أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فائز الكنعان - من مذكراتي ، طبقة البيض والكرامة التي ضاعت مع التأميم















المزيد.....

من مذكراتي ، طبقة البيض والكرامة التي ضاعت مع التأميم


فائز الكنعان

الحوار المتمدن-العدد: 5408 - 2017 / 1 / 21 - 02:59
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


من مذكراتي

طبقة البيض والكرامة التي ضاعت مع التأميم

والقضية المركزية التي لم تتغير حتى بضياع العراق

عقد السبعينات كان بحق عقد الازمات المفتعلة ، ازمات السكائر ،الأقمشة النسائية ،الملابس الداخلية ،المواد الكهربائية ومواد البناء ولكن أزمة البيض كانت بحق من اطول الازمات و حديث الناس اليومي وخاصة في جلسات السمر على قواطي النيدو المفعوصة ورائحة التراب التشريني الندي ، كوكا كولا وجيكاير بغداد وحب عباد الشمس والحديث عن مغامرات الحصول على طبقة بيض او دجاجة مصلحة.

كان البعث ، حزب الطليعة العربية المناضل و من خلف الكواليس يصفي حساباته مع رفاق الأمس لإرساء حكم العشيرة .
خلق أزمات المواد كانت طريقة ناجحة لقيادة القطيع ونشر ثقافة القطيع .
معظم الأزمات كانت موسمية الا ازمة البيض كانت دائمية و استمرت لأكثر من عشر سنين .
كان منظر الجموع وهي متراكمة ومتدافعة على فتحة او ثقب دكان صغير شئ مالوف ويومي ، نسوة ، زلم ، صبيان وبنات، اطباء و مهندسين وكل قوى الشعب العاملة والغير عاملة و من مختلف الأعمار والألوان والاعراق يتدافعون من اجل الحصول على طبقة بيض.
انها بحق لحمة وطنية!

كان الاصعب من الحصول على طبقة البيض هو الخروج سالما من الحشد المتراكم والمندفع ، عليك ان تسبح ضد التيار ،راجعا الى الخلف و الجمع يدفعك باتجاه الفتحة اللزجة وانت ترفع نصف طبقة بيض الى الأعلى بيدك اليمنى وباليد اليسرى تحاول تفريق الجمع من خلفك او تحاول ان تضعها على خلفيتك لحمايتها من أصابع الحشد لتحمي عرضك ، الشعور بالنصر والزهو بحصولك على البيض تنسيك مداسك وبجامتك وقميصك في هذا العناق البشري الممتع المؤلم النتن.

منظر الباحة المقابلة للدكان بعد انتهاء غزوة البيض اسطوري ، حيث بقايا البيض المكسور على الأرض والكارتونات الفارغة المبعثرة ورائحة البيض المخفوق بالتراب وفردات النعل والشحاطات المتبقية وكأنها عتبه مسجد يماني ، بقايا النعالات المتقطعة على رؤؤس الحشد من جراء المشادات والمصارعات الحرة ، بقايا قمصان النوم المتهرئة ، ملابس داخلية وزرارات مقطعه ونص ردن بجامة بازة ملطخة بالدم والطين والعرق التموزي.


اذكر ذلك الظهيرة التموزية حيث وصلت الاخبار ان كارتونات البيض قد وصلت دكان ابو باسل ، دكان فتحته لاتتجاوز المتر ونص ، نائب ضابط متقاعد ولديه عاهة مميزه في اصبعه الأيمن الوسط حيث لا يستطيع طويه و ممدود دائما ، كانت ومازالت ذكرى اصبع ابو باسل الوسط المنتصب تجلب الضحك الهستيري.

كانت اول مشاكل ابو باسل هو صعوبة ادخال كارتونات البيض داخل الدكان بوجود الحشد المتراكم و المتدافع من البشر حول مدخل الدكان الضيق رغم الاشراف على العملية من الرفاق من الحزب الزيتوني واحيانا كثيرا لا تنجح المحاولة فيقفل ابو باسل دكانه ويدردم مختفيا في الدربونه الترابية.

المشكلة الأخرى كيف يحدد ابو باسل من يستحق طبقة البيض حيث من المفروض ان لا يشمل التوزيع الا سكان المنطقة وكالعادة اكثر المتجمعين من الغرباء ومن جماعة ام ستوري والكل تصرخ وتتوسل وتعاتب وتسمع هذه العبارات التالية
فدوة ابو باسل اني قبل
اني صارلي ساعتين او جدر التمن عل النار
الجهال وحدهم والله صارلنا شهر مماكلين بيض
ليش هيج ابو باسل هاي تاليتها
عيني إحنا وحد
والرجل يتعذر بإصبعه الذي يغري الكثير من المترهلات.

والاهم هو كيف تحافظ على عذريتك من الاصابع المكبوتة الممتلئة شهوة في هذا الجمع الزقاقي والفاعل عادة مجهول فالحشد متحرك و الاصابع قد تذهب الى الزبون الغلط وقد تكون سعيدة الحظ عجوز او أرملة او رجل طاعن في السن.

في ذلك اليوم كان الدكان مقفل على ابو باسل حيث تمكن من تمويه الحشد قبل ساعات ودخلت الكارتونات الدكان وقفل الكبنك لحين انهاء اجراءات تحضير نص الطبقة وانتظار وصول الرفاق للاشراف على العملية .

الإشاعات و كالعادة انتشرت بسرعة النار في الهشيم فزحفت الجموع من كل صوب وحدب للمشاركة في غزوة البيض، من كل انحاء الغدير و تتابط شرا بأبو باسل ومحاولاته اخفاءه البيض ، تسمع أصوات الرجال والنساء وأحاديث عن محاولات اصحاب الدكاكين سرقة قوت الشعب و حكايات عن صدام وهو يقف لهؤلاء المتلاعبين بالمرصاد و كيف ان صدام قد حذرهم من التلاعب بقوت الشعب !
النسوة تتحدث عن آخر وصفات البيض فتتعلم طريقة عمل الكيك الاسفنجي وانا أراقب بشغف كل شئ متحرك.

حينها لم اكن في الصف الأول من الجمع ، في الخلف اتدافع وادفع الى الخلف والى الامام بانتظام وسعاده.

اخيرا ارتفع باب الدكان وظهر وجه ابو باسل العبوس والمقتطب وكالعادة استهل الحدث بخطبة نارية عن الحضارة والديمقراطية والادب والالتزام وعدم التدافع والكل يسمع ويدفع الى ان وصلت الجموع ابو باسل واسكتته ، لم تعد هنالك جامخانات حيث أبدلت بمشبكات حديدية لتتحمل الشد والدفع .

بدا الصراخ والعويل والدفع والشد واللصق وكان منظر خروج اول طبقة بيض لا ينسى فالرجل الممتلئ والقصير القامة رفعته الجموع وهو يحاول الرجوع الى الخلف فطاف سابحا في الهواء، فقد فانيلته في هذا الطواف المقدس واثناء اجتيازه الاخير طار في الهواء ثانية وسقط على ظهره وهو نص عاري وطبقة البيض المكسور على راسه فاسقط غضبه نحوي وقال بعصبيه وجسده العاري والشعر المخفوق بالبيض
"ولك ضيعت الربع" ( ربع دينار ..وهو سعر نص طبقه)
فضاع ربع المسكين الذي بدا الجمع يلم له ما تبقى من البيض وملابسه وهو يندب حظه العاثر
واختفيت عن أنظاره القاسية بعد ان دفعني الحشد ثانية الى الداخل.

امرأة بتنورة قصيرة وبخلفية ممتلئة تحاول جاهدة ان ترفع من قامتها لكي يميزهها ابو باسل من خلف الرؤوس التي أينعت وحان قطافها فيظهر لنا ماكان خافي والعيون وأشياء أخرى تصعد وتنزل مع التنورة وأصبع ابو باسل بانتظار اللون الاحمر المخرمش .


هكذا كان حال العراقيين اللذين احتفلوا وفرحوا بالتاميم ، هزوا الأرداف والأكتاف وبالروح بالدم نفديك يا صدام ولم يسألوا وهم في عزة النشوة اين ذهبت أموال النفط والغازات الوطنية والمذيع يعدد لنا يوميا فؤائد التأميم والمليارات التي جنيناها والكرامة التي اهدرتها نص طبقة بيض بعد خروج الشركات الاحتكارية؟
هكذا كان الحال في عقد السبعينات فالبيض واللحم والدجاج ودهن الراعي وجيكاير السومر من السن الطويل والقصير واليوغسلافي وابو الخط الذهبي والاسود كانت الشغل الشاغل الى ان جاءت القادسية حيث اصبح الموت والشهادة ومدافع ميم طاء هو الشاغل ولكن بقت فلسطين هي قضيتهم المركزية حتى بعد ضياع نصف العراق.



#فائز_الكنعان (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الديمقراطية ليست طريق شرعي ل هيمنة الاكثرية
- اياد جمال الدين واصضراب الشخصية
- النظام الانتخابي في العراق وما هو الحل؟
- في الرد على رسالة اياد جمال الدين لدونالد ترمب
- التعليم والعنف .
- عام السقوط او اعوام طويلة من السقوط.
- قضية الفساد الاخيرة وكيف تم تسويقها في الاعلام العراقي.
- في الرد على سنان انطون ومصطلح السكان الاصليون.
- ماهي الروح وهل الخلود فكرة طوباوية ام حقيقة علمية ؟
- العلمانيه والشريعة
- من وحي دونالد ترامب
- متلازمة سنجار ، Shingar Syndrome
- متلازمة ستوكهولم وثقافة الموت .
- مقلب القمامة ومسلسل الكابوس
- كيف تحول العراق من دولة الى مجموعة ميليشيات ؟
- خطة طريق للغرب للخروج من المأزق العراقي الشرق أوسطي
- برمجة العقل حسب الحاجة
- مؤشرات التخلف العربي
- اوباما محبوب العرب
- بهدوء ماذا حصل في مصر


المزيد.....




- -كروم بوك-.. تحدي مخيف على -تيك توك- يثير الذعر في مدارس أمر ...
- استقبال أحمد الشرع يثير تفاعلا خلال أول زيارة رسمية إلى البح ...
- -هل يعترف دونالد ترامب بالدولة الفلسطينية؟-- جيروزاليم بوست ...
- ترويكا.. الحلقة الخامسة
- وزيرة الخارجية النسماوية السابقة: اقتراح موسكو استئناف المفا ...
- إسرائيل تستعيد رفات جندي قتل في لبنان خلال اجتياح العام 1982 ...
- جولة رابعة من المحادثات النووية بين واشنطن وطهران بمسقط وانق ...
- إعلام إسرائيلي: ترامب سمح لنتنياهو باستخدام سلاح التجويع بغز ...
- مجلة لانسيت: عدد شهداء غزة قد يكون أعلى بكثير من الأرقام الر ...
- نتنياهو يعلن استعادة رفات جندي في -عملية خاصة- بسوريا


المزيد.....

- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فائز الكنعان - من مذكراتي ، طبقة البيض والكرامة التي ضاعت مع التأميم