أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أمين نور - أسوء أجيال مرت على سوريا و العرب















المزيد.....


أسوء أجيال مرت على سوريا و العرب


أمين نور

الحوار المتمدن-العدد: 4978 - 2015 / 11 / 7 - 18:45
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


سأعني في خطابي هذا بالاجتماع العضوي لا الفردي من أبناء الجيل, أي, نتيجة ما تضافر من أجله جيل كامل, لا ما حققه فرد منه مهما وصل من نجاح.
و الأجيال الأربعة هي:
جيلنا, جيل الشباب : مواليد التسعينات و الثمانينات
جيل آبائنا: مواليد السبعينات و الستينات
جيل أجدادنا: مواليد الخمسينات, الأربعينات و الثلاثينات
جيل آباء أجدادنا: مواليد الربع الأول من القرن.

أسأل نفسي, كيف أحكم على سوء أربعة أجيال من بين أجيال العرب كلها, التي تعد بمئات الأجيال, دون أن أراها؟ فأحاول الإجابة بالقول:
دُوِّن التاريخ من أجل أن يعلم الأجيال المستقبلية خبرات الأجيال الماضية, لهذا, فمعنى التاريخ هو الخبرة. و كل ما يقاس به التاريخ, هو مدى فائدة الخبرات و العبر المكتسبة منه, أما أخبار عامر بن مكشوخ الذي عاش و رعى الإبل و مات قبل ألفي سنة في الجزيرة العربية, فليس بها عبرة تعطيه شرف الكتابة في التاريخ. و يبدو أننا منذ بدء عصور الانحطاط في القرن الثالث عشر, و التي على العكس في أوروبا التي بدأت عصر النهضة, نعاني مما يمكن وصفه بـ"الجيل السيء", الغير منجز ليشيء, الغير مكترث بشيء لطالما لقمته تدخل جوفه, فلا داعي للمشي إلى الأمام لطالما يستطيع(نستطيع) الجلوس في مكاننا, و المشي أصلاً مزعج للهضم. و لا ضرر في أن لا يذكرنا التاريخ في شيء, و إن ذكرنا فلا ضرر أن يذكرنا بأننا "قوم لا يقدمون شيئاً للإنسان". و في حين كان يُعاد تعريف "المجد" من الشجاعة في العراك القتالي إلى الشجاعة في التحضر الفكري. كنا و ما زلنا إلى اليوم! حتى يومنا هذا نحن العرب نعاني من تقبل إعادة التعريف هذه, و لا نزال نعيش في المعنى القديم للمجد, حيث أمجاد صلاح الدين و عبد الرحمن الغافقي. و عندما أتت الفرصة في بدايات هذا القرن, الفرصة الوحيدة التي لم يأت غيرها كما قرأت في التاريخ, فوتنا علينا الفرصة, و لا زلنا نحن أبناء الجيل الرابع من مَن فوتها نفوتها التزاماً بإرث أجدادنا في الانحطاط. و هذه الخبرة التاريخية الفاشلة للأجيال الأربعة المذكورة باعتبارها فوتت عليها الفرصة للمشي إلى الأمام, كفاية لتغلب سوء الأجيال التي سبقتها. و ينطبق هذا الأمر على كل البشر في العالم الثالث, فليس الأمر مشكلة شخصية معي اتجاه العرب.
و أدرك أنه في المستقبل, الذي أشعر أنني لن أره في حياتي, ستتحسن الحال, و سيخطو العرب تلك الخطوة الشؤمى, إلا أنني أخاف أن من سيخطوها لن يكون جيلي, و جرت عليّ العادة أن ألوم و أذم كل من لم يخطوها.
و سأتكلم عن الأجيال الأربعة واحداً واحداً بترتيب زمني, فأبدأ بالأول:
جيل آباء أجدادنا:
و هم من صنعوا بدايات القرن هذا, من شاركوا في إسقاط الدولة العثمانية و موالاة ثورة الشريف حسين, التي يرى الكثير من شبابنا اليوم و منهم أنا, أنها ثورة غدارة حقيرة مشؤومة. ليست الفكرة بسوء ذلك الجيل لأنهم شاركوا بتلك الثورة أو انقلبوا على العثمانيين بهذا الشكل, و لكن لظني و الواقع يثبت ظني أنهم لم يفكروا بمسألة إدارة الدولة من بعد رحيل العثمانيين, لم يعطوا اهتماماً لأبناء تلك المناطق أو أبناء أبنائهم... لم يملكوا أدنى فكرة عن إدارة الدولة سوى أن هناك من يَحكُم و هناك من يُحكَم.. ما هي الثورة العربية المشؤومة تلك أصلاً؟ هل كانت ثورة حرية؟ ثورة تريد تحكيم العدل؟ ثورة تريد إعادة الاعتبار للإنسان؟.. أم ثورة من أجل الخليفة؟ من أجل الكرسي و المنصب؟ لإعادة الكرسي ذاك لقريش؟ ما هذا؟ لا أصدق اليوم و أنا إبن القرن و الواحد العشرين أن أننا كنا نقتتل على إعادة الكرسي لقريش منذ مئة سنة!. و لا يزال بعضنا اليوم يمارس لهجة الاعتزاز بالقبيلة و قريش و ما إلى ذلك. في الحقيقة لم نملك في تاريخنا دعوة واحدة ة حقيقية إلى الحرية بعقلانية, لم يحصل أن ثار الناس من أجل الحرية حقاً, حتى ثورات اليوم, لا يبدو أن ثوارها يدركون معنى "الحرية" التي يطالبون بها حقاً, و شهدت هذا و أقوله باعتباري شاباً شارك بالثورة و يحاول نقدها أملاً بتصحيحها.
و سأجادل فرضاً, حتى و إن خرجت تلك الثورة من أجل الحريات؟ هل نجح القسم التحرري منها؟ لا و ألف لا, بل أضاعتنا في آلاف الويلات, و بدأت بسلسلة لم تنتهِ إلى اليوم من "وجعات الراس", حيث لدينا كل عشرة سنين تقريباً وجعتي راس على الأقل. و سأحقد على من خسر في المحاولة مثل ما أنا حاقد على ثوار تلك الثورة أساساً. لأن كان عليه ألّا يخسر, فلو خسر, فهو لم يطعن بنفسه و بأبناء جيله فقط, بل طعن بكل أبناء الأجيال المستقبلية, و في الظهر أيضاً. إما النجاح و إما الفشل و التحقير! لا يوجد خيار آخر, لا يمكن لأي شيء أن يواسي و يخفف عن الفاشل في صراع الحضارات, فالفرص لا تأتي في كل جيل إلا مرة واحدة فقط, و ربما لا تأتي إلا كل ثلاثة أجيال مرة!... و إياك إضاعتها, و إن أضعتها فأنت نذل مُحقّر.
ثاروا على الدولة العثمانية و أسقطوها, على عيني و راسي, أبطال و شجعان و كل الرومانسيات.. و لكن هل بنيتم دولة؟! أءعطيتمونا هوية حقيقية؟ أقرأتم كتاباً؟ أم هوشة عرب؟ .. أكنتم تنامون الليل مرتاحي البال حقاً؟ أكنتم تنامون الليل أصلاً؟ أكانت همومكم كيف تؤمنون حياة مناسبة للأجيال القادمة ضامنين سد الثغرات التي ستضر الناس؟
بعد سقوط الدولة العثمانية, و في بداية سيادة الحكم الاستعماري, انتشرت بقوة حركة ثقافية إحيائية كبيرة, و برز العديد من المثقفين, و لكن إنها مشكلة المثقفون العرب في كل عصر, يُسخَر منهم و يتم رفضهم من الشعب, و لا تعتنق أفكارهم سوى أقليات تتحول فيما بعد إلى نخب مبتعدة عن العامة, و كانت بذلك الهوّة بين العاميّ و المتعلم.
و لكن, كانت هناك فرصة عظيمة حقيقية لردم الهوة من خلال تلك الحركة, و التي لم يحصل مثلها بعد أبداً, و كانت أقرب فرصة للنجاح, بل حققت نجاحاً استمر مؤقتاً, و زال تأثيره تماماً بعد رحيل الاستعمار بعقد من الزمان بنهاية الخمسينات. إلا أنه في ذات الوقت, كانت أنوية الحركات و النزعات الظلامية تتشكل أيضاً, و لم يخطر على بال الإصلاحيين أن يفنّدوا تلك النزعات و يقاوموها, و ما لبثت أن كبرت و تطورت بالتدريج مع الزمن, حتى أوصلتنا إلى ما نحن عليه اليوم. و هناك العديد من العوامل التي صعّبت على أولئك الإصلاحيين من إحياء المجتمع و زرع أسس العدالة و الحرية و السلمية فيه, منها الهوة بين النخبة و العامة, المتعلم و الأمّي ..الخ
في حين أن في جميع الدول الناجحة التي تتمتع بديمقراطية حقيقية, كان يُلمس عمق تاريخي لذلك الشعب بثقافته و اطلاعه و تنوره, و صغر الهوة بين المتعلم و الجاهل.
فإن أراد جيل آباء أجدادنا بناء دولة, فعلى الأقل, عليهم أن يبدأوا بمشروع التعليم و تثقيف و بناء الشعب و بنيته الفوقية.. و لكن لا, لم يكن ما فعلوه كافياً ليبني دولة حتى و إن كان بعد مئة سنة.
إنهم الآباء المؤسسين لدولنا, هاشم الأتاسي, بشارة الخوري.. الخ, و الذين لا يستطيع أحد أن يطعن بسمعتهم الحسنة, إلا أن العديد من الباحثين السياسيين يطعنون بمشروعهم, فهم من سمّى "سوريا" باسمها السياسي الحالي, و هم من سمّى لبنان باسمها.. و لكن؟ ما هي سوريا؟ ما هي لبنان؟ على الإسم على الأقل أن يكون ذو عمق تاريخي, يدل حقاً على ماهية الشعب و هويته, فيضمنوا عدم تأزمه الوجودي المستقبلي, فأعطانا الآباء المؤسسين مشاريع "سوريا" و "لبنان" و غيرها.. و هنا أطعن بمشروعهم الذي فشل, و لم يضمن مشروعهم سعادة الأجيال القادمة أبداً, و إنما أضاعنا حتى كرهنا مسميات بلادنا, و استعرضنا كرهنا هذا بعدة مظاهر, منها الهجرة و حلم التَجَنّس و منها كما يفعل الدعادشة بشق جواز السفر و حرقه, و منها تسويق المشاريع السلطوية الغير-دولوية, و أقصد بهذا الدينية, كمشروع الحكم الإسلامي الذي تعتنقه حركات الإسلام السياسي, و هذا لأن بذرة المشكلة تكمن في جنسيتنا التي لم نعد نشعر بأنها تمثلنا, و يُلام هنا الآباء المؤسسون. و لن أتنازل عن حقي في ذمّهم لمجرد كونهم "الآباء المؤسسين", بالرغم من أنني أؤمن بضميرهم الطيب. و لو عرفوا ما ستؤول إليه حال أبناء بلادهم, لو أدركوا اللعنات التي نسمعها كل يوم التي يلعنها أبناء سوريا لسوريا و أبناء العراق للعراق و أبناء لبنان للبنان, لربما لم يؤسسوها أصلاً, فهم يعرفون أن لهم نصيب من كل لعنة.
أضف أيضاً, إلى أنهم هم الجيل الذي خسر فلسطين, باعوها, أعطوها, وهبوها, ماتوا لاستعادتها..قل ما تشاء فلا يهم, ما يهم أنهم خسروها و لم يصححوا أياً من أخطائهم, و التي لا نزال نتحمل تبعاتها حتى اليوم. و كم أحب حقاً الفيلم الفلسطيني "الزمن الباقي", و الذي يستعرض حال العرب في فلسطين في مشاهد رمزية جدا.

جيل الأجداد:
هم من تربى من قبل "المؤسسين", و من سيربي بعدهم جيل آبائنا, أما همّ, فكادوا أن يبلعوا اللقمة في الخمسينيات, إلا أنهم رموا بها في الزبالة أثناء الإطباق. شهدت فترة الخمسينات لربما أفضل و أوضح فترة للازدهار بعد فترة من عدم الاستقرار و الانقلابات( و هي حقبة يمر بها أي انتقال للديمقراطية), ثم ماذا فعل أجدادنا العظماء؟ أضاعوا كل شيء, عقداً كاملاً من الزمن و العرق و التعب, بخياراتهم التي لم يستطيعوا أن يكونوا منيعين كفاية لمقاومة العاطفية منها, مثل موالاة رجل الأمة, و بطل التوحيد, و الفارس المقدام جمال عبد الناصر, و دخلنا حقبة الوحدة, المطبوعة في ذاكرة السوريين لهذا اليوم, و التي ندمنا عليها بما فينا من وقّع عليها الرئيس شكري القوتلي فيما بعد, فبعد بناء ديمقراطية دامت عشرة سنين و بدت أنها ستنجح, قررنا التنازل عن هذا من أجل عواطفنا الجياشة التي تريد الوحدة العربية العظيمة المنتظرة, لا يهم من سيحكمنا, المهم وحدة عربية, مثل طفل ينعق وهو يريد مصاصته, ثم ما النتيجة: بدا أن حاكمنا خيّب أحلامنا, بدأنا نرى الشرطة السرية و المخابرات و السجون تنتشر, و المصانع تُفكك و تنقل إلى مصر بحجة الاشتراكية الاقتصادية, و الأطفال يتم تربيتهم تربية تتوجه نحو العسكرية لا الإنسانية. أشكر أجدادنا شكراً ساخراً لإضاعة تلك الفرصة, تريدون وحدة عربية؟ على الأقل تأكدوا من أهلية حاكمكم؟ ما ذنبنا نحن أن نوأد قبل أن نولد من أجل قرار إسمحوا لي أن أصفه بالأحمق كهذا؟
يمكن تتبع جذور الحرب الأهلية اللبنانية و أزمة الفلسطينيين في الستينات هناك إلى حقبة عبد الناصر. كم من السنين كانت ستوفر الدول العربية على نفسها, لولا الصدمات و الحروب التي تسببت من الغرور بعبد الناصر و تلك الوحدة؟ لربما لو أعطينا الفرصة لإعادة بناء أنفسنا و بلادنا, لكان هناك احتمال بعد ذلك لاسترداد فلسطين, أما الآن, فلم تعد لبنان حقاً لبنان, و لا سوريا حقاً سوريا, و لا العراق حقا العراق .. كل شيء تغيير, و لم يعد يوجد هناك من سيحرر فلسطين.
جيل الأجداد, سمح بعد ذلك بتنصيب الأحزاب الديكتاتورية أو الطائفية أو الغريبة الأطوار حقاً بالصعود و الانتشار, كالبطل حافظ الأسد, الأحزاب الطائفية في لبنان, المتألق دائماً معمر القذافي, ملوك و سلاطين الخليج, ملك المغرب و ما وراء النهرين, حسني مبارك لاحقاً(بالتعاون مع جيل آبائنا), و صدام حسين.
و يا للعار! كيف سمحوا لمثل هؤلاء بالصعود و حكمهم؟ إن أرادوا أن يستمر الدعس عليهم, فلماذا أرادوا من أبنائهم أن يُدعس عليهم أيضا؟! معمر القذافي لم يرحل إلا منذ ثلاثة سنين! الأسد و بزرته لا يزال على رأس عمله, مصر إلى الديكتاتورية العسكرية من جديد, لبنان لم يعد يُذكر إلا و معه صفة "الطائفية" .. و غيرهم على حاله, هل هذا منطق؟
كيف كانت ردة الفعل يا حبيبي؟ يا عباقرة؟ يا كبار يا محترمين؟ هل قاموا بثورة قبل فوات الآوان الفائت؟ هل انقلب العسكر و سلّم الحكم للمدنيين؟ هل خرجوا إلى الشارع و لم يعودوا حتى اسقاط الحكم؟ هل الموت أو المذلة؟ هل فعلوا أي شيء أعطى مفعولاً؟ لا, بل عبروا عن غضبهم إن غضبوا بالعاطفة كالعادة! العادة الحمقاء, "نحن غاضبون و سنوالي أي مُعترض", و سمحوا للحركات التي لا تقل ديكتاتورية و لاإنسانية عن الحكام بالظهور و الطواف على السطح, ذات البذرة التي كانت تكبر في بدايات القرن دون أن يرد عليها المثقفون, كبرت و أصبحت الأخوان المسلمين, حزب التحرير, القاعدة, الأحزاب اليمينية المتطرفة, الأحزاب اليسارية المتطرفة.. التي لا تفعل شيئاً سوى أنها تكبت الغضب في ذاكرة هذا المجتمع ليصل لدرجة الانفجار عن طريق الحروب و الاقتتالات الداخلية و الخارجية.
ثم أضاعوا عليهم فلسطين إلى الأبد في حربي ال67 و ال73, و سمحوا لفلسطين بجعلها شماعة للحكام في شرعية الحكم. و بدأت شعبية القومية العربية بالانهيار, حتى أصبحت اليوم مسخرة الساخرين و مشتمة الشاتمين.
و لا تقل نظرتهم للحياة اليوم بعداً عن الواقع, فالحل لما يحصل في سوريا اليوم هو الصلاة لله تعالى من أجل أن الفرج, و الحل من أجل مشكلة التعليم التي نعاني منها نحن الشباب هي الصبر على الأمور, كأن أصدقائنا بأعمار ال19 سنة لم يموتوا أمامنا و دفعوا فينا الشره للوجود و المعنى و الانجاز قبل الموت المبكر. لعن الله الصبر! لعن الله بواقي تلك القيم كلها.
جيل الأهل:
الجيل الذي شهد انهيار الحرب الباردة, و انفتاح العالم و تحوله للعولمة, الجيل الذي كان من واجبه حِمل عبئي أخطاء الجيلين الذين سبقاه, و وظيفتهم في الحياة هي حل تلك الأخطاء قبل أن يزداد أثرها بالتراكم المستمر. كان عليهم أن يعوضوا جيلين إثنين سابقين بالإضافة لجيلهم, أي كل واحد منهم يجب أن يدرس و يتعب في الحياة عن ثلاثة أشخاص إذا اعتبرنا أن معظم البلد من الناهضين و غير الأُميّين. و إن وجد متقاعس عن النهضة, فوجب عليهم أيضاً تعويضه.
لكن, تَشربوا أفعال آبائهم, فسُمح للدكتاتوريين بالإستمرار, و زادت لهجة "انتظار الفرج" و التضرع للميتافيزقيا و الصبر اللامنتهي بشكل كبير, و كانوا نتاج الجيل الأول من غسيل الدماغ الصافي للحكم الديكتاتوري, أما عن الكبت الأيديولوجي, فواظبوا نهج آبائهم في أن يكونوا عمالاً لبناء طريق التطرف و الثورة العاطفية اللاعقلانية, و على دورهم ضاع تعريف الحرية و انهار العقد الاجتماعي.
هم الجيل الذي ربّانا, نحن جيل الثورات, أحياناً أسأل نفسي, من الضائع أكثر أجيلنا أم جيلهم؟
فلم يكن صعباً في تلك الحقبة توقع حروب آتية على البلاد العربية, و معها انحدار المستوى المعيشي. فمن المفروض أن يؤمن الآباء لأبنائهم الأمان الجسدي و الاقتصادي و الحياتي العام, و عدم تعريضهم للخطر, و توفير أفضل الظروف, فالإبن مشروع, لا عارضاً جانبياً من الزواج.. و بمزاوجة التوقع التشاؤمي للمستقبل مع الشرط البيئي لتكاثر الإنسان, فمن المفروض عليهم توقيف النسل أو تحديده لفترة قصيرة ريثما يظهر المستقبل بشكل أكثر نوراً, و لا داعي لأن يجلبوا أطفالاً إلى كل هذا العناء و رميهم في أحضان الفوضى و تحمل كل تلك الشتائم التي سيشتمها الأبناء لمن أعطاهم الحق بالحياة المُرّة... أكانوا مغيبين لدرجة لا تجعلهم يفكرون لتلك الدرجة؟ أصعبٌ حقاً؟ .. حسناً, حتى ولو كانوا مغيبين, لم تعد تبدو هذه الحجة سبباً كافياً ليغطي على أفعالهم, و سألومهم دائماً.
و لو كانوا يستنبئون بالحروب حقاً, و ولدنا نحن لسبب أو لآخر, فلماذا لم نُربى منذ صغرنا على تحمل حياة الحروب؟ و التدريب على التهجير؟ و لا أقصد التحمل الجسدي أو المادي فقط, بل النفسي و الفلسفي و الاجتماعي, فلم نملك الأدوات للتعامل مع البلد المستضيف مثلاً في حال نزوحنا إلى بلد أجنبي لا يتكلم لغتنا, لم نملك حججاً فلسفية و وجودية قوية لنصمد بها أمام الأسئلة الهويوية و الوجودية التي ستُطرح حقاً في كل الحروب, لم نملك ما يعدّل مزاجنا عند الاكتئاب بعد موت الصديق أو قصف البيت بسبب الحرب.. لم نملك شيئاً, كأننا رُمينا رمياً كالبهائم العمياء أمام موجة الحرب, و علينا الانصدام بها دون أي خبرة سابقة أو تدريب على التحمل......... و ضعنا ضياعاً أسوداً في كل شيء.
جيلنا:
جيل الشباب الحاضر, الجيل الذي فشل في ثوراته, أو على الأقل بالمحافظة على مبادئ ثوراته الإنسانية. الجيل الذي بدأ يقرف بعضه من بعض, و يبزق بعضه في وجه بعض, و لربما الحكيم منهم يبزق في وجه نفسه من شدة العار.
أتينا إلى هذه الحياة بلعنة, و هي واجبنا و مسؤوليتنا, أن نحل مشاكل ثلاثة أجيال سبقتنا إضافة إلى مشاكلنا الشخصية بهذه الظروف الحالية, حيث حوالي 20% من الوطن العربي أميّ لا يقرأ ولا يكتب, أي خمسهم, ما يشكل 96 مليون نسمة, و ذات النسبة تمثّل أمييّ سوريا. لذا فواجبنا أن نعمل و نفكر عن أربعة أجيال(نحن و سابقينا) و خُمس السكان من مَن يمكن اعتبارهم ناضبين عن الانتاج الفكري, و هذا حسب حساباتي أربعة أشخاص و خُمس الشخص. أما إن فشلنا و الظاهر أننا فشلنا حقاً, فسنمرر تراكم المشاكل للجيل التالي, الذي سيلعننا نحن و آبائنا كما نفعل نحن.
انفجر على حظنا تراكم العصور, و فشلنا في ضبطه..و بفشلنا المر هذا, و ضياعنا بالحروب و تشردنا و شعورنا السيء سواءا اتجاه الفشل أو اتجاه الذل أو اتجاه العار, و الأسى النفسي بشكل عام, فقد تحولنا إلى قنبلة فلسفية موقوتة, ذوات حاقدة على كل شيء, حاقدة على المجتمع و الإنسان و السلطة و الإله و حتى الذات, متشائمة من كل شيء, مشككة في كل شيء, لا تثق بشيء حتى بأهلها و أمهاتها و الأخطر من ذواتها..
و نجد بالنسبة للعلمانيين من الشباب الكثير ممن يؤمن دون أن يعرف المصطلح باللاناتالية أو بتعربيها "العداء للولادة" و هو مذهب فلسفي يؤمن أن فعل التناسل البشري و ولادة الإنسان عمل أخلاقي سيء يُحسب في قائمة الأعمال السيئة, مثلها مثل الجريمة. و هذا انعكاس طبيعي للحالة التي يشعر بها هذا الجيل من عدم تأمين أهله للحاجات الأساسية له من أجل للبقاء, فهو لا يريد(أو يخاف) أن يكون أهلاً لأحد. و الكثيرين اعتنقوا الفلسفة العبثية و التشاؤم الوجودي, و بشكل عام كل مذهب يقتل العواطف أو يعزز من التشاؤمية منها فقط, حتى انتشرت الميول الانتحارية بجدّية, و يُخاف مستقبلاً من التطرف الأيديولوجي. ولو حدثت الثورات هذه في التسعينات, لما حظينا بالتشاؤم هذا, إذ لم يكن مصدرنا "الإنترنت" منتشراً و الذي أفادنا جداً في الإطلاع. و كنت على ظن خاطئ أن حدة العاطفية قد ارتخت بسبب الثورات و مالت أكثر نحو العبثية و البعد عن الرومانسية, إلا أنني كنت مخطئاً عندما تذكرت "الجهاديين الإسلاميين" الذين يحظون بأرقام انتساب لم يشهدوها هم أيضاً من قبل.و مال البعض للتعويض عن مشكلة الوجود و الهوية بالتمسك بالدين بشكل أقوى. و إن وصفت الدين بشيء فهو أنه عاطفي, فأي شخص مدفوع بالدين, له بالتأكيد أسس أو مذاهب عاطفية تحركه.
و يا لهول مشكلتنا(مشاكلنا) و مشاكل من سيأتي من بعدنا, كم علينا العمل, فلم نعمل العمل الحقيقي الآن, لا زلنا في مرحلة تشخيص المشكلة و مخاض الانتقال نحو الحل, و العمل الحقيقي سيأتي إن انتهت الحروب, و عندها علينا بناء البنية التحتية و الفوقية(الفكرية) للشعب المنكوب في كلا البنيتين. و باعتباري تشاؤمياً سأنهي مقالي بخاتمة تشاؤمية, فلا أظن أن الحروب ستنتهي قريباً ولا أظن أن شبابنا على المسؤولية, فهم –دون أن أعتبر نفسي من فصيلة أخرى-, ضائعون و مائعون و مستهلكون, همومهم إن كانت لديهم هموم فهي ذاتية أنانية شهوانية, أفكارهم موروثة, جبانون( جبانون عن الحضارة بالمفهوم الحديث و لا أقصد بمفهوم التنمر الذكوري), كسولون, سطحيون ظاهريون, و يخافون من الكتاب, لا معنى لحياتهم و لا يعرفون مسؤوليتهم حقاً و ربما بعضهم لم يفكر بها بعد, يحبون الفيسبوك و اليوتيوب بإدمان و يكفي هذا لإعطائهم "المعنى الاجتماعي". فلتفرحوا يا أهلنا, فكنتم تزجروننا عند التسكع مع رفاقنا, و ها نحن نسمع كلمتكم, و أصبحنا نخرج للمشاوير مع الأصحاب على التويتر, و نجتمع في الفيسبوك, و نعشق حبيبة العمر على الواتس أب, و لربما نخطب على السكايب, و لا داعي لنر عيون بعضنا البعض أو نجلس و نشعر بال"قرب" من الآخر, و إن كان لديك يا أبي أو يا جدي طرقاً أخرى لانهيار المجتمع, فساعدني, فلعلني أعلمها لأبنائي المحظوظين لاحقاً.



#أمين_نور (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أخلاقيات المصورين الإغاثيين
- اكتئابات شباب بلا شمس
- قصة وجودية قصيرة تنتقد سوريي المهجر بعنوان -عبد القادر السور ...
- الثورة السورية و استحقاق ثوراها للحضارة بشجاعة أو الجبن و خس ...
- نظرة توفيقية بين التيار الإلحادي و الإسلام العربي
- في تسويق الأمثال العربية و الدينية للكسل و الانحطاط و تغييب ...
- في تسويق الأمثال العربية و الدينية للكسل و الانحطاط و تغييب ...
- في تسويق الأمثال العربية و الدينية للكسل و الانحطاط و تغييب ...
- عن -تأملات في الثورة الفاضلة- كتابٌ قصير لشاب صغير


المزيد.....




- لماذا أعلنت قطر إعادة -تقييم- وساطتها بين إسرائيل وحماس؟
- ماسك: كان من السهل التنبؤ بهزيمة أوكرانيا
- وسائل إعلام: إسرائيل كانت تدرس شن هجوم واسع على إيران يوم ال ...
- احتجاز رجل بالمستشفى لأجل غير مسمى لإضرامه النار في مصلين بب ...
- برازيلية تنقل جثة -عمها- إلى البنك للحصول على قرض باسمه
- قصف جديد على رفح وغزة والاحتلال يوسع توغله وسط القطاع
- عقوبات أوروبية على إيران تستهدف شركات تنتج مسيّرات وصواريخ
- موقع بروبابليكا: بلينكن لم يتخذ إجراء لمعاقبة وحدات إسرائيلي ...
- أسباب إعلان قطر إعادة -تقييم- دورها في الوساطة بين إسرائيل و ...
- الرئيس الإماراتي يصدر أوامر بعد الفيضانات


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أمين نور - أسوء أجيال مرت على سوريا و العرب