أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أمين نور - الهوية و ظاهرة خلع الحجاب















المزيد.....

الهوية و ظاهرة خلع الحجاب


أمين نور

الحوار المتمدن-العدد: 5090 - 2016 / 3 / 1 - 23:02
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


تعيش المجتمعات العربية بشتى انتماءاتها الإثنية و الدينية, أزمة هوية طال أمدها, و لعل أحد أهم أسبابها هو عدم وجود حالة انتمائية قوية تعطي الفرد كفايته و تثير ارتياحه و لا تحبطه أو تتنكر لذاته.
عبر تاريخنا, كنا نجرب على المستوى السياسي شيئاً واحداً دون غيره, القومية العربية فقط, أو الاشتراكية فقط, أو العائلة الحاكمة فقط, أو الاتجاه الديني الفلاني فقط. و دائماً ما أهملنا توزع الثقل الهويوي على جميع أفراد المجتمع, و أنا ممن يؤمنون أن الفرد هو نتاج تجاربه الشخصية المميزة عن غيره من الأفراد, و بهذا يكون المجتمع كما أراه حقلاً مزروعاً بأشجار مختلفة, لا مزروعاً بنوع واحد من الأشجار. و أن الحل, أو على الأقل خطوة أقرب إلى الحل هي حصد جميع أشجار الحقل, و السماع لكافة المكونات و الانتماءات, و أن من الحماقة وسوء التصرف حصاد ثمرة واحدة فقط من حقل كثير الثمار, فهذا إن لم يكن حماقة سياسية تؤدي إلى حروب أهلية, فهو بطر و رفض لاستغلال القوة الوطنية.
بجميع الأحوال, لست هنا لمناقشة الحل. إلا أنني ألفت النظر إلى أن مناقشة حلول هذه المسألة أو الـ"مأساة" كما يشار إليها في بعض الأحيان, يجب أن ينظر إليها بأنها حصلت في الماضي المستمر أكثر من كونها حاضراً بعينه. في هذا المقال, ما أريد مناقشته هو نظرتي إلى أزمة الهوية الحاضرة, و محاولة تحليل لها.
لفترة من الفترات, عندما كنت أعيش في سوريا, كنت أظن أن جزءاً لا يتجزأ من كون مجتمع ما مسلماً, أي أن يعرف عن نفسه بدون خوف أو تردد بأنه مسلم, هو أن تكون نساؤه محجبات.
لم أتفاجأ حقاً عندما ذهبت إلى السعودية, أن أحد أهم مظاهر المجتمع المسلم بنظر السعوديين هو التزام نسائه بالنقاب و العباءة, و هو ما يستغرب منه القادم من دمشق أو بيروت قليلاً , المعتاد على حجب الشعر فقط, إلا أنه بإمكانه التعامل و التأقلم مع هذه الظاهرة لاحقاً.
ما تفاجأت منه حقاً, هو نظرة المجتمع التركي للحجاب. المجتمع التركي مجتمع بجميع أطيافه العلمانية أو المحافظة فخور بإرثه الإسلامي و لا يتنكر له, و يَعُدُّ الإسلام إحدى هوياته الاجتماعية (و ليس بالضرورة السياسية), إلا أن نساءه, في الوقت نفسه, غير محجبات. و قد ترى ردة فعل مستهجنة من أفراده إن نعتّهم بمجتمعٍ غير مسلم أو مهرطق أو هاجر للإسلام.
إذاً؟ ماذا يحصل هنا؟ هنا سأقدم ادعائي:
لا يزال موضوع الحجاب أمراً مثيراً للجدل ليس فقط في العالم, بل لدينا في مجتمعاتنا الإسلامية العربية, فلم يتم الاتفاق بعد على ماهية الحجاب, و تترواح الآراء من وجوب التغطية الكاملة لكل قطعة لحم أو بؤبؤ عين إلى عدم تغطية شيء سوى الأعضاء التناسلية و الصدر(قبل أن تسألني من أين لي هذا, يمكنك مراجعة آراء هارون يحيى في الأمر, ذاته الشخص المشهور الذي يروج للإعجاز العلمي في القرآن, هو حرفياً يحلل لبس البيكيني). و لا يبدو على النساء إعجاب كبير بالحجاب, و بالرغم من عدم الاتفاق على تعريفه, إلا أنهن لا يزلن يرتدينه في مجتمعاتنا و يتمسكن به. ثم ما تلبث الفتاة أن تخرج من المجتمع, حتى تخلعه, كما يحصل مع السوريات في أوروبا و تركيا, بنسبة قبول مفاجئة من قبل المجتمع الذكوري السوري هناك.
السبب برأيي ليس مجرد سأم من حر الصيف أو ملل من أسر الحرية و والاختباء و لف و ربط الحجاب كل بضع دقائق. بل أرى أن السبب أعمق بكثير, و يمس أيديولوجية المجتمع, هويته, و ثقافته.
إن هوية المجتمعات المسلمة (حتى لو لم تكن متدينة) كانت مبنية على الأيديولوجيا و التعاليم الإسلامية و الأفكار الشائعة مثل تعاضد المسلمين و وحدة التاريخ و الخ.. و إن شعر أحد من العرب بهشاشة هذه الهوية, فالسوريون أحدهم, مثلي.
تاريخياً, حصل خلط بين الإثنية و الدين. مثلما فعل اليهود, حيث يعتبرون أنفسهم إثنية. و هكذا اعتبر المسلمون أنفسهم إثنية, إلا أنهم نظّروا بها على أنها دين. تنظيراً ضعيفاً هشاً ماورائياً تخليصياً, بعيداً كل البعد عن السياسة أو ضمان المصالح السياسية و الاجتماعية لمتبعيه. ليس هذا مفاجئاً, فقد قام الشيوخ المسلمون في السنوات الأخيرة بحشو رؤوس الناس بعبارة مختصرة خطيرة أن الإسلام هو "كل شيء", و على الناس أن يتركوا لمخيلاتهم فهم ما يعني "كل شيء": هو نظام حكم, و قضاء, و تشريع و سياسة و اقتصاد و رأسمالية و اشتراكية و فلسفة و علم و أسلوب حياة و و و و و.. و لم لا يكون إثنية أيضاً. هذه بحد ذاتها هي الثقافة الفارغة, "الخلّبية".
هذا الضعف و الخلّبية في ذوات المتلقين, توضّح في ظاهرة ترك الحجاب, فلو كان متجذراً بقوة, لما رفضت النساء خلعه.
و لسخرية القدر, و هي نقطتي الأساسية التي أطرحها, أن هذا الضعف في الهوية الإسلامية, هو نفسه ما ولّد حالة التوكيد على الحجاب في المقام الأول. إن ضعف الهوية الثقافية الإسلامية الحاضرة, أثارت لنا ردات فعل أكثر محاولة للتمسك بالجذور لتعويض الضعف, و أودى ذلك بالمسلمين إلى التمسك بالمظاهر الإسلامية, بالاستعراض الإسلامي, لتوكيد الهوية و الوجود و الاعتبار للذات, مثل التمسك المفرط بالحجاب, الذي يذهب إلى حد التنقب. و هذا التمسك بالمظاهر, هو بالتأكيد إحدى العلامات الكبرى المحزنة لانهيار الأيديولوجيات و الثقافات. و على عكس ما يروج له بعض المثقفون في الشرق و الغرب, فإن النقاب ليس محاولة لإخفاء المرأة المسلمة و كبتها في المنزل, بل على العكس, محاولة لتوكيد وجود المسلمين, إنه محاولة لاستعراض ما يميز المسلم عن غيره, "أنا هنا, أنا مسلم, أنا أتحجب, أنا فريد من نوعي". أضف إلى تعكر براءة المسلمين بعد طول الحروب الداخلية و الخارجية, و غدى أي توكيد للهوية, لا يأتي إلا بممارسة شيء من العنصرية و العداء تجاه المختلف. و هذا المختلف قد يكون جارنا العلوي, أو زميلنا الشيعي, أو صديقنا الألماني. و أرى أن دليلاً على صحة كلامي, هو ظهور فيديو اشتهر في الآونة الأخيرة, لفتيات بريطانيات مسلمات منقبات, يتكلمن عن نقابهن و يدافعن عنه و يعرضن الحجج المضادة لمنتقديهن, مستخدمين لهجة التحدي و الاستفزاز, لهجة المواجهة. و أحياناً لهجة التذلل و اتخاذ وضعية الحمل الوديع. الفيديو شهد إعجاباً كبيراً للمسلمين حول العالم. و عرض المسلمين على أنهم نوعٌ من الإثنية. و استخدمت هذا كدليل على طرحي, بأن المسلمين يريدون إعادة الاعتبار و التوكيد على وجودهم, يريدون اعتباراً لهويتهم, و يظنون أن الإسلام النِقابي البرقعي سيكفيهم ليكون هوية محترمة أمام ذواتهم و أمام الـ"آخر".
لماذا يفتخر الأتراك بإسلامهم دون أن يتحجبوا بالضرورة؟ لماذا لا تخلع المرأة التركية المتحجبة حجابها عندما تذهب إلى ألمانيا, بلدهم الثاني بعد تركيا؟ برأيي, لأنهم علمانيو الاتجاه. و لأن ثقافتهم و هويتهم غير محتكرة لصالح الدين فقط, المجتمع التركي بالرغم من حداثة عهده كوّن ثقافة أنجح من الثقافة العربية التي تصدعت رؤوسنا بأنها ضربت أعماق التاريخ. يمكن للتركي أن يكون مسلماً علمانياً أو مسلماً ملتزماً, يمكن أن تكون المرأة التركية مسلمة محجبة أو مسلمة غير محجبة, و لن يرمقها أحد في الطريق بنظرات مغبونة لأنها بلا حجاب. يمكن أن يكون التركي غير مسلمٍ بل غير مؤمنٍ أبداً, إلا أنه يبقى تركياً. و لحد ما قد لا يعجب البعض, يمكن للكردي في الآونة الأخيرة أن يكون كردياً بشكل محدود. الفكرة هنا بوجود تنوع في الخيارات لاتخاذ الهويات المتعددة لتعطي الإنسان اكتفاءً ما. و الدولة هنا تمارس الحياد الإيجابي تجاه المؤسسات الهويوية تلك, ليس بشكل مثالي, إلا أنه الأنجح في المجتمعات المسلمة. و أحب أن أتخذ من الأتراك مثالاً, لسأم مجتمعنا من الاستشهاد بالغرب الأقصى دائماً, و عدم استشهادنا بمثال أقرب لنا و بذات الوقت يستحق الاهتمام.
إن نظام الإقصاء الكنسي في العصور الوسطى (الـExcommunication) لا يزال معشعشاً في المجتمع العربي المسلم(سواءً كان متديناً أم لا), فبعد نجاح أي قوة في بلادنا و وصولها إلى موقع الهيمنة, ما تلبث أن تحدد الهوية المصطفاة, المختارة, و بعض الهويات المقبولة الأخرى التي تصنف على أنها درجة ثانية و ثالثة, حتى هذا التحديد الأخير يتم ببخل إذا ما تم أصلاً. و أي هوية أخرى مهما كانت سلمية أو فعّالة, تتعرض للمحوِ و القمع. و معها تمحى أجزاء كاملة من تجارب و شخصيات السكان. و تنتهي الهوية الواحدة المنفردة بعد فترة إلى مجتمع متهافت, فقير فكرياً و ثقافياً, حتى و إن كان هذا المجتمع بعمر الخمسة آلاف سنة. مجتمع من الفتور و الكسل و القنوط و التقاعس و الماورائية و الغيبية و القدرية و المعجزات التخليصية, و الأخطر من هذا كله, الخوف من النشاط و الحركة. و أميّز هنا بين قمع الدولة و قمع المجتمع (الإقصاء المجتمعي), الإقصاء المجتمعي هو مقصدي الأول هنا, فقد يكون أخطر من السياسي, و أؤيد القائلين بأن المجتمع المتسامح يحاكي شكل السلطة, فإن كانت السياسة ديكتاتورية ينتهي المجتمع ليكون ديكتاتورياً إقصائياً مثلها. بهذا يكون أفضل أداة مجانية مساعدة للطغمة المتسلطة. إنه نصر للديكتاتوريين حتى و إن تم إسقاطهم, نصر مستمر جارٍ.
بلهجة أقسى, إن خلع الحجاب في مجتمعنا هو أحد مظاهر ترك الفتور و القنوط و الماورائية و القهر و الإجبار, محاولة لترك هوية مزيفة خيبت الآمال, اعتراف للمرأة أمام ذاتها أولاً و أمام العالم ثانياً بعدم وجود هوية لها, أو فقدان جزء من هويتها, و أنها بدأت تبحث عن ما يغني وجدانها و يمثل ذاتها بشكل حقيقي غير مفروض مسبقاً, إنه تعبير عن رفض الهوية القديمة الفاشلة (جزئياً على الأقل). و قد يكون عملاً ينم بنظرها عن شجاعة حقيقية للقيام بنشاط و حركة و بدء في التفكير المستقل. شجاعة زائدة غير مرغوب بها كما يراها المحافظون, لكن, على الأخيرين أن يدركوا, أن هؤلاء النسوة اليوم يعبّرن بأقسى التعابير و اللهجات و النبرات عن بيت الشعر المشهور "ما كانت الحسناء ترفع سترها لو أن في هذي الجموع رجالا". ليست الرجولة هنا, الشجاعة الذكورية التنمرية و نفش العضلات المفتولة و تربية الشارب و الإقدام الشجاع إلى الموت, بل الرجولة هي في إقامة ثقافة حقيقية تكفي المرء كرامته و ذاته و تنافس الثقافات الأخرى بالتمدن و الرقي دون خجل أو خوف, الإقدام الشجاع على الحياة, هذه هي الشجاعة الحقيقية.



#أمين_نور (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سوريون و لسنا عرباً
- أين أودت الثورة السورية الجيل الأول من شبابها
- أسوء أجيال مرت على سوريا و العرب
- أخلاقيات المصورين الإغاثيين
- اكتئابات شباب بلا شمس
- قصة وجودية قصيرة تنتقد سوريي المهجر بعنوان -عبد القادر السور ...
- الثورة السورية و استحقاق ثوراها للحضارة بشجاعة أو الجبن و خس ...
- نظرة توفيقية بين التيار الإلحادي و الإسلام العربي
- في تسويق الأمثال العربية و الدينية للكسل و الانحطاط و تغييب ...
- في تسويق الأمثال العربية و الدينية للكسل و الانحطاط و تغييب ...
- في تسويق الأمثال العربية و الدينية للكسل و الانحطاط و تغييب ...
- عن -تأملات في الثورة الفاضلة- كتابٌ قصير لشاب صغير


المزيد.....




- تونس.. وزير الشؤون الدينية يقرر إطلاق اسم -غزة- على جامع بكل ...
- “toyor al janah” استقبل الآن التردد الجديد لقناة طيور الجنة ...
- فريق سيف الإسلام القذافي السياسي: نستغرب صمت السفارات الغربي ...
- المقاومة الإسلامية في لبنان تستهدف مواقع العدو وتحقق إصابات ...
- “العيال الفرحة مش سايعاهم” .. تردد قناة طيور الجنة الجديد بج ...
- الأوقاف الإسلامية في فلسطين: 219 مستوطنا اقتحموا المسجد الأق ...
- أول أيام -الفصح اليهودي-.. القدس ثكنة عسكرية ومستوطنون يقتحم ...
- رغم تملقها اللوبي اليهودي.. رئيسة جامعة كولومبيا مطالبة بالا ...
- مستوطنون يقتحمون باحات الأقصى بأول أيام عيد الفصح اليهودي
- مصادر فلسطينية: مستعمرون يقتحمون المسجد الأقصى في أول أيام ع ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أمين نور - الهوية و ظاهرة خلع الحجاب