أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - هيثم بن محمد شطورو - دولة الثورة















المزيد.....

دولة الثورة


هيثم بن محمد شطورو

الحوار المتمدن-العدد: 5491 - 2017 / 4 / 14 - 11:00
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


الوطن العظيم ليس بحجم جغرافيته أو عدد سكانه و إنما بانجازاته. بل إن مقولة الوطن في ذاتها مرتبطة بانجازاته التي تبعـث على الافـتخار و الاعتـزاز و الوحدة الكلية، و بالتالي التضحية في سبيله بروحية كونها تـتمثلها روحيا تضحية في سبيل الله. التضحية في سبيله حبا فيه بما هو حب للنفس و بما هو الله محبة متمثلة في النفس تغـدق على نفسها بالإحساس بالنبالة..
تكون التضحية بالنفس ليست تضحية بما أن النفس تكون هي الوطن. أي التماهي التام مع الوطن لا تكون فيه التضحية بما فيها الموت الفردي تضحية أو موتا و إنما حياة و بذل لأجل النفس. ( فالمطالب بتعويضات ثمنا لتضحياته هو في الحقيقة لم يتمثل الوطن روحيا في ذاته، و بالتالي لم يضحي لأجل الوطن الذي هو لأجل نفسه المتماهية معه. انه لم يرتـفع إلى الكلية و الروحية).. الموت الفردي هو أقصى تعبيرات الوطنية..
من هنا فالوطنية دين أرضي و عبرها خرجت الروح الكلية من مفارقـتها للأرض ذهنيا، إلى الإرتباط بها كعنوان روحي ميتافيزيقي و لكنها ميتافيزيقا واقعية. أنبياؤها و حواريـيـها هم مفكروها و زعماؤها السياسيون الأفذاذ الملهمين و علماؤها و رجال أعمالها و فنانيها و إبداعاتها.. تغدو تلك الأعمال أيقونات يتم عبرها تـقـديس الوطن.
الحقيقة التي يغـفل عنها الجميع، أن الدين الواقعي أو المدني هو الوطنية، أو بالأحرى قد غدت كذلك في العصر الحديث. العصر الذي من الجائز تـشبيهه بالإنسان الراشد الذي يفكر بعقله في واقعه و قد خرج من مرحلة الطفولة التي تـتعامل مع الواقع بخيالها، بل ان الواقع لا يوجد كمعـطى موضوعي، و يتم تجاوزه عبر المتخيلات على أساس الرغبة في الإلتـذاذ و التمتع و اجتـناب الألم. المرحلة الطفولية تـفكر بمنطق الجنة و النار.
الإنسان الراشد يسخر من نفـسه ضاحكا من تخيلات الطفولة، كما انه في نفس الوقت يشتاقها و يحن إليها، بما هي أولا انعدام للمسئولية تجاه الوجود الذي تكـفله الأسرة، و ثانيا بما هي اللذاذات الكبرى في عقلية "كن فيكن" سواء في اللعب أو التخيلات التي يراها حقيقة موضوعية غير منفصلة عنه و عن واقعه. و ثالثا في اقتصاره على طلب الأشياء و التمتع بها دون تلك الواسطة في العمل على تحقيقها.
تلك الواسطة تبدو لعنة الآلهة و شقاء الإنسان الضروري ليعيش حتى تغدو الواسطة بمثابة هي الحياة و الذات. فالإنسان الذي لا يعمل لا انوجاد فعلي له في الواقع، و بالتالي ينفي الواقع بالانحراف و الجريمة و الإرهاب و الانتحار و الثورة..
فـبتعبير هيغلي ( حين أعمل أعلو على ذاتي، و أحقق قوى ضمنية كانت مجهولة لدي، و من هنا فان ما كان "في ذاته" يصبح بفضل "الفعل" الذي أحقـقه ـ شيئا واقعيا. و قد أتصور أنني محدود محصور في فرديتي الخاصة، و لكنني في الحقيقة أجسد ذلك "الكلي" الذي يعلو علي.
الفعل أو العمل هو عبارة عن الوحدة الحقيقية التي تجمع بين "الذاتية" و "الموضوعية". الفعل هو نقطة تلاقي "الموجود لذاته" بطابعه الفردي، و "الموجود في ذاته" بطابعه الكلي...)..
و بالتالي فالعمل بما هو واسطة بيني و بين الوجود هو فعل في الواقع و هو واسطة بيني و بين الكل الذي هو بدوره في تلك العملية يفجر ما كان غائبا عني فيا، و في تلامس الذاتي بالكلي يكون الأنا نحن و النحن أنا، و بالتالي فالعمل هو أقوى رابطة بين المواطن و الوطن فليس لأحدهما من وجود بالنسبة للآخر إلا بالعمل و الفعل الذي يحقـق التماهي التام..
***
إن مطلب المواطن من الوطن، أو الفردي من الدولة، بالعمل و الحرية و الكرامة هو مطلب انوجاد الإنسان. فـشعار "وحدة. حرية. كرامة وطنية" في الثورة هو تعبير عن إرادة مطلب أن يكون الإنسان إنسانا..
من البديهي أن يعمل الإنسان و من البديهي أن يعمل فيما يحب أن يعمله، لكن هذه البداهة غير متحقـقة عالميا في الواقع بنسب مرتـفعة، مما خلق أزمة أجور متدنية عند العاملين تحت سيف الطرد أو الانقطاع عن العمل، و بالتالي واقع الاعمل غدا مشكلة العصر حتى بالنسبة للذين يعملون.. هواجس الااستـقـرار و الدنيا الغادرة و القلق النفـسي و النوازع الانغلاقية في الطائفية أو القومية اليمينية الشوفينية...
الدولة البورجوازية أو البيروقراطية الحديثة تأسست على تراث التـنوير و العقلانية روحيا و فكريا، و لكنها انفصلت عن روحيتها في تأسيس نظام واقعي يقوم على مبدأ الربحية المالية الفردية و ليس على مبدأ العمل..
قامت على أساس مقولة معقولة في ذاتها و هي أن التـنافـسية و الرغبة في الربح الفردي تحفز العملية الإنـتاجية و تخلق التـنمية و التـقدم العام.. هذه المقولة كعنوان رئيسي أول تـقود إلى الاحتكار و أزمة ركود سلعي و اقـتصادي و بالتالي بطالة إذ تأسست على مبدأ "دعه يعمل، دعه يمر" و بالتالي بحث عن أسواق جديدة و استعمار و امبريالية و حروب مثلما فصل ذلك "ماركس" بدقة متـناهية..
مقولة "التـنافـسية و الربحية" يجب أن تطرح كعنوان أدنى ضمن عنوان رئيسي هو تحقيق العمل للجميع. حينئذ تـتحقـق روحية العقلانية الحديثة بما هي الإنسان الراشد الذي يلمس بوضوح رابطته بالوجود و يتخلق بدوره و يتروحن وفق تلك الرابطة التي يمكن تسميتها ب"الميتافيزيقا" الواقعية التي تحقـق وحدة الإنسان بالإنسان بشكل فاعل و واعي و مخطط له و مستبق إليه..
فلكي لا تموت التـنافـسية الحرة يجب أن تكون ضمن مقولة العدالة الاجتماعية، و الدولة الرأسمالية أثبتت بالواقع بعدما اثبت ذلك "ماركس" في تـنـظيراته، أنها في جعلها المبدأ الأول تموت بتعينها أي تتحول إلى احتكارية تـقضي على التـنافـسية الحرة الحقيقية برغم إعلائها إيديولوجيا لها تحت رايات مختلفة أهمها اليوم ما يسمى "اقـتصاد السوق"..
إن الواقع الإنساني اليوم هو في أشـد حالات توتره نتاج التـناقض الحاصل بين الواقع و الإنسان و هو ما يعني اغتراب الإنسان عن الواقع الذي يراه ماحقا لإنسانيته. إن الثورة التونسية ما هي إلا انفجار هذا الواقع و انتفاضة الإنسان لأجل أن يكون إنسان و ليعترف به انه إنسان. لأجل ذلك هزت عروشا و إنها كالنار في الهشيم على مدى عقود قادمة لتغطي الكرة الأرضية بمجملها.
من هنا يمكـنـنا فهم واقع الاعمل من حيث كونه واقع الاحياة. (الاعمل فعليا و البطالة و تهديد الانقطاع عن العمل و العمل خارج الرغبة و الاختصاص و الكفاءة و الأجور المتدنية و الوقت المهدور لساعات عمل مقررة لا تـتضمن عملا فعليا إلا لنصفه ..). يمكننا تباعا فهم الانتحار حرقا و الانتحارية الثورية لانعدام الحياة في الواقع وطلبا للحياة في ذاتها ككل خارجها بما أنها لم تجسده في الواقع. الانتحار الذي يراه المتبقين في الحياة احتجاجا هو افـتـقاد الرابطة بالحياة الواقعية بواسطة العمل الذي يكفل وجوده الحي في الواقع الذي هو ضمنيا وجوده الإنساني كانسان الذي هو في ذاته حرية بما هو كلية..
من هنا كذلك نفهم الإرهاب برغم كونه يتمنطق بصورية طفولية بالاسلاموية، و لكنه في ذلك إيجاد عمل ما بمقابل من جهة و من جهة أخرى فهو نفي للواقع المتمثل أمامه لافـتـقاده الرابطة به بواسطة العمل أو الأمل فيه، و هو من جهة أخرى الإيديولوجية الاسلاموية بما هي اتصال بالدين بما هو مرادف للطفولة التاريخية العامة و الطفولة الشخصية بما هي بحث عن الالتـذاذ الجنوي دفعة واحدة لافتـقاد إمكانيته واقعيا و اجتـنابا للألم الجحيمي بما هو الواقع المتمثل حينئذ كماحق لذاتيته و وجوده.
.. و تعرض لك شاشة التلفزيون الأرض بمجملها مجرد كرة سابحة في محيط لانهائي مظلم، و كأنـك ترى شيئا خارجا عنك و لكن ما أن تـتـذكر انك ذرة من ذراتها المتبقية حية حتى يصيـبك الرعـب.. يا لرعب الظلام خاصة في الطفولة و يا لقسوة العلم حين يعريك من الأغـلفة التي تحصن بها عـقـلك كي لا ترى الجحيم، و يا لوحشية التكنولوجيا التي تسقط عليك كقدر ماحق يشعرك ببرودة الموت و أنت حي فوق تلك الكرة التي تراها أمامك و أنت فيها و بالتالي أنت هناك في الظلمات بنصف مضيء تسبح في الانهائية المرعبة.. لاواقعية تحسها و لكنها حقيقة موضوعية و بما هي كذلك فإنها تـتسرب اليك..
فكم هو الإنسان بحاجة إلى التوحد مع الإنسان عبر مختلف التواصليات الممكنة و التي في النهاية جميعها يلزمها أساس واقعي في نظام عالمي يتأسس على أولوية العمل على مبدأ التـنافـسية و الربحية، و العمل ليس في تجريده عن مضامينه التي ذكرناها من استقرار و انعدام واقع البطالة المجاور الذي بدوره يخلق رؤية البطالة و انعدام الرابطة حتى للعامل، و الذي يفقد الإنسان ارتباطه بالإنسان ضمن رؤية جديدة مطلوبة تؤسس حقيقة للحرارة الإنسانية البينية..
هذا ما يمكن أن تؤسسه الثورة التونسية من ميتافيزيقا و رؤى فلسفية بشكل عام، و بالتالي ما تحقق به بشكل واعي عالميتها فلسفيا و روحيا.. و في نفس الوقت هذه هي دولة الثورة..



#هيثم_بن_محمد_شطورو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الهجوم الصاروخي الامريكي على سوريا
- الثورة المخاتلة
- الإصلاح التربوي ليس من مشمولات الوزير
- سلفنا السعيد المفقود فينا
- قراءة في الإصرار على إقالة وزير التربية
- المشهد الثقافي التونسي يعكس حقيقة ما يدور بالمشهد السياسي
- تونس أمام نهاية الانتقالي ام الثوري أم كليهما؟
- طبول الحرب تقرع من جديد في تونس..
- بين الاحتجاج و دوافعه في تونس
- في الذكرى 31 لتأسيس حزب العمال التونسي
- علاقة -دستويفسكي- بالتحرر الفلسطيني
- في الانتقام ل-شكري بالعيد-
- رسالة الى السوريين حكومة و معارضة
- الصفعة الروسية لايران
- تونس بين ديدان الأرض و ثورتها
- نظرة تونسية للجزائر اليوم
- مساجد لعبادة الله أم الإمبريالية ؟
- المسرح الروماني ضد الإرهاب الاسلامي
- -بشار الأسد- و الناعقون على حلب
- المثقف و الاستبداد


المزيد.....




- لقاء وحوار بين ترامب ورئيس بولندا حول حلف الناتو.. ماذا دار ...
- ملخص سريع لآخر تطورات الشرق الأوسط صباح الخميس
- الهند تشهد أكبر انتخابات في تاريخها بمشاركة مليار ناخب
- هل يستطيع الذكاء الاصطناعي أن يخرج التدريس من -العصر الفيكتو ...
- دراسة تكشف تجاوز حصيلة قتلى الروس في معارك -مفرمة اللحم- في ...
- تدمير عدد من الصواريخ والقذائف الصاروخية والمسيرات والمناطيد ...
- آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /18.04.2024/ ...
- -كنت أفكر بالمفاتيح-.. مؤلف -آيات شيطانية- يروي ما رآه لحظة ...
- تعرف على الخريطة الانتخابية للهند ذات المكونات المتشعبة
- ?-إم إس آي- تطلق شاشة جديدة لعشاق الألعاب


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - هيثم بن محمد شطورو - دولة الثورة