أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - حسقيل قوجمان - نبذة عن حياتي ٢ حسقيل والثقافة















المزيد.....


نبذة عن حياتي ٢ حسقيل والثقافة


حسقيل قوجمان

الحوار المتمدن-العدد: 5507 - 2017 / 4 / 30 - 14:59
المحور: سيرة ذاتية
    


نبذة عن حياتي ٢
حسقيل والثقافة
القصة الثانية التي اريد ان اقصها عن حياتي هي عن حياتي الثقافية.
بدات حياتي كما تبدأ حياة جميع الاولاد وليس كل البنات بالذهاب الى مدارس الطائفة اليهودية المجانية العديدة. ولم تكن مدرسة البنات الوحيدة مجانية فلم يكن بامكان جميع العائلات تحمل نفقات ادخال البنات الى هذه المدرسة. ولم يرسلوا البنات الى المدارس الرسمية المجانية خوفا من تصبحن مسلمات. ارسلت اختي الكبيرتين الى مدارس تعلم الخياطة وبقيت اختي الثالثة بدون مدرسة. كانت للطائفة مدرستان كبيرتان هما مدرسة التعاون او راحيل شحمون والمدرسة الوطنية فكنت طالبا في مدرسة التعاون او راحيل شحمون. وانهيت الدراسة الاتبدائية في هذه المدرسة.
كانت لليهود مدرسة ثانوية واحدة هي مدرسة شماش فكانت اجورها عالية لا تستطيع كل عائلة تحمل نفقاتها. ولكن المدارس الرسمية كانت مجانية ومفتوحة للجميع. كانت في بغداد عدة مدارس متوسطة وكانت في بغداد مدرسة ثانوية واحدة هي الثانوية المركزية. انهيت الدراسة المتوسطة في مدرسة الرصافة وانهيت الدراسة الثانوية في المدرسة المركزية وانهيت الدراسة الثانوية سنة١٩۳٩.
لم اقدم الى الكليات القليلة وبعد مدة من البطالة حصلت على عمل كمدرس في احدى المدارس الابتدائية اسمها مدرسة مسعودة سلمان التي اهدت المدرسة الى الطائفة وكانت تسكن في غرفة خاصة ونراها احيانا تطل على الاطفال كانهم ابناء لها. كان الراتب الذي تدفعه الطائفة الى المعلم ستة دنانير بينما كان راتب خريج الثانوية لدى الحكومة ثمانية دنانير. بقيت معلما في هذه المدرسة حتى ١٩٤٥ حين فتحت كلية الهندسة وكنت احب ان اكون مهندسا فتقدمت للامتحانات الثانوية مرة ثانية وحصلت على درجات عالية وقدمت الى كلية الهندسة فرفضوا قبولي لان عمري خمسة وعشرين عاما فقبلت في كلية الصيدلة. وكنت عند اعتقالي في السنة الثالثة من كلية الصيدلة. وبهذا انتهت دراساتي المدرسية.
اما ثقافتي السياسية فقد بدأت بصداقتي مع ساسون دلال. فقد كانت بيني وبينه صداقة وثيقة لمدة سنتين او اكثر كنا نتزاور ونقضي اوقاتنا الخالية معا. وكنا احيانا نسمع قصصا مضحكة رائعة من اخيه الذي كان استاذ اللغة الانكليزية في مدرسة شماش.
كان ساسون دلال بارعا باللغة الانجليزية وقادرا على قراءة الكتب بها بسهولة. ومنه علمت عن وجود قانون اسمه المادية الديالكتية ولكني لم اعلم شيئا عن هذا القانون. هذا كان مستواي الثقافي حين اعتقلت. ولم اعلم شيئا عن المبادئ الشيوعية. لم اكن في الواقع عضوا في الحزب الشيوعي عند اعتقالي انما كنت عضوا في حزب التحرر الوطني واخيرا اعتبر كل عضو في حزب التحرر الوطني الذي لم يمنح اجازة تحققه عضوا في الحزب الشيوعي. ولا اعتقد ان المنظمة الشيوعية بقيادة سالم عبيد النعمان ومعيده نافع يونس اعتبروني شيوعيا.
لم تكن في هذه الفترة ثقافة سياسية حقيقية. كان لدى القيادة كتاب الاقتصاد السياسي بقلم ليون تييف وكان محجوزا لدى القيادة ولم يسمح لغيرهم بقراءته. كان من المفروض ان يقوم سالم عبيد النعمان بالقاء محاضرة يوما وان يكون نافع يونس معيدا له في اليوم التالي. وفي الواقع كان سالم عبيد النعمان يلغي القاء محاضرته لاسباب عديدة كوجع الاسنان او وجوده في اجتماع اوغير ذلك. وكان تقليدا لعهد الرفيق فهد الذي كان يلقي محاضرة في الاقتصاد السياسي يوما ويعيد حسين الشبيبي نفس المحاضرة في اليوم التالي.
في الليلة الواحدة التي بقينا فيها بعد الحكم علينا في سجن بغداد قبل تسفيرنا الى نقرة السلمان في اليوم الثاني ليلة اول ايار فجرى الاحتفال بهذه المناسبة. وجرت الحفلة بقيادة اربعة هم هادي هاشم وارا خاجادور ويعقوب مصري ورابع لا اتذكر اسهمه. سالونا عن ارائنا في سياسة الحزب السابقة اي تحت قيادة ساسون دلال وابدى كل من الموجودين رايه. كنت انا اكثر المتحدثين كلاما. اذ سردت الانتقادات التي وجهتها فعلا للحزب كتابة وشفاهيا الى رفيق جالاك. سردت تفاصيل الانتقادات التي وجهتها الى الحزب في حينه وابدى كل من مديري الحوار الاربعة رايه بخطأ هذه الانتقادات كلها.
بعد بضعة ايام من وصولنا الى نقرة السلمان دعانا سالم عبيد النعمان الى اجتماع عام وبين لنا اراءه في سياسة الحزب في فترة قيادة ساسون دلال. وكانت اراؤه اعادة مفصلة للنقاط التي ادليت بها في الاجتماع. قدموها له على انها اراؤهم. وكانت هذه اول صدمة شديدة لي.
في ايام الرفيق فهد كان يجري التثقيف بنفسه واختار حسين الشبيبي ليكون معيدا له. وكان احد المواضيع التي كان يدرسها الاقتصاد السياسي وكان خببيرا بهذا العلم حيث درسه اثناء دراسته في الاتحاد السوفييتي. بعد اعدام الرفيق فهد نقلوا عددا من سجناء سجن الكوت الى نقرة السلمان.
لم يكن سجن نقرة السلمان سجنا مبنيا لكي يكون سجنا بل كان قاعدة عسكرية حربية معدة لحالات الهجوم والدفاع وكان يديرها جنرال بريطاني كان يلقب بابي حنيك كان رئيسا للشرطة البدوية. كانت لهذه القاعدة قلعتان تفصل ببينهما ساحة واسعة وبها بئر مالح الماء. هذا ما سمي سجن نقرة السلمان الذي اودع فيه السجناء المنقولين من سجن الكوت وجميع السجناء اثناء حكم المجرم النعساني بحيث حين نقلونا الى سجن نقرة السلمان بعد الحكم علينا مباشرة فاصبح عددنا في نهاية السنة الاولى حوالى مائتين وخمسين سجينا. وكان سجن نقرة السلمان للرجال فقط وبقيت السجينات في سجن بغداد النسائي.
كنا نسكن في القلعتين حيث نحتاج للدخول الى القلعة تسلق سلم حديدي وندخلها من باب حديدي لا يكاد يسعنا. وفي داخل القلعة كان علينا ان ننزل الى السرداب على سلم حديدي ايضا. لم يكن في القلعة مجال للتهوية غير فتحات اطلاق النار المربعة الصغيرة المعدة للهجوم وللدفاع في حالة وجود قتال.
جريا على ما كان يجري في ايام فهد جرى التثقيف في فترة سالم عبيد النعمان على نفس الترتيب فكان المسؤول الاول سالم عبيد النعمان هو المثقف وكان المعيد نافع يونس اقرب السجناء اليه. وكان المفروض ان يجري التدريس على الكتاب الوحيد المتوفر في السجن، كتاب الاقتصاد السياسي بقلم ليون تييف. بيد ان الفرق عظيم بين العهدين لان الرفيق فهد كان خبيرا في الموضوع بينما كان سالم عبيد النعمان جاهلا كل الجهل للموضوع ومرت سنة لم نكمل فيها الفصل الاول من الكتاب. بقي هذا الوضع حتى حصل انشقاق المنظمة الى جزأين انحازت الاقلية الى سالم عبيد النعمان وبقيت الاغلبية مع حميد عثمان. كان حميد عثمان جاهلا في القضايا النظرية وكان يعتمد على ابراهام شاؤول الذي كان مثقفا معترفا بثقافته. وقد تبرر انه كانت في مخازن المنظمة عدة كتب احتفظت بها في المخازن ولم تعرضها للقراء كان منها كتاب الراسمال والايديولوجيا الالمانية وكتاب تاريخ الحزب الشيوعي الذي يعتبر احد مؤلفات ستالين. وقد عرضت على القراء لقراءتها. قسمت القيادة قراءة الراسمال والايديولوجيا الالمانية على اربعة اشخاص اعتبرتهم قادرين من حيث مستواهم في اللغة الانكليزية على قراءتها وكنت احدهم. كنت استلم الكتاب في الوقت المحدد لي واسلمه الى الاخر بعد انتهاء الوقت المحدد لي. وقد امتنع الثلاثة الاخرون عن استلام الكتاب. فبقي الراسمال والايديولوجيا الالمانية ثلاثة اشهر هي الفترة الوحيدة التي ظهر فيها الكتابان طوال مدة وجودنا في السجون حتى ثورة تموز تحت مخدتي ولم يقرأه احد غيري. من الجدير بالذكر انني في احد الايام في زمن سالم عبيد النعمان اخبرت احد السجناء بانني اقوم بدراسة اللغة الانكليزية لكي استطيع اذا حصلنا على كتاب بها قراءته وفهمه. وشكاني هذا السجين الى سالم عبيد النعمان فدعاني للمحاسبة. فقال ما هذا هل يعني انه ليس هناك من يعرف الاقتصاد السياسي؟ فاجبته هل الحزب يحتاج الى واحد فقط يعرف الاقتصاد السياسي ام ان كل عضو في الحزب ينبغي ان يتعلم الاقتصاد السياسي. فقال لا تتكلم مع الرفاق بهذا الموضوع. وقام زكي خيري بترجمة ثلاثة فصول من كتاب تاريخ الحزب الشيوعي لتدريسه الى السجناء.
في فترة قيادة حميد عثمان ادخلت ادارة السجن مجموعة كبيرة من الجرائد التي كان يرسلها للسجناء اهلوهم. وكان في احدى هذه الصحف مقال عنوانه المادية الجدلية ثورة في العلم بقلم ع ع. واعتبرته القيادة مقالا علميا صحيحا وادخلته في دفتر الادبيات الثورية المتوفر لقراءة السجناء. وقد جرت مناقشات كثيرة حول البيضة والدجاجة بحيث عمت جميع المنظمة واصبحت مقلقة للقيادة فدعي اعضاء المنظمة للاجتماع من اجل محاسبتهم.
انا احب حميد عثمان وادركت انه سيتورط في هذا الاجتماع فطلبت الكلام وقلت ان من الصعب محاسبة مثل هذا العدد الكبير من الاعضاء واقترحت اختيار اربعة او خمسة ممن ساهموا بشدة في الحوارات ووافق الرفاق والقيادة على ذلك فاختاروا خمسة سجناء كنت احدهم رغم انني ليس فقط لم اشترك في الحوار اطلاقا بل اعتبرت المقال خاطئا وطالبت بحذفه من دفتر الادبيات الثورية.
سالهم حميد عثمان هل في الماركسية موضوع البيضة والدجاجة فاجبته نعم موجود. فسالني اذن لما ذا لم يذكره ستالين فاجبته لم يذكره ستالين ولكن ذكره انجلز. فانتفض حميد عثمان غاضبا وترك الاجتماع. وبقي زعلان مني ربما اسبوعين لا يرد حتى على تحية الصباح.
بقي حميد عثمان على موقفه السلبي مني لمدة اسبوعين ثم في احد الايام جلس الى جانبي في صف انتظار شاي العصر وابدى اسفه على موقفه السلبي خلال هذين الاسبوعين فاجبته كم احبه وكم كان هاذان الاسبوعان قاسيين بالنسبة لي ولكني اكدت له باني استمر في مطالبة رفع المقال من دفتر الادبيات الثورية حتى ازالته. وقد ازيل دفتر الادبيات الثورية نفسه عند اعلان اضرابنا الطويل عن الطعام الذي كانت نتيجته نقل السجناء من نقرة السلمان الى سجن الكوت او سجن بغداد فاختار اغلب السجناء سجن الكوت حيث العديد ممن عاشوا مع الرفيق فهد وكنت احدهم.
فور وصولنا الى سجن الكوت كلفوني بان اكون مسؤولا عن صحة السجناء فقط لانني كنت طالبا في كلية الصيدلة. وكانت في السجن غرفة صغيرة يسمونها الصيدلية فيها بعض الادوية كالاسبيرين والدوفر والكينين وغيرها.
كان طبيب الكوت يحضر مرة في الاسبوع لفحص من يحتاج الى مراجعته وكنت ادعو من يحتاجون الى مراجعته اقدمهم له ويصف لهم الدواء وكان الدواء الاكثر شيوعا قناني محلول الكلس التي تحقن في الوريد. اول مشكلة جابهتها في هذه الفترة كانت وسيلة كانت تستعمل من قبل الموظف الصحي الذي كان مسؤولا عن صحة السجناء وجلب الادوية التي يصفها الطبيب على ان اقوم انا بتوزيعها او حقنها للسجناء.
كان الموظف الصحي في العيادة الصحية الحكومية لا يجلب قناني الحقن التي يصفها الطبيب بل يبيعها ويجلب بدلا من ذلك سائلا يحضره بنفسه ويجلبه لحقنه في اوردة المرضى. وكان هذا ما يجري في ايام وجود شخص اخر مسؤول عن تنفيذ وصفات الطبيب سابقا. فسالته كيف تريدني ان احقن في وريد السجناء سائلا تحضره انت وكيف تضبط النسبة الضرورية للملح في هذا المحلول وكيف تعقمه تعقيما صحيحا؟ قلت له لن احقن سجينا بمثل هذا السائل الذي قد يؤدي في حالة الخطأ في تحضيره وتعقيمه الى وفاة السجين؟ لم اوافق اطلاقا على حقن السائل الذي احضره الموظف الصحي ولم استعمل سوى الادوية التي يصفها الطبيب بشكلها المستحضر طبيا.
كان شاب سجين يساعدني في الصيدلية اثناء انشغالي في التثقيف او في القيام بالمهام التي يكلفوني بها. وقد اصبح هذا الشاب من ابرز قادة الحزب الشيوعي كان يكتب مقالات في الحوار المتمدن اقرؤها بشوق اسمه باقر ابراهيم. لم اعلم بذلك حتى اخبرني بروفيسور كمال بان هذا القائد هو نفس الشاب الذي كان يساعدني في الصيدلية باقر ابراهيم.
انا قرات جميع المقالات التي نشرت لباقر ابراهيم وقرات مذكراته وانا لا اعلم انه ذلك الشاب الذي كان يساعدني في الصيدلية.
حالة اخرى غريبة حدثت اثناء ممارستي للعناية بصحة السجناء. كان احد السجناء ياتي كل يوم بعد العشاء ويطلب حبة كينين كنت اعطيه اياها. وفي يوم جاء يشكو انه يجد صعوبة في ابتلاع الطعام. فقلت له ارجو ان نتحدث عن ذلك بعد العشاء. سالته لماذا تتناول الكنين كل يوم؟ قال انه شعر مرة بقشعريرة في جسده فقالوا له هذه ملاريا وعليك ان تتناول كنين لمعالجتها. كان هذا الشخص مراسلا عسكريا يركب دراجة نارية للمارسة مهمته وكان يحتفظ في جيبه كيسا مليئا بحبوب الكينين وكلما يشعر بقشعريرن يتناول حبات منه. قلت له اننا قبل كل شيء علينا ان نتاكد باصابته بالملاريا وسارسل نموذجا من دمه لنتاكد من ذلك وساتوقف عن اعطائه حبوب الكثنين حتى تكون الاجابة على الفحص ايجابية. بعد توقفه عن ابتلاع حبوب الكينين تحسن وضعه واصبح يبتلع الطعام بصورة طبيعية.
كان هذا السجين يحضر شاي الساعة الرابعة كل يوم. وفجاة حين كان يحضر الشاي وقع مغميا عليه فحاولت معالجته. كان جسمه شديد البرودة فاخذته الى الفراش ووضعت كيسا من الماء الحار معه وبعد فترة غير قصيرة فتح عينيه فهمست في اذنه قائلا "ماكو كينين". بعد ذلك اصبح صحيحا لا يشكو من القشعريرة ولا ياخد الكينين. في الواقع كان الاغماء رد فعل لكونه كان مدمنا على تناول الكينين.
والحالة الغريبة الاخرى في موضوع الصحة حدثت في سجن نقرة السلمان حين لم تكن لدينا ادوية وامكانيات للمعالجة غير زيارة الطبيب الشهرية. جاءني يعقوب ابراهامي الذي كان في السجن يدعى يعقوب منشي والدم يسيل منه كالبول. لم يكن لدي ما استطيع ان اعالجه به من ذلك. ولكن كان احد اقارب السجناء قد جاء لقريبه برمانة فاحتفظت بقشر الرمانة للطوارئ وكان قشر الرمان اليابس الوسيلة الوحيدة التي استطعت اسعافه بها. انا اعرف من ذكريات كلية الصيدلة ان قشر الرمانة يحتوي على حامض يسمى حامض التنيك الذي من خصائصه ان يقلص الاغشية المخاطية التي يمر عليها فغليت القشر وحقنت يعقوب به وحدثت المعجزة اذ توقف النزيف فور حقنه بمغلي قشر الرمانة. وقد ذكر يعقوب في احدى مقالاته الكثيرة في انتقادي انني انقذت حياته مرة والحقيقة هي اني لست الذي انقذ حياته بل هو قشر الرمانة الذي انقذ حياته, اذ حتى لو نجحت المنظمة في ارسال يعقوب الى المستشفى فان ذلك يستغرق يومين الى ان يصل مشتشفى الديوانية على الاقل ولو استمر النزيف هذين اليومين لكان ذلك خطرا حقيقيا على حياته.
بعد ثورة تموز علمت لماذا اصرت قيادة المنظمة على وضع مقال ع ع في دفتر الادبيات الثورية. كان ذلك لكونهم كانوا يعلمون من هو ع ع عامر عبدالله الذي كان من قادة الحزب الشيوعي وليس حسب مادة المقال وانا كنت اعارضه بسبب محتوى مقاله وليس بسبب معرفة ع ع.
في حينه كتبت مقالين حول مقال ع ع في احدهما انتقدته انتقادا اعتبرته علميا والثاني كتبت فيه مقالا حول الموضوع اعتبرته شكلا صحيحا بدل نص مقال ع ع. وسلمتهما الى جورج تلو المسؤول في السرداب الذي كنا نعيش فيه حسب الاصول المتبع في المنظمة لقراءتهما ولكن المسؤول اعادهما في نفس اليوم بدون قراءتهما وامرني باحراقهما فاحرقتهما. ولم يكن حميد عثمان قادرا على قراءة المقالين بل ابراهام شاؤول الذي كان يعتمد عليه حميد عثمان هو الذي رفض قراءتهما.
اختفى دفتر الادبيات الثورية عند اضرابنا عن الطعام الذي نجح في موافقة الحكومة على نقل سجناء نقرة السلمان الى سجن الكوت او سجن بغداد حسب اختيارهم. وقد اختار اغلب سجناء المنظمة الشيوعية الانتقال الى سجن الكوت حيث كان العديد من السجناء الذين رافقوا الرفيق فهد قبل اغتياله. واصبح حميد عثمان مسؤولا عن المنظمة.
كان لاصراري على انتقاد مقال ع ع تاثير على حميد عثمان رغم انه لم يعلم شيئا عن موضوع النقاش. فعند اول اجتماع ثقافي بعد انتقالنا اعلن حميد عثمان ان حسقيل قوجمان هو المعيد لمحاضرات عزيز الحاج. ادى ذلك الى احتجاج عموم السجناء واغلبهم رفضوا حضور الجلسة الاولى بعد محاضرة عزيز الحاج. اذ لم يكن من المالوف ان يقوم بالتثقيف سجين من القاعدة وليس من مسؤولي المنظمة وفي حالتي ربما لم اكن حتى معتبرا عضوا شيوعيا.
بعد هروب جميع السجناء ذوي المحكوميات الطويلة من السجن خلال النفق الذي حفروه ما عداي لاني كنت اعاني من كسر في احد اضلاعي بحيث ان الدكتور حسين منعني حتى من ممارسة رياضة الصباح. اصبحت في نيسان من سنة ١٩٥٢ المثقف الاول واستمر ذلك حتى حين عاد المثقفان عزيز الحاج وزكي خيري واستمر ذلك حتى ثورة تموز. وكان عزيز الحاج وزكي خيري ضمن الجالسين للاستماع الى الجلسات الثقافية التي اجريتها. وحتى حين طلب من زكي خيري ان يثقف في موضوع وضعوني شريكا له في التثقيف.
بعد الثورة شعر الحزب بان اليهودي لا يمكن ان يكون شيوعيا لان اليهود، كل اليهود خونة بطبعهم. وقد شعرنا نحن السجناء اليهود الباقين في السجن بذلك وطلبنا عقد اجتماع مع قيادة المنظمة فعقدت برئاسة هادي هاشم المسؤول الاول وثلاثة سجناء اخرين واكدوا انهم جميعا ضد هذا الاتجاه وانهم سيقاومونه عند اطلاق سراحهم. وما حدث كان عكس ذلك اذ كان هادي هاشم من اشد المؤيدين لهذا الموقف بحيث انه طلب من عزيز سباهي الذي كان يدير مكتب الترجمة العائد للحزب ان يمنعني من زيارة المكتب ثانية خشية ان يراني بعثي ادخل مكتبا للحزب الشيوعي. طلب الحزب منا ان نسلم لكي يسمح لنا الله بان نكون شيوعيين والا فاننا لن نبق شيوعيين وفقا لنظرية خالد بكداش قائد الحزبين السوري واللبناني وربما ميشيل عفلق رغم انه ليس مسلما.
وفعلا بقي جميع الذين اسلموا بمن فيهم جميع السجينات ويعقوب مصري من الرجال الذي اسلم يوم اطلاق سراحنا واصبح اسمه عادل منير. وبعد ساعتين من اسلامه اطلق سراحنا وكان في نظر الحكومة ما يزال يهوديا يتطلب اطلاق سراحه كفيلا. فارسل الحزب من يكفله وتركني سجينا لاني يهودي رغم تضحياتي العائلية وخدماتي للحزب خارج السجون وداخلها التي لا اظن سجينا اخر قام بمثلها. بقيت سجينا الى ان وجدت والدة زوجتي شخصا يهوديا تبرع بكفالتي. قام الحزب بتزويد عادل منير (يعقوب مصري سابقا) بالملابس والمسكن وترك حسقيل قوجمان بدون ان يكون له غير سروال السجن ليلبسه بعد اطلاق سراحه. تبرع بعض اصدقاء العائلة السابقين سروالا وقميصا لبستها الى حين وجدت وظيفة لمدة قصيرة الغيت بعد فترة قصيرة وبقيت بلا عمل الى ان وجدت صديقا من السجن فتح حانوتا لطبع الكراسات والكتب الثورية التي راج سوقها بعد الثورة فقمت بترجمة ثلاثين كرسا وكتابا خلال السنة التي بقيت خلالها قبل القبض علي ثانية وسجني محجوزا في سجن العمارة اكثر من سنتين. وضعوني خلالها في غرفة انفرادية لا تفتح الا صباحا لقضاء الحاجات.
في هذه الغرفة الانفرادية وضعوا معي شابا سوريا من مدينة قامشلي مدة قصيرة فتصادقنا وقضينا اوقاتا جميلة في سرد ذكرياتنا وكان له راديو صغير ابقاه لدي عند تسفيره ثانية الى سوريا مع انه مطلوب هناك ولا اعلم ماذا كان مصيره عند تسفيره. كان في كف يد هذا السوري ثلاث اصابع وكان بقيادة مظاهرة في مدينة قامشلي وكانت الشرطة تبحث عن ذي الثلاث اصابع فلجأ الى صديق يهودي وبقي في بيته ثلاثة ايام. وحين علم الحزب عن لجوئه الى بيت يهودي جمد عضويته الحزبية لمدة ثلاثة اشهر.
كان موقف ادارة السجن وحراسه تجاهي سلبيا ومعاديا جدا بحيث كانوا يهددوني بان الطلقة الاولى بعد الانقلاب سيطلقونها علي.
كانت ادارة السجن تدخلني من الغرفة الانفرادية الى السجن يوم الجمعة لمدة ثلاث ساعات للاغتسال. كان الاغتسال يستغرق دقائق وكان احد السجناء يدعوني لشرب القهوة وحين اقبل دعوته يجتمع جميع السجناء بصورة تلقائية وبدون دعوة وتتحول الجلسة الى محاضرة وهذا يتكرر الى ثلاث جلسات لشرب القهوة تتحول الى محاضرة.
وكعقوبة اخرى فكرت ادارة السجن لنقلي الى ثلاثين كرديا كانوا محجوزين في السجن وكانت هذه الشهور الثلاثة من اسعد ايام السجن بحيث علموني اللغة الكردية وجلبوا كتب تعليم اللغة الكردية من السليمانية.
كان هؤلاء المحجوزين الاكراد يحوكون شنط الخرز الجميلة ويسلمونها الى عوائلهم لبيعها وقد تعلمت منهم حياكة الشنط بحيث ما زالت لدي اثنتان منهما بعرض في مناسبات كنماذج على انتاجات السجون.
اطلق سراح جميع المحجوزين الاكراد عصر احد الايام واطلق سراحي معهم خطأ لان مامور الشرطة لم يكن حاضرا. بعد اطلاق سراحي اخذوا يبحثون عني فرتبت والدة حبيبة تهريبي الى ايران حيث كانت منظمة صهيونية تسفر اليهود الهاربين من العراق الى اسرائيل على حسابها وسفروني الى اسرائيل في يناير١٩٦٢.
عند وصولي الى اسرائيل اخبرتني حبيبة عن بقائها مدة طويلة حين كانت مريضة في بيت عائلة عربية من الناصرة فاووها وعالجوها وعاملوها كاحدى اولادهم واقترحت ان نسافر الى الناصرة لابداء شكري لهم. فسافرنا يوم الخميس بعد ثلاثة ايام من وصولي الى اسرائيل.
لم يكن رب العائلة في الناصرة ولكن العائلة اخذتني مساء الى بيت الشيوعي المعروف اميل حبيبي ولدى وجودي معه حكيت له كيف ان الحزب الشيوعي العراقي طلب مني الاسلام لكي ابقى عضوا في الحزب فرفضت ذلك مبدئيا. اذ انني يهودي لاني ولدت لدى عائلة يهودية بدون ارادتي ولكن اعتناق ديانة حاليا اراديا مخالف للمبادئ الشيوعية. وبعد يومين جاء اخي يعقوب واخبرني ان اللجنة المركزسة قررت انني مارق من الحزب الشيوعي العراقي. فطلبت مقابلة مسؤول حزبي في الحزب الاسرائيلي ورتب لي اخي مقابلة مع مسؤول اسرائيلي لا اتذكر اسمه وهو الذي اصيح سكرتير الحزب بعد انشقاق الحزب. وناقشته ان كان من المبادئ الشيوعية اتخاذ قرار باني مارق من الحزب الشيوعي بدون محاكمتي او مناقشتي على ذلك ولم يستطع الاجابة اجابة واضحة عن ذلك ولكن القرار بقي ولم يجر الغاؤه. فشعرت ان الحزب الشيوعي الاسرائيلي كالحزب الشيوعي العراقي اصبح ذيلا لحزب خروشوف الذي حطم الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفييتي وكان هذا يعني تحطيم النظام الاشتراكي في الاتحاد السوفييتي وتحطيم الحركة الشيوعية العالمية كما هو معروف تاريخيا. لذا لم اطلب الانتماء الى الحزب الشيوعي الاسرائيلي حسب نصيحة اخي يعقوب. وحين شكوت يعقوب حول بعض العلاقات العائلية التي جعلت الوالدة تشكو منها قاطعني يعقوب وحتى اصبح معاديا لي حتى بدون نقاش ذلك. واتهموني بالتخلي عن الشيوعية وبقي موقف يعقوب المعادي طويلا وحين طلبوا مني التصالح معه لم اوافق لاني لم اقاطع يعقوب وان من يقاطع هو الذي يجب عليه ان يتصالح. واخيرا جاء يعقوب لزيارتي في المستشفى واعلن مصالحته بدون ذكر ذلك. وبقيت علاقتي من حينه علاقة طيبة حتى وفاته.
من المؤسف جدا ان حقي (اسحق) وهو ابن كلير اخت حبيبة كانه لم يسمع بوفاة يعقوب الذي كان هو الذي رباه وليس اباه وهو الذي حرص على محبته وتربيته وتنشئته وتثقيفه حتى وفاته. كذلك من المؤسف ان دوريس هي الاخرى كانها لم تسمع بوفاة يعقوب الذي اواها وساعدها وكان طيب السلوك معها طوال حياته. ان نهج حقي ودوريس كان انكارا تاما لجميل يعقوب. وكان الجميع يخشون ان يرى الناس يعقوب الى جانب حقي لتشابهما وكانوا يعتقدون ان يعقوب هو والده الحقيقي.
ان كون الله او موسى او عيسى او محمد او المتنبي هم الذين يقررون ان كان الانسان شيوعيا ام لا هو خرافة وقمة الفلسفة المثالية. وهذا يعني ان خالد بكداش والحزبين السوري واللبناني وما يسمى اعتباطا الحزب الشيوعي العراقي لا علاقة لهم بالحركة الشيوعية الحقيقية. وقد كتبت منذ اصبحت لدي امكانية للكتابة عند انتقالي الى لندن ان الحزب الشيوعي العراقي فقد حق تسمية نفسه الحزب الشيوعي العراقي منذ اتخاذ قرارات الكونفرنس البعيدة كل البعد عن المبادئ الشيوعية.
نبذت الفكرة المثالية حول علاقة المبادئ السياسية بديانة الشخص وكنت شيوعيا يهوديا وبقيت شيوعيا يهوديا وسابقى شيوعيا يهوديا الى النهاية.



#حسقيل_قوجمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نبذة عن حياتي
- العودة الى مناقشة تعليقات فاخر فاخر للتسلية
- التاريخ الديالكتيكي لتطور المجتمع البشري
- مداعبة تعليقات فاخر فاخر للتسلية٢
- مداعبة تعليقات فاخر فاخر للتسلية١
- كلمة حول معركة الانتخابات الاميركية الاخيرة
- البضاعة اللاراسمالية والبضاعة الراسمالية٢
- البضاعة اللاراسمالية والبضاعة الراسمالية
- ملاحظات حول مفهوم الاحزاب السياسية
- خصام ونقاش مع فاخر فاخر ٤
- خصام ونقاش مع فاخر فاخر۳
- خصام ونقاش مع فاخر فاخر٢
- خصام ونقاش مع فاخر فاخر١
- مواصلة مناقشة بعض التعليقات٢
- مواصلة الاجابة على بعض التعليقات
- مناقشة بعض التعليقات
- ملاحظات حول الراسمالية وتطوراتها٢
- ملاحظات حول الراسمالية وتطوراتها
- كلمة حول ثورة ١٤ تموز ١٩٥¤ ...
- هل اتوقف عن الكتابة؟


المزيد.....




- اتهام 4 إيرانيين بالتخطيط لاختراق وزارات وشركات أمريكية
- حزب الله يقصف موقعين إسرائيليين قرب عكا
- بالصلاة والخشوع والألعاب النارية.. البرازيليون في ريو يحتفلو ...
- بعد 200 يوم من الحرب.. الفلسطينيون في القطاع يرزحون تحت القص ...
- فرنسا.. مطار شارل ديغول يكشف عن نظام أمني جديد للأمتعة قبل ا ...
- السعودية تدين استمرار القوات الإسرائيلية في انتهاكات جسيمة د ...
- ضربة روسية غير مسبوقة.. تدمير قاذفة صواريخ أمريكية بأوكرانيا ...
- العاهل الأردني يستقبل أمير الكويت في عمان
- اقتحام الأقصى تزامنا مع 200 يوم من الحرب
- موقع أميركي: يجب فضح الأيديولوجيا الصهيونية وإسقاطها


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - حسقيل قوجمان - نبذة عن حياتي ٢ حسقيل والثقافة