أمين نور
الحوار المتمدن-العدد: 4975 - 2015 / 11 / 4 - 23:07
المحور:
المجتمع المدني
بدخول الشبكات الاجتماعية كجزء قد يكون الأهم في التوثيق و نشر الصوت للعالم, و بدوره تعزيز المشاركة الوجدانية, كان لا بد من بعض المختصين بنشر تلك الكلمة , أو تلك الصورة, و قد عُدت كلمة "مصور" إحدى أهم الكلمات في المراحل السلمية للثورات. و قد لاحظنا جميعنا أهمية الكاميرا المدنية في الربيع العربي.
و بدخولنا لحالة الحرب في سوريا, اضطرنا الأمر لتكوين جمعيات خيرية تعيل اللاجئين و المعتازين, و التي بدورها وجب عليها التوثيق المرئي. و بين الحينة و الأخرى ظهرت لنا عدة صور توثيقية مثيرة للجدل, تثيرغيظ المشاهدين لها لعدم سمو رسالتها الإنسانية.
و قد اختبرت هذه الحالة شخصياً باعتباري مصوراً إغاثياً لفترة من الفترات في المنطقة, حتى أن الناس وصلوا لدرجة مطاردة المصورين بالحجارة و ضربهم عند مشاهدتهم من بعيد. و في الطيف المقابل, فقد ساءت الحال حتى أصبحت بعض العائلات تركض بلهف لتجهيز نفسها و أولادها أمام الكاميرا عند قدوم قافلة المساعدات, فيسألوننا(و سأبالغ بشكل بسيط) : "شو بدكن اليوم؟ أطفال عم تبكي؟ أقتلك يا لحمودي كفّين خلي يبكي شوي, أطفال عم تضحك؟, خليلك يا يضحك؟, ضحاك ولا! "
و في عازة أساسية متأخرة, و لربما كان من الواجب صياغتها منذ زمن بعيد, أقدم هنا خلاصة أخلاقيات يجب على كل مصور إنساني إغاثي اتباعها, و أرحب بمناقشة أية مقترحات أخرى:
1. تقع على عاتق المصور الإنساني(أو الإغاثي) مسؤولية كبيرة في نقل المعاناة و الظروف الصعبة, لا نقل السعادة و الأمل. فالأولى حالة مادية و ظرفية بحتة, و الثانية حالة عاطفية بحتة, أضف إلى كونها رومانسية و بعيدة عن الواقع, فلا يوجد أمل و سعادة في مخيمات غير مجهزة حتى بالتواليتات. و نقل السعادة من قلب الحالة المزرية إضافة لكونه كذباً فهو ظلمٌ لهؤلاء المعانين. فأملك هنا ثلاثة نقاط أساسية:
- على المصور مسؤولية كبيرة يجب أن يتفهمها. و بتفهمها يُدرك أهمية تنمية مهاراته العملية.
- ينقل المصور الحالة الإنسانية و الإغاثية, و التي ترتبط بالعازة المادية للأشخاص
- الابتعاد, بل حتى رفض الرومانسية الزائدة أو المُفتعلة(التمثيل).
- لا يعني هذا عكس السلبية النفسية في التصوير, بل يعني الابتعاد عن الحالة الإيجابية فقط, أي الحياد النفسي و المشاعري, و التقرب من الواقع(البائس غالباً).
2. ليس على المصور عكس مشاعره و آراءه بما يراه, على العكس, إنه اختار إحدى أصعب الوظائف, إذ عليه أن ينقل الواقع هو كما هو, بدون تحيز حتى ولو كان شخصياً, فالمصور هنا, ليس متحيز لأحد سوى الإنسان. فهو مصور "إنساني" لا مصور عرائس أو مصور فنون.
3. و قد يعاني من صعوبة هذا مصوري الداخل, إذ أن أغلبهم يُصور بذات الوقت لكتائب الثوار و يوثق لهم, و هو تصوير قتالي قد لا يخلو من الدموية( صناعة الموت). و عندما يقومون بتغطية مشروع إغاثي( و هو العكس: صناعة الحياة), يبدو بعض تحيزهم المتسربل اتجاه فكر معين أو فصيل سياسي معين. و أقترح على المصورين من هذا النوع تدريب أنفسهم على أن يكونوا بوجهين, وجه مع العمل الإغاثي, و وجه أثناء العمل القتالي. و أضرب مثالاً على التحيز أثناء التصوير الإغاثي, كإظهار علم الثورة السورية, أو إظهار الثوار بسلاحهم, أو إظهار ملامح بيئة دينية معينة, أو إظهار الصبيان دون البنات.. الخ.
4. عدم التحيز المتطرف لولاء المنظمة, و هذا لمصلحة الإنسانية أولاً, و المنظمة ثانياً: كيف هذا؟
يمكن الولاء للمنظمة أن يوقع المصورين الإنسانيين في فخ "الاسترزاق" , و لهذا استخدمت كلمة "الولاء" , إذ قد يتوجه المصور الغير المتطوع إلى العمل كما يقول المثل العامّي "بدون قلب و رب" , يعمل من أجل المال الأكثر, دون أن يضع الأهمية الإنسانية كإحدى دوافعه. و قد يحوله هذا إلى ماكينة تتغذى على مآسي الغير, و تفرح عند كثرة المصائب,فكثرة المصائب تعني عملاً أكثر, و بدوره مالاً أكثر. على المصور أن يكون إنساناً و يدرك أهمية تمتعه لخاصية الـ"إنسانية" في عمله.
تهتم المنظمات بإظهار الـ"لوغو" أثناء التصوير, و هذا مهم للتأكد من مصداقية عمل المنظمة, و قد يعتقد البعض أنه عمل غير أخلاقي, إلا أنني أقول لمن يظن بهذا, أن أهمية هذا اللوغو من أهمية استمرار الإغاثة, و لا أرى به سوءاً إذا ما استخدم باعتدال, و أتمنى تفهم الحالة التي أودت بالبعض للظن السيء بمبدأ اللوغو, إذا انتشرت حالة سيئة أٌطلِق عليها "اللوغو السحري", كأن اللوغو سحر يظهر و ينخلق في كل مكان, حيث يتم الإسراف في نشر اللوغو هنا و هناك, على القميص الداخلي, ملصوقاً على جبين الطفل, موضوعاً على السلة الغذائية, معلقاً على شاحنة القافلة, ممهوراً على كتب الأطفال.. حتى يكاد اللوغو يغطي على الحالة الإنسانية نفسها, و يشعر المعانون نفسهم بأنهم سلعة, رأسمال المنظمات الخيرية, كما يشعر المشاهدون نفسهم بالقرف و الغيظ لتسليع الحالة الإنسانية هذه, و إعطائها "علامة تجارية". أضف إلى خطورة استغلال جهل بعض الأشخاص الأميين الذي يجهلون القراءة, فيُخاف من إعطائهم, أو بالأحرى التعليق عليهم كعلّاقة الثياب لوغوهات و كتابات المنظمة, و بذلك, لا يختلف هذا العمل عن القسر و الإجبار.
و أعرف من خبرتي الشخصية, مطالبة المنظمات لإظهار اللوغو و التوكيد عليه باستمرار و أحياناً اتباع مبدأ "اللوغو السحري", إلا أن المصور يستطيع عدم تطبيق هذا الأمر, و تعويض ذلك بتقديم الصور الجيدة القوية التعابير و بذات الوقت إظهار اللوغو بشكل معتدل, و صدّقني أن إدارة المنظمة ستنسى مبدأ "اللوغو السحري" كله بعد هذه الأعمال المُبهرة.
5. تكوين العلاقة مع الأشخاص قبل تصويرهم.
عليك أن تشعرهم أنك لست هنا لأنك مُصور, بل أنت هنا لأنهم هم بشر, و يستحقون أن يُجلس معهم و أن يتم التحدث إليهم و السماع لهمومهم, إسألهم عن أحوالهم ببسمة صادقة, إسألهم عن الحوادث الأخيرة التي حدثت معهم, عن القذيفة التي سقطت بالقرب منهم و مرّت بسلام, أضِع قليلاً من الوقت بممازحة الأطفال, إحمل دائماً معك هدية بسيطة, قد لا تتجاوز حبوب المربى (البون بون) , أترك الطفل يتحرك (أو يستكين) بعفوية, لا توجهه ولا ترشده و لا تأمره شيئاً... و أهم شيء, بعد تكوين العلاقة, أطلب إذنهم بالتصوير, فإن رفضوا لا تجادلهم و احترم رغبتهم و لا تزعجهم أبداً بالتذمر, بل إياك أن تشعرهم بعدم الراحة, أو أن العلاقة الإنسانية هذه هي علاقة مقايضة : أنا أعطيك السلة الغذائية مقابل أن تسمح لي بتصويرك و أنت يائس. و إن أعطوك فرصة لتشرح لهم أهمية التصوير, فإن من الأخلاقي جداً أن تناقشهم بأهميته و ضرورته لاستمرار المساعدات, عليك أن تعرف أنت نفسك لماذا تُصوِر. و إن استطعت, حاول المواظبة على زيارتهم بين الحين و الآخر في حال مرورك بالقرب منهم و اطمئن عليهم بشكل دوري إن استطعت. و أرى ببناء العلاقة بين المصور و الأشخاص المحتاجين, حالة إنسانية أخلاقية واجبة أولاً, و حالة نفعية لكلا الطرفين ثانياً.
6. العفوية التصويرية, و هي ما ينصح به كل المصورين المحترفين و الناجحين. بعد طلب الإذن بالتصوير, دع الأطفال يركضون و يلعبون كما هم كأنهم لم يروك, أترك العائلة تمارس حياتها دون ملاحظتك, المصور كائن خفي متخفي, و براعته تتناسب طرداً مع قدرته على أن يكون شفافاً كالماء و الهواء, لا تخف إذا طالت الفرصة للتصوير, اصبر قليلاً, فاللقطة الأمثل قادمة لا محالة, و لم أخب يوماً من الأيام. و رجاءاً كل الرجاء, لا تأتي بطفل و تعطيه بروشور المنظمة و تقول له "إضحك يا عمو" ثم تصوره من بوز أنفه, ثم تنشر الصورة. و رجاءاً أيضاً, لا تنشر صور أطفال أو أناس يرفعون شارة النصر بأصابيعهم... اعكس الحياة كما هي, دون تصنُع أو تمثيل أو أفعال أمر.
7. المنظمة الإغاثية تريد تأكيد وجودها على الأرض في العمل الإغاثي الإنساني, و وظيفة المصور مساعدتها في ذلك و برهانه, و حتى إن طالبت المنظمة ب"اللوغو السحري", على المصور أن يدرك مصلحة المنظمة قبل إدارييها أصلاً, فعلى المنظمة أن تنشر سمعة حسنة لها بأن أولويتها الوحيدة هي "الإنسان", و على الصور بدورها أن تعكس ذلك أولاً, ثم تعكس عمل المنظمة المهم ثانياً.
أي تكون الصورة ذات مركبين:
- الأول و الرئيسي: الإنسان المحتاج.
- و الثاني على سلم الأولوية: اللوغو و وجود المنظمة.
و كلاهما شرط واجب تحقيقه من أجل صورة توثيقية ناجحية. و لكن يجب مراعاة ترتيب الأولوية.
8. على المصور أن يفهم أن صُوَرَه ليست موجهةً لاستعطاف مجموعة صغيرة من البشر, بل للبشر جميعاً, و عليه أن يراعي مكونات صوره بكونها صالحة للنشر و تقبُل جميع البشر لها. فعندما تنشر صوراً مليئة بالذقون الطويلة و رايات دينية سوداء ثم في الواجهة طفلٌ يمسك بروشور "يو إس إيد USAID" فتوقع أن يُقطع الدعم. و اعلم أنك كنت السبب في قطعه.
9. أحياناً يواجه المصورون حالات معضلية, كوجود عائلتين محتاجتين في نفس الوقت, و توافر حصة واحدة لعائلة واحدة فقط, هل من الأخلاقي تصوير ذلك؟ برأييّ الشخصي الجواب هو نعم و لاء:
فالحجة الأولى في الأمر, أن عكس صورة قسور التموين لهذه الدرجة, مهم و ضروري لإيصال الرسالة الحقيقية و كبر المشكلة. فإن كانت الصورة التي سيتم عكسها, تُبين هذه المعضلة بوضوح دون إهانة لأحد, فمن الواجب على المصور أن يشاركها للعالم.
و الحجة الثانية, أنه قد تقع مشاهد مهينة للعائلات و الإنسان, كالاقتتال على الخبز ما عاذ الله, أو تضرع زائد يصل لدرجة صدور كلام مثل "مشان الله, الله يوفقلك ولادك, الله يعطف عليك, بعملك البدك يا.." , فإظهار هذه المظاهر في قمة الانحطاط الإنساني. فتذكر أيها المصور, أنت لست لتعكس هنا مشاعر الناس أبداً (سعيدة أم حزينة), بل أنت هنا لتعكس العازة و الاحتياج.
أتمنى أن أكون قد غطيت بعض اللوازم الأخلاقية للمصوريين, و لعلني أرى اتباعها بين شبابنا و مصورينا على الأرض.
#أمين_نور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
اليوتيوب
لينكدإن
تيلكرام
تمبلر
بلوكر
الموبايل
