أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعادة أبو عراق - تقارب














المزيد.....

تقارب


سعادة أبو عراق

الحوار المتمدن-العدد: 5397 - 2017 / 1 / 9 - 15:45
المحور: الادب والفن
    


قصــــة للمســـــاء
تقــــــارب
هي الصدفة المحضة التي جعلت( السنجلاوي )كامل حسن وجها لوجه مع المستوطن ناثان، فناثان كان قادما بسيارته مسرعا من شيلّو، وكامل حسن كان خارجا من قطعة أرض لعائلته، التي يحاول المستوطنون ضمها إلى شيللو، كاد أن يتصادما في حادث مروع عند دخولهما على الطريق السلطاني، لولا تداركٌ يقظٌ، أنقذ المركبتين والسائقين من إصابات بليغة، توقف كل منهما في الشِبر الأخير، ونزلا من السيارة، يهنئ كل منهما الآخر على السلامة، أو يعتذر عن خطأ أفلت منه.
لم تكن المقابلة حارة من قبل الصحفي كامل حسن، وما كانت أيضا من قبل ناثان، بل كما تقتضي اللياقة المألوفة، لولا إمعانٌ من ناثان في النظر لقسمات وجه كامل، وهو يتذكر هذا الوجه المألوف، إذ سأله بلغة عربية هزيلة مخلوطة بالانكليزية، هل سبق وأن تقابلنا؟ لكن كاملاَ الذي اعتاد على هذه المواقف وهذا التساؤل ، قال له :
- أنا إعلامي ،أظهر كثيراً على شاشة التلفزيون.
هذا التعريف الذي دأب على تقديم نفسه به، حينما تختلط الذاكرة في مثل هذه المقابلات، لكنّ ناثان راح يتذكر تلك الندوة التي رآه فيها يتكلم بإنكليزية متقنة، في موضوع السلام، لا يتذكر ما قاله من كلمات وعبارات، إنما استمع منه إلى فكرة السلام الممكنة بين الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي، أعجبته وراقت له هذه الرؤية ، راح يقلبها، وينسج منها مشروعه الذي امعن في نفصيلاته، يداعب مخيلته كما لم تداعبه فكرة أخرى ، ويتمنى لو يناقش معه بما سمعه منه.
قال له بودّ وإعجاب .
- ألم تكن قبل أسبوع على شاشة التلفزيون؟
- نعم ، استضافتني قناة أجنبية.
- لقد كانت أفكارك رائعة ؟
- أشكرك على هذا الاهتمام.
- جعلتني أفكر بمفهوم السلام بين الشعبين اليهودي والفلسطيني
- شئ جميل أني أوصلت لك فكرتي، واستقرت بوجدانك، وجعلتك تفكر بها.
لم يكن الوقت والمكان مناسبين لإقامة حوار فكري أطول، فكلاهما على عجلة من أمره، تواعدا على لقاء يكون كلاهما مستعدا للمناقشة، ومضى كل إلى وجهته.
كان اللقاء مفاجئا كما هو الحادث الذي لم يقع مفاجئا، فناثان ما انفك يفكر بهذه المصادفة التي ينبغي استغلالها، فمنذ أن وطئت قدماه هذه الأرض قادما من جنوب إفريقيا، وهو يحمل في رأسه معضلة التمييز العنصري، التي أثقلت ضميره وجعلته يهرب من ذاك المجتمع الذي يكبل بعضه بعضا، جاء قبل أن يخرج مانديلا من سجنه، وقبل أن تصبح ضاحية سويتو مطلعا لشمس الحرية، ومغيبا لظلام العبودية والتفرقة العنصرية.
ناثان الذي يرى نفسه ليبرالياً تقدميا، يرفض مبدأ العنصرية من حيث أنه لا إنساني، لكنه كان عاجزا عن فك التشابكات الفكرية والعقائدية التي أفرزتها مفاهيم الاستعمار وقيم الاستعلاء التي يتيه بها الرجل الأبيض، التي تزدري فطرية المفاهيم وبدائية التفكير، وبراءة الإنسان البدائي، مما لا تجعل التفاهم ممكنا في هذا المجتمع المكون من لونين لا ثالث بينهما، لكنه لم يشهد التحول الذي قوض هذا النظام واجبره على قبول التعدد.
الفكرة ذاتها لم تبرح مخيلة كامل حسن، فهو مسرور إذ وجد من يتفهم فكرة السلام في هذا المجتمع الإسرائيلي المغلق النابذ للغير، وهذا في حد ذاته اختراق في جدار الفصل العنصري الذي يتمترس خلفه اليهود، لا بد أولا أن نستل منهم فكرة الشعب المختار، والتطابق غير المنطقي بين بني إسرائيل كقبيلة من القبائل العربية والدين اليهودي الذي يعتنقه سود وبيض وحمر صفر، فما كل يهودي هو من بني سرائيل، ولا هناك ما يشير أو يميز بني إسرائيل عن غيرهم من البشر، إنهم يغيّبون الوعي، ويشهرون المقدس من القول كي يعرقلون الوصول للحقيقة.
في مقهى فاخر في مدينة القدس، اجتمع الاثنان، كما يجتمع النخبة من المفكرين، وقد تركوا خلفهم ضغائنهم ومعتقداتهم وعواطفهم ، واتخذوا الحيادية منطلقا كما تقتضي المناقشة الحضارية.
قال ناثان وهو يحتسي قهوته :
- لقد شكلت في ذهني مفهوما قائما على رؤية واقعية، فعلينا أن نبني جسر التواصل على ما هو مشترك بين الشعبين، وحينما نعدد ما هو مشترك، نراه أكثر مما هو بين شعبين متخاصمين، والخصام دائما ينشأ عندما ينعدم التفاهم وطريق الحوار.
كانت مقدمة منطقية رآها كامل حسن مدخلا معقولا للنقاش، فقال له أكمل،فقال:
- أولا أن عقائدنا الدينية قريبة أو متطابقة أو متكاملة، فكلانا يحرم أكل لحم الخنزير وشرب الكحول، وما هو حلال عندنا هو حلال عندكم، وأصول الذبح هي ذاتها، نقدس نفس الأنبياء إبراهيم وإسحق وإسرائيل ويوسف وزكريا ، ومبدأ العقوبات والحدود المفروضة على الآثام، كالرجم والجلد وقطع اليد ،نحترم الزواج ولا نمس المرأة، ونفرض عليها الاحتشام والعفة، بل أن لغتينا لهما نفس الأصول المشتركة للألفاظ والأسماء وبناء الجملة والأعداد.
يستطيع كامل أن يعدد المزيد من الإسرائيليات التي يعج بها فقهنا الإسلامي، فقاطعه قائلا :
- إن اختلافنا ليس دينيا .
- ولكننا بناء على هذا المشترك نستطيع أن نبني فقها دينيا جديدا، ينصهر فيه الشعبان .
قال كامل ساخرا :
- لعلك قرأت تومس مور جيدا وأصبحت أسيراً لليوتوبيا .
لست خياليا كما تظن، ذلك ان كل فكرة جديدة تكون مجهولة، وبالتالي غير مقبولة، ولكن واقعيا يمكننا أن نبني معبدا مشتركا لهذه الديانة الجديدة، ندعو لها المؤمنين من شيلوا ومن جاورها من البلدان، ثم نكرر التجربة في مكان آخر، لكي نصل في النهاية إلى شعب متجانس ومنسجم في عقائده.
- وأين ستبني هذا المعبد ؟
- في الموقع الذي كدنا نتصادم به.
- لكن الموقع هو قطعة أرض لعائلتي أنا، وليست منذورة لمشاريع وهمية .
أراد ناثان أن يرد، ويقنعه بان مشروع السلام أثمن كثيرا من قطعة أرض
لكن كامل قاطعه :-
- حينما تتخلص من ذهنية المصادرة والاغتصاب، وأن غيرك هو الذي سيدفع الثمن، ستكون مقنعا لغيرك ومتفهما له.



#سعادة_أبو_عراق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سيناريوهات عذاب القبر
- هل أقر الله بالسحر أم نفاه
- هل قوة الدولة من قوة دينها؟
- سكيولوجيا الحروب
- قصة قصيرة - وقفة
- مصطلح الأنتصار( 2 ) تبعات الاعتقاد بان النصر من عند الله
- مصطلح النصر في العقيدة الإسلامية( 1)l
- قصة قصيرة / خذوني معكم
- ذكرى
- ما يمنع احتفال المسلمين بميلاد المسيح
- ملاك الشعر
- هل المعجزة ضرورية للإيمان؟
- من أين نبعت فكرة الإعجاز العلمي للقرآن الكريم؟
- أين الإعجاز في القرآن الكريم
- رحلة
- الحافلة/ قصة أدب غرائبي
- هل كان مع الإسراء معراجا؟
- ترشيد الدعاء
- وصية
- من قسم البشر إلى كفار ومسلمين؟


المزيد.....




- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعادة أبو عراق - تقارب