أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - محمد نجيب وهيبي - الذكرى 17 لوفاة الحبيب بورقيبة : قراءة نقدية في أحداث 2011















المزيد.....


الذكرى 17 لوفاة الحبيب بورقيبة : قراءة نقدية في أحداث 2011


محمد نجيب وهيبي
(Ouhibi Med Najib)


الحوار المتمدن-العدد: 5483 - 2017 / 4 / 6 - 21:37
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


" بدون منظمة مرشدة ستتبدد طاقة الجماهير كما يتبدد البخار إذا لم يتم ضخه في المكبس. ولكن على الرغم من ذلك، فإن الذي يحرك الأشياء ليس هو المكبس، بل البخار ذاته”. * ليون تروتسكي
تحيي الليبرالية بشقيها العلماني والمتديّن من السيد "راشد الغنوشي" الى السيد "الباجي قايد السبسي" الذكرى 17 لوفاة الحبيب بورقيبة بوصفه مؤسّسا للجمهورية التونسية وواضع أسس الحداثة والتمدن لمؤسّساتها القانونية والاجتماعية ، انهم يستحضرون كل أشباح الماضي ، وكل رموز الديمقراطية البرجوازية الوطنية وينفخون في صورها وتاريخها ، حتى يجعلوا منها رافعة تاريخية وحاضنة لاستقرار الديمقراطية البرجوازية الحديثة التي هم بصدد تقاسم الحكم فيها ليتقاسموا من خلالها عائدات بيع العباد والبلاد بالجملة والتفصيل في سوق العالمية للاتجار بحياة الناس وأحلامهم وعرقهم وثرواتهم التي ينتجون بأيديهم فيتم تغريبهم عنها قسرا وعنوة تحت عناوين الاستقرار الوطني والسلم الأهلية النمطية ، بينما الحراك الشعبي في تونس يسترجع نسقه التصعيدي رويدا رويدا ،مجموعات واسعة من المهمشين والعاطلين عن العمل ، ومن العمال محدودي الدخل والعرضيين في الجهات الداخلية الأكثر عرضة للتفقير والتهميش ، تأخذ بزمام المبادرة في الشارع وتعيد الحياة لباكورات الانتفاضة الشعبية (القيروان ، تطاوين ، الكاف ، مدنين ...الخ )، قطاعات واسعة من النقابيين والأجراء تصعّد تحركاتها الاحتجاجية ( قطاع الصحة ، المالية ، التعليم الثانوي ...الخ ) ،يبدو ان الحراك في أغلبه عفوي ، غير منقاد بشكل واضح وصريح من قبل الماكينات و الأجهزة الحزبية ، ولكن عفويته تلك لا تعني غياب الوعي والوعي الثوري بالذات ، لئن لم تتبلور بعد مطالب وأهداف سياسية واضحة وموحدّة للحراك الذي يتجّه للاتساع بتؤدة ولكن بشكل أكثر تركيزا هذه المرّة، ولئن تظهر مطالبه الحالية في تحقيق هذا المكسب الاقتصادي ، أو الإداري هنا أو هناك من قبيل التشغيل ، منحة بطالة ، اقالة هذا المسؤول الحكومي أو ذاك ، تنمية جهوية عادلة ... الخ ، الا أن التجارب السابقة علّمتنا ان الحركة لمّا تتعاظم ، لمّا يشتد عودها وتنتشر ، ستوّحد مطالبها وينموا وعيها بمصالحها الخاصّة التاريخية بوصفها متناقضة تناقضا كليّا مع كل المنظومة القائمة ، فتتحوّل وتتطوّر شعارتها ومطالبها الاقتصادية إلى شعارات سياسية تطلب رأسا إسقاط النظام السياسي القائم وتتوجّه مباشرة إلى العمل على تقويض كل المنظومة الاجتماعية والاقتصادية المهيمنة ، شريطة توفر تنظيم ثوري متصالح مع الحركة ، منصهر فيها غير قافز على وعيها .
فالتاريخ القريب 17 ديسمبر 2011 انطلقت انتفاضة جماهير وقطاعات واسعة من الشعب التونسي اثر حادثة قادحة وهي إحراق "البوعزيزي" لنفسه في ساحة عامة وسط سيدي بوزيد احتاجا على جور لحقه من أعوان النظام القائم ، كانت الشرارة تعبيرا عن الغضب والحزن الشديد نتيجة حالة البؤس التي دفعت شابا تونسيا لإحراق نفسه ، ولكن ليس هذا فقط ، بل لتنامي نزعة عامة وإحساس بالجور والظلم والبؤس والشقاء من قبل شرائح واسعة من الشباب والمهمشين والعاطلين عن العمل ضد أوضاعهم المعيشية والحياتية القائمة ، لقد انطلقت أحداث الانتفاضة بشكل عفوي حتما ، لا مطالب ولا أهداف محددة لها ، قادتها مجموعات واسعة من المهمشين والعاطلين ، واجتذبت نحوها في حراكها وتوسعها مجموعات أخرى تتوسع كل يوم ، من المدونين والناشطين السياسيين والطلابيين من طلائع اليسار الحلقي واليسار النقابي ونخب ديمقراطية ووطنية ، على المستوى المحلي والجهوي لتلعب دور المرشد والموجه للأحداث وان بشكل فردي أحادي ، ولما تعاظمت الحركة واشتدت وطأة القمع النظامي الوحشي المسلط تجاهها ، عبر عمليات الاغتيال والقنص لقادتها الميدانيين ، اجتذبت لنصرتها ولصفوفها أعداد أوسع فأوسع من البرجوازية الصغيرة "المتبلترة " منها والليبرالية الحقوقية .
انطلاقة 2011 كانت عفوية ، ولكنها إرتكزت على مراكمة وعي ثوري ومعرفة تجارب لا بأس بها في ثورات الشعوب ،القريبة والبعيدة منها في المكان والزمان ، تمكنت فيها طلائع الشباب الثوري ومجموعة واسعة من المناضلين النقابيين و اليساريين والديمقراطيين عموما - وإن بشكل فردي - من الاستغلال الجيد وسائل الاتصال الحديثة (الانترنت وشبكة التواصل الاجتماعي ) لشحذ الهمم وإرشاد الحركة واستنهاض وعيها ...الخ فحددت بشكل أكثر سلاسة وروعة وجهتها وأهدافها لتتجاوز بشكل سريع حالة الانتفاض العفوية على البؤس وترفع شعارا واضحا مفاده إسقاط النظام السياسي بوصفه هدفا آنيا دونه لا يمكنها تحقيق مطالبها الاخرى ، وهي لذلك رفضت الاستكانة لخطابات الجنرال بن علي التطمينية والتغريرية ورفضت عطاياه الإصلاحية من زاوية النظر الديمقراطية وواصلت تصعيد حركتها الى نهاية المواجهة والصدام التي أدت الى فراره من الحكم .
لما انطلقت إحداث الانتفاضة تخلفت عنها كل الأحزاب يمينا ويسارا ، لم تتمكن بحكم طبيعتها البيروقراطية بالذات من فهم الحدث وإدراك ميكانيزمات الحرة ، وحتى الاحزاب الاشتراكية الديمقراطية وحلقات الماركسيين بكل تلويانتهم ،لم تتخذ بشكل رسمي ومركزي موقفا واضحا من الأحداث الا في أطورها المتقدمة جدا ، عجزت عن التنبؤ بمستقبل الحركة وإستشراف قواها لقيادتها وتوجيهها وفق برنامج ثوري موحد يضع ضمن أولوياته مهمة موحدة ومركزية أدناها تفكيك أسس النظام السياسي القائم وإقامة حكم شعبي ديمقراطي من القاعدة الى القمة (من المحليات الى المركز ) تمهيدا لتصفية أشكال الإستغلال الاقتصادي والاجتماعي القائمة على الملكية الخاصة لوسائل الانتاج ، لم تتمكن كل التشكيلات الاشتراكية الديمقراطية في تونس من استخلاص دروس إنتفاضة الحوض المنجمي 2008 ولا حتى دروس إنقلاب 1987 او حتى انتفاضة الخبز 1984 ، لقد ظلت الى حدود ما بعد هروب بن علي حبيسة نظرياتها وأطروحاتها التي صاغتها و إنضبطت لها طيلة عقود ، تكلست حولها هياكلها وخطاباتها وأساليب عملها ،ففقدت طابع الابداع والتجديد وإنحصرت ضمن أفق التغيير الديمقراطي الوطني ،ضمن جدران إستكمال الثورة الوطنية الديمقراطية (الاستقلال ،السيادة ...الخ ) ، فقبلت ، بل عملت على شرعنة التحالف مع فلول البرجوازية الديمقراطية المرتبكة بعد إنفراط عقد سلطتها بهروب رأس النظام يوم 14 جانفي 2011 ، وسعت الى نشر وعيها الكسيح عن الديمقراطية البرجوازية الوطنية بوصفها شرطا حتميا لا محيد عنه لتحقيق مهمة الثورة الاشتراكية المؤجلة عمدا ووفق وعي مسبق تمت بلورته ضمن أطر وفي حدود الأطروحات الليبرالية وأفكارها وأساليبها التي طبعت كل تنظيمات الاشتراكيين الديمقراطيين و الثوريين بطابعها وبصمتها كنتيجة مباشرة لغلبة عناصر البرجوازية الصغيرة في صفوفها وبين قياداتها ، فقبلنا جميعا بالتحرك تحت غطاء شق من البرجوازية وممثليها (قدموا أنفسهم بوصفهم برجوازية وطنية ديمقراطية ومعارضة ذات توجه شعبي !!! ...الخ ) فكانت رئاسة الجمهورية تحت قيادة فؤاد المبزع رئيس برلمان النظام المنهار ،وبقي الوزير الاول مكانه يحكمان وفق منطوق دستور النظام المنهار وعبر مؤسساته ولكن من خلال شرعية وفاق ديمقراطي وطني وهمي حول كونهما جزء من عملية إسقاط بن علي ، وتمظهرا من تمظهرات الرفض والغضب الشعبي الذي عصف بالنظام ،فالبسا شرعية تاريخية أصبغاها في ما بعد على شرائح "البرجوازية الوطنية " المتهيئة للعودة الى الحكم بعد استقرار الأحداث ،وقيام اليسار الاشتراكي الديمقراطي و الثوري بمهمة ترويض الانتفاضة حتى تخضع لمعايير "الوعي الثوري" المكتبي والعقلاني لتعود إلى حضيرة المنظومة القائمة ،فكان انتصب مجلس حكاية الثورة في بداية فيفري 2011 في خليط من القوى اليسارية والقومية التي أسست فيما بعد جبهة 14 جانفي وهي أساسا "حزب العمال الشيوعي التونسي " و"الوطد الموحد "و "اليسار العمالي" الى جانب قوى قومية وعروبية على رأسها "حركة الشعب " و"حزب البعث" الى جانب قوى ليبرالية على رأسها حركة "النهضة" ، كان مطلبه الأساسي تقاسم السلطة السياسية مع بقايا البرجوازية القائمة ( حكومة الغنوشي) والمطالبة بمجلس وطني تأسيسي ضمن أفق ديمقراطي ليبرالي وعرضت المصادقة على مجلس حماية الثورة على "السيد فؤاد المبزع" الرئيس الثوري للجمهوري الذي رفض ذلك موجّها المسار الى هيئة سياسية وفاقية لتصوغ تصورات وقوانين المرحلة الانتقالية الديمقراطية وتقود عملية تركيز ال"مجلس الوطني التأسيسي" الذي تنادت له قوى مجلس حماية الثورة وجبهة 14 جانفي عبر تأطير تحركات القصبة 1 والقصبة 2 وامتصاص حركيتها " العفوية" غير مغلومة الوجهة ، فكانت الحصيلة هيئة "بن عاشور" في منتصف مارس 2011 وشارك فيها "الحزب الاشتراكي اليساري" و"حركة التجديد" و"التكتل" ...الخ الى جانب رموز إشتراكيين آخرين منهم قادة حركة الحوض المنجمي جنبا الى جنب مع الليبرالية المتأسلمة ممثلة في "حركة النهضة" ، ليبرروا ضرورة التحرك والتفكير ضمن أطر الليبرالية السياسية وإسناد مؤسسات الدولة المعزولة حتى تسترجع أنفاسها و تستعيد توازنها لما ترتب طبقة الحكم صفوفها وتعيد توزيع الادوار بين شرائحها بما يستجيب لمرحلة الحكم المقبلة بعد هدوء حركة الجماهير ، وتم استجلاب " الباجي قايد السبسي" ليستحضر شبح "الحبيب بورقيبة " أبو الحداثة ومؤسس الجمهورية التونسية ؟؟ حتى يصطف الجميع خلف صورته ويقبلوا بمعقولية اللعبة بعد أن تم إقحامنا في معارك هووية ليبرالية بكل أشكالها وتمظهراتها من "المسألة الوطنية" الى "القضية الدينية" مرورا بالقضايا الشوفينية "و "المسائل القومية" و "قضايا الجندر" ...الخ وغيرها من القضايا والمسائل التي فرضتها القوى الليبرالية المهزومة على مسرح الأحداث لتربك المشهد والقوى الثورية التي تبيّن أنها لا تمتلك برنامجا ثوريا أصلا في أغلبها ، وأما القلة التي كانت تتصور أن لها برنامجا فلم يتجاوز حدود شعرات عاطفية وانطباعية وجملا مثالية تدور حول حلم الثورة .
خلال الأسبوعين الأولين للحراك الثوري أي من 17 ديسمبر الى بداية شهر جانفي ، كانت طبقة الحكم و أنصارها وأعوانها من البرجوازية الصغيرة و"الارستقراطية العمالية" الى جانب شرائح واسعة من كوادر الدولة وكبار الأجراء والضباط و "البيروقراطية النقابية " ...الخ لا تزال موحّدة حول قيادة النظام التونسي ، فتمكّن بن علي من أطلاق يد القمع الطولى لتفعل فعلها بكل شراسة في رقاب ودماء و أجساد الشباب المنتفض فكانت مجازر القنص الممنهج والرسمي بالرصاص الحي للتحركات السلمية للجماهير المنتفضة فكان خطابه الأول حازما في اتجاه محاسبة المنتفضين الذين وصفهم بالمخربين والعملاء ، ولكن سرعان ما دبّ الرعب في صفوف البرجوازية الصغيرة وشرائح أخرى من البرجوازية و المتنفذين في الدولة ليكأتي خطابه الأخير مهزوما في شكل أعتذار من خانته جيوشه ومن أدرك أخيرا أنه وحيد في المعركة ؟؟، نتيجة عاملين أساسيين حسما أمر بن علي ، تمثّل الأول (1) في تنامي وتيرة الاحتجاج الاجتماعي واتساع رقعته على الميدان وفي وسائط الإعلام المفتوحة والجماهرية (الانترنت والفايسبوك) مع كل شهيد يرتقي ومع كل رصاصة تطلق على ظهور الشباب ، الى جانب تحول الحركة إلى مرحلة من العنف الدفاعي عبر انطلاق عملية حرق بعض مراكز الأمن ومرافق الدولة إيذانا بتعاظم حجمها ومطالبها ، كما تركّزت شعاراتها وتمركزت أكثر حول مناهضة النظام السياسي في شخص رئيسه بشكل فج وصريح ، وتمحور الثاني (2) في بوادر انزعاج القوى الدولية من بن علي وحكمه وعائلته و استعدادها الى رفع يد حمايتها له وقبولها بإمكانية تغييره بمن يقبل بأطروحات الديمقراطية الليبرالية الحديثة ليضمن استقرارا في النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي بما يستجيب للنظام العالمي الجديد ، فكان أن انفرط عقد طبقة الحكم من حول بن علي ودب النزاع بين شقوقها لتجد الجماهير الغاضبة فرصتها لاقتحام الساحة وإسقاطه بذلك الشكل المدوي. قبلت طبقة الحكم بكل سلاسة حل "حزب التجمع" حزب النظام السابق بل رحبت به و عملت على تسريعه ، كما قدمت طوعا قرابين من وزراء سابقين ومسؤولين في الدولة ورجال أعمال من عائلة الرئيس والمقربين منه على مذبح" الحراك الثوري" بكل رحابة صدر ، وهي كانت من خلال ذلك تهدف الى تصفية سريعة للحسابات بين شقوق البرجوازية ، حتى تتطهّر وتتعود للحكم موحّدة متخفّفة من ثقل نصف قرن من الحكم ولتظهر لنا في شكل المعارضة البرجوازية الوطنية الديمقراطية ، التي ستقود الانتقال الديمقراطي وتنقذ الوطن من أخطاء أصحاب الحكم السابقين .
فبينما قوى الاشتراكية الديمقراطية والقوى الثورية ، تلهث خلف الإحداث والتحرّكات حتى تفرض عليها و"عيها الثوري" بالقوة وتضع لها خططا وبرامج مضبوطة مسبقا بشكل دقيق وعقلاني جدّا ، كانت الحركة ووفق طبيعتها بالذات التي علّمنا إياها التاريخ دون أن ندرك دروسه الحقيقية ، تتحرّك في اتجاهات لا يمكن توقّعها ولا يمكن ضبطها مسبقا ، وكانت القوى الليبرالية ( الحداثية والمحافظة الدينية منها والعلمانية وحتى الخليط بينهم) وتضع أسس وحدتها وتسطر برنامج حكها الاستراتيجي المشترك وتحشد له الأنصار و الأدوات والإمكانيات ( المالية والإعلامية و التنظيمية ...الخ) داخليا وخارجيا ، استعداد لتقدّمها للحكم بشكلها قوى منتظمة ومستقلة تعي بذاتها ولذاتها لتحمي مصالح طبقتها بكل وضوح وصراحة ومن ثمة تصفية جذوة الحراك الثوري .
كان بمكاننا في أول 2011 (كل القوى الاشتراكية الديمقراطية والثورية ) ، بل كان يجب علينا أن نكون في الصفوف الأولى للحركة ندفعها الى أقصى ما تمكنه منها قواها ، أن نتعلّم منها أشكال التنظيم و العمل التي تبتدعها أن نتحسس معها طريق "الثورة" ، آليات تحويل الانتفاضة الشعبية ، او بالأحرى مساعدتها ، ارشادها لكي تتطور إلى ثورة شعبية ذات أفق اشتراكي ، كان يجب علينا سلوك ذلك الطريق بكل جرأة وان نكون على رأس الحركة حتى لا تنتكس حتى لا تعود من نصف الطريق بنصف أنجاز ونصف انتصار ولكن بعد دفع كل الخسائر والأثمان والجهد والدم الممكن لانجاز مهمة كتلك ؟؟ لقد أكتفينا بانجاز ما نعتقده المهمة الممكنة والمطروحة ألا وهو الثورة الوطنية الديمقراطية أو بالأحرى استكمال الناقص منها ، فتعسّفنا على الجماهير وبخسنا الحركة حقّها بدعوى "عفوية" الحركة وعدم تملّكها " الوعي الثوري" اللازم ، وساهمنا في سلبها أسلحتها التي ابتدعتها بوعيها وحسّها الثوري الطبيعي والسليم ، ففرضنا عليها الأجهزة البيروقراطية للنقابة ، والمؤسسات البيروقراطي للمركزيات الحزبية " الاشتراكية الديمقراطية والثورية " و أفرغنا محتواها الابداعي ، وهمشنا أشكالها المحلية والجهوية القاعدية ، وحوّلنا قادتها الذي انتقتهم بشكل طبيعي الى قيادات بيروقراطية ورسمية تم استجلابهم للعاصمة في اعتصامات مركزية كلاسيكية ذات طابع ليبرالي استجدائي ، او في مؤسسات بيروقراطية رسمية ومركزية ذات طابع قانوني رسمي وكلاسيكي ، فكانت النتيجة بالمحصل هذا الوضع المؤسسّاتي الهجين الذي نحياه اليوم ؟؟ فكانت تلك أولى خيانات الانتفاضة.
وأمّا الخيانة الثانية فتمثّلت بقبولنا بالفكرة القانونية الصرفة و الليبرالية البحتة القائلة بأن الحركة العفوية الغير واعية، تعني الفوضى، وكأن النظام القائم غير فوضوي ؟؟ وكأنه عقلاني ؟؟ لمّا يطلق زبانيته يحصدون الأرواح بالرصاص الحي ، ويعذبون الأجساد و الأنفس بكل ما لذ لهم وطاب له من أدواة التعذيب التي يبتكرها مفكريه ومريديه ، فانطلقنا نجرّم أحداث العنف ضد مؤسسات الدولة وما يرمز لها وضد مراكز الشرطة (من أحداث تخريب ، وحرق واغلاق للطرقات ...الخ ) ونسينا أنها ردة فعل طبيعية ، أنها أسلحة دفاعية بل الأسلحة الدفاعية الرادعة الوحيدة والأكثر سلمية التي تمكنت الجماهير من أبتداعها لردع أعمال العنف الشرس التي تأتيها تجاهها قوى النظام المتهالك ، لا يجب على القوى الثورية وقوى الاشتراكية الديمقراطية أن تساند عمليات الإرهاب والعنف الفردي ، كما لا يجب عليها أن تدعو الى عمليات واسعة ومنظمة من التخريب والعنف الفردي وأن لا تسعى إلى تسليح الجماهير في عمليات انتحارية أو إرهابية معزولة و أن تعمل قدر المستطاع ليكون عملها مدنيا جماهيريا واسعا ، ولكن وفي لحظات التوتر الثوري و المواجهة العنيفة مع النظام وأدوات قمعه ، وجب علينا وبنفس حماسة الدعوى للنضال السلمي أن نكون في مقدّمة المعركة أن نحمل نفس الأسلحة التي اختارتها وتسلحت بها الجماهير المنتفضة للدفاع عن نفسها وعن حركتها ، أن نزودها بها مهما أمكن وأن نعلمها ما استطعنا كيف تتقن استعمالها وتحترف توجيهها حيثما يجب وكيفما يجب .
وفي الثالثة ، خان كل فريق من الاشتراكيين الثوريين نفسه وأطروحاته والحركة معا ، فعوض الانكباب على توحيد الصفوف ، على خلق منظمة موحّدة و ثورية تكون مرشدا للجماهير في حركتها وتحصنّها من الانزلاق والارتداد ، عبر صياغة برامج وأدوات عمل وتجميع الامكانيات ...الخ التي توسّع الأفق أمام الحركة وتضمن لها مقومات النجاح والنصر ، فقد اكتفينا ب"حوانيت" حزبية ذات برامج سياسية رسمية بافق ديمقراطي ليبرالي، وفي أفضل الأحوال ذات أفق اجتماعي ديمقراطي ، فكان أن اقتتلت القوى الاشتراكية الثورية ، واحتربت في معارك هووية وليبرالية خاطئة ، فهي تارة معركة الحداثة تحت شعار "نمطي حكم متناقضين أحدهما اسلامي والآخر مدني بورقيبي ...الخ" و أطوارا أخرى هي معركة الديمقراطية تحت شعار " تجميع كل القوى الديمقراطية ضد الاستبداد النوفمبري ... الخ" وهي في النهاية والمحصّلة معارك تم أقحام اليسار الاشتراكي الديمقراطي فيها ليكون حطبا لها يصفي حسابات قديمة وجديدة بين شقوق البرجوازية و في معسكر الليبراليين ولكن بأسلحته الخاصة ، ومن قواه وجهده الخاص وعلى حساب تضحيات جماهير الشعب المنتفضة ، فكانت النتيجة استكانة الحركة وضياع طاقتها وانقسام القوى الثورية وتذيل كل منها لمعسكر من معسكرات الليبرالية ، ترانا ننقذ هذا ونبيض ذاك ونقطع الطريق على الآخر...الخ ، شق منها ضمن منظومة السلطة الحالية يلعب دور المهرّج الثوري في مجالسها وبين أروقتها ، وشق آخر ينتصر –يستنصر- بجزء من البرجوازية الصغيرة الانتهازية والطفيلية ورأسالمال الفاسد إنقاذا للحداثة والنمط المجتمعي ، لنجدهم في النهاية يتقاسمون الحكم مع بعضهم البعض ، بخطاب مشترك واستراتيجيات مشتركة طالما المصالح الجوهرية للرأسمال تجد طريقها للتحقق والخروج من أزمات الحكم .
إن القوى الشعبية تستعد لمعركتها القادمة ، التي يجب أن تكون حاسمة على كل المستويات حيث لا شعار يمكن للقوى الاشتراكية الديمقراطية والثورية أن ترفع معها ولا مهمة لتنجزها غير الانكباب على بناء تنظيم ثوري موحد ،لا يتخلف عن هبّة الجماهير ولا يسبقها ، ينصهر في حركتها ويرتبط بها عضويا ، يتعلّم من وعيها ويسلّحها بالإرشاد اللازم حتى لا تنتكس ولا تنقلب على أعقابها ، يحميها من الاختراقات من العناصر البرجوازية الصغيرة ويقوم صدّا منيعا قاطعا الطريق أمام عودة مجموعات الحكم القديمة من الشقوق والأبواب الخلفية للحركة أو من بوابة الانتقال الديمقراطي البرجوازي الوطني .
كتب كارل ماركس حول ثورة 1848 " “على العمال الألمان … أن يسهموا بشكل رئيسي في تحقيق نصرهم النهائي، وذلك بتذكير أنفسهم بمصالحهم الطبقية الخاصة، وباتخاذ موقفهم السياسي المستقل في أقرب فرصة ممكنة، وبعدم السماح لأنفسهم بأن يتم تضليلهم بواسطة العبارات المنافقة للديمقراطية البرجوازية الصغيرة في اتجاه الشك ولو للحظة واحدة في ضرورة وجود حزب مستقل التنظيم للبروليتاريا. صيحة حربهم لابد أن تكون: “الثورة الدائمة”.



#محمد_نجيب_وهيبي (هاشتاغ)       Ouhibi_Med_Najib#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جبهة الانقاذ و التقدم تونس قراء إيجابية لواقع مرير !!
- الانتخابات الفرنسية ورهانات اليسار الاشتراكي مرة أخرى
- -إن الناس يصنعون تاريخهم بيدهم ، إنهم لا يصنعونه على هواهم-
- البنوك العمومية بخير وهي بحاجة الى ترشيد التصرف فيها الى الت ...
- الشاهد : من قائد فريق حكومي الى قائد أركان حرب
- في ملف نشطاء الحركة الطلابية -المفروزين أمنيا -!!
- تمهيدية اليسار الفرنسي... أو خطر اليمين
- نواب الجبهة الشعبية يركنون مرة أخرى لخيار اسناد استقرار المن ...
- بخصوص -الجبهة الجمهورية- : تساؤلات مشروعة حول وحدة -مشروعة - ...
- في الايديولوجيا والتعصب :بين الصراع المشروع وإلغاء الآخر
- هل تدفع السعودية الثمن الاعلى لاغتيال سفير روسيا بتركيا!
- فلتذهب كل سوريا الى الجحيم، ولكن لا تحرقوا حلب!!! او في ضرور ...
- عاش الاتحاد.... وعاش العمال على الفتات
- تونس 2020 : قد ينجح الشّاهد في إدارة عرسه فهل تنجح تونس في أ ...
- دردشة حول فلسطين والسعودية
- هل تدفع هيلاري ثمن شطحات الاوباما
- ملاحظات حول تونس : تجميد الاجور، الغنوشي وداعش ووهم -كومونة ...
- اغتيلت الحرية مع ناهض حتر ثلاث مرات دفعة واحدة
- استغلال الطاقة في تونس : بتروفاك... الازمة او الفرصة الممكنة
- جلسة تجديد الثقة في حكومة الصيد : إستقالة فخمة لبطل من ورق


المزيد.....




- الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي (إ.م.ش) تدعو للمشاركة الوازنة ...
- النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 576
- فريق حزب التقدم والاشتراكية بمجلس النواب يُطالب الحكومة بتقد ...
- السيد الحوثي: بقية الفصائل الفلسطينية المجاهدة في غزة تواصل ...
- هل تسعى تركيا إلى إنهاء الصراع مع حزب العمال الكردستاني؟
- تركيا.. اعتقال رئيس بلدية -أسنيورت- بتهمة الانتماء لحزب العم ...
- العدد 577 من جريدة النهج الديمقراطي بالأكشاك
- الجبهة الديمقراطية تراسل الاحزاب السياسية والبرلمانات العالم ...
- المكتب السياسي لحزب النهج الديمقراطي العمالي يدين بشدة وصف ا ...
- بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ...


المزيد.....

- ثورة تشرين / مظاهر ريسان
- كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - محمد نجيب وهيبي - الذكرى 17 لوفاة الحبيب بورقيبة : قراءة نقدية في أحداث 2011