أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسني أبو المعالي - الإبداع والمدينة














المزيد.....

الإبداع والمدينة


حسني أبو المعالي

الحوار المتمدن-العدد: 1440 - 2006 / 1 / 24 - 05:56
المحور: الادب والفن
    


كما يقال عن الثقافة العربية باعتبارها مرآة للمجتمع، فإن المدينة العربية هي الأخرى بلا شك مرآة للثقافة العربية، وكلٌّ يؤثر في الآخر ـ الإبداع والمدينة
فالقصيدة واللوحة التشكيلية اليوم، وغيرها من اشكال الإبداع العربي تعكس صورا وألوانا على واجهات الهياكل الحجرية والإسمنتية القائمة علي أطراف شوارعنا العربية المفروشة بالنفايات، هياكل بلا ملامح ولا خصوصية تحتضنها مدن عارية من الهوية، وبالتالي فهي لا تمنحنا سوى إبداع بلا هوية وأدب بلا خصوصية
: ان الشاعر ابن بيئته وكذلك الفنان. وليس خافيا علي أحد مثال الشاعر : العربي علي بن الجهم ، عندما مدح خليفة عباسي ووصفه بالكلب الوفي حين قال
أنت كالكلب في حفاظك للود وكالتيس في قراع الخطوب
غضب الخليفة حينئذ من التشبيه السالف الذكر، ولكنه - أي الخليفة - غفر له بعد أن اكتشف حسن نواياه، فاصطحبه إلي بغداد بمعية حاشيته. وهناك سُـرَّ الشاعر مما رأي من سحر الشرق في بغداد، وأنشد
عيون المها بين الرصافة والجسر جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري
إن بناء المدينة العربية لا يتجسد إلا عبر تكامل عناصر الحضارة العربية المنشودة والمتمثلة في تحقيق نظام ديمقراطي عربي حر، وكذلك حرية الإبداع وحرية الرأي والرأي الآخر واحترام حقوق الإنسان العربي، ويفترض أن يكون بناء المدينة العربية موازيا من حيث الخصوصية والطابع لبناء القصيدة العربية لدى الإنسان العربي فأين هي المدينة العربية؟ بل أين هو الإنسان العربي؟
لقد تعب المبدع العربي بشكل خاص والإنسان العربي بشكل عام من تجواله في المنافي، وأعيته الغربة والإغتراب داخل وطنه، فعاش الهزيمة والقلق وعدم الإستقرار والخوف من المجهول وأخيرا وليس آخرا الضياع، ولهذا فإننا قبل أن نفكر في إنشاء المدينة العربية لا بد أن نفكر في إعادة ترميم بناء الإنسان العربي ومنحه الثقة التامة في ممارسة الحرية في إطار العدالة والحق والقانون وتوفير عوامل الحياة الرغيدة بعيدا عن البطالة والجوع والحرمان، لأن المحروم من أبسط حقوقه التي شرعتها قوانين الأرض والسماء لن يتمكن من الإبداع ولا يستطيع التفكير با ستقلالية تامة في ظل حاجته الماسة للغذاء والدواء والمسكن والملبس، والبحث عن وطن بديل.
إن معظم المجتمعات العربية تعاني الفقر والجوع والأمية والعوز، وهذا هو حال غالبية المبدعين العرب. فأين هو الشاعر العربي اليوم من تاريخ حضارته العملاقة عندما كان الشعر ديوان العرب؟ ولا شك بأن المبدع العربي يتحمل قسطا كبيرا من فقدان الهوية العربية عندما غاص في وحل الحداثة لا من خلال المعايشة والقناعة وإنما من خلال تشبثه غير الواعي بالتقليعات الغربية باعتبارها تمثل له ملاذا وفي ذات الوقت انعتاقا وهروبا من ظلم الانسان العربي لاخيه العربي، وقد ساهمنا جميعا كمبدعين كل في مجاله في محو الهوية العربية بحجة العولمة واللحاق بركب الحضارة الأوربية، وتركنا شعوبنا حيري بين أن تقبل على مضض غموض الحداثة وبين أن ترفض صدق مشاعرها اتجاه ما لا تقبله من فوضى الأعمال التجريدية، وجعلنا من قصائدنا الغريبة ولوحاتنا التشكيلية المبهمة جدارا عاليا بيننا وبينهم بحيث لا أحد يتمكن من فك طلاسمها سوى الشاعر والفنان. فأين حق الجماهير العربية صاحبة المصلحة الحقيقية في كل ما نكتب ونرسم؟ وأين يكمن الداء؟
إن إبداعنا العربي لا يتصل بنا، كما أنه لا يتصل بالجماهير العربية، وليس ثمة قاسم مشترك عربي يجمعنا سوى اللسان، أقصد اللغة العربية، ولكن بمفاهيم ودلالات غير عربية وأعتقد بأن المدينة العربية اليوم هي صورة مبهمة لكل قصيدة حداثوية، تعتمد الألفاظ على حساب المعاني، وهي صورة عبثية لكل لوحة تشكيلية تجريدية لا مركز فيها ولا قرار. وبالتالي، فنحن لا ننتمي إلي أية مدينة تحمل مواصفاتها العربية؛ بل إن معظم مدننا متشابهة بهياكلها المحنطة وشوارعها الضيقة، ولا يميز إحداها عن الأخرى سوى أسمائها المضيئة: بغداد، دمشق، القاهرة، عمان، بيروت. . تماما كما تتشابه القصائد عند شعرائنا جميعا وتتساوى اللوحات عند فنانينا في كل الفضاءات العربية ولا يضيء منها سوى أسماء أصحابها من الشعراء والفنانين ، وإذا كانت بعض المدن تحاول أن توظف أو تطعم رموزا عربية من أجل أن تضفي علي مظهرها نفسا عربيا، فإنها تعمل على اقتحام تلك الرموز بما لا ينسجم مع المظاهر غير العربية.
كنا نحفظ من تاريخ أدبنا العريق الكثير من القصائد ذات الإيقاعات والمعاني الجميلة عن ظهر قلب، وإن لم نتعرف على أسماء أصحابها، أما اليوم فقد أصبحنا نحفظ أسماء الشعراء والفنانين بدون أن تطفو على سطح الذاكرة أية قصيدة أو لوحة مما ينتجون، نعيش اليوم في مدن ألوانها كالحة كألوان اللوحة التشكيلية الحداثوية المعاصرة، ونسكن بيوتا لا تمت إلي أبيات الشعر العربي الأصيل بصلة، وأخيرا فإن ما تبقى من المدن العربية اليوم مهدد بين دبابات الاحتلال وجرافات الأعداء وقبضة المصالح الشخصية الضيقة للأنظمة العربية



#حسني_أبو_المعالي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محنة العراق بين الإرهاب والاحتلال
- حدود اللون وآفاق الكلمة
- فضيحة أبي غريب أهون من فضيحة اختلاف الأطياف العراقية
- ليت شعري هذا العراق لمن؟
- هموم التشكيل وأوهام الحداثة
- جاهلية المسلمين في زمن الانفتاح والعولمة
- العراق تحت رحمة الحرية والحوار والديمقراطية


المزيد.....




- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...
- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسني أبو المعالي - الإبداع والمدينة