أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود الخطيب - فضاء لطيور الموت - قصّة واقعيّة بحلقات (8)*














المزيد.....

فضاء لطيور الموت - قصّة واقعيّة بحلقات (8)*


محمود الخطيب

الحوار المتمدن-العدد: 5443 - 2017 / 2 / 25 - 21:51
المحور: الادب والفن
    


(8)

1982/8/21.
يوم رحيل الدفعة ألأولى.
يوم نحس، صامت، كئيب، مكفهرّ.
يوم انبرى عن قافلة الزمان ليكون ثالوث يومين، مثله بالشؤم، في حقبتين من قبل: 1948 و1970. وثلاثتهم وقعوا في زماني.
في الساعة الخامسة من صباح ذلك اليوم، رست في مرفأ بيروت سفينة الإنزال الفرنسية "لاديف" وعلى متنها 350 جندياً فرنسياً هم طليعة القوّة متعددة الجنسية.
قالوا إن نقطة التجمع ستكون الملعب البلدي في الطريق الجديدة ،حيث بدأ المغادرون بالتوافد منذ الصباح. بعضهم جاء في سيارات، والبعض الآخر سيراً على الأقدام.
خرجت من بيتي ومشيت مع المشاة: وجوه واجمة، مثقلة بالحزن والغضب. رجال ونساء؛ أولاد وبنات؛ صغار وكبار؛ فرادى بالسلاح بلا مودّعين؛ ومودّعون يرافقون أفراداً يتنكبون السلاح. على بعض الشرفات العالية، وقف أصحابها ليلقوا النظرات ويلوّحوا للفدائيين الراحلين بتحية الوداع. وعلى جوانب الشوارع وقف آلاف الناس للغرض نفسه.
كنت بمفردي، أخطو مع خطى السائرين، وصامتاً صمت الحائر ومستكينا كمن انتُزع عنه درعه: خسرنا المعركة! وتحققت جملة جورج شولتس الشهيرة "وداعاً م. ت. ف."
بحساب النِسَب المئوية، حققت القوات الغازية 25% من شروط شارون، هي "المغادرة"، وأفشل الفدائيون أل 75% الباقية: لم يستسلموا، لم يلقوا السلاح، لم يرفعوا الرايات البيض، بل رحلوا بسلاح مذخّر جاهز للإستخدام. ومع أن هذا الأمر حقق لنا نجاحاً معنويّاً غطى على خسارة معركة بيروت، إلاّ أنه نجاح مؤقت لا يلبث أن يخبو مع السنين ويتلاشى وتبقى الحقيقة المرّة: خسرنا. وها هم رجالنا يرحلون الى متاهات في المنافي البعيدة. فكيف، ومن أين، سوف ننطلق، مجدداً، الى تحرير فلسطين يا تُرى؟ من بنزرت؟! أم من أُمّ درمان؟! أم من باب المندب؟!
في الملعب البلدي تجمّع المودعون، وانحشر المغادرون في شاحنات للجيش اللبناني. ولمّا اكتمل العدد (397 مقاتلاً)، انطلقت الشاحنات وسط آلاف المودعين الذين نثروا عليهم الأرز والورود وحيّوهم بإطلاق نار غزير في الهواء، وأنا بقيتُ ألوّح لهم بيدي إلى أن غابوا عن نظري، ثمّ قفلت عائداً الى الفاكهاني.
في طريقي، قرأت على جدار جامعة بيروت العربية، بخط كبير مرشوش من علبة دهان أسود، وممطوط بشكل متعرّج غير متقن: "فتح مرّت من هنا"، فهززت رأسي، وأعدّتُ في صمتي "... مرّت... من هنا!"
* * *
أبحرت الدفعة الأولى بعد الظهر على متن الباخرة القبرصية "سول جورجيوس" الى قبرص، ومن هناك توزع المقاتلون على العراق والأردن، عملاً بالإتفاق الذي توصّل اليه المبعوث الأميركي، فيليب حبيب، مع القيادة الفلسطينية والحكومة اللبنانية واسرائيل.
وتوالت الدفعات على مدى الأيام العشرة اللاحقة الى تونس واليمنين، الشمالي والجنوبي، وطرطوس (سوريا) والسودان. وبلغ مجموع المغادرين على متن السفن 8569 مقاتلاً.
وقبل رحيل الدفعة الأخيرة (1982/8/31) بيوم، غادر أبو عمار مرفأ بيروت الى اليونان بوداع شعبي ورسمي شارك فيه رئيس الوزراء اللبناني، شفيق الوزّان، وممثل رئيس الجمهورية، الوزير رينيه معوّض، والمفتي حسن خالد، وعدد من الوزراء، بالإضافة الى قادة الحركة الوطنية اللبنانية.
وبخروج المقاتلين والقيادة الفلسطينية من بيروت، فقد الفلسطينيون، في لبنان عموماً، عنصر الحماية الذاتي، وأُسدل الستار على ما كان يوصف، في حينه، ب"جمهورية الفاكهاني".
________________________
* التواريخ والأرقام تمّ اعتمادها من "لبنان1982: يوميات الغزو الإسرائيلي، وثائق وصور"، المركز العربي للمعلومات، توزيع دار الأندلس، بيروت، لبنان، 1982.



#محمود_الخطيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فضاء لطيور الموْت - قصّة واقعيّة بحلقات (7)*
- فضاء لطيور الموْت - قصّة واقعيّة بحلقات (6)*
- فضاء لطيور الموْت - قصّة واقعيّة (5)*
- فضاء لطيور الموْت - قصّة واقعيّة بحلقات (4)
- فضاء لطيور الموت - قصّة واقعيّة بحلقات (3)
- فضاء لطيور الموْت - قصّة واقعيّة بحلقات (2)
- فضاء لطيور الموْت - قصّة واقعية بحلقات (1)
- في حالة ما
- النكبة 68
- على شُرفة حلم
- يوم الأرض (حكاية فلسطينيّة)
- الضحيّة
- ... ليس كأيّ صيف (أقصوصة)
- من ذاكرة الحرب (أقصوصة)
- حزن طويل الأجل (أقصوصة)
- في الطريق الى جانيس (قصة قصسرة)
- ليلة -محور المتحف-
- الرهان
- يا وطني هل أنت بلاد الأعداء؟


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود الخطيب - فضاء لطيور الموت - قصّة واقعيّة بحلقات (8)*