|
وداعاً عزيز محمد القائد و الانسان 1
مهند البراك
الحوار المتمدن-العدد: 5546 - 2017 / 6 / 9 - 16:05
المحور:
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
خسر الحزب الشيوعي العراقي و الكردستاني و الشعب العراقي بمكوناته بوفاة المناضل الوطني و الاممي البارز الرفيق عزيز محمد (ابو سعود)، مناضلاً باسلاً عمل و ضحىّ بحياته الثرّة من اجل الجميع و صار مثالاً بارزاً في مسيرة و نضال شعبنا بعربه و كرده و مكوّناته . . و مهما اختلف محللون في دوره و صحة مواقفه، الاّ ان الدراسات الجادة و المعمقة لمسيرة و حياة شعبنا الشاقة، ستثبت مدى صواب نهجه و فكره و رؤاه في الفترة التي شغل بها موقع السكرتير العام للحزب الشيوعي و الى وفاته، رغم نواقص و اخطاء في المسيرة الشاقة الطويلة للحزب و للشعب . . و يؤكد سياسيون و خبراء سياسيون و مستقلون مطّلعون، انه لابد من التذكير بظروف المرحلة التي نشط فيها المناضل ابوسعود، حين امتلئت اجيالها بالحماس نحو مستقبل افضل في بلاد تستحقها، الظروف المليئة بالتحدي و الآمال بتحقيق الأهداف و قطافها الدانية، في عالم الحرب الباردة بين عملاقين، عالم النضال العنيد من اجل الحقوق و العدالة الإجتماعية، الظروف التي قال عنها ابوسعود و الى الأخير، على من يريد معرفتها ان يقرأ كتب : 10 ايّام هزّت العالم، كيف سقينا الفولاذ، المؤامرة الكبرى على روسيا، ليعرف كيف هزّتنا ثورة اكتوبر الإشتراكية و اداتها النضالية و الإنتصار على الفاشية، و كيف صارت مثالنا في ظروف البلاد القاسية و الاصعب فيها، ظروف الحزب المثخن بالجراح اثر انقلاب شباط الاسود عام 1963 ، التي انتخب فيها سكرتيراً عاماً للحزب و كان يردد فيها انه الأقل تأهيلاً من بقية القياديين، الأمر الذي فسح المجال على مصراعيه لأعضاء القيادة من لعب ادوارهم في القرارات التي صدرت فتحمّل الجميع مسؤوليتها بنجاحاتها و اخفاقاتها تحت اسمه باعتباره السكرتير العام للحزب، الأمر الذي جعله يصرّح بعد سنين بأنه كسكرتير الحزب يتحمّل مسؤولية الأخطاء و النواقص، التي (اعرفها و التي لا اعرفها)، على حد تعبيره. و يجمع من عاش معه على ان هيبته الخاصة كانت واضحة بين المناضلين و القياديين البارزين آنذاك، في الظروف التي جمعت الجميع معاً كالسجون و الفعاليات الواسعة او في الأنصار . . تلك الهيبة التي تعمّدت بالمواقف البطولية و حسن التصرف في المعتقلات، في مواجهة الظلم بابشع صوره حين يكون السجين بايدي جلادين مطلقي اليد بلا ضوابط . . و عكستها امثلة ذات دلالات رواها و سمعتها منه عن محاولات الهروب من سجن نقرة السلمان الرهيب، حين اشاع الداعين لها بين السجناء ( بانها ستحقق الحرية و الخلاص و انجاز احسن الاعمال و الاحلام . . )، و رغم مشروعية تلك الأفكار و الأحلام لشباب عُزلوا عن الحياة بالقوة في معتقل صحراوي ناءٍ، فإن دعوته و هو المحكوم مؤبد الى النقاش على الأقل و التعقل، في ظروف لم يتوفر فيها من ينتظر الهاربين و لا اين سيختبأون و لا كيف ؟؟ دعوته تلك انقذت الجميع و خاصة الشباب الذين كانوا ينتظرون اشهراً فقط لإنهاء محكومياتهم ، فيما ضاع اثر من اصرّ على الهروب في رمال تلك الصحراء المترامية الوحشية. و امثلة عن نشرهم اضراب سجناء سجن بغداد المركزي عن الطعام بالقيام بمخالفات ليعاقبوا بابعادهم الى سجن نقرة السلمان لنشر اخبار الاضراب ليتضامن السجناء في النقرة مع سجناء سجن بغداد . . اضافة الى اعتراض اللجنة الحزبية لسجن بغداد التي كان مسؤولها على (ميثاق باسم ـ بهاء ـ) سكرتير الحزب آنذاك، الذي سمعته منه اثر سؤالي له في السنوات الأخيرة. لقد هاجمه من هاجمه حتى في رحيله و كأنه هو الذي كان كلّ شئ في الحزب، و ليس حزباً ضمّ هيئات و لجان قيادية و دونها و الآلاف من النشطاء و الاعضاء و اضعافهم من اوثق الأصدقاء . . هاجموه ناسين ان الماركسية موقف شخصي و ذاتي من الحياة و ظروفها و صروفها لآلاف مؤلفة من اوسع اوساط الشعب الفقيرة و رجال علم و ادب و ثقافة و فن، و ان الإنتماء للحزب هو قرار فردي حرّ، في ظروف اعتمد فهمها على كيفية فهم ماهية النجاحات التي يمكن ان يحققها حزب شيوعي في بلاد عاشت و تعيش الظلم و حكم الحديد و النار و التجهيل، كبلادنا . عاش زاهداً ذا طبع بسيط و متواضع الا في الموقف من قضية الشعب، عاش اممي النزعة و الفكر و انطلق في فكره من الواقع العراقي الحزين المعاش، تركت اصوله العائلية المعدمة تأثيراً واضحاً في طبعه المتسامح الكريم و عنايته بزوجته المناضلة الباسلة المربية ام فينك و بناته و ابنه . . و عاش كأي انسان له امزجته و عوالمه الشخصية و انواع معاناته . . فيما قد يكون من الصعب اعطاء تصور متكامل لشخصيته المتعددة الجوانب و المواهب السياسية . تعرّفت عليه شخصياً في ربيع 1973 يوم زارني الرفيق ابوسعود بنفسه في غرفة الطلبة في بناية " طريق الشعب " في عمارة الطحان، لمتابعة قضية حساسة لاعلاقة لها بتنظيم الطلبة كنت اتابعها مع رفيق قيادي كان قد سافر . . و استمرت اللقاءات و تطورت و صارت عائلية و حميمة اكثر تجمعت على احاديث عن عوائل السجناء السياسيين و ذكرياتهم عن سجني نقرة السلمان و بعقوبة، عرفت من خلالها كثير من الحقائق التي لم اعرفها قبلاً عن مناضلين اشدّاء يتحدثون عن كيف حولوا السجون الى ساحات نضال حيّة بصلاتهم المتواصلة مع الشعب بمختلف فئاته و عبر الترانزستور و عبر الرسائل الملفوفة على احجار ترمى بمقلاع، مع العالم، ساحات مواجهة و صراع مباشر مع اقسى جلادي الشعب . . و معاهد علم و معارف. و عرفت فيها زيارات السجون للفقيدة والدتي ابنة رجل الدين الكبير رفقة والدي و رفقتنا نحن الصغار الى الشاب ابن عمي الذي اسشهد لاحقاً، الصحفي اللامع عدنان البراك، زيارات خزنت عنها ذاكرتي صوراً متفرقة، وعرفت فيها عمق الصداقة التي جمعت بينهما منذ الاربعينات. و تعرّفت من شتى الأحاديث تلك عن حقائق اوسع لأحداث سياسية و حزبية هزّت البلاد و الحركة السياسية و الحزب، رغم الحدود الصارمة التي تقيّد بها الرفيق ابوسعود دائماً، بأن لايذيع سراً دفيناً لمناضلين ابطال تفرقت طرقهم و عادت فالتحمت، او اختاروا طرقاً اخرى و بقوا في خنادق النضال من اجل الحرية و السعادة للشعب . . الحدود التي بقي ملتزماً بها الى رحيله حيث التقينا قبل شهر من ذلك الرحيل . . و فيما تحدّث مرة عن معاناته في الحياة السرية، من ما واجه في الاربعينات كطريفة حين توّجب عليه التسوّق لبيت المطبعة حين نفذ الطعام، في محلة بغدادية ندر تواجد كرد فيها و غلب التشدد على ساكني البيت بعدم جلب الانتباه لوجود غرباء لإشتداد هجمة بوليسية، و كان لايجيد العربية. حين خاطب القصاب بلغة عربية فصحى : صباحُ الخَيْرِ ايها القصاب ! و فتح القصاب عينيه سائلاً : يالحم تريد تشتري ابني ؟ اجابه بعد تفكير : لحم رز ! فقال القصاب محدّقاً: يبيّن الأخ فلسطيني مو ؟؟ و مرّت بسلام. تحدّث عن صديقه الاقرب الاكبر سنّاً الذي كان يتعلم منه في السياسة و الإقتصاد و اللغة عضو المكتب السياسي الساكن بنفس البيت في الاربعينات، الذي جُمّد و الرفيق عزيز لم يكن يدري، فحامت شكوك حوله و عوقب حزبياً لإستمرار تواصله معه . . و عن سنوات اواخر الستينات في بغداد بعيدا عن العائلة المُحارَبَة التي ضمّت زوجته و والدته و اطفاله الثلاثة، و هو ساكن في بيت حزبي سريّ قريبا منهم متحرّقاً لهم و لايستطيع ان يلتقيهم . . و فيما كان ضد المظاهر الفارغة التي لاتعني شيئاً على المحك يستشهد بمثال مسؤول خلية في اربيل سمىّ نفسه هه لو (النسر) و ربىّ شارباً ستالينياً و حمل مسبحة حمراء بخرز كبير، الاّ انه افشى كل اسراره بضربة كف واحدة، فيما صمد رفيق ناحل رقيق العود و لم يحصلوا منه على كلمة! فإنه دعى الى تفهّم الضعف الانساني و ان الانسان يمكن ان يبني نفسه مجدداً . . ففيما كان يشيد بالبطولات في المعتقلات و في معارك الانصار و معارك الشوارع، كان يتألم لمعاناة من ضعفوا امام آلات القمع و التعذيب الرهيب، و كان يعلّق بانهم أُخرجوا من صفوف النضال بالقمع و الإكراه و ليس عن قناعة و فكر اختلف، الأمر الذي كان يعكسه في لقاءاته الأممية . . و دعى الأنصار الى احترام ابطال العمل السري، حيث بطولات البيشمركة ليست افضل من بطولات العمل السري و لكل نشاط له بطولاته و ابطاله . . (يتبع)
9 / 6 / 2017 ، مهند البراك
#مهند_البراك (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عن اعادة تقسيم دول المنطقة
-
العصابات و دولة المؤسسات ؟؟
-
هل بدأ خريف الإسلام السياسي ؟؟
-
الجيش حامي العراق الفدرالي الموحد
-
اوروبا و سياسة أردوغان ! 3
-
اوروبا و سياسة أردوغان ! 2
-
اوروبا و سياسة أردوغان ! 1
-
لمن يخدم ضرب المتظاهرين بالرصاص ؟
-
شئ عن مغزى اجراءات ترامب !!
-
انكسار داعش و التسوية الوطنية 3
-
انكسار داعش و التسوية الوطنية 2
-
انكسار داعش و التسوية الوطنية 1
-
تركيا و حربنا ضد داعش الارهابية 2
-
تركيا و حربنا ضد داعش الارهابية 1
-
لماذا تتوجه الآمال الى الجيش ؟؟
-
وزير الدفاع و صراع الفساد 2
-
وزير الدفاع و صراع الفساد 1
-
شباب الاحتجاجات السلمية و مؤتمرهم العتيد !
-
لا للمحاصصة، لا لإنفراد حزب بالحكم
-
ماذا يريد المالكي ؟؟
المزيد.....
-
Israel’s war on Iran and the region must stop.
-
التطبيع بين المغرب وإسرائيل: من المستفيد؟
-
هجوم إسرائيل العسكري على إيران: هاوية مرعبة للشعب الإيراني و
...
-
سقوط الدكتاتورية الأسدية. ماذا بعد؟ الوضع الراهن في سوريا
-
الموظفون//ات العاملون//ات بالتعليم العالي: بين مطرقة الإصلاح
...
-
تيسير خالد : القصف الاميركي للمنشآت النووية الايرانية عمل إج
...
-
حكومة الحيتان تحاصر المستأجرين لتمرير قانون الطرد بالقوة
-
هل يحلق صائد الطائرات الصيني في سماوات إيران قريبا؟
-
مقالات الاخبار..اراء فيما حصل وما يحدث، كتاب جديد للدكتور كا
...
-
مشاركة الرفيق جمال براجع الأمين العام لحزب النهج الديمقراطي
...
المزيد.....
-
سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول
/ ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
-
سلام عادل -سیرة مناضل-
/ ثمینة یوسف
-
سلام عادل- سيرة مناضل
/ ثمينة ناجي يوسف
-
قناديل مندائية
/ فائز الحيدر
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني
/ خالد حسين سلطان
-
الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين
...
/ نعيم ناصر
-
حياة شرارة الثائرة الصامتة
/ خالد حسين سلطان
-
ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري
...
/ خالد حسين سلطان
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول
/ خالد حسين سلطان
-
نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|