أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يعقوب زامل الربيعي - بابلو نيرودا.. قد عشت حقاً !














المزيد.....

بابلو نيرودا.. قد عشت حقاً !


يعقوب زامل الربيعي

الحوار المتمدن-العدد: 5446 - 2017 / 2 / 28 - 01:51
المحور: الادب والفن
    


كثيرون من عاشوا جل أو بعض حياتهم مليئة بالصخب والمتعة والفائدة، وغالباً بمشغوليات الأمل. بعضهم نهل ما أستطاع، وربما أكثر مما استطاعت الحياة أن تعطيه، وما لم تعطي لغيره من الناس. سرى حليبها المداف بالعسل وبالنبيذ ملء اجسادهم، حتى كاد يطفح من خياشيمهم، قبل أن يواريهم الموت ويتوارون فيه ربما من غير شاهدة قبر تدل على العظة من وجودهم أو من ذلك الرخاء، وما من حجة تلقى على التاريخ بسبب وجودهم أصلاً.
فهم مثلما جاءوا، ذهبوا بخلاء. لم يتركوا في الإثر حجم درهم من عطاء أو شمعة إبداع.
وقليل من بين العامة الفقراء، من أغنوا شغف الحياة بما أفاضوا من نِعم الفكر والثقافة والمعرفة والجمال، ممن زاد على أوان الدنيا من فيض زاد عبقريتهم، كما ذاك الذي خرج من بين تزاحم الاضداد وعنفها، ومن بين مهاميز الشهرة البائسة لأركان المال والسلطة والجاه، ومن " تحت حمم البراكين، إزاء القمم الثلجية العاصفة. بين البحيرات الكبيرة .. وأدغال أشجار ــ الروالي ــ الضخمة ". في قرية من قرى الجنوب الأمريكي الداكن بعتمة الفقر والثورة هناك. وفي واحد من اكواخها القصية في عالم جغرافية الاسطورة، حيث " سواحل الابدية غير المنتهية، تشكل على امتداد تشيلي إلى ما هو أبعد من القطب الجنوبي.. ثمة عصفور يعبر على الدغل البارد، يرفرف، يتوقف بين أغصان الشجر الظليلة، ثم من مخبئه يصفر، مثل مزمار صغير " .. ومثل طقس من طقوس الحياة، يسري صداه نشيداً مختلف الرؤى، كأنه الهمس، يقول للبشر من الأحياء الذين سيتولاهم الفزع من شبح الموت : أشهدوا معي " إني عشت " . لم تكن لـ (تيموكو) مدينة الشاعر بابلو نيرودا، قبل أن تصبح واحدة من أثنيات الأمية، ريادة بين مدن الجنوب الفقيرة المزدحمة بالأناة والصبر والقمل والجنس والعشب القاسي. كما لم يكن لها " ماضٍ، أو تراث " كسواها من المدن، غير " دكاكين حدادة وهنود لا يعرفون القراءة ". تكاد تكون بعيدة جداً عن ذاكرة التاريخ مثلما هي بعيدة عن الجغرافيا، وقبل أن تشهد أو تسمع صرخة المدعو بابلو. في الزم ذاك، لم يكن فيها من يعبأ كثيراً بمثل هذه الصرخات أو الشعر. وربما أعتبرهما السكان منحة أخرى من منح الجوع، إلا حين التفتت رقاب بنوها وبنو الدنيا، فيما بعد دهشة نحو تلك النقطة النائية، تلك التي غدت بمولد عظيمها ، بابلو نيرودا، أكبر من قارة في كوكبنا.
لم يستطع هذا الشحرور أن يتكلم يوم وضع قامته المديدة على مقعد خالٍ أمام وزير خارجية تشيلي متردداً، في أي المدن أو العواصم سيحط رحاله ممثلاً لبلاده، عندما سأله الوزير المعجب بشخصية هذا الجالس أمامه، والمرشح لمنصب بلاده:
ــ إلى أين تريد الذهاب يا بابلو؟
كان بابلو في تلك اللحظة أوسع مدىً وخياراً من أي ركن أو من مكان يركن إليه. حتى ليخيل أن له ظلاً لا تستطيع مدينة بعينها أن تستوعبه.
في تلك اللحظات بالذات، مرّت في خيال نيرودا، ارخبيلات الأدب والشعر والفن مثل طيف عبق شقائق النعمان: ها هم: تشايكوفيسكي.. موزارت.. أراغون.. هيجو.. بوذا.. عروة بن الورد. أستحال إلى نقطة ضوء حمراء لتعبر مجاهل الكون اللا متناه، لتركن مثل غرسة برية في أرض يراهن على فطرتها الأولى، قد تستطيع أن تستوعب بعض مجده:
ــ " إلى رانغون " يقول : " أجبت دون تردد.
كانت في القاعة الوزارية، كرة عتيقة " جداً " للأرض، سقطت عينا الوزير على سطحها بحثاً عن " رانغون ", فكثيرة هي الانبعاجات العميقة التي كالجحور و " التجاويف ". عندما أشار بابلو بإصبعه أما بصر الوزير المندهش إلى أحدى زوايا قارة آسيا الواسعة، وحين سأله أحد الأصدقاء فيما بعد:
ــ " أي بقعة من البقاع أخترت بابلو؟ ".
أجاب باسماً في ذهول ، وقد نسي أسم المدينة التي أختارها، بالقول:
ــ " أنها في الشرق الخرافي ".
كانت النشوة شيء مثل " كوبليه " منسجمة تمام الانسجام حتى ليعجز الشعر أن يصفها كما هي عليه. فلكل محطة في النواحي الحارة والباردة من الدنيا، شكل بديع ولون مميز. المحطات التي يكتنفها المطر والضباب البارد وهالات المصابيح العليلة، وتلك التي تعج بعرق الأجساد واهتزاز ثمار التفاح في الاغصان الحبلى الشذية، ودمدمات العجائز المعتوهات في حانة من حانات " الشرق الخرافي " يدخل بابلو وملء شفتيه ابتسامة مشحونة بالألق السجين، يدب إليها مثل دودة قز مدفوعاً بالرغبة لاحتساء ما يعينه على تنسم أغنية " روخاس خيمنيث " الشاعر " الطاقة " التي عانت لتصبح يوما ما عقلانية.
" كل شيء سوف يمضي، السماء، الشعاع، الحياة.
انتصار الشر يقوى والردى الحتمي يطغى
ليس يبقى ..
غير عينيكِ إزائي في مصيري
يا ابنة النور ويا أخت حياتي في الغروب ".
............
نُشرت في مجلة ( العراقية ) مجلة شبكة الاعلام العراقي العدد (9) في حزيران 2006.



#يعقوب_زامل_الربيعي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نص رسالة الروائي عبدالستار ناصر لي...
- الحقيقة بين الواقع والمحتمل المتوقع..
- لستَ نديم المحفل ...
- وداع رائحة...
- حاول إذا !...
- البعد التاسع..
- طقوس ما بعد الوحشة! قصة قصيرة
- عمى الغزارة...
- ليكن البحر أنتَ...
- مبحث في تاريخ السلطة الرابعة...
- سفرٌ لرؤيا أخرى..
- زائر احتراق المراحل !..
- أنتظريني بِرِيق الحضن...
- - لمحات من تاريخ صناعة الحرف في العراق - الحلقة الثانية
- لقصوى الغاية...
- لمحات من تاريخ صناعة الحرف في العراق
- شيطان قصيدته !..
- ما يكفي لشغاف اللثمِ..
- في وداعك أنسي الحاج..
- عن النص والمنزلق اللزج.


المزيد.....




- رولا غانم: الكتابة عن فلسطين ليست استدعاء للذاكرة بل هي وجود ...
- -ثقافة أبوظبي- تطلق مبادرة لإنشاء مكتبة عربية رقمية
- -الكشاف: أو نحن والفلسفة- كتاب جديد لسري نسيبة
- -هنا رُفات من كتب اسمه بماء- .. تجليات المرض في الأدب الغربي ...
- اتحاد أدباء العراق يستذكر ويحتفي بعالم اللغة مهدي المخزومي
- -ما تَبقّى- .. معرض فردي للفنان عادل عابدين
- فنانون إسبان يخلّدون شهداء غزة الأطفال بقراءة أسمائهم في مدر ...
- فنانون إسبان يخلّدون شهداء أطفال غزة بقراءة أسمائهم في مدريد ...
- الفنان وائل شوقي : التاريخ كمساحة للتأويل
- الممثلة الأميركية اليهودية هانا أينبيندر تفوز بجائزة -إيمي- ...


المزيد.....

- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يعقوب زامل الربيعي - بابلو نيرودا.. قد عشت حقاً !