|
من أين نبعت فكرة الإعجاز العلمي للقرآن الكريم؟
سعادة أبو عراق
الحوار المتمدن-العدد: 5380 - 2016 / 12 / 23 - 01:33
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
من أين نبعت فكرة الإعجاز العلمي للقرآن الكريم الإعجاز العلمي هو من الإعجازات القرآنية التي تداولناها في النصف الثاني من القرن العشرين ، وخاصة انه ظهر مع ظهور البث التلفزيوني الذي أضحى معه انتشار موضوع الإعجاز العلمي واسعا يستقطب مشاهدين يعجبهم هذا التزاوج بين العلم والدين وظهرت شخصية مثل مصطفي محمود كعالم دين وطبيب وله معرفة في العلوم . وأعتقد أن الإعجاز العلمي والإعجازات التي تناولت عدد الحروف وقسمتها على العدد19 أو 17 أو 4 إنما جاءتنا من الرغبة الموروثة بان يكون لرسولنا معجزاته الخاصة كبقية أنبياء بني اسرائيل ، وأن يكون كتابنا المقدس معجزةً أيضا. ولكم حرصنا على إثبات أن قرآننا معجزة, فإن هذا الإثبات ما زاد من انتشار هذا الدين شيئا، وعدم وجود هذا الإثبات لم دفع الناس للخروج من الدين، ذلك أن الإيمان يطبع في النفوس قبل نشوء العقل وتكونه، فالإيمان للإنسان طفلا في البيت ضمن ما يلقن من لغة سلوك وتربية وتقليد للأب والأم، وحينما يرتقي الطفل إلى مرحلة الوعي تكون هذه المفاهيم الدينية قد استقرت ويغدو من الصعب على العقل إزالتها أو العبث بها. وأعتقد أن هذه الرغبة المحمومة لإيجاد معجزات جديدة هي نابعة من إعجابنا بمعجزات الأنبياء السابقين، ونود لو يكون لنبينا ولديننا معجزات تنوف عن معجزات الأنبياء السابقين كي نتفاخر بها أمام الأمم، ورغم أن معجزة رسول الله في الإسراء إلى المسجد الأقصى، هي معجزة كبرى، إلا أنها لم تكن مؤثرة في أهل مكة والعرب، بل كانت مثار استهجان وإنكار، ولم تثن رسول الله عن تفكيره بالهجرة من مكة إلى يثرب أو الطائف، لذلك فإن المعجزات ما كانت ولن تكون سببا في زيادة الإيمان والمؤمنين. وبعد أربعة عشر قرنا من البعثة ما زلنا نبحث عن معجزات في القرآن الكريم ، فمبحث الإعجاز القديم القائم على فكرة سنحت في ذهن الجاحظ حينها، ورفضها، وهي التميز البلاغي، لم تكن فكرة نابعة من الفقهاء ولا هي ابنة شرعية للفقه، لذلك فإن اعتماد فكرة المعجزة للرفع من شأن القرآن بين الناس، ما زاد من عدد المؤمنون شيئا، ولا جهل الناس بالإعجاز قلل من إيمانهم أيضا، حتى رجال الدعوة لم يستعملوا الإعجاز وسيلة لنشر الدين الإسلامي، أو لم يكن سببا وجيها في نشر الإسلام. * * * وكما أن الإعجاز البلاغي قام على فكرة مرفوضة من صاحبها ، فإن الإعجاز العلمي كان نبتا طفيليا على فكرة عظيمة خطرت على بال صاحبها أيضا، وهو الشيخ طنطاوي جوهري العالم الأزهري ذو العبقرية النادرة التي أهلته لكي يتم ترشيحه لنيل جائزة نوبل عام 1940، لكن وفاته في هذا العام منعت البحث في طلب ترشيحه. طنطاوي جوهري وهذا هو اسمه ، ولد عام 1870في مصر بقرية كفر عوض الله ، حفظ القرآن صغيرا في الكتاتيب، ومن ثم أرسله أبوه إلى الأزهر، ولكنه التحق بدار العلوم وتخرج منها عام1893 ثم التحق بالتدريس، إلى أن تقاعد عام 1922، وتفرغ بعدها لمشروعه الذي فسر فيه القرآن تفسيرا علميا. الشيخ طنطاوي من تيار الشيخ محمد عبده التنويري ، هذا التيار الذي كان امتدادا لرفاعة الطهطاوي في ردم الهوة الحضارية بين العرب المسلمين وبين أوروبا الاستعمارية والدول الأخرى، وكانت تؤرقه قضية العلم الغربي الذي كان يرفضه قطاع كبير من الأزهريين، ظنا انه يؤثر على إيمان المسلمين وعقيدتهم، ويرون أن المسلم ليس له به حاجة، بينما كان يرى هو وجماعة التنويريين أن العلم الغربي ضروري جدا للنهوض، وبناء دولة ومجتمع حديث. إذاً... كانت قضيته أن يقنع الرافضين لتعلم العلوم الغربية بأنها ضرورية ولا تعارض بينها وبين الدين ، فخطرت له فكرة أن يفسر الآيات التي تتكلم في موضوعات كونية، عن السماء والنجوم والأجنة والنباتات والحيوانات والطيور وغيرها بما تيسر من العلوم الحديثة، كي يقول للناس أن العلوم التي ترفضونها هي موجودة بكثافة في القرآن الكريم، بمعنى أن العلوم الغربية ليست طارئة وليست مقحمة علينا، إنما هي من صلب ديننا، وعلينا أن نتعلمها لنعلم ديننا. وهكذا ابتدأ العمل الجاد في تفسير آيات القرآن الكريم، إذ وجد أن الآيات التي تتكلم عن الفقه والتوحيد ليست إلا 150 آية فقط ، بينما الآيات التي تتحدث عن الكون 750 آية ، أي ألآيات الكونية خمسة أضعاف الآيات الفقهية والتشريعية ، وبذلك تكون مهمته هو شرح الآيات القرآنية التي تتحدث عن الكون، لكي يقدم العلوم الحديثة للمسلمين من خلال قراءتهم لتفسيره للآيات، وليس من خلال كتب مترجمة يصعب تقبلها. إنها فكرة عبقرية جاءت من رجل عبقري، فهذا الرجل الذي كان يجيد أكثر من لغة أوروبية ويقوم بالترجمة عن تلك الثقافات، لم يقدم علما جامدا، إنما قد أدبا علميا، أو أدب تعليمي كما يعرف اليوم، حيث قام بتفسير القرآن الكريم تفسيرا علميا في ستة وعشرين مجلدا أسماه ( الجواهر في تفسير القرآن الكريم )وعكف على تأليفه من عام 1922- 1935 ونشره عام 1935. هذا التفسير الذي لم تكن له سابقة في تاريخنا، كان يثير الإعجاب بقدر ما يثير الدهشة، بما أورده المؤلف من معرفة متخصصة في كل العلوم تقريبا، في الطب والفلك والرياضيات والفيزياء وعلم النبات والتاريخ وطبقات الأرض وغيرها، وهو ما يدل على أنه رجل استثنائي وقلما يجود به الزمان على أمة من الأمم. لقد كان تفسيرا عجيبا، تنقل فيه بين فنون العلوم والمعارف ، على ما بينها من تفاوت ، ولم ير بأسا أن يستخدم الصور الموضحة والجداول البيانية ، والتجارب العلمية ، إذ اخرج هذا التفسير عما ألفه الناس من تفاسير تراثية، مما جعل الرافضين لهذا التفسير كثيرين، إما لعدم سماعهم المسبق بمثل هذه العلوم أو عدم قدرتهم على الإحاطة بهذه المعارف، أو النظر إليه بكثير من الشك والريبة، كما ينظر لأي عمل مستحدث. ورغم أن الشيوخ المتنورين كالشيخ رشيد رضا قد أشادوا به ورأوا فيه قفزة نوعية إلا أن الملك عبد العزيز آل سعود رفض إدخال هذا الكتاب إلى البلاد، وما بين المؤيدين القلائل والرافضين الكثر، نام هذا العمل العظيم على رفوف المكتبات. * * * من خلال هذا الاستعراض الموجز لهذا العمل العظيم نلاحظ أن الشيخ طنطاوي جوهري لم يكن واردا في ذهنه أن يظهر الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، لقد كان مقصده هو إبراز العلوم التي يرفضها الأزهريون، بأنها واردة في القرآن الكريم، وأن إنكار هذه العلوم ليس من الدين في شيء، وان القارئ يمكن له أن يتعرف على هذه العلوم وهو يقرأ تفسير الآيات القرآنية. لكن مشروعه فشل، لأن تفسيره يعتمد على وجود معرف مسبقة بالعلوم، وبما أن الناس كانت أمية فإنها بالتالي لم نفهم هذا التفسير. ولم تفهم العلوم أيضا. إذن من أين نبع الإعجاز العلمي الذي نجد انتشاره واسعا في هذه الأيام؟ وتفرد له الإذاعات والفضائيات برامجها، فهل نبع هذا العلم من كتاب ( الجواهر..)؟ وهل أن مصطفى محمود كان قد قرأ هذا الكتاب وراح يتحدث على ضوئه عن إعجاز القرآن الكريم ؟ أم كان هذا الكتاب ملهما لهؤلاء الذين يحتكرون المواءمة بين آية قرآنية وكشف علمي حديث. على قدر علمي أن الدكتور مصطفى محمود هو أول من ظهر على شاشة التفزيون، في سنوات السبعينات من القرن الماضي، متكلما في برنامج العلم والإيمان، وليس عن الإعجاز العلمي، وكان أسلوبه أن يشرح موضوعا علميا ويربطه بآية قرآنية، ولقد بهر الدكتور مصطفى المشاهدين بما أورده من علوم مطابقة لما جاء به القرآن الكريم، وكان له اثر بعيد عند العامة والخاصة، ولكني لست موقنا إن كان الدكتور قد اطلع على تفسير الجواهري، فكان له ملهما، ومادة يستعين بها، أم كان عمله من بنات أفكاره؟ ولو كان هذا الاحتمال الظني صحيحا كان عليه من الناحية التوثيقية أن يشير إلى الجواهري ليستطيع أي باحث أن يتكلم عن تاريخ الإعجاز العلمي بثقة، كما في كل الأمم التي توثق تاريخها العلمي. وعلى كل حال فإن موضوع الإعجاز العلمي ، فتح تساؤلات عما إذا كان القرآن الكريم مصدر إلهام للباحثين والمخترعين، أم أن النصوص القرآنية كانت تحتوي إشارات معرفية ، لم تورد لذاتها إنما في سياق الموضوع المطروح، وما دام القرآن ثري بالعلوم المكنونة، لماذا لا يكرس أحد من هؤلاء المتفيهقين لأن يكتشف في هذا القرآن مالا يكتشفه الغرب، فيبحث زغلول النجار او عبد الكافي، مثلا في السماوات السبع الواردة في القرآن، والأراضين السبع، وما هي الأسماء التي علمها الله لآدم، لكننا وجدنا بهلوانيات علمية، إذ أحضر لنا أحدهم مسجل اخرج منه صوت طرطقات وقال في الفضائية الأردنية انه صوت النجم الثاقب، وهناك من يقول أنه وجد على سطح المركبات الفضائية العائدة من رحلاتها طبقة من النحاس، وأن هناك مسلم في امريكا استطاع ان يميز ام البنت عن ام الصبي من خلال كمية الحليب في الثدي، فإم الصبي بثديها ضعف ما في ثدي أم البنت لقوله تعالى وللذكر مثل حظ الأنثيين، إن عدم معرفتنا بماهية العلم جعلنا نرى في كل معلومة تصلنا من شيخ علما موثوقا ولو كانت روايات مفبركة.
#سعادة_أبو_عراق (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أين الإعجاز في القرآن الكريم
-
رحلة
-
الحافلة/ قصة أدب غرائبي
-
هل كان مع الإسراء معراجا؟
-
ترشيد الدعاء
-
وصية
-
من قسم البشر إلى كفار ومسلمين؟
-
نجومية رجال الدعوة
-
هل نحن بحاجة إلى دعاة؟
-
إلى الذين يستنكرون المولد النبوي
-
في رثاء الشهيد زياد أبوعين
-
مصداقية التوثيق الشفاهي
-
فقه إدارة البؤس
-
ليس كابوساً / ادب غرائبي
-
تديين العادات
-
حد الرجم في الإسلام
-
مصدرا الخير والشر
-
صورة الله
-
هل فرض الله القراءة
-
ظاهرة العنف الطلابي في الجامعات الأردنية
المزيد.....
-
المرشد الأعلى الإيراني يعين مسئولين سابقين في مجلس الدفاع ال
...
-
على خلفية رفض تجنيدهم في الجيش الإسرائيلي.. الزعيم الروحي لل
...
-
قوات الاحتلال تعتقل 12 مواطنا من محافظة سلفيت
-
أسوأ يوم في تاريخ المسجد الأقصى!
-
أسوأ يوم في تاريخ المسجد الأقصى!
-
عالم دين سني يطالب الأمة بالإستشهاد بطريقة الامام الحسين (ع)
...
-
خبيرة دولية: الحوار بين الأديان أصبح أداة لتلميع صورة الأنظم
...
-
رئيس المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بإثيوبيا: الجزيرة صوت ال
...
-
الاحتلال يبعد مفتي القدس عن المسجد الأقصى لمدة 6 أشهر
-
دمشق.. انطلاق مجالس سماع -موطأ الإمام مالك- بالجامع الأموي
المزيد.....
-
علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب
/ حسين العراقي
-
المثقف العربي بين النظام و بنية النظام
/ أحمد التاوتي
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
المزيد.....
|