أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود الخطيب - فضاء لطيور الموْت - قصّة واقعيّة بحلقات (7)*















المزيد.....

فضاء لطيور الموْت - قصّة واقعيّة بحلقات (7)*


محمود الخطيب

الحوار المتمدن-العدد: 5437 - 2017 / 2 / 19 - 12:25
المحور: الادب والفن
    


(7)
من سكني المؤقت الى مقرّ الصحيفة المؤقت صارت المسافة أقلّ من نصف ما هي عليه فيما لو بقيت في الفاكهاني. وصار المشوار بالسيارة، لا سيّما في قلّة حركة المرور التي أملتها ظروف الحرب، لا يستغرق أكثر من ثلاث دقائق: من مطعم ال"ماندرين" الى نزلة "كراكاس" وأكون في "الحمرا".
صرت، كعادتي، أتردد على المكان حتى في ظرف التوقّف القسري عن العمل. وأتاح الهدوء لعدد من العاملين أن يتوافدوا في مجموعات قليلة العدد، من إثنين أو ثلاثة أفراد، للإطلاع على مستجدات الوضع، باعتبارنا مصدراً على تواصل مع مركز القرار. وكان بين هؤلاء عدد وافر من المثقفين العراقيين الأعضاء في الحزب الشيوعي العراقي (كتّاب وشعراء وصحفّيون) الذين فرّوا من ملاحقة نظام البعث العراقي ولجأوا الينا، ففتحنا لهم أبواب مؤسساتنا وتعهدناهم بما يستحقون من واجب الأخوّة وحسن الضيافة. كما لاحظت، على غير العادة، تردّد بعض مثقفينا من روّاد المقاهي قبل الحرب على مقرّنا، بعد أن تسببت الحرب في حرمانهم من قعدات الأرصفة والتثاؤب طول النهار!
وكان من ضمن الأحاديث المتبادلة اهتمام لدى الغالبية بكيفيّة الحصول على هويّات لبنانية مزوّرة، أو جوازات سفر عربية مزورة، تتيح لحاملها الفرار من بيروت الغربية الى أي مكان آخر خارجها. وكان الإسم المتداول لتحقيق مآربهم هو "أبو وليد العراقي" صاحب مكتب التزوير في الطريق الجديدة الذي كان يلجأ إليه كل من احتاج الى شهادة دراسية مزورة، أو جواز سفر مزور. غير أن الشخص المذكور أغلق المكتب منذ أطبق الحصار واشتعلت الحرب وانقطعت أخباره.
ومن خلال المتوافدين شاع خبر عودتي، فهنّاني الأصدقاء، واغتاظ من سماعه الشامتون الذين يناصبونني جفاء غير معلن بسبب مواقفي من قدراتهم المهنية وتسيّبهم "النضالي"، فيلقون، في سياق كلمات الحرص الكاذب، عثرة خبيثة تتدحرج مثل كرة تعترض قدميّ على غير توقّع، كأن يقول لي أحد الماركسيين اللينيين منهم: "يا رجل، نحن نسعى بأي سبيل الى الخلاص من جهنّم هذه، وأنت تدخل إليها؟!" فيصبح لا مناص لي من احتسابها ضربة جزاء واقتحام مربّعه لتسديدها الى مرماه: "هو ذلك يا رفيق. فكما ترى، أنا لستُ أنت." وقد عقّب الكاتب العراقي عدنان حسين على هذا بقوله لي فيما بعد: "أنت الفلسطيني الوحيد الذي اخترق الحصار لكي يحاصر!"
* * *
دام وقف إطلاق النار الثامن تسعة أيام سمحت للتاس بالتحرك باطمئنان مشوب بالقلق. وفي اليوم العاشر (1982/7/21) تفجّر الوضع مجدداًعلى المحاور كافة, وعلى مدى ثمانية أيام من القتال الشرس كان الطيران الإسرائيلي يغير بكثافة، والبوارج الحربية والمدفعية الثقيلة تقصف احياء بيروت الغربية بلا هوادة. في 1982/7/29 أُعلن عن اتفاق وقف النار التاسع الذي انهار في ،اليوم التالي (1982/7/30), غير أن المبعوث الأميركي، حبيب استطاع تهدئة الوضع لمدة يومين فقط.
في الأول من آب (أغسطس) شنّت القوات الإسرائيلية هجوماً على مطار بيروت استغرق 15 ساعة من القصف البري والبحري والجوي، وتمكنت من احتلاله. وقد بلغ مجموع القذائف التي أطلقت في الهجوم، حسب تقديرات القوات المشتركة، حوالي 185 ألف قذيفة، أي بمعدل ثلاث قذائف في الثانية. وعلى أثر هذا التطور، عقد مجلس الأمن الدولي، بطلب من لبنان، جلسة طارئة أصدر خلالها القرار الرقم 516 الذي يطالب بوقف اطلاق النار وأرسال قوات دولية الى بيروت فوراً لمراقبة الوضع.
غير أن الوقف (العاشر) سرعان ما انهار فجْر الرابع من آب (أغسطس) بهجوم اسرائيلي شامل على ستة محاور هي: الأوزاعي، المطار، حي السلّم - الليلكي، غاليري سمعان، المتحف، المرفأ، تدعمه الطائرات وقصف بحري عنيف للتغطية على عمليّة إنزال وُئدت في مهدها.
وتضاربت تقارير اليوم الأول للهجوم بتضارب مصادرها. تقاريرنا أفادت بتكبيد قوات العدو "21 دبابة، و18 ناقلة جنود مدرعة، و3 كاسحات ألغام، وإصابة 100 جندي اسرائيلي بين قتيل وجريح. أما التقارير الإسرائيلية، فاعترفت بوقوع 64 إصابة، وبفشل القوات المهاجمة في اختراق خطوطنا، باستناء إحراز تقدم الى ثكنة هنري شهاب.
وإزاء تدهور الوضع على نحو غير مسبوق، أعلن أبو عمّار التعبئة العامّة في أوساط الفلسطينيين. ودعا، في كلمة وجهها الى مقاتلي القوات المشتركة، كلّ قادر على حمل السلاح الى "واجب الجهاد والقتال حتى النصر". وفي اليوم التالي (1982/8/5)، صرّح صلاح خلف (أبو إياد) بأن المقاومة الفلسطينية "غير متعنّتة بالحل السياسي، وأن قرار خروجها من بيروت ليس (ناجماً) عن جبن أو خوف"، وكانت هذه أول اشارة الى موافقة القيادة الفلسطينية على المغادرة. وتأكدت هذه الموافقة بأن قام العميد الركن نبيل قريطم، رئيس الجانب اللبناني في اللجنة العسكرية اللبنانية - الفلسطينية المشتركة، بنقل مسودة النص المكتوب للجدول الزمني الذي تقترحه منظمة التحريرالفلسطينية لمغادرة المقاتلين، وتسليمه الى المبعوث الأميركي حبيب. وقد عقّب رئيس الوزراء اللبناني، شفيق الوزان، على ذلك بقوله إنه حصل على الردّ الفلسطيني هذا يوم أمس الأول (1982/8/3) أي قبل .شن الهجوم الإسرائيلي الشامل.
وخلال الأيام التالية، أجريت تعديلات طفيفة على الجدول الزمني بما يتلاءم مع توفّر وسائل النقل (البواخر) وعدد المغادرين وتوزيعهم على دفعات، على أن تبحر الدفعة الأولى في نفس اليوم الذي تدخل فيه طليعة القوات متعددة الجنسية (القوة الفرنسية). كما تمّ اتفاق مع الحكومة اللبنانية على بقاء مؤسستين مدنيتين من مؤسسات م. ت. ف. في بيروت، هما: مستشفى الهلال الأحمر الفلسطيني، الذي كان يقدم خدمات طبية ومعالجة الفلسطينيين واللبنانيين على السواء، ومركز الأبحاث الفلسطيني، الكائن في شارع كولومباني (راس بيروت)، باعتباره مؤسسة بحثية ودار نشر.
وعلى الرغم من الإتفاق، استمر العدوان الإسرائيلي على بيروت الغربية والضاحية الحنوبية بالغارات الجوية والأسلحة كافة حتى "نهاية يوم 1982/8/12. وكانت أبرزها غارة جوية قصفت "بناية عكر" في منطقة الصنائع بقنبلة فراغية فطُوِيَت طوابقها فوق بعضها البعض كأنها بناية من كرتون وسُوِّيَت بالأرض، وأدّت الى سقوط 250 قتيلاً وجريحاً. وقد وردنا، في أعقابها، أن الطيران الإسرائيلي كان يستهدف النيل من "أبو عمّار" الذي تواجد في البناية ذاتها، لكنه غادرها قبل لحظات فقط من عملية القصف.
في 1982/8/13 توقف القتال، وهدأ الوضع، وسمعنا أن طريق خلدة أصبح سالكاً لمرور السيارات عبر الحاجز الإسرائيلي، من، وإلى، الجنوب والجبل. وبدأت عملية تسجيل أسماء المغادرين. وجاءت تعليمات صارمة بأن على كل مغادر، حتى لو كان مدنياً، أن لا يصعد سلّم الباخرة إلاّ بملابس الميدان وفي يده سلاح مذخّر، على أن يُجمع لاحقاً ويسلّم الى البلد المضيف. أمّا السلاح الثقيل، فقد ارتأت القيادة إهداءه الى الجيش اللبناني، كي لا يقع في قبضةالجيش الإسرائيلي.
سألني أحمد عبدالرحمن إن كنت أنوي السفر معهم الى تونس أم أبقى في لبنان. قلت له:
- ولماذا ألجأ مرّة أخرى؟ فأنا مواطن هذا البلد وأستطيع البقاء فيه.
قال:
- توقعت ذلك، ولكن من واجبي أن أسأل. فماذا ستفعل؟
- لا يزال الوقت مبكراً لذلك. سوف أفكر في ما سأفعله بعد رحيلكم، وسأتدبر أمري. رافقتكم السلامة.
وعصر ذلك اليوم، حزمت حقيبتي مجدداً، وتركت شقة الرملة البيضاء عائداً الى شقّة الفاكهاني.
_______________________
*التواريخ والأرقام والوقائع الحربية تمّ اعتمادها من "لبنان 1982: يوميات الغزو الإسرائيلي، وثائق وصور"، المركز العربي للمعلومات،توزيع دار الأندلس، بيروت، لبنان، 1982.

(يتبع)



#محمود_الخطيب (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فضاء لطيور الموْت - قصّة واقعيّة بحلقات (6)*
- فضاء لطيور الموْت - قصّة واقعيّة (5)*
- فضاء لطيور الموْت - قصّة واقعيّة بحلقات (4)
- فضاء لطيور الموت - قصّة واقعيّة بحلقات (3)
- فضاء لطيور الموْت - قصّة واقعيّة بحلقات (2)
- فضاء لطيور الموْت - قصّة واقعية بحلقات (1)
- في حالة ما
- النكبة 68
- على شُرفة حلم
- يوم الأرض (حكاية فلسطينيّة)
- الضحيّة
- ... ليس كأيّ صيف (أقصوصة)
- من ذاكرة الحرب (أقصوصة)
- حزن طويل الأجل (أقصوصة)
- في الطريق الى جانيس (قصة قصسرة)
- ليلة -محور المتحف-
- الرهان
- يا وطني هل أنت بلاد الأعداء؟


المزيد.....




- بيت المدى يستذكر -راهب المسرح- منذر حلمي
- وزير خارجية إيران: من الواضح أن الرئيس الأمريكي هو من يقود ه ...
- غزة تودع الفنان والناشط محمود خميس شراب بعدما رسم البسمة وسط ...
- شاهد.. بطل في الفنون القتالية المختلطة يتدرب في فرن لأكثر من ...
- فيلم -ريستارت-.. رؤية طبقية عن الهلع من الفقراء
- حين يتحول التاريخ إلى دراما قومية.. كيف تصور السينما الصراع ...
- طهران تحت النار: كيف تحولت المساحات الرقمية إلى ملاجئ لشباب ...
- يونس عتبان.. الاستعانة بالتخيل المستقبلي علاج وتمرين صحي للف ...
- في رحاب قلعة أربيل.. قصة 73 عاما من حفظ الأصالة الموسيقية في ...
- -فيلة صغيرة في بيت كبير- لنور أبو فرّاج: تصنيف خادع لنص جميل ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود الخطيب - فضاء لطيور الموْت - قصّة واقعيّة بحلقات (7)*