أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مراد سليمان علو - في الثالث من آب














المزيد.....

في الثالث من آب


مراد سليمان علو
شاعر وكاتب

(Murad Hakrash)


الحوار المتمدن-العدد: 5537 - 2017 / 5 / 31 - 20:09
المحور: الادب والفن
    


في الثالث من آب أرجع الجبل صدى عويل النساء، وبكاء الأطفال، وخوف الرجال.
في الثالث من آب صرخنا، ووحده الموت بلباسه الأسود حضر لنجدتنا.
الموت وحده سار بيننا يواسينا بشعره المجعد ولحيته الكثة، ينظر يمينا وشمالا بعينين جائعتين.
في الثالث من آب سار الموت، وسرنا خلفه مرتعبين. يلتفت الموت فيسقط طفلا من العطش.
في الثالث من آب سار الموت خلفنا، وسرنا أمامه خائفين. يجلس مسن ناله التعب فيجهز عليه الموت ليريحه للأبد.
في الثالث من آب سار الموت بجانبنا، وكلما نظرت اليه امرأة فقدت أحد افراد عائلتها تسقط المرأة من هول الفجيعة ولا تنهض من جديد.
في الثالث من آب ناد الشقيق شقيقه فلم يجبه، والأم بحثت عن فلذات كبدها فلم تجدهم، وترك الأبناء آبائهم، أما الموت الأسود فكان مرافقا للعطشى والجوعى والتعبى، ينتقل من هذا إلى ذاك.
وبعد نهار لا اطول منه وصلنا الجبل، فها هو طفل يبست شفتاه من العطش، وها هو رجل كنت تظنه قادرا على أن يصارع اسدا بيديه المجردتين، خائر القوى لا يقدر على المسير وتصطك اسنانه من الخوف، وما أن يتحرك موكبنا حتى يسقط أحدنا جثة هامدة، ووحده الموت المتسربل بالأسود يقهقه عاليا.
ثم جاء الليل، وعمّ الظلام، فجلس بقربي رجل خطف الموت احبابه في مسيرة النهار، فرأيته رجلا لا حياة تسري في عروقه يلتفت كلّ حين ناظرا إلى الأفق البعيد صوب قرانا المحترقة ثم همس لي بنبرة حزينة وهو يفرك خطوك كفه بحجر صلد قائلا: "يا هذا فقدنا كلّ شيء، قل لي أين المصير بعد هذه الفاجعة؟" فقلت له أواسيه: "يا صاحبي نحن غرباء أينما ذهبنا"، فتنهد قائلا: "معك حق فقد كنا أغراب في قرانا ايضا، ولكن عادة في الفرمانات يعطفون على بعضهم البعض ويمدّون يد العون لبعضهم البعض، وفي فرماننا هذا لا يوجد ما نقدمه للبعض"، فأجبته لأعيد إليه أملا فقده: "لا تأبه للموت السائر بيننا، فعلينا ألا نتوقف وإن تطلب الأمر أن ندوس على جثث بعضنا، وبهذا فقط نكون قد قدمنا لأنفسنا ما يعجز الآخرين عن تقديمه لنا، وسنستهزأ بالموت ثم نرسم على الناجين ابتسامة أمل".
وقبل انتهاء وقت الاستراحة الإجبارية رأيت صاحبي يحثّ الجالسين على النهوض والنائمين على الاستيقاظ والواقفين على المسير، ويقول بلغة الواثق: "هيّا، فهذه ليست المرّة الأولى التي نخدع بها الموت".
وما أن تهيأت الجموع لمغادرة الجبل حتى صاح بهم صاحبي ثانية: "لا تنسوا فلتكن ثورتكم في دواخلكم، ولترافقكم عواصفكم، وانتقوا كلماتكم، فقد حدثني صاحبي بكلّ هذا قبل قليل ستدخلون زمنا يختلف عن زمنكم وقرى ليست كقراكم، كونوا كأمواج البحر التي لا تخشى العواصف العاتية. لا تختلفوا في تسمية من يكون الراعي، ومن الرعية، كونوا جميعا مروجا خضراء، وبدلا أن تختلفوا في موعد قدوم نيسان كونوا الربيع كله، وبدلا عن مسحكم دموع الأطفال بلطافة لا تدعوهم يذرفون تلك الدموع، فالشمس التي اماتت اطفالكم عطشا هي نفسها التي ستدفئكم".
ثم سرت مع الجموع ألكز الموت مذكرا إياه بأن الأرواح التي ازهقها هي التي ستتطلع الينا من وراء الثالث من آب بثوب جديد وبعد أيام ستكون ثانية أيها الموت الأجوف نسيا منسيا.
*******



#مراد_سليمان_علو (هاشتاغ)       Murad_Hakrash#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثرثرة قلب
- بين القرية والمدينة
- العقال
- حكماء الصين المليون
- حاء النازح
- أغنية الأيزيدي
- حوار الصمت
- قاموس النزوح الحديث
- الفصول المخفية من رواية النازحين
- بتلات الورد/الجزء الثالث (83)
- إلى الأعلى
- نشيد البعث
- وجها لوجه مع داعش 5
- بتلات الورد/الجزء الثالث (82)
- تساؤل
- أنت والأنثى
- صمت وجعجعة
- بتلات الورد/الجزء الثالث (81)
- وجها لوجه مع داعش 4
- رهن الأعتقال


المزيد.....




- انطلاق معرض الرياض الدولي للكتاب 2025
- لا أسكن هذا العالم
- مزكين حسكو: القصيدة في دورتها الأبدية!
- بيان إطلاق مجلة سورياز الأدبية الثقافية
- سميّة الألفي في أحدث ظهور لها من موقع تصوير فيلم -سفاح التجم ...
- عبد الله ولد محمدي يوقّع بأصيلة كتابه الجديد -رحلة الحج على ...
- الممثل التونسي محمد مراد يوثق عبر إنستغرام لحظة اختطافه على ...
- تأثير الدومينو في رواية -فْراري- للسورية ريم بزال
- عاطف حتاتة وفيلم الأبواب المغلقة
- جينيفر لوبيز وجوليا روبرتس وكيانو ريفز.. أبطال أفلام منتظرة ...


المزيد.....

- سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي / أبو الحسن سلام
- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مراد سليمان علو - في الثالث من آب