أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - عواد احمد صالح - حول أسباب سقوط الاتحاد السوفياتي وجذور الإصلاحية في الحركة الشيوعية















المزيد.....


حول أسباب سقوط الاتحاد السوفياتي وجذور الإصلاحية في الحركة الشيوعية


عواد احمد صالح

الحوار المتمدن-العدد: 1440 - 2006 / 1 / 24 - 10:50
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


كنت قد تلقيت رسالتين على بريدي الألكتروني من الرفيق شمال علي .. يطري فيهما ويعقب ،على مقالتي عن الحزب الشيوعي العراقي وعن ثورة اكتوبر وانا آسف لعدم الرد حتى الأن والسبب الظروف التي نمر بها في العراق ظروف الاحتلال والإرهاب وتدهور الخدمات بما في ذلك خدمة شبكة الانترنيت .. وانا اشكره مرة اخرى على اهتمامه بما اكتب واحترم وجهات نظرة تماما ..واهدي اليه هذه المقالة مع تقديري العميق ..
لابد ان نواصل محاولات قراءة الواقع وفك اشكالاته سواء على الصعيد النظري او العملي .. والتزامنا بالفكر والمنهج الماركسي هو التزام اخلاقي وتاريخي ناجم عن قناعة راسخة بصحة معطياته وحتمية انتصاره وتجسده في الواقع ولو بعد حين .. طبعا دون ان ندعي لحظة اننا نملك "العلم الكلي " القاطع والجامع .. اننا نحاول ونستلهم تاريخ الثورات وتجارب الشعوب وفق فهمنا لمعطيات المنهج الماركسي الثوري وقد نخطأ احيانا ونصيب في احيان اخرى المهم هو المواصلة والإصرار على الوصول الى كل ما يخدم القضية التي نؤمن بها .

1- انهيارالتجربة السوفييتية لماذا؟؟

ان انهيار الاتحاد السوفييتي وسقوط تجربة ثورة اكتوبر الرائدة .. لم يكن بمعزل عن تصورات الثوريين او توقعاتهم لكن ليس هناك حتى الآن دراسة شاملة وشافية عن الكيفية التي آل اليها تطور هذه التجربة ونهايتها الدراماتيكية ،من قبل باحثين محايدين او من قبل الماركسيين الثوريين وفي المقدمة منهم الشيوعيين الروس الذين يدركون اكثر من سواهم الآليات التي حكمت التجربة واسباب سقوطها .. وجل ماهو موجود مقالات ودراسات قام بها كتاب متحاملون او انتهازيون او مرتدون قاموا بتحريف التاريخ وتشويه التجربة وتحقيرها .
والماركسي لديه المنهج المادي لتفسير الوقائع والأحداث ومجرى تطورها .. فلا يمكن ان يبتعد التفسير الماركسي عن اعتبار ان لكل ظاهرة اساس مادي أي مصالح طبقية ومختلف الظواهر السياسية والاجتماعية يحكمها صراع المصالح والطبقات بهذا القدر او ذاك وطبيعة التكوين الأقتصادي والأجتماعي وما ينجم عنه من علاقات وصراعات وظواهر .. والأكيد ان هناك مصالح طبقية لقوى وفئات تكونت داخل النظام السوفييتي عملت بأتجاه تغيير النظام الاجتماعي والاقتصادي القائم ..وان ثمة اخطاء او انحرافات كانت مقصودة او غير مقصودة في التجربة ذاتها قد سهلت على تلك الشرائح والفئات القيام بما قامت به واذا كانت العوامل الداخلية اساسية في تقويض التجربة فأن العوامل الخارجية لعبت دورا مهما ايضا ، ان التجارب الرأسمالية والأشتراكية لم تكن يوما بمعزل عن ادوار القادة والزعماء فأدوار هؤلاء في الثورة والثورة المضادة غالبا ما تكون فعالة ومؤثرة الى ابعد الحدود . فبقدر ما كان دور لينين وتروتسكي والبلاشفة الاخرين متوائما مع مجرى الثورة ونفسية الجماهير وتقدير الوضع الثوري وساعة الحسم مهما وحاسما في انجاح الثورة كان دور غورباتشوف ويالتسين وشركاءهم حاسما ايضا في تفتيت الأتحاد السوفييتي وفي انفاذ الثورة المضادة والوصول بها الى نهايتها .. لكن ايضا فأن دور الأفراد ليس معزولا عن الصراع الاجتماعي ودور الطبقات والفئات الاجتماعية التي تدفع هؤلاء الى الثورة او الثورة المضادة.. لقد دفعت الجماهير الثائرة عام 1917 البلاشفة الى الثورة البروليتارية بحركة توافقية تأثرا وتأثيرا اذ لم تكن عفوية الجماهير واندفاعها كافيين لصنع الثورة لولا وجود القيادة الثورية وبالمقابل لعب غياب دور الجماهير العريضة وسلبيتها عام 1991 وعمليات الغش والخداع والكذب والتحريف النظري الذي مارسته القيادات الوصولية المشبعة بفكر الثورة المضادة الرأسمالية امثال غورباتشوف ويالتسين وغيرهم دورا في تمكين هؤلاء من اعادة الرأسمالية وقد لعبت الفئات المثرية والاجهزة البيروقراطية في مختلف المواقع الحزبية والاقتصادية والإدارية وبدعم مالي من الأمبريالية الامريكية دور الحاضنة والرافعة لهؤلاء الذين لايمكن نعتهم الا بالخونة والمرتدين ، وفقا لأهوائهم ومصالحهم الطبقية الأنانية .
لم تولد الثورة المضادة في روسيا من فراغ فلقد اتخذ انهيار التجربة السوفييتية شكل " سيرورة تاريخية " بدأت بنشوء البيروقراطية كفئة اجتماعية تتمتع بامتيازات وتعلو على الشعب العامل في مفاضل الحزب والدولة والمجتمع السوفييتي . فكانت هذه البيروقراطية في بداية الامر ناتج عرضي لصعوبات الوضع الداخلي في روسيا : الحرب الاهلية 1918 – 1921 تأخر روسيا الاقتصادي والاجتماعي الأفتقار الى تقاليد ديمقراطية وانعدام الثقافة .. تاخر ثم هزيمة الثورة العمالية الاوربية ثم تحولت الى قوة ثابته ومهيمنة وكما يقول تروتسكي عام 1936 فان البيروقراطية اضحت " الشريحة الأجتماعية الوحيدة صاحبة الامتياز والسيطرة في المجتمع السوفييتي.."(تروتكسي : الثورة المغدورة دار الطليعة بيروت الطبعة الثانية 1980) وبدأت تخلق لنفسها المزيد من الامتيازات ، وفي ظل الديكتاتورية الستالينية تم بناء نظام رأسمالية دولة من منظورات فكرية غير ماركسية وصفيت القيادات البلشفية القديمة ضمن محاكامات موسكو الأولى والثانية بتهم باطلة لتتكرس بذلك عبادة شخصية ستالين الذي " حصل على التأييد المطلق لشريحة من الحكام تريد التخلص من المبادىء القديمة ومراقبة الجماهير وتحتاج الى حكم مضمون في قضاياها الداخلية "(تروتسكي : الثورة المغدورة).. وبدأت منذ ذلك العهد اولى بوادر التنازل النظري ، وادى دخول الاتحاد السوفييتي الحرب العالمية الثانية وسباق التسلح الى تعزيز نفود البيروقراطية وخلق المزيد من اللامساواة الأجتماعية وافقار قطاعات واسعة من الشعب وعرقلة نموالأقتصاد ..
ويلاحظ ارنست ماندل نقلا عن شهادات من الصحف السوفييتية بين 1949 و1953 ان البيروقراطية اصبحت فئة مغلقة تعي مصالحها الخاصة وعيا كاملا ... وان هناك جمهور من الموظفين الاقتصاديين القياديين يطأ باقدامة بوقاحة حقوق المواطنين السوفياتيين "نقلا عن صحيفة ترود 8ايلول 1953 "(ارنست ماندل : النظرية الأقتصادية الماركسية دار الحقيقة بيروت - ج2 ص353 ). ويذكر ماندل ايضا ان التسيير البيروقراطي الذي ادى الى مستوى عال من تطور القوى المنتجة لم يرافقه تحسن في مستوى معيشة الشعب بسبب عدم التوجه الى انتاج السلع الأستهلاكية وبسبب التبذير الهائل الذي تقوم به الاجهزة البيروقراطية ..وانخفضت نسب تمثيل العمال في مجالس السوفييت ومجالس الاتحاد وفي مؤتمرات الحزب بسبب تعاظم عدد ونفوذ البيروقراطية وهيمنتها على اجهزة الدولة والحزب والجيش .. وفي نهاية عهد ستالين وصل الأقتصاد السوفييتي الى طريق مسدود " فلم تعد الدولة الكبرى الثانية في العالم قادرة على تغذية سكانها ففي عام 1950و1953 ركد انتاج الحبوب وعدد الابقار ركودا تاما في مستوى ادنى من مستوى عام 1928 .. وكان الناس يصطفون باستمرار امام مخازن التموين وابدى المستهلكون استياءهم بصورة متزايدة " ( ماندل : المصدر السابق ص355 ) ..
وخلال الحقب التي تلت عهد ستالين ورغم الأصلاحات التي جرت في عهد خروتشوف الا انه جرت تحريفات وتعرجات في مجال السياسة والاقتصاد قام بها البيروقراطيين المتنفذين في صفوف الحزب وكما يشير فلاديمير ارلوف في احدث مقال عن "وضع الحركة الشيوعية في روسيا ومهام الشيوعيين المعاصرين "منشور في الحوار المتمدن بتاريخ 16-1-2006 فقد شهد الأقتصاد السوفييتي في عهد برجنيف "تخلف نوعي عن اقتصاد البلدان الرأسمالية المتقدمة في الستينات والسبعينات خلال المرحلة الجديدة من تطور الإنتاج بعد أن كان هذا التخلف قد أزيل تقريبا بين الثلاثينات والخمسينات من القرن العشرين بفضل جهود مضنية وضحايا بشرية لا تصدق." طبعا بسبب تسلط البيروقراطية وتبذيرها الهائل والسرقات التي كانت تقوم بها للنتاج الاجتماعي الفائض ان مقال فلاديمير ارلوف يحتوي على اشارات هامة جدا بخصوص اسباب انهيار التحاد السوفييتي ويظهر كيف ان القادة والزعماء "والمثقفين" قد ساهموا في عمليات التحريف النظري وكيف ابتعدوا عن الماركسية وخاصة في عهد بريجينيف فهو يقول "أما حقبة بريجنيف فاعتمدت كلياً على التحريفية في الاقتصاد وفي السياسة. فالجهاز البيروقراطي تعاظم إلى أبعد الحدود، وفعل قانون القيمة اتسع مئات الأضعاف، وبات الحزب الشيوعي ينقطع أكثر فأكثر عن الشعب ويمسي أبعد فأبعد عن مراقبة الكادحين. وأثار تنامي الامتيازات والرشوة والفساد نقمة الناس وقوض إيمانهم بإمكان تحقيق العدالة على يد النظام القائم. وبات البلد يعيش أكثر فأكثر بفضل تصدير الخامات إلى الدول الرأسمالية المتطورة." وكان العام 1986 بداية النهاية لتفكيك النظام السوفييتي من قبل غورباتشوف صاحب سياسية البريسترويكا" التي لم تكن تعني في المحصلة غير تقويض اجهزة الحزب والملكية العامة باسم مباديء الشفافية والأنفتاح والديمقراطية المزعومة وهو ما كان يعني اعادة الرأسمالية.بدفع من (الطبقة) البيروقراطية والشرائح البرجوازية الجديدة التي اثرت من المال العام عن طريق السرقات والغش والخداع والتزوير واستخدمت مواقعها السياسية والأقتصادية لتحيق ذلك ..ويذكر ارلوف في مقاله السابق ذكرة ان الامبريالية الأمريكية صرفت اكثر من 3تريليون دولار من اجل تقويض الأتحاد السوفييتي والبلدان الأشتراكية فلابد ان حصة المتنفذين في النظام السوفييتي كانت كبيرة جدا من هذه الأموال مقابل تقويض وتخريب التجربة السوفييتية.
ان الباحث المنصف لابد ان يلاحظ ان التجربة السوفييتية حملت من الأيجابيات الكثير وخلقت مجتمعا اكثر توازنا من المجتمعات الرأسمالية بدون ادنى ريب ، وكانت مشروعا اشتراكيا رائدا لم يصل الى حدوده النهائية بسبب التشويه البيروقراطي والديكتاتورية الستالينية وكثير من الممارسات الخاطئة وهي قد حققت تقدما هائلا للقوى المنتجة وتمكنت من تطوير الصناعة والتقدم العلمي ورغم ازدياد الثروة الاجتماعية لم تحقق مستوى عال لمعيشة الشعب . كانت من نواحي متعددة تجربة رائدة لكنها لم تصل الى نهايتها المفترضة تحقيق الاشتراكية الناجزة. أي مجتمع الوفرة المادية والمساواة والديمقراطية الاشتراكية والمستوى الرفيع من تطور القوى المنتجة.. وكان وراء انهيارها اسباب كثيرة اشرنا اليها في سياق هذا المقال لكننا سنجملها بنقطتين :
اولا: شكلت البيروقراطية فئة اجتماعية مغلقة ذات امتيازات كبيرة وسرقت كم هائل من فائض النتاج الأجتماعي وكانت القاعد المادية لها الكولخوزيين الاثرياء ومديرو المصانع والشركات وقادة الحزب والجيش ، كان هؤلاء يتصرفون بمعزل عن كل رقابة عمالية اوشعبية ، وكما يقول ماندل "لقد خلق القادة السوفياتيون باختيارهم عن عمد الاعتماد على مصالح اقليات صاحبة امتيازات بدلا من الأعتماد على مصالح جمهور الشغيلة لتوفير الاندفاع الضروري للتصنيع ،خلقوا مجتمعا شديد التمايز " تطور هذا التمايز لاحقا ليعبر بهذا القدر او ذاك عن مصالح طبقية واضحة وصريحة ادت الى الأنقلاب على مبادئ الاشتراكية وأعادت الرأسمالية .
ثانيا : كان العامل الخارجي حاسما في تشويه التجربة ثم تقويضها فيما بعد : الحرب الباردة سباق التسلح ، الحصار الاقتصادي الذي فرضته القوى الإمبريالية عمليات التخريب الاقتصادي والدس والتشويه الإعلامي والحروب الصريحة بين المعسكرين في العالم الثالت احد مظاهر هذا الصراع ، والأهم تخلي القادة السوفياتيون عن البعد الأممي أي عن الثورة العالمية منذ حل ستالين الكومنترن ( الأممية الشيوعية ) وفي عهد خروتشوف وكما يذكر فلاديمير ارلوف في مقاله الذي اشرنا الية " مع إعلان القيادة السوفياتية ابتداء من عهد خروشوف التعاون والتعايش السلميين مع الولايات المتحدة وغيرها من الدول الإمبريالية بمثابة نهج عام للاتحاد السوفياتي، بدأت هذه القيادة تتجاوز باستمرار حدود المسموح به في العلاقات الدولية بين الاشتراكية العالمية والإمبريالية العالمية. وكانت النتيجة أن نشأ في السياسة الخارجية السوفياتية، بدلا من الجمع الديالكتيكي المدروس بين مبدأين أساسيين عظيمين هما الأممية البروليتارية والتعايش السلمي، انحياز غير مبرر إلى جهة الأخير مع فهمه فهما يخرج عن موجبات الارتباط بالنضال الطبقي. فإبراز وتعظيم مبدأ التعايش السلمي ولجم وتناسي مبدأ الأممية البروليتارية انعكسا تنازلات غير مبررة للإمبريالية في مسائل نزع السلاح وتشجيعاً عملياً لتدخل الغرب في شؤون البلدان الاشتراكية بحجة احترام "حقوق الإنسان" هناك والبلدان النامية بحجج أخرى. كل هذا ساعد طبعاً على تشكل "طابور خامس" داخل الدول الاشتراكية تابعٍ للإمبريالية راح يزرع الأوهام حول القيم "الديمقراطية" الغربية ويملي على الشبيبة أيديولوجيته حول إمكان "تقارب" النظامين convergence وما شابه." وفي واقع الحال ان الكاتب لم يلاحظ ان البيروقراطية اضحت (طبقة ) خارج رقابة الشغيلة وارادت ان تنفض عن كاهلها العبيء النظري : الأيديولوجيا الماركسية- اللينينية وما تمليه عليها من التزامات عقائدية صارت تشكل عبئا ثقيلا عليها .
وبموجب هذه السياسة التحريفية التي تعمقت في عهد بريجينيف وخلفاءه خذلت البيروقراطية السوفياتية الأحزاب الشيوعية في مختلف دول العالم وفي والعالم الثالث بشكل خاص ودفعتها الى انتهاج سياسة تعاون طبقي مع "برجوازيتها" الخاصة والتخلي عن فكرة الثورة الأجتماعية والشواهد على ذلك كثيرة جدا ، انظر بهذا الصدد مقال توني كليف : ثورة ديمقراطية ام ثورة اشتراكية المنشور في الحوار المتمدن : العدد: 1253 - 2005 / 7 / 9 .
واخيرا انا ادرك ان هذا التحليل ربما يكون تبسيط شديد لسيرورة نظام اجتماعي استمر اكثر من ثمانين عام وربما يشوبه نقص كبير وتعوزه الأرقام والدلالات الأضافية ، فهو على اية حال ليس بحثا اكاديميا ولكنه تحليل سياسي وقد لايعطي اجابة قاطعة لبعض الأسئلة المعلقة .. وتظل هناك اسئلة بحاجة الى أجوبة مثل لماذا لم يدافع الناس عن نظامهم الإجتماعي المفترض انه اشتراكي ؟؟ واين التربية الاشتراكية للمجتمع . ومن يضمن ان أي تجربة ستقوم في المستقبل لن تتعرض لنفس المصير؟؟ ولعلني اجد ان معظم هذه الأسئلة ستكون الأجابة عليها في سياق عالمي أي في سياق ثورة اشتراكية عالمية تقع على الأقل في البلدان الأكثر تطورا ، بلدان تكون فيها الرأسمالية قد استنفذت دورها وإمكانيتها على التجدد والبقاء والاستمرار .

2-فيما يتعلق بملاحظاتك عن الحزب الشيوعي العراقي وقولك " ان الأحزاب تجسيد مادي وتنظيمي للحركات الاجتماعية " هذا صحيح تماما... والأحزاب هي انعكاس بهذا القدر او ذاك للتشكيلة الاجتماعية والطبقية في كل مجتمع ولا توجد أحزاب طبقية صرفة ..تمثل طبقة بعينها .. وقد لعبت الأيديولوجيا الماركسية دورا حاسما في تشكيل الأحزاب الشيوعية باعتبارها تجسيد عيني للحركة العمالية ضد راس المال .. ألم يتبنى الحزب الشيوعي العراقي منذ بداياته الماركسية- اللينينية ؟ وكانت تسمى ايديولوجية الطبقة العاملة .. وكما نعرف ليس هناك احزاب عمالية صرفة في كل العالم بل هي خليط تنظيمي لبشر من طبقات مختلفة لكن الذي حدث ان الاتجاهات الوطنية البرجوازية الصغيرة تغلبت على الأتجاه العمالي في توجهات الشيوعيين التقليديين في العالم العربي والعراق لأسباب متعددة منها ما هو محلي ومنها ما هو عالمي ، من الأسباب المحلية قلة عدد البروليتاريا وسلبيتها وجهلها وتخلفها والأهم خضوعها للأيديولوجيات السائدة الوطنية والقومية والدينية .وغياب الأرضية المادية لوجودها : التصنيع الواسع بسبب التطور اللامتكافيء الذي فرضته علينا الرأسمالية العالمية ..وضعف وانعدام التربية النظرية والفكرية بروح الماركسية .. اخلص الى ان الألتزام بالنظرية الثورية مسألة جوهرية كما ان الطابع العمالي لآي حزب شيوعي هي مسألة جوهرية ايضا.
اما هل إن الحزب الشيوعي العراقي في بداية نشاته لم يكن يمثل " تجسيداً للحركة الاحتجاجية للطبقة العاملة بوجه الاستغلال الرأسمالي " بهذا القدر او ذاك وضمن محيطه .. فهذا غير صحيح لقد كانت الأحزاب الشيوعية في البداية فعلا تعبير عن نضال الطبقة العاملة وتجسيدا لحركتها الاحتجاجية.. ولكن نتيجة لبنيتها الطبقية الهجينة ( لم تشكل البروليتاريا الا نسبة قليلة جدا فيها ) ونتيجة لظروف التطور السلمي والرفاه النسبي في الدول المتقدمة وحصول البروليتاريا على بعض المكاسب الاقتصادية من فتات موائد البرجوازية الرأسمالية وضمور الصراعات الطبقية خلال مراحل طويلة من الأنطمة القمعية والديكتاتورية في العالم المتخلف نشأت النظريات التحريفية والانتهازية والإصلاحية في صفوف تنظيمات الطبقة العاملة التي هي تعبير عن سيادة الاتجاهات غير العمالية الموجودة في داخل احزاب البروليتاريا سواء في الأحزاب الأشتراكية الديمقراطية او الأحزاب الشيوعية . وكان ومايزال انحطاط احزاب البروليتاريا تعبير عن " سيرورة : اجتماعية وتاريخية وليس حدثا آنيا وتعبير عملي ونظري عن انحسار الصراع الطبقي واهم مظاهر ذلك الانحطاط : التنازل النظري الذي يقود الى الخيانة السياسية كما يقول لينين ..أي التنازل عن فكرة الثورة الإجتماعية ... مما يدفع تلك الأحزاب الى السقوط في دائرة "الممارسة اليومية" التي هي مجرد عقد الاجتماعات وتنظيم المؤتمرات وإصدار البيانات التي تحاول من خلالها دفع الطبقات السائدة على اجراء "تحسينات" على النظام الأجتماعي القائم ..ذلكم هو جوهر الممارسة الإصلاحية التي وقعت فيها الأحزاب الأشتراكية الديمقراطية او الأحزاب الشيوعية ومنها الحزب الشيوعي العراقي .هذا إضافة للإحباط الذي أصاب هذه الأحزاب بعد انهيار الاتحاد السوفييتي .
اذن ما يجب على الأحزاب الثورية ملاحظته والعمل به دائما هوالألتزام بثوابت النظرية الماركسية الثورية والتأكيد على ان الثورة الاجتماعية هي الهدف المنشود ومعاينة الواقع المتغير باستمرار والتأكيد على تربية جميع منتسبيها "بالروحية البروليتارية " تجنبا للوقوع في فخاخ الانتهازية البرجوازية الصغيرة والإصلاحية .
ان مجرد التأكيد على تجسيد الحركة الاحتجاجية للطبقة العاملة ليس كافيا وهو لا يعصم من السقوط في شباك الانتهازية والإصلاحية ، المسألة هي التربية المنهجية المستمرة لجميع أعضاء التنظيم الثوري باختلاف انحداراتهم الطبقية بالروح البروليتارية واستنهاض الروح النضالية والقدرة على المبادرة الخلاقة والقدرة على تنظيم الشباب وتعبئتهم باتجاه الهدف الثوري وجعل ذلك الهدف نصب اعين الجميع دائما ، ضياع الهدف وفقدانه يعني فقدان الحماس والأمل والحلم الذي هو تجسيد للهدف المنشود .. القيام بكل ذلك ضروري وضروري جدا لتجنب السقوط في الشيخوخة السياسية (عرقوب اخيل ) كل حركة ثورية .
وبناء على التجارب فقد كانت القيادات (المكونة في الغالب من شريحة المثقفين ) هي اول من يهبط الى منحدر الإصلاحية والانتهازية وخيانة الثورة لأنها تملك التحكم والسيطرة على الجماهير وتجري دائما وراء امتيازات ومصالح طبقية خاصة بها وتخضع لضغوط الطبقات والأيديولوجيات السائدة ، كما تمتلك القدرة على تبرير مختلف الظواهر السياسية والخداع وتتعلل بالظروف السيئة والواقع المعقد لتبرير هزائمها السياسية وتحالفاتها الانتهازية .
لقد كانت على مر التاريخ القواعد اكثر ثورية من القيادات ولعلنا نعرف كيف استنجد لينين بالقواعد في مواجهة البلاشفة المحافظين الذين رفضوا الذهاب الى الثورة عام 1917 .. لماذا اصبحت تجربة لينين امثولة وعبرة ؟؟ لأنها استندت الى تربية الجماهير بروح الصراع الطبقي تربية ثورية ولم تهادن او تساوم الاتجاهات غير العمالية داخل الحزب البلشفي ووضعت الهدف المنشود نصب أعين الجماهير وكانت تتوافق مع اندفاع الجماهير وحركتها الى الأمام ..لآنها وضعت حسابات ظرفية صحيحة وثورية . وعندما تغلبت الاتجاهات البيروقراطية والبرجوازية نتيجة انحطاط الحزب الشيوعي السوفييتي في عهد ستالين وخلفاءه ونشوء " طبقة" بيروقراطية وتسلل العناصر المعبأة بالفكر الرأسمالي سقطت التجربة السوفيتية وهو ما تطرقنا له آنفا .
ومن اجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه لابد للمنظرين الثوريين من توجيه القواعد في جميع الأحزاب التي تدعي تمثيل البروليتاريا او تدعي إنها شيوعية والإشارة دائما الى أساسيات النظرية الثورية وتحليل الظرف العالمي الراهن واليات عمل الرأسمالية الإمبريالية .. إعادة نشر النظرية الثورية لكي تطلع عليها أوسع الجماهير يعتبر مسألة حاسمة في إعادة التأسيس للحركة القادمة .. انا اعرف كثير من المناضلين البسطاء يدركون بالبداهة طبيعة الممارسات الإصلاحية والانتهازية لكنهم لايملكون الأدوات النظرية لنقدها ..
ولذا لابد من مساعدة هؤلاء على ادراك ان الممارسات الأصلاحية والانتهازية وسياسة التعاون الطبقي تؤدي الى الأضرار بمصالح البروليتاريا وقضية الاشتراكية وتساعد دائما الرجعية والقوى المضادة في الأنتصار على الجماهير .. كما يجب كشف الجذور الاجتماعية والايديولوجية لهذه السياسات .



#عواد_احمد_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اصقاع خربة
- الصفات لك ايها الفجر المورق
- مطلب الفيدرالية : بين فيدرالية كردستان وفيدرالية الجنوب
- الحقائق التي افرزتها الأنتخابات العراقية
- الحقائق التي افرزتها الانتخابات
- القائمة العراقية الوطنية ضمانة لترسيخ الديمقراطية ووضعها في ...
- لمناسبة الذكرى 88 لثورة اكتوبر الأشتراكية العظمى: بعض الدروس ...
- اشكالية الديموقراطية والأصلاح السياسي في العالم العربي
- اطلس الجرائق
- تاريخ الحزب الشيوعي العراقي هو تاريخ المساومات والمراهنات ال ...
- غريب مثواك ايها البؤس
- ثقافة الاستبداد تأطير الحلم وتهميش الوعي
- لنعمل على اسقاط الدستور الطائفي الرجعي
- الماركسية النظرية الثورية لتحرير الطبقة العاملة اهميتها وضرو ...
- مأزق قوى اليسار والديمقراطية في العراق
- اين نحن وما هو خطنا السياسي ؟


المزيد.....




- تحت حراسة مشددة.. بن غفير يغادر الكنيس الكبير فى القدس وسط ه ...
- الذكرى الخمسون لثورة القرنفل في البرتغال
- حلم الديمقراطية وحلم الاشتراكية!
- استطلاع: صعود اليمين المتطرف والشعبوية يهددان مستقبل أوروبا ...
- الديمقراطية تختتم أعمال مؤتمرها الوطني العام الثامن وتعلن رؤ ...
- بيان هام صادر عن الفصائل الفلسطينية
- صواريخ إيران تكشف مسرحيات الأنظمة العربية
- انتصار جزئي لعمال الطرق والكباري
- باي باي كهربا.. ساعات الفقدان في الجمهورية الجديدة والمقامة ...
- للمرة الخامسة.. تجديد حبس عاملي غزل المحلة لمدة 15 يوما


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - عواد احمد صالح - حول أسباب سقوط الاتحاد السوفياتي وجذور الإصلاحية في الحركة الشيوعية