يزن عدنان
الحوار المتمدن-العدد: 5496 - 2017 / 4 / 19 - 16:48
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
عن المواطنة
.
يعرف الكثير من الباحثين السياسيين والمختصين في المفاهيم السياسية مفهوم المواطنة بأنها :
حالة تعايش سلمي بين المواطنين داخل حدود جغرافية لوطن واحد , فيه يتساوون بالحقوق و الواجبات , ولا يتم التفريق بينهم على أسس دينية أو مذهبية او فكرية او على الجنس أو اللون أو القومية , ومعظم قوانين ودول العصر الحديث و التي نشأت في القرن العشرين تحديدا حرصت - اغلب دول العالم المتحضرة - على وضع المواطنة شرطا أساسيا في بنود دستورها ...
.
وبمعن مبسط اكثر المواطنة تعنى ان كل المواطنون بكل طوائفهم متساوون لا فرق لعربى على اعجمي ...
(ولا حتى على اساس التقوى) فهي بهذه الحالة تضمن حقوق الاقليات دون الحاجة الى الدفاع عن حقوق الاقليات
(خصوصا من المستغلين) وايضا لا تمييز ولا تفضل فئة على أخرى فليس هناك تمييز عنصري ولا طائفي ولا طبقي ...
فالكل سواسية كأسنان المشط ... ( كما يفترض )
.
كيف تكون هذا المفهوم وما هي الاسباب التي دعت الى الحاجة لمثل هذا المفهوم ؟
بدأت النواة الاساسية لهذا المفهوم تتكون مع بروز مفهوم الدولة المدنية في اليونان لكن ليس بما وصل اليه الان من تكامل , حيث كان المواطنون يشاركون فعليا في وضع قواعد هذه المدينة ( الدستور ) من ناحية الاوليات بغض النظر عن التقسيم المجتمعي الذي كان يسود تلك الفترة! , فالحقوق والواجبات استطاعت ان توفرها حق المواطنة لكن كما ذكرت كان مقتصرا على فئات وطبقات اجتماعية دون غيرها الا انه تضمن فعليا في بنوده حق المشاركة السياسية لكن لمن يتمتع بها! , ثم تطور الى التداول السلمي للسلطة ....
فقد قال ارسطو حينها : ان صلاحية تولي وظائف المحلفين هي المعيار المميز لصفة المواطن . وتدريجيا بدأ يأخذ هذا المفهوم الصياغة القانونية في الفكر السياسي الروماني , لكن الان قد استقبل هذا المفهوم العديد من التطورات الجوهرية في اليات استخدامه وتطبيقه اضافة الى مضمونه الخاص ...
فأصبح طاغياً على جميع مفاصل الحياة الاجتماعية ومناحي المجتمع والدولة والقانون , هذه هي اغلب التعريفات التي تخص هذه المفهوم الرائع والذي ارغب ان اطلق علية ( مفهوم المرحلة القادمة ) في بيئة ومجتمع ودولة العراق والان لنتعمق بهذا المفهوم اكثر واليات تطبيقه
.
نحن مجتمع عراقي قد مزقته المحاصصة الطائفية طائفياً وعرقياً , وعاثت في جميع نواحيه السياسية والمجتمعية فسادا وتشظيا , خصوصا في بنيته الاجتماعية وخضع لانقسامات عرقية و طائفية , و تسلط وقح من قبل تجمعات و مجاميع دينية اغلبية مارست الطغيان و الاستبداد على باقي مكوناته و اطيافه , و بسبب اس الفساد و الطائفية المعتمد من قبل الاحزاب الدينية والذي ندعوه بالمحاصصة الذي عبث بذلك المناخ المجتمعي و افقده التجانس والالوان باعتماده مبدأ الاغلبية الحاكمة والمتحكمة , في بلد تعددي والذي اوصلنا الى تكوين مناخ سياسي غير مستقر
ادى الى استبداد تلك الاغلبية الدينية المتسلطة سواء كانت تيار او طائفة او قومية , و ذلك التشظي لم يكن اثني فقط بل بلغ مدى اوسع و دخل التشظي و الانقسام الى داخل كل طائفة وبعثرها الى طوائف اكثر وانقسامات اكثر
فولدت من كل طائفة طوائف اكثر وشخصيات بارزه اكثر و هكذا ....
.
فالانقسامات مازالت مستمرة حتى اللحظة ,
لذلك اخذت التجمعات المدنية والشيوعية عامة على عاتقها غرس المفاهيم المدنية و تقديم حلولا واضحه واليات اقل ضبابية من تلك التي تقدمها الاحزاب الدينية الفاسدة الخاضعة للمحاصصة ,
لذلك بدأ التفكير في ضرورة إيجاد صيغة للحكم تتوافق عليها كل أطياف المجتمع مستفيدين من التجارب التاريخية لبلدان عانت من نفس مشكلة الدين السياسي
والمقصود هنا مثلا , البلدان التي كانت تعاني من عدم التجانس وهما دولتا بلجيكا وهولندا فضلا عن سويسرا وكندا
.
فحتى يعيش المواطن في دولة المواطنة ( الدولة المدنية ) يجب ان تتوفر له هذه النقاط حتى يتمكن من هضم هذه المفاهيم وتحويلها الى ممارسات مجتمعية منها :
- المساواة و العدالة في الحقوق بينه و بين بقية الأفراد و لابد أن يشعر بهذه المساواة و هذه العدالة في جميع نواحي حياته اليومية سواء في التعليم أو العلاج أو فرص العمل ، وعدم شعوره بأن هناك تمييز و طبقية , وهذا سيجرنا الى فهم عميق للفرق ما بين المساوة والعدالة فالمساواة
قد لا تعني العدالة بالضرورة .
.
- كذلك من الحقوق هو تأمين فرص عمل كريمة للمواطن يستطيع من خلالها أن ينعم بالعيش الكريم ويستطيع
من خلالها تلبية متطلبات حياته وحياة أسرته اليومية حتى لا يضطر إلى أن يعيش فقيراً دليلاً بدون عمل
أو يبحث عن المحرمات ..
والمراد من هذه النقطة هو توصيف الطبيعة البشرية بأنها تتصرف وفقا للظروف المادية وليس وفقا للمثاليات التي تطرب اذننا يوميا فإذا كان الانسان يعيش ظروفا مادية وموضوعية صعبة
فأنه سيتصرف ربما بأبشع التصرفات ليبقي على حياته وحياة اسرته ونادرا ما نجده يتصرف وفقا للمفاهيم لإنسانيه المتعارف عليها! ,
يعني وباختصار من دون حقوق وعيش كريم لن نجد انسانا ملائكيا , لأننا ( نحن ) في عالم مادي تسوده قوانين مادية صعبة فرضتها علينا التشكيلة الاجتماعية الرأسمالية ,
فلا داع من لوم الانسان على توجهه الى التطرف الديني و غيره بل يجب لوم الظروف التي دعته الى ذلك و نسعى الى اصلاحها ووضع الحل المناسب لذلك .
.
- ومن الوجبات مثلاً :
الحفاظ على الوطن من خلال الدعوة إلى المواطنة الصالحة والتمسك بحقوقه والقيام بواجباته على أحسن وجه.
- التعاون مع بقية المواطنين من أجل المصلحة العامة.
- أداء الضرائب وغيرها ....إلخ
.
وهذا يجرني إلى القول بأن الجوانب المدنية والقانونية والسياسية من حقوق المواطنة و واجباتها ليست كافية للتعبير عن مراعاة وتكريس مبدأ المواطنة وثقافتها، لأنه إلى جانب ذلك هناك الحقوق الاجتماعية و الاقتصادية التي لا يمكن ممارسة مبدأ المواطنة على أرض الواقع دون تقرير الحد الأدنى من هذه الحقوق والضمانات للمواطن حتى يكون للمواطنة معنى ويتحقق بموجبها انتماؤه و ولاؤه لوطنه وتفاعله الإيجابي مع مواطنيه.
عندما يتحقق هذا تنتقل المواطنة من كونها مجرد توافق أو ترتيباً بين المواطنين في الحقوق والواجبات قيمة اجتماعية وممارسة سلوكية.
.
فهل هذا ممكن التحقيق في دولة كدولة العراق ؟
نحن نعلم سويا ماهي طبيعة الجهات المتنفذة اليوم والماسكة لزمام الامور وان جئنا لتحليل جذورها التاريخية الاسلاموية فسنجدها تتعاكس مع هذه المفاهيم والمضامين الديمقراطية كالمواطنة وهي ربما لا تتفق فعليا بالحرية للجميع والمساواة مع الجميع كذلك ان هذه الجهات ذات الطابع الاسلامي هي جهات لها جذور وتاريخ طبقي واضح قد ساهم سابقا بصبغة اخرى باستغلال المواطنين , فهل باستطاعة هؤلاء ان يسمحوا للمواطنة ان تكون بين كل الشعب ام سيحصرونها بينهم هم فقط ؟
.
فالمسلم بالنسبة لهم له درجة مواطنة اكبر من تلك الديانات الأخرى والذين يسمونهم أهل "الذمة" ,
فهؤلاء ليست لهم حقوق المواطنة , فلا يحق لهم الترشيح لأي منصب سياسي أو اجتماعي , إلا إذا اضطرت لذلك الظروف القصوى , وهؤلاء يدفعون الجزية وهم صاغرون , كما هو مذكور في ادبياتهم ..
بل وحتى الذين لا يتبعون دينا سماويا فمصيرهم القتل والمحاربة وسلب الحقوق فهم في نظرهم لا يستحقون الحياة
وهذه المشاكل الدينية السياسية والتي تتعلق بالجذور الطبقية لطالما وقفت بوجه تطبيق المواطنة ووقفت غصة في قلب كل من اراد مجتمع متساوي بلا فوارق ولم يكن الامر متعلقا بالشرق او الاسلام فقط !
بل حتى في عموم بلاد الغرب فكلنا يعلم حرب المائة عام بين البروتستانت والكاثوليك ,وهما مذهبان مسيحيان
وكلنا يعلم انه في عهد الملكة ماري تيودور ملكة بريطانيا تم حرق أكثر من 300 شخص بدعوى أنهم مخالفون مذهبيا ولا يستحقون الحقوق والمساواة او المواطنة والحقوق السياسية
ايضا الامر مشابه للتميز العنصري في الغرب الامريكي بين البيض والسود والمآسي التي عاشوها حتى ينالوا بعض من حقوقهم والى الان هم في نضال وحرب مستمرة من اجلها ..
وان احتجنا الى امثله معاصرة في بلادنا التي مازالت تحلم بدولة المواطنة لدينا امثلة عديدة حقا
ففي ظل ما يحدث للايزيدين من سبي وتقتيل وتهجير ومحاولة صهرهم في بيئة غريبة عنهم بجعلهم مسلمين بالقوة ,
وبظل ما حدث للمسيحيين من تهجير ومضايقات اخرى فبحيث لم نعد نرى بين الناس تلك الصور الاجتماعية الجميلة بين المختلفين وذلك لغياب روح المواطنة ...
وفي حكايات كان يقصها لنا اجدادنا ان هناك في بغداد كان يعيش يهود العراق واليوم اختفوا بفعل قوانين صدرت بحقهم والقاء اللوم عليهم في فشل تلك الدولة السابقة ...
وحتى التعايش الاجتماعي بين المكونات الاسلامية بات اليوم نادرا حقا فبصعوبة تجد ان فلان تزوج فلانه وهي من غير طائفه وان وقع ذلك فتجد الاهل يضعون ضوابط دينية ومذهبية صعبة فتنقلب الحياة الى جحيم منكر وتختفي روحية التعايش بين العاشقين
فللأسف اصبحنا بسبب غياب المواطنة نعيش في موجة ريبة وشك وخوف بين الفريقين من الطائفتين وبدأت حالة القتل على الهوية ,
فكما يقتل شخص من طائفة معينة هنا نجد ان شخص من الطائفة الاخرى مقتول هناك , وإذا احرق مسجد هنا يحرق مسجد هناك , وأصبح في الناس من يرفض تواجد إي شكل مختلف عنهم في بيئتهم , وبنفس الوقت سمعنا عن حرق أكثر من دار عبادة في مناطق اخرى , هذا يدل إن هناك من الناس يرفض تواجد إي شكل مختلف عنه في منطقة معينة ...
فهل ان ما عشناه في هذه الارض العتيقة هو وهم ؟ عشناه طويلا ثم وجدنا انفسنا على فتره تعيسة من زمن اغبر وحقيقة مؤلمة ان الوطن خدعة ؟ وهل نحن مقتنعون حقا ان بإمكان المذهب او الطائفة او الشخصيات الدينية التاريخية من طائفة معينة ستجمعنا وتوحدنا كما سيفعل الوطن وتفعل المواطنة ؟
.
فيا ترى ماهي اليات تطبيق هذا العلاج السحري الذي سيوحد ويساوي بين العراقيين جميعا ؟
الحل هو الذي صدحت به اصواتنا في ساحة التحرير ليل نهار واسبوع بعد اخر الحل هو الدولة المدنية هي الدولة التي لا يحكمها الدين ولا يكون الحكم فيها لله وليس هناك مرجعية دينية لتلك الدولة ..
الدولة المدنية هي دولة المواطنة ! فهي الوحيدة التي تستطيع ان تضمن هذا الحق بالياتها , الدولة المدنية تعنى ببساطة حق كل مواطن مهما كان مؤمنا ام ملحدا مسلما ام يهوديا ..الخ في الحياة بكرامة وحقه في التعبير عن رايه بكل حرية ..
.
و معنى ذلك انه من حق المواطن باختلاف مذهبه ان يكون له نفس حقوق المواطن من المذهب الاخر حتى وان كنا في دولة ذات اغلبية مذهبية او دينية او لا دينية ,
الدولة المدنية لن تصادر لك صوتك ولن تقمع لك حريتك ولن تضطهدك باسم الدين ولن تسرقك باسم المذهب !
الدولة المدنية تؤمن بما يقرره صندوق الاقتراع وبديمقراطيته وبالتداول السلمي للسلطة , الدولة المدنية لن تسألك عن مذهبك او دينك عندما تتوظف او تعمل ..
الدولة المدنية تعني الدستور المدني تعنى المساواة بين الجنسيين فلأنثى والذكر سواسية ويمكن للمرأة ان تقود السيارة و تعمل قاضية وحتى تترشح لمنصب الرئاسة ولن تتحكم في شكلها او ملبسها في أي مكان كانت ..
الدستور المدني يفوض كل السلطات الى الشعب فقط وليس هناك ولاية للفقيه او المجمع الفقهي او هيئة علماء المسلمين لان الحكم للشعب والسلطة هي سلطة الشعب ..
الدستور المدني سيحمى لك مسجدك من ان يفجره لك شخص من غير مذهب , سيحميك ويحمي الناس منك , لن تستطيع محاربة المختلفين عنك ولن يستطيعوا هم المساس بك ستكون حرا بعبادتك وطقوسك الدينية وتتمتع بحرية ممارستها ,
لن يعتاش عليكم رجال الدين في الدولة المدنية لن يكون لنا ميكروفون من الذهب الخالص لندعو به للفقراء كما يفعل امام الكعبة الدولة المدنية مرجعيتها العلم والمؤسسات المهنية والمبنية على اساس المواطنة والكفاءة لا على اساس المحاصصة
ان كنت ضعيف فوحدها الدولة المدنية ستحميك من كيد الظالمين لأنها ستعزز الوجود المدني وتنهي الوجود العشائري والمليشياوي لن يكون هناك فصول وعشائر ودكات وقتل واغتيالات وخطف وذبح سيحل بدلا منها القضاء والقانون المدني الذي سيحمي لك حقوقك وسيجازيك بما تستحق فعلا
اجتمعوا ايها العراقيون جميعا حول الدولة المدنية حول المواطنة فلا فرق بين فلان وعلان الكل متساوي لن يكون بيننا سيدا او شيخا الكل مواطنون متساوون فلا فرق بين ملحد او مؤمن او متدينا او مذهبيا ...
اجتمعوا ايها العراقيون حول الحرية والعدل والمساواة والدستور والمجتمع المدني لا المجتمع الطوائف المتناحرة , لا نريد نصر دينا على لادين ولا مذهبا على اخر نريد المواطنة ... نريد المواطنة ... نريد المواطنة
.
يزن عدنان
#يزن_عدنان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟