أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - كاظم حبيب - وفاء لنضال رفيق الدرب الطويل الرفيق عزيز محمد بعد وفاته















المزيد.....


وفاء لنضال رفيق الدرب الطويل الرفيق عزيز محمد بعد وفاته


كاظم حبيب
(Kadhim Habib)


الحوار المتمدن-العدد: 5541 - 2017 / 6 / 4 - 11:00
المحور: المجتمع المدني
    


حتى أيامه الأخيرة كان الرفيق عزيز محمد يحمل هم الوطن كله، هم العراق وشعب العراق، هم كردستان وشعب كردستان، هم الإنسان العراقي، هم الحزبين الشيوعي العراقي والحزب الشيوعي الكردستاني، هم وجود قوى غير إنسانية على رأس السلطة. كانت اللقاءات به كلها ممتعة ونقاشاته رصينة تدور حول همومه العامة وليس الخاصة. كان شديد الحرص على إيصال رأيه ونقده بصراحة ووضوح لمن يعنيهم الأمر، رغم رغبته في صياغة ملاحظاته في قالب غير خادش لمستمعيه لإدراكه بحساسية الآخرين في ظل الظروف المعقدة والمتشابكة الجارية بالعراق منذ سنوات. قال لي: إن الرفاق لا يتقبلون ملاحظاتي الصريحة والناقدة بصدر رحب، فمن حرقتي وحرصي عليهم أواجههم بكل صراحة. ذكرته مرة بأنه قال لي، حين وجهت نقداً شديدأ وحماسياً في اجتماع للجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي في العام 1974 ببغداد بشأن موضوع محدد: يا رفيق أبو سامر كسرت الرگية (بطيخة حمراط)، وضيعنا الحب واللب". فضحكنا معاً..
رغم كل الأوضاع المتدهورة، ورغم الوضع الصحي الصعب، لم يفقد الأمل، ولو للحظة واحدة، بعودة الحياة والحركة للشعب العراقي ولشعب كردستان، ولكنه كان يخشى أن يخسر العراق المزيد من الضحايا في تحرير الأرض وإعادة البناء والخلاص من القوى المستبدة والقوى التي تسببت بكل ذلك. في زيارتين قمت بهما له بأربيل في كانون الثاني/يناير 2017 كان ما يزال حيوي في نقاشه وفي طرح وجهات نظره، رغم بطء حركته. وكان الحزب الشيوعي الكردستاني على وشك أن يعقد مؤتمره السادس. كانت ذاكرته نشطة، تحدث لي عن التقرير والبرنامج والملاحظات التي تكونت لديه والتي سيطرحها على المؤتمرين ورغبته في أن يستعيد الحزب عافيته وجماهيريته، رغم كل الصعوبات المحيطة به وبالحركة الديمقراطية. وكان يخشى أن لا تستقبل ملاحظاته بصدر رحب! كانت ذاكرته نشطة جداً، سواء أكانت لماضي الأيام والسنوات، أم للفترة الت نحن فيها. إذ كان متابعاً للأحداث أولاً بأول، سواء على صعيد كردستان أم العراق، أم المنطقة العربية والشرق الأوسط. وكان الحوار معه ممتعاً وغنياً.
تحدثت له قبل ذاك عن كتاب جديد للمناضل البروفيسور الدكتور محمد محمود من السودان، المقيم قسراً ببريطانيا، والموسوم "نبوة محمد – التاريخ والصناعة – مدخل لقراءة نقدية"، [صادر عن مركز الدراسات النقدية للأديان، لندن، بريطانيا، سنة النشر: ط 2 /2013، 472 صفحة]. شوقته لقراءة الكتاب. جلبته له، قرأه في فترة قصيرة، أعجب به أيما إعجاب بسبب معالجته العلمية والوثائقية لمسألة النبوة عموماً. كان عزيز محمد كثيف القراءة، نهم بمعنى الكلمة، ولكنه كان شحيح الكتابة.
كنا رفيقين في حزب واحد وعملنا معاً ومع بقية الرفاق عشرات السنين، ولكن على امتداد تلك السنوات لم نكن صديقين بالمعنى الصحيح للكلمة، إلا في السنوات العشر الأخيرة تقريباً، حيث واظبت على زيارته كلما زرت كردستان العراق، مرة بمفردي وأخرى مع زوجتي أم سامر وثالثة مع صديقنا المشترك الحاكم بوتان، فتوطدت علاقتنا الصداقية وتعززت وحاول بعضنا معرفة الآخر بشكل أفضل. وحين كان يأتي إلى برلين لزيارة ابنته العزيزة شيرين، كان لا يفوت فرصة اللقاء والحديث وتبادل الرأي.
آخر زيارة لي له، سواء أكان مع عدد من الأحبة، ومنهم نهاد القاضي، وغالب العاني وعبد الخالق زنكنة وفارس نظمي ومحسن شريد ووليد شريف، أم بمفردي، وقبل مغادرتي أربيل، حين قبلته في جبينه وودعته أدركت، إن حادث الوقوع ليلاً والعملية الجراحية التي أجريت له قد أنهكته تماماً وسرقت منه رحيق الحياة، ولن يعيش طويلاً. أخبرت الرفاق حيدر الشيخ علي وكمال شاكر وهادي محمود، وكذلك رفاق المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراق الذين كانوا حينذاك بأربيل، وكانت آراء من التقى به متفقة مع ما شعرت به وأنا أودعه، وهو يرسل تحياته لأم سامر وبقية الرفاق والأصدقاء. وكان في انتظار ابنتيه فينك وشيرين وزوجته كافية.
لقد مات الرفيق عزيز محمد، ولكنه ترك أرثاً غنياً من النضال الوطني والطبقي في صفوف الحركة الوطنية العراقية وحركة التحرر الكردية وفي صفوف وقيادة الحزب الشيوعي العراقي. لقد قاد الحزب الشيوعي العراقي طوال 27 عاماً في أصعب السنوات وأكثرها تعقيداً وحراجة. لقد أصاب مرة وأخطأ أخرى، لم يكن وحده في ذلك، بل شاركنا معه في الصواب والخطأ، سواء أكان ذلك في المكتب السياسي أم اللجنة المركزية أم في عموم الحزب.
لقد جاء عزيز محمد من قرية كردستانية صغيرة في شمال كردستان العراق، لم يكمل تعليمه، ولكن بنضاله الشخصي ودأبه على المطالعة والقراءة النقدية أصبح قائداً لحزب شيوعي عراقي، واحداً من أبرز وأكبر الأحزاب الشيوعية في المنطقة العربية والشرق الأوسط في فترة من فترات نضاله المديد. لم يكن، ولم يدّعِ يوماً أنه واحداً من منظري الحركة الشيوعي العالمية، ولكنه كان واحداً من خيرة مناضلي الحركة الشيوعية العالمية، الذي لم يفقد بوصلة النضال الوطني والطبقي ولو للحظة واحدة حتى الرمق الأخير. لقد كان مخلصاً لتراث وتقاليد الحزب الشيوعي العراقي في حبه للطبقة العاملة العراقية والفلاحين والكسبة والحرفيين ولمثقفين الثوريين ومن كل القوميات، ولم ينس يوماً إنه قد انحدر من عائلة فقيرة ولكنها كريمة، ومن أمة كردية عزيزة وشعب كردي مناضل، إنه كردي القومية، عراقي الوطنية، وأممي الهوية والمبادئ.
فقدنا عزيز محمد، الرفيق والأخ والصديق والمناضل، ولكن ترك خلفه تجربة غنية يمكن للحزبين الشيوعي الكردستاني والشيوعي العراقي وللحركة التحررية الكردستاني والحركة الديمقراطية العراقية ان تستفيد منها في نضالها المرير في المرحلة الراهن وفي المستقبل.
ليبقى عزيز محمد ونضاله البطولي شعلة وهاجة، كشعلة بقية شهداء الحزب الشيوعي العراقي والحركة الوطنية والديمقراطية واليسارية العراقية، تنير درب المناضلين من اجل إقامة وطن حر وشعب سعيد.
وبهذه المناسبة الحزينة أنشر أخر مقال كتبته عن الرفيق عزيز محمد ونشر على موقع الحوار المتمدن-العدد: 5163 بتاريخ 15/05/2016. أي قبل عام من تاريخ وفاته تقريباً.
الرفيق عزيز محمد في حواره الممتع مع الصحفي حمدي العطار (الزمان) / كاظم حبيب

ليس سهلاً بالمرة الحصول على لقاء صحفي مع الرفيق عزيز محمد، الأمين العام السابق للحزب الشيوعي العراق. فهو مستودع أسرار الحزب الداخلية وعلاقاته الإقليمية والدولية، والأممية منها على وجه الخصوص، ولعقود عديدة خلت. وإلى الآن، وهو يقترب من نهاية الثانية والتسعين من عمره المديد. يمتلك رأياً واضحاً وناضجاً في كل ما يجري بإقليم كردستان العراق، والعراق عموماً، وفي منطقة الشرق الأوسط، وعلى الصعيد الدولي. فهو متابع سياسي واجتماعي وثقافي نشط، وقارئ هميم ونهم للكتب، وله ذاكرة نشطة عن أحداث وشخصيات الماضي والحاضر، ولم تفته حتى الآن أحداث العراق الدامية ببغداد أو نينوى أو الأنبار أو غيرها، فهو قريب منها ويعاني مع الآخرين من عواقبها. إنها ليست بسمات جديدة لدى الرفيق عزيز محمد، بل هو معروف بها. عزيز محمد مستمع ممتاز، وقليل الكلام، ويتحدث حين يُسأل، عندها يدرك المقابل إنه أمام شخص يمتلك معرفة جيدة ومعلومات كثيرة وخبرة غنية. إنه لبق في أحاديثه، مالك لزمام اللغة العربية. جمله قصيرة غير معقدة، واضحة، ودقيقة، كمن ينقش في الحجر. إن ما قرأته له حتى الآن كان قليلاً، ولكنه كان واضحاً ودقيقاً في ما كتب. عزيز محمد مثقف عضوي ناضل منذ نعومة أظفاره، ولم يتخل عن ذلك حتى في شيخوخته الراهنة، وهو مقتنع تمام القناعة بما ناضل ويناضل من أجله، مشحوناً بإيمان إضافي بالقضية ذاتها، قضية الفكر الماركسي والنضال من أجل الاشتراكية، والتي تعني عنده العدالة الاجتماعية وسعادة الشعوب وازدهارها وسلامها الدائم، وغياب الاستغلال والاستعباد والحروب والدمار. وعلى هذا الطريق الطويل والصعب، طريق اليسار الاشتراكي، أو الشيوعي، لا يمكن للإنسان أن يصيب دوماً، فهنا يصيب وهناك يخطئ، وهي من سمات الأنسان الطبيعي. وكما قال عيسى المسيح "من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر". وكمناضل من أبناء شعب كردستان وشعب العراق، وضع نفسه في خدمة قضيتين متلازمتين، قضية الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية للعراق كله من جهة، والحقوق القومية للشعب الكردي وبقية القوميات بالعراق من جهة ثانية. وقد تجلى كل ذلك في النضال من أجل الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي، ومن ثم الفيدرالية وحق تقرير المصير للشعب الكردي. وكان واثقاً من أن النضال المشترك للعرب والكرد وبقية القوميات هو الطريق الوحيد لتحقيق الشعارات والأهداف الوطنية والقومية والديمقراطية. وقد التزم بثبات بشعار الحزب " وطن حر وشعب سعيد". إنه أبن بار للشعب العراقي وللشعب الكردي في آن، وهو ما ميزه في نضاله المديد. وهو يناضل في العراق ومن أجل شعب العراق بكل قومياته، لم ينس قضيتين مهمتين في نضاله: حركة التحرر الوطني العربية ومنحها الكثير من وقته وجهده، وبضمنها قضية الشعب الفلسطيني وعدالة هذه القضية ودعوته ضمن نضال الحزب لدولتين متعايشتين بأمن وصداقة وسلام على الأرض الفلسطينية، الدولة الفلسطينية والدولة الإسرائيلية، وقضية الأرض والأمة الكردية الموزعة والمقسمة على أربع دول في منطقة الشرق الأوسط ووحدتهما، وحدة الأرض والأمة الكردية. لقد كان عزيز محمد، وما يزال، من الملتزمين بشعار مرحلة النضال ما بعد الحرب العالمية الثانية، الشعار المركزي الذي رفعه الحزب بقيادة الرفيق فهد, وكتب عنه حسين محمد الشبيبي كراسه المعروف "الجبهة الوطنية الموحدة"، وأكده في فترة توليه قيادة الحزب الشيوعي العراقي، بغض النظر عن المصاعب والملابسات التي رافقت تطبيقه في نضال وتاريخ الحزب الطويل.
إن عدم رغبته في اللقاءات الصحفية ينبع من تجنبه الخوض في، أو الانجرار إلى، قضايا لا تعتبر حتى الآن ماضياً منتيهاً، بل هي ما تزال حاضراً مستمراً، تستوجب الدقة في فهمها والتعبير عنها أو حتى إعطاء الحكم بشأنها من جهة، وخشيته من احتمال تشويه تصريحاته لغرض في نفس يعقوب، أو لسبق صحفي غير صحيح، أو لعدم فهم محاوره محتوى ما أراد قوله وصاغه بالطريقة التي فهمها من جهة ثانية، إضافة إلى ابتعاده عن احتمال حصول إساءة لمن اساءَ إليه، وتجنبه الإساءة لمن يستحق ذلك، كجزء من تربيته العائلية والحزبية. في فترة النضال المشترك والمستمر اتفقنا واختلفنا في الرأي، وهو أمر طبيعي، وربما ضروري، حين يكون غير مفتعل، ولكن لم يؤثر على العلاقات الإنسانية والاجتماعية، على العلاقة الرفاقية والصداقة، وعلى الود والاحترام المتبادلين.
اللقاء الحواري الأخير، الذي تم مع الكاتب والصحفي السيد حمدي العطار (جريدة الزمان)، الذي وجه له الكثير من الأسئلة المهمة في مجالات كثيرة ومهمة، ابتداءً من أوضاع الحزب في السابق وحالياً وعن الحزب الشيوعي الكردستاني وسبب قيامه، وعن الدول الاشتراكية وعوامل انهيارها، وانتهاءً بالأسئلة عن الشيوعية وآفاقها وعن الأوضاع بالعراق وكردستان العراق، كان مهماً وحيوياً، رغم إن جزءاً من الحوار لم نطلع عليه ولم ينشر. ويبدو لي إن هذا اللقاء هو استكمال للقاء الذي أجراه الصحفي المميز والصديق توفيق التميمي قبل عدة سنوات، مع ملاحظة مهمة هي أن هذا الحوار كان أكثر قدرة في التعبير عن رأي الرفيق عزيز محمد بشأن واقع الأخطاء القاتلة التي ارتكبها الحزب الشيوعي وقيادته في الاتحاد السوفييتي وبقية الدول الاشتراكية، وهي مسألة مهمة جداً وضرورية.، إذ كان لهذه الأخطاء الفادحة تأثيرها السلبي الكبير على مجمل الحركة الشيوعية العالمية وحركة اليسار العالمية وحركة التحرر الوطني بالبلدان النامية، ومنها العراق.
لا أنوي المرور على كل المحاور التي تطرق لها الرفيق عزيز محمد، رغم أهميتها والحاجة إلى مناقشتها، بل سأركز على نقطة واحدة مهمة حقاً طرح رأيه فيها ولأول مرة وعلى النحو التالي: "إن انهيار الاشتراكية أو دول المعسكر الاشتراكي لا يتعلق بفشل الاشتراكية، بل ترتبط بالممارسة والتطبيق والأخطاء المرتكبة من قبل الأحزاب الشيوعية الحاكمة...، إن الاشتراكية ستبقى هدفا تناضل البشرية من أجله، ما دام هناك الاضطهاد والتفاوت الطبقي والاجتماعي، لا بد أن تنتصر الاشتراكية في النهاية." (جريدة الزمان، الأمين العام السابق للحزب الشيوعي العراقي عزيز محمد في حوار مع (الزمان): الأحزاب الشيوعية الحاكمة فقدت مصداقيتها وتحولت إلى نخب ذات امتيازات، حمدي العطار، عدد يوم الثلاثاء 10/5/2016).
هذا التقدير الذي طرحه الرفيق عزيز محمد، وفيه تفاصيل مكثفة لرؤيته للأخطاء التي ارتكبها قادة الدول الاشتراكية من الناحيتين النظرية والعملية، وفقدان الحس الثوري، وفقدان العلاقة الحميمة مع المجتمع، وعدم فهم الحرية باعتبارها وعي الضرورة، وهي مقولة فلسفية تجسد الرؤية السليمة لضرورة الحرية في المجتمعات الاشتراكية وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية، وهو الجزء الأول من الفكرة التي طرحها عزيز محمد، أما الجز الثاني منها فيكمن في حقيقة إن الاشتراكية قادمة لا ريب في ذلك، إنها مستقبل البشرية، وهو استنتاج سليم جداً، ويعبر عن فهم لطبيعة وفعل القوانين الخاصة والعامة للنظام الرأسمالي العالمي أولاً، وعن فهم لطبيعة وحركة وفعل قوانين التطور الاجتماعي ثانياً. وما يجري بالدول الرأسمالية المتقدمة وفي العلاقات الداخلية بين الطبقات والفئات الاجتماعية من جهة، والعلاقة بين هذه الدول والدول النامية، أو حركات التحرر الوطني، ونضالها من أجل التقدم الاجتماعي من جهة ثانية، يدلل بما لا يقبل الشك بأن الصراعات الطبقية والتفاوت المتفاقم والفجوة المتسعة بين مالكي وسائل الإنتاج، ومالكي قوة العمل الجسدية والفكرية، بين الأغنياء والفقراء، آخذة بالتنامي المتباين في سرعته بين دولة وأخرى، والذي يعيد الصراع الذي تفاقم في أوائل القرن العشرين، متخذاً اليوم نهجاً مماثلاً، مع فارق أساسي، يبرز في كون يتم في ظل النظام الرأسمالي الأكثر عولمة، والأكثر استغلالاً، والأكثر هيمنة على العالم، والأكثر فساداً وتدميراً لثروات وموارد الشعوب، والمقترن بمنجزات الثورة العلمية والتقنية، ثورة الاتصالات والمعلومات، ثورة الإنفوميديا Infomedia Revolution الجارية، التي تتضمن الجمع بين الحوسبة والاتصالات والإعلام أو المعلوماتية.
قبل أكثر من عشرين عاماً نشرت مقالاً في جريدة الزمان، جرى تشويه عناوينه الداخلية، فقاطعت النشر في الجريدة منذ ذلك الوقت حتى الآن. إذ شوه محرر الجريدة ما كتبته، عندما وضع عنوان ثانوي كان كما يلي: " يقول حبيب الاشتراكية سقطت وإلى الأبد"! قدمت احتجاجاً للجريدة، إذ لم يكن هذا العنوان ولا مضامين المقال تشير إلى ذلك من قريب أو بعيد، بل كان من عنديات محرر الجريدة، إذ إن المقال، ومقالات كثيرة أخرى ومحاضرات قدمتها في مختلف الدول الأوروبية وفي ندوات كانت وما تزال تؤكد ما أشار إليه الرفيق عزيز محمد، حيث اكدت ذلك وفي محاضرات ولقاءات ومقالات كثيرة يمكن أن يعثر عليها القارئ أو القارئة في موقع الحوار المتمدن:
** الرأسمالية لها بديل، إنها الاشتراكية، ولكن متى يمكن البدء ببناء الاشتراكية؟ إنه السؤال الأهم. إن مستلزمات تكوين البديل تنشأ في رحم النظام الرأسمالي، ولا شك في أنها ستتخذ وقتاً غير قصير، وإن الرأسمالية ما تزال تمتلك رصيداً لم يأت أجلها النهائي.
** إن انهيار أو سقوط الدول الاشتراكية القائمة في الواقع:
• لا يعني بأي حال من الأحوال انتصار الرأسمالية على الاشتراكية؛
• ولا يعني بأي حال من الأحوال فشل الاشتراكية كفكر وكأسلوب إنتاج بديل عن أسلوب الإنتاج الرأسمالي.
• وإن سقوط النظم الاشتراكية القائمة في الواقع ارتبط بأخطاء فكرية وسياسية، نظرية وعملية، من جانب من قاد الدول الاشتراكية منذ البداية، وبشكل خاص قاد الدولة السوفييتية، وهم الذين كانوا يقودون الدول الاشتراكية بعد قيامها في أعقاب الحرب العالمية الثانية، والحزب الشيوعي في الاتحاد السوفييتي، الذي كان يقود الحركة الشيوعي العالمية، ويؤثر بقوة على مجمل الحركة اليسارية العالمية إيجاباً أو سلباً.
• وأن الأحزاب الشيوعية وقادة الدول الاشتراكية لم يعوا بما فيه الكفاية، العلاقة الجدلية بين الاشتراكية والحرية، بين العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان الأخرى، بين الواقع والحلم، وتعجلوا كثيراً في حرق المراحل التي لا يمكن ولا يجوز القفز عليها، وأساءوا بذلك للمادية الديالكتيكية والمادية التاريخية وللنظرية العلمية التي قال عنها انجلز بـ "إن الماركسية ليست عقيدة جامدة، بل نظرية هادية". لقد سقطوا في رؤية رغائبية ذاتية بحتة، بدلاً من اعتماد واستخدام أدوات التحليل العلمي للوصول إلى الاستنتاجات التي يقررها الواقع الفعلي القائم وتتناغم مع قوانين التطور الاقتصادي والاجتماعي الموضوعية.
• إن العراق والدول العربية وغالبية الدول النامية ما تزال تعيش في ظل العلاقات الإنتاجية ما قبل الرأسمالية أو الرأسمالية المتخلفة والتابعة واقتصاداتها مكشوفة على الخارج استيراداً وتصديراً، كما تعاني من ضعف شديد في مستوى تطور القوى المنتجة، والوعي الاجتماعي ما يزال متخلفاً بسبب تخلف بنية الاقتصاد وما يقترب به من تخلف في البنية الطبقية للمجتمع، مما يجعل من الاشتراكية مرحلة لاحقة لمهمات أخرى، أي إن هذه البلدان، ومنها العراق، هي ما تزال في مرحلة البناء الديمقراطي للتخلص من بقايا علاقات الإنتاج ما قبل الرأسمالية وبنيتها الاجتماعية والوعي الاجتماعي الناجم عنها، أي إنها ما تزال تواجه تنمية العلاقات الإنتاجية الرأسمالية الوطنية، وبمشاركة واعية من قطاع الدولة والقطا الخاص، وبناء القاعدة المادية للتحولات اللاحقة. إنها المرحلة التي تستلزم تعاون وتحالف الطبقات الاجتماعية الوطنية التي يهمها تحقيق التطور الاقتصادي والتقدم الاجتماعي وتغيير البنية الاقتصادية والاجتماعية والوعي الاجتماعي.
إن الشعوب التواقة إلى الحرية والاشتراكية وحقوق الإنسان وحقوق القوميات والأمن والسلام في العالم، ستبقى تناضل ضد الاستغلال والاستعباد، ضد الفساد ونهب الخيرات، وضد العدوان والحروب والإرهاب الفكري والسياسي. إن سقوط الدول الاشتراكية، وأسباب ذلك معروفة، ويشير إليها باختصار وصواب شديد الرفيق عزيز محمد، قد منح الدول الرأسمالية المتقدمة فرصة ثمينة للاستفراد بالشعوب واسترداد المكاسب التي حققتها الطبقة العاملة والشعوب المناضلة عبر مسيرتها الطويلة، وتكشف من جديد عن بشاعة وجه الرأسمالية المعولمة وممارساتها الفعلية، وعن استعدادها لتشديد الاستغلال، ونهب الخيرات، وشن الحروب الإقليمية وتأجيجها، وتشديد سباق التسلح في العالم، وتشكيل منظمات إرهابية للاستفادة منها ضد نضال شعوبها، كالقاعدة، وداعش، وجبهة النُصرة، وأحرار الشام، وبوكو حرام، وأنصار السنة، وميليشيات طائفية مسلحة شيعية، على سبيل المثال لا الحصر، وتحقيق أقصى الأرباح من خلال التأثير المباشر على حكومات الدول التي تأتمر بأوامرها، وتمارس سياسات مناهضة لمصالح شعوبها، كما هو حال جميع دول الشرق الأوسط ونظمها السياسية والاقتصادية والاجتماعية دون استثناء.
إن سقوط الدول الاشتراكية يفترض اعتباره تجربة غنية جديدة للمناضلين من أجل الاشتراكية في كل مكان، تلك التجربة الثانية التي بدأت في ثورة أكتوبر/تشرين الأول 1917 الاشتراكية، وهي التجربة التي تلت كومونة باريس في أذار/مارس 1871. وأن من واجب كل المناضلين من أجل العدالة الاجتماعية والأمن والسلام في العالم دراسة هذه التجربة الغنية بكل ابعادها وأشكال ظهورها في الدول التي أقيمت فيها، الآسيوية منها أو الأوروبية، وأسباب انهيارها، لتكون زاداً غنياً للمناضلين في جيش اليسار العالمي من شيوعيين واشتراكيين وماركسيين وديمقراطيين تقدميين.
كان مهماً ومفيداً، كما أرى، أن يتناول الرفيق عزيز محمد قضايا الساعة بالعراق وإقليم كردستان، بالتحليل والتدقيق واستخلاص ما يراه مناسباً حول الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية المتوترة، وكذلك العلاقات في ما بين الأحزاب الكردستانية الحاكمة وغير الحاكمة، وما يمكن أن يقدمه من نصح على المستوى العراقي وإقليم كردستان العراق، إذ لديَّ القناعة بأن هناك الكثير ممن يستمعون له، وربما يتجاوبون معه بما يطرحه من أراء ومواقف، بمن فيهم قادة الأحزاب، لتجاوز المحنة التي يمر بها الإقليم على أقل تقدير. إذ إن مخاطر كثيرة تحيط بالعراق والإقليم، والعواقب السلبية المحتملة لا يمكن استبعادها، ضمن حساب الاحتمالات التي تواجه مكونات الشعب العراقي القومية. إن المعرفة والخبرة والحكمة والمشورة الذكية مطلوبة الآن، وأكثر من أي وقت مضى، في مواجهة ما يجري على الساحة السياسية العراقية والكردستانية، وهي قليلة نادرة في هذا الزمن الرديء الذي يمر به العراق بتعدد قومياته. إن ما حصل قبل الحرب الأخيرة (2003) واحتلال العراق، في أعقاب إسقاط الدكتاتورية الغاشمة، وإقامة النظام السياسي الطائفي-الأثني والمحاصصة الطائفية، وما يواجهه العراق والإقليم حالياً، يستوجب بذل الجهد الكبير من جانب القوى الوطنية والديمقراطية لتحليله ثانية وبحيادية علمية عالية، لاستخلاص الاستنتاجات الواقعية المؤثرة التي يمكن أن تقود العراق إلى شاطئ السلام، وهو الذي يقف على حافة حروب أهلية محتملة تحرق الأخضر واليابس، ولن يكون سوى شعوب العراق وقودها، والخاسر الأكبر فيها. وهو ما يفترض العمل على تجنبه، ولن يتم ذلك إلا بالخلاص من نظام المحاصصة الطائفية والفساد والإرهاب الناشئين عنه.



#كاظم_حبيب (هاشتاغ)       Kadhim_Habib#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محنة الشعب في حكامه!
- الأخوات والأخوة الأفاضل مسؤولي الأحزاب والقوى الوطنية الديمق ...
- قراءة في مسرحية -لسعة العقرب- للكاتب المسرحي والصحفي ماجد ال ...
- رسالة مفتوحة إلى السيدة المصونة حرم الروائي المبدع الطيب الذ ...
- خطوة إلى الوراء .. خطوتان بذات الاتجاه، فإلى أين يراد بالعرا ...
- قرية -جه له مورد- تحتفي بالذكرى التاسعة والعشرين للمؤنفلين م ...
- من يوجه أجهزة الأمن والمليشيات الشيعية المسلحة من أمام ستار؟
- من هم مزورو الوقائع والتاريخ بالعراق؟
- هل من طريق لتحقيق التفاعل والتعاون والتنسيق بين قوى اليسار ب ...
- واقع وعواقب السياسيات الطائفية والشوفينية على هجرة مسيحيي ال ...
- دعوة لاستكمال قائمة بأسماء الشهداء الشيوعيين واليساريين والد ...
- ساعة الحقيقة: مستقبل سوريا بين النظام والمعارضة والصراع الإق ...
- هل هناك ضمانات لانتخابات حرة وديمقراطية بالعراق؟
- الشعب الكردي وحقه في تقرير المصير والوضع الراهن
- هل من معالجة جادة لمشكلات الاتحاد الأوروبي؟
- الصديقات والأصدقاء الأعزاء
- الرفيق العزيز رائد فهمي سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي ...
- الجرح النازف: معاناة أهلنا بالموصل!
- نتائج الانتخابات الهولندية واليمين الأوروبي
- رسالة جوابية مفتوحة موجهة إلى الفنان التشكيلي السيد منير الع ...


المزيد.....




- محكمة العدل الدولية تصدر-إجراءات إضافية- ضد إسرائيل جراء الم ...
- انتقاد أممي لتقييد إسرائيل عمل الأونروا ودول تدفع مساهماتها ...
- محكمة العدل تأمر إسرائيل بإدخال المساعدات لغزة دون معوقات
- نتنياهو يتعهد بإعادة كافة الجنود الأسرى في غزة
- إجراء خطير.. الأمم المتحدة تعلق على منع إسرائيل وصول مساعدات ...
- فيديو خاص: أرقام مرعبة حول المجاعة في غزة!!
- محكمة العدل تأمر إسرائيل بفتح المعابر لدخول المساعدات إلى غز ...
- مسؤول أممي لبي بي سي: -المجاعة في غزة قد ترقى إلى جريمة حرب- ...
- الأونروا تدعو لرفع القيود عن وصول المساعدات إلى شمال غزة
- الأمم المتحدة: هناك مؤشرات وأدلة واضحة تثبت استخدام إسرائيل ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - كاظم حبيب - وفاء لنضال رفيق الدرب الطويل الرفيق عزيز محمد بعد وفاته