفكر الفلسفي أن الإنسان مجتمع حسب.
حتى عند الماديين الفلاسفة في هناكإسقاطات غير واعية تشير إلى دور المجتمع في صياغة مفهوم الإنسان سواء من خلال ربط وجوده بقوانين وقيم رأسية مؤسسة للوعي كما عند ماركس مثلا، حين قدم وسائل الأنتاج وعلاقات العمل في كشف قيمة الإنسان ودوره الوجودي أو عند هامبرس أيضا حين جعل مفهوم التواصلية الأجتماعية هي مبرر الذات الفرد في المجتمع من خلال قضية التفاعل، وهنا يعيد بناء المادية التارخية سوسيولوجيا للتمييز بين العمل والتفاعل (فليست فقط القيم المادية "الاقتصادية" هي ما ينتجه الناس ويتبادلونه (مجال العمل الاجتماعي)، ولكن هناك أيضا قيم معيارية رمزية تخضع لنفس فعلي الإنتاج والتبادل، هو مجال التفاعل) .
فلا المدرسة الماركسية بكلاسيكيتها ولا في المذاهب التي تابعت المنهج فصلت بين فردية الإنسان كونه القضية المركزية في النظام الأجتماعي ومحور الوجود منفصلا عن الأخر، ولا حتى الفلسفات التي أتت من بعدها خلصت إلى نتيجة أن البناء الإنساني الفردي هو الذي يتم من خلاله فهم ما يحدث أجتماعيا وسيسيولوجيا، وحتى فلسفة كانط الأخلاقية التي بنيت على الذات لم تنجو من الكلية التي تؤشر إلى ربط الذات أجتماعيا، حين ركز على أخلاقيات الواجب وأخلاقيات المنفعة لتأسيس مفهوم الأخلاق.
من يؤسس لفكرة أن المجتمع الأصل أو يردد مفهوم العالم والوجود كمقدمة مؤثرة لفردية الإنسان هو أيضا يقول بأهمية المجتمع وعلاقاته، بدل الأهتمام بالإنسان فرد مع ذاته أولا ومن ثم علاقته بالمجتمع، بمعنى (أن فكرة العالم المعيش تعني عالم الوجود، مثلما في حياة الإنسان يوميا في محيط اجتماعي مقرون بسياق اقتصادي وثقافي، فهو عالم التجربة الآنية كما يعيشه الإنسان، ويتعلق بالإنسان وببيئته الثقافية والجمعية) .
حينما نتكلم عن الذات الفردية لا يعني أننا نشير إلى مفهوم الأنانية المتضخمة ولا نحبذ أن تفرض هذه الفردية على أهمية الأرتباط بالمجتمع، ولكن نركز على دور الأهتمام بالإنسانية المجردة التي هي هوية الإنسان وميلها الطبيعي للتعبير عن ذاتها من خلال منظومة الحرية التي تعني التخلص من الإلجائيات والضغوط العامة التي يفرضها وجوده الأجتماعي لينصر ضمن مفهوم القطيع، التخلص من القهريات والقوانين وإشكاليات تعارض الحرية الفردية مع قوانين وقيم المجتمع، يجب أن يعاد صياغتها على أساس فكرة أن الإنسان الذات الفردية ما لم تتمتع بحريتها الطبيعية المتماهية مع وظيفة الإنسان الأولى أن يكون فاعل وخالق ومتجدد، لا يمكنها أت ترتبط وتنتج مجتمع يتمتع بنفس مفهوم الحرية، مجتمع يسعى للبناء كما يسعى للحفاظ على حركيتية المنبعثة من الداخل الفردي نحو الأطار الجمعي.
لنا شواهد كثيرة على تقديم المصلحة الجمعية على مفهوم الفردية الإنسانية في كل الفكر الديني الإسلامي، قديمه وجديده تحت عنوان التوازن والمفاضلة بين الحقوق والواجبات أو حتى في فهمه للخطاب الديني على أنه خطاب للمجتمع من خلال الفرد، من ضمن هذا الفهم نرد مثالا معاصرا لنظهر قوة الصوت الأجتماعي قبال الفردية الإنساني (يشعر الفرد بأنّ عليه أن يقدّم من نفسه ومن حريته شيئاً للآخر في حاجاته الحيويّة وفي قضاياه الخاصّة والعامّة، ويرى أنّه يحمل مسؤوليّة طاقته، باعتبارها جزءاً من طاقة المجتمع الّتي اؤتمن عليها من قبل الله، فلا بدّ له من أن يقدّمها له، ويحرّكها في مصالحه، سواء كانت مالاً أو علماً أو قوّةً أو أيّ شيء آخر، ولا يستغلها لحسابه الخاصّ، وإلاّ كان سارقاً وغاصباً ومعتدياً على الشّأن العام، لأنّ المجتمع ليس وجوداً متميّزاً في الواقع بشخصه، بل هو وجود الأفراد الّذين يعيشون في ظلّ الرابطة الاجتماعية التي تتمثل بالتزام الإنسان بالآخر، ما يجعل من طاقة الفرد طاقة للمجتمع بالمقدار الّذي يمثّل حاجة المجتمع) .
هذا التقزيم المتعمد لفردية الإنسان تمهد لأستعباد الإنسان بأعتباره حاجة متأخرة أو ملحق لقضية أساسية، وهو بالنظر لهذا الطرح تعارض مع أصل فكرة الدين وإن كان النص القرآني مثلا أشار للتعاون ومفهوم الأمة والخير للناس، لكنه لم بقصدها كعناوين أساسية ولكنها بواقع النص وقصديته أهداف بسعى لها الفرد حينما يكون سويا وحين يكون متكاملا مع عقله ومؤمنا بخياره وحريته، لذا خاطب الله الإنسان من عقله لا من واجبه ومسئوليته أولا {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِير}الحجرات13.
هذا الدور لم يرسم على حقيقة أن الإنسان مجتمع بل على قاعدة أن (الأكرمكم) وهو الفرد أساس الجعل الأول، فإن لم يتوفر هذا الفرد الأكرم لا يمكن أن تتم عملية الجعل برمتها، لذا ركزت فكرة الدين على بناء الإنسان أولا وإعداده وتدريبه ليكون أداة الجعل، فالإنسان القضية ومن خلال فعل القضية طبيعيا سيتحقق الجعل وفقا للمستوى المطلوب جعليا، هنا الإنسا فرد هو محور القضية وحتى يكون محور ناجح وفاعل عليه أن يتمتع بصفات ذاتية تؤهله للدور ألا وهو أن يكون تقي، أي مستعدا لأن يكون كاملا ومتماهيا مع الصورة الأساس، الصورة المثالية للإنسان الذي يعي خياراته ويعي وجوده أولا.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إسلام ومسلمون
- محاولة في الأنتصار على الذات
- منهج الأنتصار
- التقليد والأجتهاد
- المسلم والأخر الغيري
- أزمة المسلمين وأفاق المستقبل
- الإسلام المعاصر وتحديات العصر
- الديمقراطية وإشكالية الولاية والتولي
- ضرورة الديمقراطية وتحديات أحترام حقوق الإنسان في رؤية أستشرا ...
- المرأة ودورها في المجتمع ح2
- المرأة ودورها في المجتمع ح1
- إعادة صياغة مفهوم الأمن القومي
- التنمية الأقتصادية ودور المال وراس المال في بناء القاعدة الم ...
- المال ورأس المال في الفكر الديني
- الخيارات الصعبة في قرارات التغيير
- العولمة ما لها وما عليها
- أحلام تمتنع عن الطيران
- العدم والوجود وما قبل وبعد الموجود ح2
- العدم والوجود وما قبل وبعد الموجود ح1
- رواية أفتراضية من عالم ممكن الحدوث


المزيد.....




- شاهد جميع قصص الأنبياء.. ثبت الان تردد قناة طيور الجنة 2024 ...
- عالم أزهري: الجنة ليست حكرا على ديانة أو طائفة
- إيهود أولمرت يؤيد دعوة شومر لإجراء انتخابات مبكرة في إسرائيل ...
- بشرط واحد.. طريقة التسجيل في اعتكاف المسجد الحرام 2024-1445 ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- ترامب: اليهود المصوتون للديمقراطيين يكرهون إسرائيل واليهودية ...
- -تصريحات ترامب- عن اليهود تثير عاصفة من الجدل
- أصول المصارف الإسلامية بالإمارات تتجاوز 700 مليار درهم
- 54 مستوطنا يقتحمون المسجد الأقصى
- ترامب: اليهود المصوتون للديمقراطيين يكرهون إسرائيل واليهودية ...


المزيد.....

- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد
- التجليات الأخلاقية في الفلسفة الكانطية: الواجب بوصفه قانونا ... / علي أسعد وطفة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عباس علي العلي - جدلية الفرد والجماعة