أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - قحطان جاسم - رواية -أبواب ضيقة- للروائية سلوى جرّاح: بين السيرة الذاتية و النص الروائي ؟















المزيد.....

رواية -أبواب ضيقة- للروائية سلوى جرّاح: بين السيرة الذاتية و النص الروائي ؟


قحطان جاسم

الحوار المتمدن-العدد: 5463 - 2017 / 3 / 17 - 19:54
المحور: الادب والفن
    




صدر في السنوات الاخيرة لروائيين عراقيين عدد من الروايات ، تنطلق من تجربة الكاتب الشخصية كأساس لكتابة نص سردي يتراوح بين العمل الروائي الادبي والسيرة الذاتية . اذكر هنا، على سبيل المثال ، نص حسن النواب " حياة باسلة"( 1) ،رواية حميد العقابي " الضلع " (2) ورواية نصيف فلك " خضر قد والعصر الزيتوني" (3 ) . واذا كانت رواية النواب لم تخرج عن شكل " السيرة الذاتية " في بنية النص ولغته، الى درجة الاشارة الى اسماء بعينها بصورة مباشرة او غير مباشرة ، فان نصي العقابي و فلك تجاوزا ذلك الشكل من السرد الى الادبي الروائي، رغم صوت الانا الحاضر( انا الكاتب) بوضوح في النصين، وتوارد العديد من الاحداث الواقعية المشخصّنة التي يعرفها العديد من القرّاء مسبقا، الا انهما ابقيا على مسافة ملموسة يتداخل فيها احيانا الصوتان الروائي والسيرة الذاتية، الى درجة التمويه، او الاكتفاء بالسرد الروائي المتخيل في احيان اخرى.
يأتي نص " ابواب ضيقة" للروائية سلوى جراح في هذا الاطار ، فهو عمل سردي يشمل الشكلين السرديين الروائي والسيرة الذاتية معتمدة الشكل الواقعي في القص. وهي واقعية لا تحيد كثيرا عن روايتها السابقة " صورة ماء ساكن" سواء في رسم الشخصيات او لغة الرواية وبناء الاحداث ، بل تمثل بشكل ما استمرارا وتنويعا عليها. وهي لا تجد حرجا في الاعلان عن واقعية الاحداث او سرديتها فكما تقول" اخترت أن أكتب عن العراق الذي عرفت قبل سنين الغربة" ص.10، و الذي كان شاغل روايتها السابقة ايضا.
اختيار الشكل وقضية الموضوع:
تواجه الكاتب، بعد ان يعد مادة الكتابة والافكار العامة لتأسيس نصه ، اسئلة عديدة في مجرى الكتابة، منها ما يتعلق بالشكل او الثيمات والافكار والتصورات التي ينبغي عليه ان يضمّنها او يقصيها عن نصه. واذا كانت ثيمة النص والافكار هي الاساس الذي تقوم عليه كل عملية الكتابة ، فانّ الشكل هو الإناء الذي يحفظ النص من التشرذم او الاستطالة ، وهو امر غاية في الصعوبة. لكن الكاتب لا يمكن التحكم تماما في قضية المحتوى أو الشكل، كأنهما قوالب معدة سلفا يصب فيها ما يريد. فللكتابة مؤثرات غالبا ما تكون خارج ارادة الكاتب وابعد من رغباته، بل ان عديدا من الاحداث او اشكال الكتابة تفرض نفسها على الكاتب- الكاتبة في سياق كتابة النص. بيد أن مهارة الكاتب-الكاتبة قد تمكنه( ها ) في ضبط النص وعدم السماح له بان يأخذ مجريات واتجاهات قد تضر بعموم النص.
تنفتح قراءة الرواية " أبواب ضيقة " للروائية العراقية سلوى جرّاح، الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر عام 2015، على هاتين القضيتين ، واعني بهما ، اختيار الشكل والمحتوى اللذين يشغلان الرواية بحيث نعثر على محاولة جادة للمزاوجة بينهما على خلفية وقائع يتداخل فيها العام والخاص.
تشير الكاتبة في مدخل النص : " اليوم بعد كل تلك السنين ما زلت أكلم نفسي....أستعذب الكلام من النفس، وأجده شكلا من أشكال تطهير الذات . فأن تسمع أفكارك تقال لك بصوتك ، يحررك من الكثير من القيود والمخاوف. لذلك كثيرا ما اتحدث مع شخصياتي واستشيرهم في ما سيحل بهم." ص.9 .. يخيل لنا هنا ان الكاتبة تسعى لتقديم فكرة عن طبيعة نصها الذي تنوي ان تقدمه للقاريء، ربما في محاولة لاغوائه وشدّه للقراءة، فالرواية، كما تعلن ظاهريا، تمس حياة الكاتبة، ولهذا فهي ستقص علينا حياة انسان بكل اشكالاته، وقد تغوص هذه الاحداث عميقا فيما هو مستور او غير مباح به ، وهو ما يثير فضول القاريء.
فكما تقول الكاتبة أن الكتابة لديها نوع من " تطهير الذات". من هنا يمكن ان نستشف، من خلال هذا التقديم، أننا أمام نص يتخذ شكل السيرة الذاتية ، الا أن الكاتبة تربك علينا تصوراتنا حين تضيف " كثيرا ما اتحدث مع شخصياتي واستشيرهم في ما سيحل
بهم "، أي اننا نجد انفسنا امام نص ينتقل مما هو ذاتي بحت، يكتفي برصد حياة الكاتبة وتفاصيلها، الى عالم أكبر ستحل فيه شخصيات اخرى تقوم الكاتبة باستشارتهم ، في مجرى سياق الكتابة "، بمعنى، اننا امام نص يتعدى حياة المؤلف الحقيقية، و يأخذ شكل الرواية بعقدتها وشخوصها واحداثها، إذا ما عرفنا ان السيرة الذاتية " هي نوع او شكل ادبي يكشف عن حياة المؤلف الحقيقية من دون الاقنعة الواقية لاستعمال فكرة الخيال كما في القصة والرواية" كما يشير دانيال منديلسون في كتابه " نهاية الرواية و بداية السيرة الذاتية"( 4)

والسؤال هو الى أي حد نجحت الروائية سلوى جرّاح في الحفاظ على الشكل الروائي للنص دون ان تقع في شرك
كتابة " السيرة الذاتية" .. ام انها استفادت من الامرين لتقديم تجربة خاصة بها؟ وما هي الاشكالات المترتبة على ذلك؟
هذا ما تحاول ان تجيب عليه قراءتي النقدية للرواية .

ثيمة النص و بنيته :
ترصد الرواية مسيرة حياة نوار حمدي الصاحب بين البصرة ، كركوك، بغداد ، بيروت، ولندن. يعمل ابو نوار مسؤول عن "ادامة المواصلات بين مدن آبار النفط ومحطات ضخه "ًص.15،مما يجعله دائم التنقل ، وهو "يتقاضى مرتبا كبيرا ويعيش في رفاهية ، ولم ينتم يوما لاي تنظيم سياسي " ص.83، اما امها فهي من اسرة ميسورة وعاشت كل سنين زواجها في بيت مرفه ، ولديها فوق هذا وذاك خادمة تنظف البيت وتساعد في الطبخ .ص.84. بموازاة ههذ الشخوص تلعب صديقتا نوار، ايّ فاتن وعفراء، دورا مهما في النص. فترافقانها على امتداد الرواية. الا ان شخصيات اخرى تظهر في مجرى النص تلعب دورا اضافيا في حياة الفتيات الثلاث، وتضفي معنى خاص على تطورهن اللاحق في حياتهن وعلى حبكة الرواية، وتفيد في اضاءة الاحداث وثيمة الرواية السياسية؛ العراق في تقلباته التاريخية المعقدة ووضع الطبقة المتوسطة وما عانته خلال هذه التقلبات من مرارات وهزائم ومحن. وهولاء الاشخاص هم : فلاح المسعد، اسماعيل عبدالله، مازن برهان وغيرهم. اضافة الى ذلك نلتقي، خلال اقامة نوار في بيروت ، بليلى الفلسطينية. تمتد احداث الرواية التي تجري في العراق وفي خارجه على مدى عقود من السنوات ، وهي تصف لنا حياة نوار، التي تمثل صوت الانا او الراوية، ابتدأ من الطفولة في مدرسة الابتدائية في الفاو- البصرة، حتى تلتقي ثانية مع صديقتها فاتن محمد عرفان وزوجها في لندن ثم الاستقرار نهائيا هناك.
تذكر الكاتبة، خلال هذه المسيرة الحياتية وعلاقاتها المتشابكة، التغيرات التي حدثت في العراق منذ ايام الحكم الملكي بفترة قليلة من مجيء حكومة عبدالكريم قاسم عام 1958وحتى ثمانينات القرن الماضي بعد ان تصل الى لندن. وخلال هذه المسيرة تشهد " كيف تغيرت المناهج والحكومات " ص.50. وتكون مسيرة الطبقة المتوسطة في جوهر اهتمام الروائية الجرّاح ، او كما تؤكد ، انها " تكتب عن الطبقة التي عرفت " ص.57.
تنوّه الرواية بالاحداث السياسية الاساسية التي شكلت تاريخ العراق السياسي الحديث؛ ثورة 1958، احداث 59 في كركوك و الموصل، انقلاب 63، مجيء البعث بانقلاب 1968، قيام الجبهة بين الشيوعيين والبعث .كما تمر على الوضع الفلسطيني في بيروت و الصراع الطائفي في لبنان ايام الحرب الاهلية في بداية الثمانينات حتى وصولها الى لندن. بموازاة ذلك تعرض لنا شبكة من العلاقات الاجتماعية التي تبدأ بتصوير طفولتها في البصرة مرورا بكركوك ثم دخولها الجامعة في بغداد وانتقال عائلتها اليها ثم التقائها بحبيبها فلاح المسعد، الشيوعي الذي يغادر العراق في بداية السبعينات، بسبب المخاطر التي يتعرض لها نتيجة لنشاطه السياسي - فتختار اللحاق به الى هناك - وهو الحدث الذي يبتدأ فيه القسم الثاني من الرواية وتعيش معه فترة في بيروت وتتزوج منه، الا انها تسافر الى لندن بعد تأزihم الوضع في بيروت خلال الحرب الاهلية اللبنانية بعد فترة بقاء مؤقتة في براغ. وفي لندن تبدأ حياتها الجديدة التي تشكل علامة "طلاق مع ماضيها"، حيث تحصل على عمل اولا " في تدريس العربية للانكليز الذين يعملون في العالم العربي " ص.210 ، من ثم على عمل في صحيفة كبيرة حتى تصبح كبيرة محررين. ص.233. وفي لندن تلتقي باسماعيل عبدالله الذي تختاره صديقا وحبيبا، مع ان " كل منا يعيش حيث اعتاد ، ونلتقي حين يطيب اللقاء" ص.239، بعد ان حسمت موقفها المتردد من زوجها السابق فلاح الذي فضل التزامه بالحزب الشيوعي والبقاء في بيروت على الالتحاق بها الى لندن. وارسل لها ورقة طلاق مع رسالة كتب فيها :" أنت في لندن تبدأين حياة جديدة، وأنا في بيروت في العالم الذي تقاسمناه يوما والفناه. هما يا نوار عالمان يصعب أن يلتقيا (....) انا لا استطيع ان اتخلى عن التزاماتي تجاه الاخرين، كما قلت لك مرارا وفشلت في اقناعك" ص.224. كان اسماعيل هو الآخر متزوجا وانفصل عن زوجته. عاش فترة في ايطاليا ثم انتقل الى لندن منذ بضع سنين. وهو اصلا " من بغداد ويعمل في التجارة الحرة " ص. 210، اضافة الى هوايته في عزف العود والغناء. وهكذا تجد نوار نفسها تعيش حياة جديدة خارج مؤسسة الزواج . تمتاز بالحرية والحب وارادة الاختيار تتناسب مع ميول الطبقة المتوسطة التي تنتمي اليها وتؤكد على اصولها." لم احدد هوية ما ربطنا ، لذلك لم أسأله يوما أن كان يحبني. قبلت عرضه، أن ادعه يحبني ، وأن احبه كما أستطيع وأقدر، وارضاه قبولي. كل ما أعرفه أننا ، انا وهو ، وجدنا معا، الامان والكثير من الفرحة" ص.239.
تنقسم الرواية الى قسمين ، القسم الاول ويشتمل على الصفحات 1- 145، وتسرد في هذا القسم حياة نوار في العراق وما مرت به من علاقات وتحولات، بينما يتضمن القسم الثاني من الرواية الصفحات 145-240، وتصف فيه هجرتها من العراق الى بيروت وحتى وصولها الى لندن. ورغم الكاتبة لم تقم بمثل هذا النوع من التقسيم للرواية على الشكل الذي اشير اليه ، الا انها تمهد لهذا الفصل والتمييز بين قسمي النص بما تسميه " هامش". ص. 146-148 وهذا الهامش رغم انه يؤكد على استمرارية السرد بنفس الاتجاه، وتبقي على نفس الشخوص، الا انها تقول " منذ ان بدأت كتابة روايتي حاولت ان اخفي حقيقة اني اكتب عن نفسي. خفت ان ابوح بأنايا، وداريت خوفي بالحديث عن بطلتي التي منحتها اسمي، نوار حمدي الصاحب" ص.147. كاشفة بذلك عن تداخل الشخصيتين التي تحاول الان تصحيحها، بحيث تأخد الرواية مسارا جديدا باستخدام صوت المتكلم ( الانا) في القص بدلا من الشخص الثالث ( هي- هو) الذي استخدمته في القسم الاول من الرواية :" لن اقول بعد اليوم نوار فعلت او قالت، ساقول فعلتُ وقلتُ" ص.147 ، في محاولة تمويه فنية، على الرغم من استعادتها قص نفس الحكاية عن الماضي، حيث الحنين الدائم الى ماض مفقود يكاد يختفي من الذاكرة. ونلاحظ ان مغادرة نوار للعراق، لا تمنحها فقط حرية اللحاق بحبيبها فلاح الشيوعي، الذي هرب بفعل الارهاب والخوف من الاعتقال، بل وايضا تمنحها حرية القدرة على التحدث عن نفسها دون خوف من الضوابط التي كانت تحددها داخل الوطن، وهي انتباهة مهمة تحمل دلالة تساعد على اضاءة السلوك الانساني في وضعين اجتماعيين مختلفين.
لغة السرد ورسم الشخصيات:
رغم ان لغة الرواية اتسمت بشيء من التقريرية والمباشرة في مواضع عديدة، وهو الشرك الذي يقع فيه معظم الروائيين الذين يختارون الشكل الواقعي في سرد الاحداث، الا انها حافظت على تماسك النص، و استرساله، واستحكام القص فيه، وتسلسل الاحداث والموضوعات فيه، رغم وجود بعض الصفحات التي كان بالامكان حذفها دون التأثير على بنية النص او محتواه " 216-220، وص.46-49). كما لجأت الكاتبة في احيان كثيرة الى العبارة البرقية المكثفة ،و الى استخدام اللهجة المحلية القريبة من اللغة العربية الفصحى، التي افادت النص بكشف محلية الحدث واثنيته ، فاستفادت من الاداة اللغوية باشكالها المنطوقة ، باعتبارها وليد العلاقة الاجتماعية وعنصر مهم في كشف هذه العلاقة. وقد ساعد الاستخدام الحذر والمقتصد لهذه اللهجة المحلية على امتدا النص، في تجنيب الكاتبة من الوقوع في الاغراق فيها، وهو امر قد يعيق من القراءة وفهم النص.
يمكن القول ان الكاتبة الجرّاح نجحت في رسم شخصية نوار البرجوازية من خلال كشف سلوكية رفضها المتكرر للعنف وطبيعتها الحالمة:" صرت اشعر بخوف حقيقي وانا امر من الشوارع الفرعية الضيقة، في طريقي الى عملي في بيروت في منطقة الفاكهاني القربية (...) بدأت اشعر أن كل ما بنيت من احلام للاستقرار في بيروت وتكوين اسرة ، تنهار وتذوب في الخوف الذي صار يحكم كل ما حولي " ص.175.و" هل القتل وسيلة للنضال "ص.186 ، ويضيء طبيعة تصورها للعمل السياسي و انتمائها الشيوعي، الذي لم ينبع من احساس او انتماء طبقي، بل من خلال حبها للعدالة والحرية والسلام والبحث عن الاستقرار ، الذي يتسم به قسم كبير من الطبقة المتوسطة، مع الحفاظ على جذورها الطبقية ، ومن ثم على العلاقة المرتكبة بين عالمين تنتهي الى الانفصال، وهو ما تؤكده نهاية علاقتها بالعمل السياسي الحزبي بمجرد طلاقها من فلاح " كل الماضي انتهى. لم اعد زوجة فلاح ولا عضو في الحزب الشيوعي"ص.225. الا أن الكاتبة لم تمس بقدر كاف الاضطرابات النفسية او ما تتركه تلك التحولات على الشخصيات الاخرى، وخاصة، حبيب نوار وزوجها اللاحق، فلاح. فتكشف تلك العلاقات المعقدة سواء على مستوى الشخصية وتحولاتها النفسية والاجتماعية، او على مستوى العلاقات المتداخلة بين هذه الشخصيات في صراعاتها اليومية والوجودية.
رواية السيرة الذاتية لكن بلا اعترافية فضائحية:
لقد قدمت لنا الروائية الجرّاح عملا تمزج فيه بحذر بين شكل السيرة الذاتية و النص الروائي ، الا انها، وكما كتب فرويد في رده على الناشر عندما عرض عليه ان يكتب مذكراته:" ظاهريا ..حياتي مرت بهدوء وبشكل هاديء ويمكن تغطية احداثها بتواريخ قليلة، ولكن داخليا ، ولمن عرفوني بشكل أفضل ؟ كانت الامور أكثر تعقيدا قليلا، فمن ناحية، الاعتراف المعبر والكامل والامين عن الحياة ، يتطلب الكثير من التهور الطائش للبوح الفضائحي عن شخصي فضلا عن الآخرين من الاسرة والاصدقاء والاعداء، ومعظمهم ما يزال حيّا وهذا امر ببساطة ، خارج المسألة بالنسبة لي "(5) ، لم تقدم لنا عملا سرديا يأخذ شكل ومحتوى السيرة الذاتية المحض، الذي يتطلب نوع من الفضائحية والغور بحياة الاخرين من الاسرة الاصدقاء والاعداء،على حد رأي فرويد، بل التزمت مسارا سرديا آخرا، باستخدامها نوعا من "الاقنعة الواقية لاستعمال فكرة الخيال" (6) الا ان هذا السرد والاستخدام التخييلي له بقي عند سطح الاحداث وعلى محيطها دون التمكن كليا في غور العوالم الخفية لبعض شخصياتها. او كما يوضح الروائي الاميركي باول اوستر في روايته "ثلاثية نيويورك" محذرا:" كل حياة انسانية لا يمكن تفسيرها، واصلت القول لنفسي. بغض النظر عن كمية الوقائع التي يتم قصّها، وبغض النظر عن كمية التفاصيل المعروضة، فالشيء الجوهري يقاوم سرد القصة. أن تقول كذا وكذا وان ذاك ولد هنا وذهب الى هناك وحصل على كذا ، وانه متزوج هذه المرأة وصار لديه عددا من الاطفال، وانه مات وترك خلفه هذه الكتب، او هذه المعركة او ذلك الجسر - لا شيء من ذلك يخبرنا الكثير."( 7) . وعليه فرغم سرد الروائية للعديد من الوقائع والاحداث المهمة ، ربما انها لم تصل ، والى حد ما، الى "الشيء الجوهري " الذي اشار اليه اوستر ، واعني به الاستفادة من المتخيل في القص والذهاب الى ابعد من سطح الاحداث المعروضة والشخصيات المساهمة فيه. ربما يمكن تعليل هذا القصور النسبي الى تعقيد وصعوبة مهمة استخدام شكلين سرديين في آن واحد ، اي ، الرغبة في كتابة نص روائي يعتمد السيرة الذاتية و الاستلهام من التجربة الشخصية، و الحذر بنفس الوقت من الوقوع في الفضائحية التي تحدث عنها فرويد، رغم انها محاولة تستحق الاهتمام و تحسب لها بشكل ما، باعتبارها مغامرة ادبية على مستوى الابداع، إذ يمكننا القول، هنا، اننا حصلنا على نوع من رواية السيرة الذاتية الخالية من " السمة الاعترافية" الفضائحية.


اشارة وهوامش :
الاستشهادت بين قوسين التي لم يشر الى مصدرها تعود الى صفحات الرواية " ابواب ضيقة" للروائية سلوى جرّاح .
1) حسن النواب، حياة باسلة، دار العين، 2013
2) حميد العقابي، الضلع، منشورات الجمل، 2008
3) نصيف فلك، خضر قد والعصر الزيتوني، منشورات الجمل،2008
4) دانيال منديلسون، نهاية الرواية وبداية" السيرة الذاتية" وقضايا اخرى مترجمة، ترجمة وتعليق حمد العيسى، الدار العربية للعلوم ناشرون،2011، ص.142
5) دانيال منديلسون، ص.139
6) دانيال منديلسون، ص.142)
Paul Auster, The New York Trilogy, Main, 2011 (7



#قحطان_جاسم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- - قصيدة - - قصة قصيرة
- العدد الجديد من مجلة -الثقافة العراقية- ؛ بقعة ضوء في ظلام ح ...
- - إلتماعات في عتمة -
- مقدمة لكتاب مترجم -قصائد مختارة للشاعرة الدانماركية لولا باي ...
- اكتشاف متأخر
- اليكِ..بمثابة اعتذار متأخر جدا..!
- بين الفكر اللاهوتي الغربي والركام اللغوي الديني الاسلامي الم ...
- قصائد مختارة للشاعرة الدانماركية لولا بايدل
- - أناشيد الخيبة
- - رغم كل ذلك-
- الكتابة النقدية وسلوك الحوار
- -..! وانت تعدّ البراهينَ التي أخفاها الحمقى -
- صدور الديوان الثالث - آن الذهول - مع مختارات منه.
- شبح ابن عمارة
- جدلية الحب و الكراهية في رواية -وردة الفجر- للروائي التونسي ...
- الطفولة المقموعة في رواية - ارواح ضامئة للحب- للقاصة والروائ ...
- الفرادة الشعرية وتجليّ الذات في ديوان - أغنية شخصية - للشاعر ...
- الفكاهة السوداء وفضح الزيف البشري في كتاب - فوق بلاد السواد- ...
- الشاعر الايطالي سيزار بافيز ..عاش ومات وحيدا..!
- الغواية وضحايا النساء في رواية -هسيس اليمام- للروائي العراقي ...


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - قحطان جاسم - رواية -أبواب ضيقة- للروائية سلوى جرّاح: بين السيرة الذاتية و النص الروائي ؟