أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - قحطان جاسم - الشاعر الايطالي سيزار بافيز ..عاش ومات وحيدا..!














المزيد.....

الشاعر الايطالي سيزار بافيز ..عاش ومات وحيدا..!


قحطان جاسم

الحوار المتمدن-العدد: 5034 - 2016 / 1 / 4 - 19:43
المحور: الادب والفن
    






سيزار بافيز شاعر ايطالي ولد عام 1908 وانهى حياته منتحرا عام 1950 بعد ان عانى من عزلة روحية واجتماعية، ومر بحالة من القلق والكآبة التي قادته الى الموت. قرأت عنه لاول مرة في بداية الثمانينات ، وحين قررت الصعود الى جبال كردستان والالتحاق بالحركة المسلحة المناهضة لنظام صدام ، حملت بعض الكتب التي كان من بينها كتابا عنه ، وهو سلوك يعبر عن سذاجة وتفاؤل غبي وكأنني كنت ذاهبا الى رحلة صيد ..ولكن بعد ان عبرنا أول الوديان الجافة ورأينا مشهد قرى الفلاحين الاكراد المحروقة او المهجرة ،وتسلقنا الجبال الاولى ونحن نلهث خلف دليلنا ؛ شاب كردي يعمل راعيا ، عاش كل حياته بين الجبال، ، يتنقل من سفح الى سفح برشاقة وجذل وكلما وصل الى قمة جبل يصرخ بنا وفي صوته شيء من التهكم:" بسرعة.. بسرعة !! امامنا جبال عديدة ، علينا ان نصل قبل حلول الظلام". ادركت أن الخطوة الاولى نحو بدايات خطرة جديدة في الحياة قد بدأت للتو..احسست بتعب كبير، فرحتُ اتخفف من احمالي واحدا بعد الآخر ... رميت اشياء كثيرة، وكلما تخطيت قمة جبل لكي اصعد جبلاً آخراً، أحدق في بطن الحقيبة التي كنت احملها معي، وانا اردد مع نفسي " علي ان اتخلي عن اشياء اضافية.. فكرت ان اتخلص من جميع الكتب التي حملتها معي، وانا اعيش صراع مع نفسي، الا انني قررت في النهاية أن أبقي على بضعة كتب صغيرة الحجم ومنها ذلك الكتاب عن الشاعر سيزار بافيز الذي احببته بعمق ..شاعر حزين وعميق في آن واحد ..شاعر تعمق في الوجود والناس وصراعاتهم وآلامهم أيام الحرب والسلم.. متوزعا بين السياسة والادب، بين اخلاصه لذاته وبين احساسه بمسؤوليته كانسان إزاء ابناء جنسه.. تتناهبه مشاعر متناقضة ومرهفة، ادت به في نهاية المطاف الى الشعور المرير بعبثية الحياة وغياب المعنى في الوجود. ولهذا كتب يوم 18 آب 1958 في يومياته، قبل ايام من انتحاره: الاشياء المخيفة اكثر في السر تحدث دئما .
كلّ ما تتطلبه هو قليلا من الشجاعة.
يبدو الامر سهلا عندما افكر به
المرأة الضعيفة فعلته
يجلب الذل ، و ليس الزهو.
كل هذا مقرف.
لا كلمات. فعل. لن اكتب اكثر.
واذا كان فردريك نيتشته يرى ان " الحياة هي انتحار بطيء"..فان هذا الانتحار البطيء ، والهاجس المتلبس بالموت ،كان ملازما لبافيز وتكرر في كل كتاباته، منذ نصوصه الاولى ايام كان شابا ... وقد كتب بافيز عن ذلك الموت و القلق والاحساس بالعجز إزاءه حين وصف صديقه ليونيه جينزبرغ ، الذي تم تعذيبه وكسر فكه في زنزانته بسجن ريجينيا كويلي في ايطاليا ، من ثم قتله تحت التعذيب بعد ان فشلوا في كسر شوكته او الحصول على اية معلومات منه او تنازل. ويمكننا ان نتلمس مقدار الالم العميق الذي تركه عليه اختفاء صديقه، في وصفه لشخصية هوفمان في " تحية يا مازنينو":
اني اعيش كما في ضبابة دائم التفكير ولكن بشكل غامض، ننتهي بأن نعتاد تلك الحالة ، حيث نؤجل دائما الى الغد الألم الحقيقي وبذلك الشكل ننسى ولا نكون قد تعذبنا " هنا يتضح الشعور بالذنب والاسى الذي يعبر عنه مرة اخرى في قصيدة له
" انت لا تعرف التلال " ، حيث يكتب: :
إنه مذنب
لان كل حرب
هي حرب مدينة
كل الذين يسقطون فيها
يشبهون الذين يظلون
على قيد الحياة
ويطلبون منهم تعويضا عنها

كانت فكرة الموت، الذي عرّفه سارتر " كقفزة في الظلام" تهيمن عليه بحدة الا انه لم يمضِ نحو هذا الظلام بقفزة واحدة ، بل مارسه على مراحل كما لو انه كان يعدّ نفسه لكي يقرر موته في اللحظة التي يختارها ، هذه اللحظة التي قال عنها البير كامو في اسطورة سيزيف بما معناه " ان اختيار لحظة الانتحار هي اللحظة الوحيدة التي يقرر فيها الانسان مصيره بنفسه وليس الله او القدر".
لكن انتحار بافيز لم يكن مجرد تعبير عن اليأس والاحساس بعبثية الوجود، بل وايضا كما تكتب الكاتبة ناتاليا جيزنبورغ في كتابها " الفضائل الصغيرة" كان تعبيرا عن غياب العلاقات الانسانية الصادقة التي كان يتوق اليها بافيز بحرقة:
" ان ما ينقصنا حقيقة هو امكانية العلاقات الحرة والطبيعية بين الافراد ، وهي تنقصنا الى درجة ان البعض منا قتلوا انفسهم لانهم كانوا واعين لذلك الحرمان".
لقد عاش بافيز تعذبه العزلة واختار ايضا أن يمضي الى الموت وحيدا تماما.

00 00
استفدت في كتابة هذا النص من كتاب جورج بيرويه: سيزار بافيز، ترجمة المحامي حسيب نمر ،1980 وقد ابقيت نصوصه المترجمة دون تعديل رغم تشوش بعضها
فيما يتعلق بالنص المشار اليه من يومياته فهو من ترجمتي و منقول عن كتاب:
Antoon A. Leenaars,Psychotherapy with Suicidal People: A Person-centred Approach, John Wiley Sons, Ltd, 2004, p.130



#قحطان_جاسم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الغواية وضحايا النساء في رواية -هسيس اليمام- للروائي العراقي ...
- البحث عن الحرية في رواية - قلب اللقلق- للروائي العراقي زهير ...
- -الحب والصمت-
- الى صديقي الشاعر ابراهيم البهرزي..نعدك لن تكون وحدك !
- كتاب سجين الشعبة الخامسة .
- الكرنفال الإيروتيكي في ديوان - أرافق المجانين الى عقولهم- لل ...
- كتابة على جدران المدن المستباحة (9)
- - فكرة وفضاء الصمت - في ديوان - مكان ما في اللانهائي - للشاع ...
- - أيّ طريقٍ سلكتَ؛ المصيبةُ قادمةٌ ! -
- - كإشاعة منسية ستذوي في الهروب ..!
- - ليس الا ظلك والوحش النائم فيك !!-
- - يشتم الغواةَ ويدّقُ على الصنوج -
- عبث الحرب وفضائعها في ديوان - قميص قدّته الحرب- للشاعر العرا ...
- صلاح فائق: الشاعر الذي يحرضنا على التحديق في تفاصيل الكون .. ...
- الأغتراب وتشرذم الذات في رواية - قشور بحجم الوطن- للروائي ال ...
- الدولة الاسلامية في العراق ( داعش) وصراع المصالح !!
- العدد الجديد من -مجلة قضايا اسلامية معاصرة- مساعي مثابرة لتح ...
- -ماذا تبقى غير المتاهة-
- عن مارتين لوثر كينغ ،العقلانية السلمية والحركات الاسلامية .. ...
- إسترجاع حيّ لماضٍ مفقود في رواية -صورة في ماء ساكن- للروائية ...


المزيد.....




- في شهر الاحتفاء بثقافة الضاد.. الكتاب العربي يزهر في كندا
- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - قحطان جاسم - الشاعر الايطالي سيزار بافيز ..عاش ومات وحيدا..!