أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أمين نور - الاختناق














المزيد.....

الاختناق


أمين نور

الحوار المتمدن-العدد: 5388 - 2016 / 12 / 31 - 11:16
المحور: الادب والفن
    


للحياة لمسة على المرء كما القطرة الشائبة تعكر صفو ماءٍ صافٍ, فيغدو الماء عكراً بأجمل مشاهد الفوضى. لا شيء يتراءى من الماء أصلاً, ولا شيء يقبل الاستيعاب سوى منظر التعكر الآسر ذاك, تعكر أسود خلاب حد التغزل بالسواد. هنا يمتطي الحكيم جواد أفكاره و يسبر أغوار عقله, ما ذا الذي أرى؟! ما ذا الذي أؤمن؟ ما ذا الذي لا أؤمن؟
لا قدر ولا قضاء هنا سوى لشر مستطير يتبدى أنه سرمدي الكينونة. شر نسبوي غالباً, مطلقٌ على الأقل, على أمل أن يكون مطلقاً, فلا شيء يواسي عبثية هذا العالم سوى الإطلاق. و ما زالت السذاجة تنصحني بمعاداة الشر, و لا زالت الصفاقة تنصحني بالمحاباة.
الألم, و أسوء, التخدر عن الألم, مات الطفل لأول مرة, فبكيت, مات الطفل لآخر مرة, فصمتُّ, و بقيت صامتاً مذ يومها. آلامي لا يفجرها سوى أثقل الألحان تجرعاً, باتت آلامي أكثر من الأطراف المبتورة للأطفال اليائسين, بل أكثر من كل الشظايا المتناثرة في الهواء الشرق-أوسطي. أعيش في بعد خامس خاصٍ بي, إسمه ما بعد الألم.
الدروب كلها دروب آلام, حذائي لي, و الأرض لي, و الرصيف لي, و التراب العالق بين الآجر لي, للأسفل, فقط للأسفل, هنا كنوز البصر, مالي و ما للعلياء من نظر؟ تقيٌ أنا أكثر من التقاة في غض البصر.. على من أنظر؟ على كائنات مثل المنارات الماشية و هي تشع بكل ما أمقت و أكره؟ على شبابٍ ضائعٍ هائمٍ متفسخ منحدر فاسد مدمر, ما علي أن أسمع؟ عن همومهم التاريخية المضنية, هموم شباب المستقبل؟
الكلمات الحقيقية كلها صرخات مختنقة عالقة عند الحلق, فتُبكم المرء حتى أجل غير مسمى, ولا يبقى سوى الكلمات الافتراضية الظاهرية و الأحرف الابتدائية و بصمات النبرة التعجبية و الاستفهامية و الاستنكارية.
هنا أرض محكوم عليها باللعنة, أرض ملعونة و كل ما ينبثق منها ملعون, كل جملة تقال في أثيرها لهي لعنات... يتغنون بهذه اللعنات الشبحية, يجعلون منها أشعاراً شجية, ما الشعر و الأدب سوى اللغة التي تتكلم بها اللعنات, لتخرج كل التزلفات و الابتذالات إذاً, "باقون! ما بقي الزعتر و الزيتون!".. نعم, زعتر و زيتون ملعون. و لما هذا التمييز ضد أهل الصحراء ممن لا زعتر ولا زيتون لهم؟
"راجعين", إلى أين؟ إلى وطنٍ غير مسمى بالكاد يتفق إثنان على رايته؟ إلى مجموعة حجارة؟ إلى أبٍ لا يقدر أن يحمي عائلته؟ إلى جيش لا يقدر أن يحمي أبناء بلده؟ إلى أرضٍ بلا بطل؟ إلى بطل مصطنع تعرف أنه ليس ببطل؟ إلى أصوات حمقاء يائسة تهتف للبطل المصطنع؟.. إلى ما تريد؟ أم إلى ما يراد لك؟
و لعنتي المفضلة "أمة عربية واحدة.. ذات رسالة خالدة.." , عقداً و نيفاً كنت أردد هذه اللعنة دون أن أدري أنها لعنة كبرى, لعنة دبقة, ما الخالد برسالة تلك الأمة؟ ما رسالة تلك الأمة أصلاً؟ هذه لوحدها استحقت ثورة.
ليقف الزمن قليلاً عند هذا الوادي, عند شتاءٍ أبيضٍ يقاطعه السواد بين الفينة و الأخرى, هذا عملي, أنا أوقف الزمن, أجعله مستمراً, خالداً, متبعثراً في الأصقاع, ليراه كل ما يَرى. آلام أحدهم, أكثر من الخيم البيضاء اللامتناهية هذه, تتصاعد قممها المثلثية مع تحدب القمم على اليمين و اليسار, و يبدو الأفق مستديراً محززاً. مدينة! مدينة من الخيم ما قبل الضباب, كل خيمة فيها من البؤس مافيها من الصقيع. هيا لنبتذل قليلاً "صامدون!" , "إرادة الأمل تبقينا..!". الأمل هذا, عدوي اللدود, عدو كل ثائر حقيقي, إن كانت الحماقة جناية, فالتأمل جريمة. إن الأمل لا يولد سوى من الأبواق المتلصصة المبتورة الكفاءة, فيرى البوق أن ما من مساهمة يساهم بها سوى التبذّل عن الأمل. ما أعظم من يبقون على قضاياهم بدون أمل.
"أين أنتم يا عرب؟!" .. عندما يستنجد من أخصِيَت خصيتَه بمن أخصيت خصيتاه. بقايا خصى, تصبح حصى, تهوي عصى, على من عصى, حتى المسا, شهد شدى, شيء بدا, سهمٌ عدى, فاق الخطى, حتى ردى, أين الضنا؟ أين الضنا؟! قصفٌ قَصَفْ, هبدٌ هبد, شدٌ شهد, ضربٌ ضرب, شعبٌ وثَب, قاباً و قَب, نصرٌ ذهب, جيلاً كسد, سادَ و سدْ, شراً صمد, شرٌ كسب, جلجل جلل, زلجل زجل, ذل و ذل, قل المثل, كثر الهزل.
لنبني ابتذالاً: "هذه الأنفاس لي", لنتجاهل الوهلة التي أبدو بها كرأسماليٍ جشعٍ و أنا أستملك الأشياء.. "هذه الأنفاس لي", لهذا أحترم الاختناق, أو ما بات حقاً بالاختناق, ذلك التمسك بكل ما يحاول الهروب مني, بكل ما هو لي و يحق لي الاحتفاظ به. هيا إذاً, لنختنق جميعاً.
هنا عصر اللامعنى, إهدار المعنى, تبذير المعنى, تشتت المعنى, المعنى مرفوض, بل مرفوعٌ على أس الرفض. كل هذا الكلام المعقود في الأعلى, بالكاد يمكن استخلاص حكمتين أو ثلاث منه, لكنه مع ذلك, يبدو ذا منظرٍ و قد يملك قيمة جمالية. لماذا؟ تماماً لأنني يمكن أن أصنع أي شيء من اللامعنى.
نهاية الاختناق.



#أمين_نور (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -جهاد النكاح- كذبة و تسخيف للقضية و الكفاح العلماني
- الهوية و الماضي
- الهوية و ظاهرة خلع الحجاب
- سوريون و لسنا عرباً
- أين أودت الثورة السورية الجيل الأول من شبابها
- أسوء أجيال مرت على سوريا و العرب
- أخلاقيات المصورين الإغاثيين
- اكتئابات شباب بلا شمس
- قصة وجودية قصيرة تنتقد سوريي المهجر بعنوان -عبد القادر السور ...
- الثورة السورية و استحقاق ثوراها للحضارة بشجاعة أو الجبن و خس ...
- نظرة توفيقية بين التيار الإلحادي و الإسلام العربي
- في تسويق الأمثال العربية و الدينية للكسل و الانحطاط و تغييب ...
- في تسويق الأمثال العربية و الدينية للكسل و الانحطاط و تغييب ...
- في تسويق الأمثال العربية و الدينية للكسل و الانحطاط و تغييب ...
- عن -تأملات في الثورة الفاضلة- كتابٌ قصير لشاب صغير


المزيد.....




- خداع عثمان.. المؤسس عثمان الحلقة 154 لاروزا كاملة مترجمة بجو ...
- سيطرة أبناء الفنانين على مسلسلات رمضان.. -شللية- أم فرص مستح ...
- منارة العلم العالمية.. افتتاح جامع قصبة بجاية -الأعظم- بالجز ...
- فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي ...
- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...
- الغاوون .قصيدة (إرسم صورتك)الشاعرة روض صدقى.مصر


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أمين نور - الاختناق