أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعد الله مزرعاني - العهر السياسي















المزيد.....

العهر السياسي


سعد الله مزرعاني

الحوار المتمدن-العدد: 5415 - 2017 / 1 / 28 - 04:26
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



لا إسم لما يجري تداوله من خبريات وممارسته من مناورات وتجاذبات، بشأن كل موضوع الانتخابات النيابية والقانون الذي سيحكمها، في أواخر الربيع القادم، سوى العهر السياسي. ربما تستطيع هذه الكلمة التي تحمل معاني الفجور والبلطجة وعدم التقيد بالقيم والأصول والقوانين، فضلاً عن الخداع والكذب والتشبيح... ربما تستطيع أن تفي معظم المسؤولين «حقوقهم» في توصيف المهمة غير المقدسة وغير الوطنية... التي يواصلون الاضطلاع بها، مجدداً، للتحكم بموارد البلاد ومصائر العباد... تماماً كما كان يحصل منذ الاستقلال حتى اليوم.

يبدأ مسار العُهر المشار إليه من الادعاء بأن ما يوجه مواقف القوى، المتنازعة بضراوة منقطعة النظير الآن حول الإنتخابات النيابية، إنما هو القانون والدستور ومبادئ صحة التمثيل وتوسيع المشاركة، وأهداف تعزيز الوحدة الوطنية والاستقرار والعدالة. لهذا إنهالت علينا وعود وعهود بتطبيق الدستور «كاملاً ودون تجزئة»: منذ خطاب القسم إلى البيان الوزاري إلى عشرات التصريحات والتلميحات والتهديدات! لكن الممارسة الفعلية تقود إلى ما هو عكس ذلك بشكل لا لبس فيه. ليس ذلك فقط، بل أن كثيرين لا يترددون في ليّ عنق الدستور والقانون عبر تجاهل مقصود وتفسير فئوي، مشوَّه ومغرض، لمواده بحيث يصبح، المزعوم دستوراً أو قانوناً، نقيضاً لما ورد في نصوص الدستور وفي القوانين، من مبادئ وأحكام ومحتوى. لا يبدأ النقاش، الذي يدور في حلقة مفرغة منذ عشرات السنوات، حول كيف يمكن احترام ومن ثم تطبيق المواد الدستورية ذات الصلة، بل من التنكر المتواصل لهذه المواد: تارةً بالتجاهل وطوراً بالتشويه... جوهر النص الدستوري بشأن قانون الانتخاب هو أن «إلغاء الطائفية السياسية هدف وطني أساسي يقتضي العمل على تحقيقه وفق خطة مرحلية» (مقدمة الدستور – الفقرة ز). ويضع الدستور لهذا المبدأ العام الذي استخلصه «إتفاق الطائف» لعام 1989، بعد حرب أهلية مديدة ودامية ومدمِّرة، آلية واضحة في صيغ ومهل حاسمة في المواد: 22 و24 و95 منه. كان ينبغي المباشرة بذلك مع تشكيل أول مجلس نيابي على أساس المناصفة (تدبير مؤقت)، أي من العام 1992. في مسار تحقيق هدف «إلغاء الطائفية السياسية» كان ينبغي تشكيل «هيئة وطنية برئاسة رئيس الجمهورية» (المادة 95). كذلك «إلغاء قاعدة التمثيل الطائفي واعتماد الاختصاص والكفاءة في الوظائف العامة والقضاء والمؤسسات العسكرية والأمنية والمؤسسات العامة والمختصة... باستثناء الفئة الأولى (المادة 95)». ويقع، في هذا السياق أيضاً، استحداث «مجلس شيوخ» (بالتزامن مع انتخاب مجلس نيابي خارج القيد الطائفي) يمثل جميع العائلات الروحية (تمثيل طائفي) «وتنحصر صلاحياته في القضايا المصيرية» (المادة 22).
خلافاً للبنود والنصوص والإجراءات الواضحة والحاسمة المتكررة في أكثر من بند ومادة دستورية، فقد استشرى العهر السياسي حتى «غاصت الركب»: أصبحت «المناصفة» مطلباً أو شعاراً أزلياً، عوض عن أن تكون تدبيراً مؤقتاً. التقاسم والتحاصص، طائفياً ومذهبياً، لم يستثنيا إدارة أو قطاعاً أو، حتى، نقابة أو رابطة... إلا وبلغاها. الذريعة الدائمة هي تأمين «التوازن الوطني» و«الميثاقية». والشعار الأخير كان شعار العهد الذي به جاء ومن أجله يستمر. ذلك يعني، أن «الهدف الوطني الأساسي» الذي شدَّد عليه الدستور في مقدمته ووضع له آليات ومواقيت، قد إنقلب إلى نقيضه. والنقيض، طبعاً، هو تجسيد وتكريس وتعميم الطائفية والمحاصصة في كل ميادين الحركة والنشاط والانتفاع والعلاقات...
من قبيل العهر السياسي، أيضاً، أن يجري، تحت ستار كثيف من دخان البروباغندا والمناورات، إخفاء بعض ما أُبرم من تفاهمات وصفقات وتسويات. وهذه الأخيرة كانت شرطاً للطبخة الرئاسية أو جزءاً منها. من ذلك، أن ما يطلقه فريق العهد، وآخرون، من هجاء مرير ضد «قانون الستين»، قد قالوا نقيضه، بشأن القانون نفسه، في انتخابات عام 2009. جُلّ ما في الأمر، أن المبدأ المعتمد، حالياً، هو: خذ وطالب. يصبح المطلوب، الآن، قانون الستين، ولكن معدلاً لجهة نقل بعض المقاعد المسيحية إلى أقضية مجاورة بحيث يزداد عدد الذين من أجلهم كان «القانون الأرثوذكسي» الذي فحواه إنتخاب كل طائفة لممثليها... التهديد، في مجرى ذلك، يتم عبر التلويح بالقانون النسبي وفق صيغة طائفية مباشرة أو عبر صيغ مبتورة ومشوهة ما أنزل الله بها من سلطان! المضحك المبكي، في هذا الصدد، أن القانون الأرثوذكسي لا يسري على بعض الموارنة! فزغرتا، مثلاً، وبسبب المنافسة التي بلورها التحالف «المقدس» الجديد بين «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية»، مصنّفة في عداد المناطق «حيث لا ينتخب المسيحيون ممثليهم»! أما صيغ «المختلط» بين النسبي والأكثري فهي محاولة خلط بخلط على عينك يا مواطن... وبعضها وقح في استهدافاته الفئوية والطائفية.
ليس من الصعب الاستنتاج والجزم بأن ما يثار الآن من عظيم السجال والتهديدات والمناورات، إنما هو في صلب ما كان قائماً ولا يزال: تقاتل مرير على الحصص على حساب حق اللبنانيين في الاختيار، وحق أجيالهم الجديدة في المشاركة، وحق تياراتهم المدنية والتغييرية بالحضور والتأثير: ولو بشكل خافت وضعيف ومهمَّش. يحصل ذلك الآن وسط إيهام أكثرية اللبنانيين بأن عجلة الدولة قد عادت إلى الدوران وأن الوضع سيكون أفضل. أما شرط ذلك فتجديد الولاء والبيعة لذوي السلطة والتسلط والمحاصصة. وهذه العملية تتطلب تكريس وتعزيز سياق سياسي قائم على العصبيات العمياء، الطائفية والمذهبية. وهو سياق مشوَّه وشاذ كان النظام اللبناني فيه رائداً وقدوة! طبعاً، هذا السياق على صلة رحم وثيقة بمنظومة تبعية للخارج بحثاً عن دعم لتثبيت التوازنات الداخلية أو لتعديلها: بكل ما يعني ذلك من إبقاء الوحدة الوطنية في حالة وهن وهشاشة، والاستقرار في حالة اضطراب وقلق، والسيادة في حالة انتقاص وتجاذب (بين محاور الصراع الإقليمي)، وحقوق المواطن ودوره ومشاركته في حالة تغييب وتهميش... ولقد أدى ذلك وسواه إلى أن يبقى لبنان، ككل، وليس بعض أبنائه فحسب، وطناً معلقاً على قارعة الفئويات الداخلية والنزاعات الإقليمية: أي أن يبقى وطناً قيد الدرس!
يستخدم المحاصصون القدماء والجدد كل قدراتهم ومناورتهم، كما يواصلون تسخير موارد وإمكانيات الدولة، من أجل تضليل المواطنين. يستغلون ضعف وتشتت قوى التغيير. ليست قوى التغيير القديمة والجديدة، الحزبية والمدنية، قادرة، الآن، على أن تكون طرفاً مؤثراً في السجال حول طبيعة قانون الانتخاب. عليها أن تتوحد، في هذه المرحلة، حول شعار واحد: تشكيل هيئة وطنية كفوءة ونزيهة ومحايدة لوضع مشروع قانون انتخاب جديد. ولا ينبغي أن تستلهم هذه الهيئة سوى النص الدستوري ذي الصلة، وكذلك تجارب بلدان مشابهة لجهة تداخل القديم والحديث والسياسي والإجتماعي (مراعاةً لبعض الهواجس وليس لبعض مصالح أكلة الجبنة). ليس بغير ذلك، يمكن إطلاق مسار تغييري يبدأ بنزع الشرعية الشعبية، تدريجياً، عن المتحاصصين، على أمل منعهم من دفع لبنان واللبنانيين إلى الهاوية مرة جديدة.
للأسف، لم تعد المسألة ذات الأولوية، الآن، هي مسألة صحة التمثيل بمعناها التقني خصوصاً. الأولوية باتت لصحة وسلامة العلاقات الداخلية: من احترام الدستور ومسألة تجدد خطر التوتر الأهلي، إلى المساواة بين المواطنين وعدم التعامل معهم على أنهم مجرّد قطيع!



#سعد_الله_مزرعاني (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لولا فسحةُ... العمل
- تجذير المواجهة وتحسين شروطنا
- هل بدأ الإصلاح؟ ليس بهذه العدَّة!
- انتخاب عون مجدّداً: مكرَهٌ أخوك لا بطل
- الأزمة السورية بين موسكو وواشنطن
- أردوغان ليس وحيداً
- الجهد السوري لا يعوّض
- اتفاق واشنطن وموسكو
- الفرسان الثلاثة... جورج ورضوان وكمال
- سياسة واشنطن في التوريط والاستنزاف
- أبعد من خطر غولن سقوط المشروع التركي الإقليمي
- عجز السلطة وفشلها ماذا عن البديل؟
- إنقلابا تركيا!
- ضياع الاستقلال اضمحلال الدولة
- خطأ الأولويات: السعودية نموذجاً
- التبعية وثقافة التبعية
- غلطة الشاطر الروسي
- من الدويلات إلى العصابات!
- أيَّار النكبة ونوَّار التحرير
- نادي «حليف الحليف»


المزيد.....




- بكلمات -نابية-.. ترامب ينتقد إسرائيل وإيران بشكل لاذع أمام ا ...
- قمة حلف الأطلسي: نحو زيادة تاريخية في ميزانية الإنفاق الدفاع ...
- من هو نورمان فوستر الذي سيتولى تصميم نصب تذكاري للملكة إليزا ...
- قطر تستدعي سفير طهران بعد الهجوم الإيراني على قاعدة العديد
- قبل ساعات من الهدنة.. إسرائيل تشن غارات عنيفة على أهداف في ط ...
- ما هي جماعة -سرايا أنصار السنة- التي تبنت تفجير كنيسة مار إل ...
- إسرائيل تقول إنها -امتنعت- عن ضرب إيران بعد مباحثات مع ترامب ...
- ميرتس يأمل في التوصل إلى اتفاق في النزاع الجمركي مع واشنطن
- بعد إعلان وقف إطلاق النار.. ما الجديد في إسرائيل؟
- اجتماع حاسم لحلف الناتو.. الدول الأعضاء تتجه نحو زيادة نفقات ...


المزيد.....

- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعد الله مزرعاني - العهر السياسي