أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - حسني أبو المعالي - ليت شعري هذا العراق لمن؟















المزيد.....

ليت شعري هذا العراق لمن؟


حسني أبو المعالي

الحوار المتمدن-العدد: 1433 - 2006 / 1 / 17 - 07:54
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


لم تكن " دجلة الخير" عبر رحلتها الطويلة تحمل نفسا من المذهب السني، و لم يكن الفرات مهما توغل بعيدا في الجنوب العراقي شيعيا، فقد ارتوى من عذب مياههما كل العراقيين، صابئة و مسيحيين، سنة و شيعة، آثوريين و تركمان، عربا و أكرادا و غيرهم، تعايشوا حول ضفافهما منذ مئات السنين بمودة و سلام في إطار تداخل مذهبي منسجم وتوافق قومي متآخ، وترابط ديني متواشج، يجمع بينهم حب الله و حب الوطن. هذه الفسيفساء كانت دائما تشكل قوس قزح رائع يزين بطيف ألوانه المختلفة سماء الوطن، و يحتمي في ظروف الشدة بحضنه الدافئ على امتداد مساحته الغنية بالخيرات، غربا وشرقا، شمالا و جنوبا، ذلك هو العراق الذي يكفي لتحقيق طموحات جميع العراقيين بمختلف أطيافهم على ضوء أرضية سياسية خصبة و سليمة، قوامها الانسجام و التفاهم والحوار البناء بهدف أن يقبل أحدنا الآخر في ظل نظام جديد تسوده الحرية والديموقراطية
لقد مرت سنوات عجاف على المجتمع العراقي عانت شرائحه المختلفة خلالها عذابات عصيبة لم تسلم منها طائفة دون أخرى و لا حزب دون آخر، و لا قومية دون أخرى، ذلك أن النظام السابق كان بكل بساطة "ديموقراطيا وعادلا" في قمعه الذي طال حتى أقرب الناس إليه.
و بالرغم من أن النظام قد ولى بلا رجعة إلا أنه ترك بلا شك آثاره السلبية على الإنسان العراقي الذي لم يكن أكثر حظوظا من ضياع و سرقة تراثه من متحف الآثار الذي حمل إرثا عراقيا و إنسانيا عمره آلاف السنين، فإذا كان التراث يمثل الماضي فإن الإنسان بحد ذاته يمثل الحاضر و المستقبل، مع العلم بأن إعادة ترميم التراث مسألة ممكنة إلى حد ما، لكن إعادة ترميم الإنسان العراقي المقهور هي المعادلة الصعبة التي تحتاج إلى وقفة جدية و جهد استثنائي من قبل جميع الأطراف المخلصة في تضميد جراحه و احتواء ما ترسب بها من سلبيات الماضي و طرحها بعيدا لتفادي العدوى من أمراض التفرقة و الإيغال في الأحقاد و تصفية الحسابات، كما توازيها حاجة ماسة إلى توجه ديموقراطي واع لتلافي أسباب الصراعات العرقية و الطائفية والحزبية وتجاوزها وخاصة الدموية منها والتي تهدد مستقبل الوطن.
يقول الشاعر ابراهيم طوقان:
وطن يباع ويشترى وتقول فليحيا الوطن إن كنت تبغي خيره لدفعت من دمك الثمن
والثمن الذي يجب علينا أن ندفعه هو بمواجهة المحتل، بعيدا عن مواجهة أخوة لنا في الدين والوطن، خدمة للعراق، ورحمة بالكثيرين من الأبرياء الذين يذهبون كل يوم ضحية الجهل والتعصب على يد بعض العناصر المرتزقة من أعداء الوطن، والذين لهم مصلحة في عدم استقراره.
إن ما يطفو على السطح بين الفينة و الأخرى من حالات " بؤر التوتر" المتمثلة في الاعتداء على مسجد "للسنة" هنا و آخر على حسينية "للشيعة" هناك، وحوادث القتل العمد الفردي والجماعي ناهيك عن عمليات الاغتيالات والثارات التي طالت بعض العراقيين من مختلف الجهات و الانتماءات، ما هي إلا فتائل فتن تنذر بما لا يقبل الشك بمخاطر جسيمة لا توصل إلا إلى طريق مسدود إذا ما تم التغاضي عنها، علما بأن الخلافات الداخلية – قومية كانت أم طائفية - هي أخطار توازي في حجمها خطر الاحتلال إذا لم تكن أكثر خطورة منه، والاحتلال نفسه يعتاش أساسا" في الوطن على مبدأ التفرقة ليبرر تواجده، ويجب ألا تغرينا وعوده المعسولة التي لم يتحقق منها سوى تمسكه بالبقاء لفترة أطول. والإدارة الأمريكية التي تعتبر السيد شارون "جزار الانتفاضة الفلسطينية" رجل سلام لن تكون رحيمة بالشعب العراقي.
و بعيدا عن الأعداء والمحتلين، لابد أن نعترف بأننا نتحمل أيضا قسطا آخر من هذا العبء و من هذه المحن التي تمر بشعبنا الحبيب بالمساهمة أحيانا في تعميق جراحه، من حيث لا ندري عبر ممارسات لا تنم عن مستوى عال من المسؤولية، و بهذا الصدد أجدني أتساءل على الصعيد العربي الكردي ؟
- ألم يكن تمسك الأخوة الكورد بكركوك باعتبارها مدينة كردية أمر يدعو إلى أزمة الثقة بين القوميتين، والوطن مازال يتخبط بدماء أبنائه بفعل التفجيرات والقصف ؟ علما بأن الأكراد لم يكونوا يوما ضحايا العرب كقومية وإنما ضحايا الأنظمة الفاسدة التي عانت منها شرائح المجتمع العراقي بأسره، عربه وأكراده ، سنته وشيعته، أنظمة احتلت مواقعها في السلطة بطرق غير مشروعة، أما اليوم فإن الديمقراطية هي الضمانة الفعلية لاسترجاع الحقوق لكل المواطنين بالسبل السلمية وبالاقتراع والحوار وبالانتخابات التي توجت باعتلاء مواطنا عراقيا من الكورد كرسي السلطة، فكانت البصرة وبغداد وكركوك والموصل وكل العراق تحت سيادته، ولم يعترض أي مواطن عربي من أية مدينة عراقية على قرار الشعب، فلماذا هذا الإصرار على كركوك من أجل أن تكون كردية ؟ ولماذا لم تبق عراقية في ظل تنوع أطيافها؟
وعلى الصعيد الطائفي أتساءل أيضا.
إن الله سبحانه و تعالى لم يأت لكل مذهب بكتاب، و لم يوزع المسلمين إلى مذاهب و طوائف. "يأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته و لا تموتن إلا و أنتم مسلمون" صدق الله العظيم. و لم يقل سبحانه و تعالى، و لا تموتن إلا و أنتم شيعة أو سنة، فلماذا لا نتمسك بما جاء به كتاب الله في قوله تعالى " واعتصموا بحبل الله جميعا و لا تفرقوا، و اذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا"؟
ولماذا يختلف المسلمون من الشيعة و السنة على المناسبات والشعائر الدينية كالأعياد والصلوات والأذان وهم في وطن واحد؟ و تحت سماء واحدة ذات هلال واحد
ماذا تعني المطالبة بفيدرالية للعرب الشيعة في الجنوب وأخرى للعرب السنة في الغرب على أساس طائفي؟ ألم يكن ذلك خطوة سلبية على صعيد تقسيم العراق؟
ألا نظلم إخواننا "السنة" عندما يتهم البعض النظام السابق بانحيازه لهم، على اعتبار أن رأس النظام كان ينتمي إلى هذه الطائفة؟ علما بأن حكومته كانت تضم عناصر من كل الأطياف، ساندته و وقفت بجانبه وشاركته في القهر و الظلم بملء إرادتها، تلك هي ثقافة القمع التي قد تولد و تترعرع من رحم هذا المذهب أو ذاك، و من رحم هذا الحزب أو ذاك، و من رحم هذه القومية أو تلك، حسب النشأة الموشومة بمركبات النقص. إن الكثير من القنوات العربية - وللأسف - قد ساهمت بشكل مقصود وسمج في ترويج الصراع الطائفي في العراق على أساس سنة وشيعة، إن جل المجتمعات تحول متناقضاتها إلى مصدر للحركة بهدف البناء والنماء، خصوصا عندما يتم الاتفاق على صيرورتها بوعي مشترك إلى ما يخدم مصالح جميع الأطراف، أملا في الوصول إلى حياة أفضل، فلماذا لا نستثمر ما نتمتع به من هذا التنوع والاختلاف بشكل ايجابي ليصبح سببا للائتلاف لا سببا للخلاف؟ وفي هذا السياق تحضرني قاعدة لونية - في مجال التشكيل تدعى- بألوان التكامل- تتحدث عن ثنائية تحيلنا أول وهلة إلى أننا أمام عنصرين مختلفين من الألوان ثم نكتشف بأن أحدهما يكمل الآخر باعتبارهما ضدين متحابين، ومهما اختلفا فهما عاشقان في عين المتلقي. و كذلك في الموسيقى نجد إن أكثرها إبداعا وأجملها تلك التي تعتمد على الاختلاف في الأنغام والتعدد في الإيقاعات، وعليه فإن هذه القاعدة تجرنا إلى أن الطبيعة قائمة على مجموعة من النقائض تؤكد بأن سر جمالها يكمن في اختلافها، كالظل والضوء، واختلاف الليل والنهار"يولج النهار في الليل و يولج الليل في النهار " و خلقناكم من ذكر و أنثى"....إلخ. وعلى هذا النحو فإن الاختلاف في إطار التعددية ظاهرة صحية ، فلماذا نفتقد ذلك عراقيا وحتى عربيا في السياسة والدين؟
بالحب يمكننا أن نعيد الابتسامة إلى الوطن، و بالحب نستعيد عافيته بعد معاناة طويلة من القهر، و بالحب نزرع بذور الثقة بين أبناء الشعب الواحد، و بالحب و بالحوار يعود الأمل إلى الملايين من العراقيين في بناء عراق حر و ديموقراطي، و بالتالي لن يجد المحتل مكانا بيننا فيرحل، و يبقى العراق عراقا للجميع، تكون فيه العلاقة بين السنة والشيعة من جهة، والعلاقة بين العرب والأكراد من جهة أخرى، على درجة كبيرة من الوعي السياسي والتاريخي بحيث يحرص كل منهما على تحقيق التوازنات من أجل الحفاظ على وحدة العراق، ورفع مستوى السقف التضامني بين العراقيين لمواجهة الظواهر السلبية ومعالجتها بالطرق السلمية، كالتسامح والمحبة والحوار، إنها مفاتيح سحرية لو تعاملنا معها بصدق ستكون كفيلة بحل معظم هواجسنا وخلافاتنا.
هناك المئات بل الآلاف من المبدعين و الفنانين و المفكرين الذين اقترنت أسماؤهم بحزب النظام السابق، تبادلوا الأدوار الآن في المنافي كمعارضة جديدة خارج الوطن، قد نختلف معهم في الرأي و لكننا يجب أن نتفق معهم في الدفاع عن الوطن، فليس كل من هو بعثي يكون بالضرورة مجرما، فإذا كانت كل فئة تستلم السلطة تعمل على نفي الفئات الأخرى عملا بما جاء في الآية الكريمة: " كلما دخلت أمة لعنت أختها"، ليت شعري هذا العراق لمن؟ وما الفرق إذن ما بين الديكتاتورية التي نرفضها وبين الديموقراطية التي ننشدها، إن جسد الأمة لا يتحمل جراحا جديدة، و لن يقبل بتكرار تجربة أخرى يعتلي فيها ديكتاتور آخر.



#حسني_أبو_المعالي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هموم التشكيل وأوهام الحداثة
- جاهلية المسلمين في زمن الانفتاح والعولمة
- العراق تحت رحمة الحرية والحوار والديمقراطية


المزيد.....




- نتنياهو يأذن لمديري الموساد والشاباك بالعودة إلى مفاوضات الد ...
- رئيس وزراء بولندا يكشف عن -جدال مثير- أشعله نظيره الإسباني ف ...
- دراسة رسمية تكشف أهم المجالات التي ينتشر فيها الفساد بالمغرب ...
- تشابي ألونسو يستعد لإعلان قرار حاسم بشأن مستقبله مع نادي ليف ...
- الجيش الروسي يكشف تفاصيل دقيقة عن ضربات قوية وجهها للقوات ال ...
- مصر.. إعادة افتتاح أشهر وأقدم مساجد البلاد بعد شهرين من إغلا ...
- قائد القوات الأوكرانية: تحولنا إلى وضع الدفاع وهدفنا وقف خسا ...
- مقتل شخص وإصابة اثنين إثر سقوط مسيّرة أوكرانية على مبنى سكني ...
- استطلاع يظهر تحولا ملحوظا في الرأي العام الأمريكي بحرب غزة
- معتمر -عملاق- في الحرم المكي يثير تفاعلا كبيرا على السوشيال ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - حسني أبو المعالي - ليت شعري هذا العراق لمن؟