أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مراد سليمان علو - الرابح














المزيد.....

الرابح


مراد سليمان علو
شاعر وكاتب

(Murad Hakrash)


الحوار المتمدن-العدد: 5383 - 2016 / 12 / 26 - 15:44
المحور: الادب والفن
    


(الرابح)
قصة قصيرة


لغط، وعويل، ويزداد عدد الداخلين إلى غرفته الواسعة الشرقية الطراز، ويزدحم البيت بأعداد الوافدين من الأبناء وزوجاتهم والأحفاد وأبناء الأحفاد، ليروا كيف، ولماذا انتحر؟. وقبل أن يتم دفنه انتشر الخبر بطريقة ما، خبر انتحاره وهو في أخريات أيام عمره، ومن بين من تناقلوا هذا الخبر المثير عدد من أصدقاء طفولته الذين يحاولون بكل جهودهم وإمكانياتهم اضافة أيام إلى اعمارهم الباقية، وهم انفسهم لا يتجاوزون عدد اصابع اليد، ويطيب لهم دائما اضافة عبارة مشبوبه بالأسى ونوع خفي من التشفّي: " لم يفعل شيئا بطريقة اعتيادية كما كلّ الناس تفعل في حيواتها، قراراته كانت مختلفة بل شاذة، وآخر شيء كان انتحاره قبل ان يأخذ المولى امانته".
"...يا صغار
مقامرا كنت مع الزمان
نقودي الأسماك لا الفضّة والنضار
والورق والشباك والوِهار..."
....
بدأ يردّد مقاطع من هذه الأغنية القديمة الحزينة لشاعر معذّب بصوت ضعيف، فقد أخذ منه المرض كل قواه باستثناء آهات خفيفة ومتقطّعة عندما يكون وحيدا، أو ترديد مقاطع من اغاني لطالما أحبها، ومواقف تأبى الزوال من ذاكرة قلقة.. سرقة الرمّان من بستان الشيخ، وسرقة البيض من قنّ دجاج جارتهم العجوز، واللعب بخشونة في مباريات كرة القدم والسخرية من عيدو الأكبر منه سنّا والأقوى من بين رفاقه، و.. آه، التوددّ لليلى، وخطف أول بوسة من خدّها..ومغامرات وبطولات لا تعد ولا تحصى وقد خانته الذاكرة لعرضها جميعا.
حقول حبّ ورجولة
زرعتها مع الأوائل
حان وقت قطافها
انحت من شوقها
كلّ..
تلك..
السنابل..
...
وأتته نوبة سعال مع المقطع الأخير من الأغنية.. بحث عن شراب ليهدئ من سعاله.. أنه وقت قيلولة الجميع لا أحد يهتم به حقا.. ولم يكن ليبالي لو كان في الجسد بقايا طاقة.. "آه لو أرجع فتىً من جديد.. وأعيد كلّ مغامراتي ثانية.. عندما كنت بصحة جيدة واركض كالغزال.. احث رفاقي على سرقة الرمّان من البساتين وكأنني ذئب لا يخاف وكنت انعت من يتخلف منهم بالجبان.. وكيف كنت دائما أفضّل سرقة رمان بستان الشيخ.. وكيف ذهبت لأسرق البيض من قن دجاج جارتنا العجوز ورأيت مرة عقربة سمينة في القن فسحقها واستوليت على البيض كثعلب ماكر، وفي مبارياتنا مع المحلات الأخرى كيف كان الجميع يخافون اللعب أمامي .. وكيف كنت اسخر من عيدو واضربه على قفاه كلما رأيته لأنه كان يتنمر على رفاقي بغيابي.. وكيف قبّلت ليلى.. ليلاي بحضور ابن عمها وتحديته علنا فانسحب المسكين.. وآه، ليلى كانت تبتسم لي. وكيف.. وكيف.. وكيف يمكن لتلك الأيام ان تعود مجددا.
قلة يزورونه في مرضه، ربّما لقلة اصدقاءه اصلا، أو يظن جميع معارفه واقرباءه بأنها نهايته؛ فلا يكلّفون أنفسهم بزيارته أو الأستفسار عن صحته التي تتدهور يوما بعد يوم.
وبين فترات متباعده قد يزوره أحد اصدقاء طفولته فهم مهملون ومشغولون بأنفسهم وبصحتهم اكثر من أن يبالون بزيارته، وفي كلّ مرّة يتمنى الزائر أن تكون هذه زيارته الأخيرة له.
ـ لماذا لا تكرر زياراتك لي؟ اشعر بأن نهايتي قريبة!
ـ هه ومن يزورني أنا؟
ـ لا احد يأتيني من اصدقائي؟
ـ ولكنني معك الآن. الا ترى؟
ـ وانا على فراش الموت هذا احيانا اغني أو اتذكر طفولتنا.. أي.. هل تذكر عندما كنتم تذهبون لسرقة الرمان وتأخذوني معاكم!
وهنا اشاح صديق طفولته بوجهه عنه لعله يغير الموضوع ولكنه لم يكن حتى ينظر اليه فقد كان مغمض العينين وهو يقول: "اجل وكنت دائما اسرق البيض من قن دجاجات جارتنا العجوز حتى انني في احدى المرات رأيت عقربة وقد قتلتها الدجاجات فأزحتها بسبابتي واستوليت على البيض، وأحلى شيء كانت مبارياتنا بكرة القدم مع المحلات الأخرى ودخولي في الدقائق الأخيرة من زمن انتهاء الشوط الثاني. آه كم كنت أحبّ ذلك. هل تذكر عيدو الضخم الذي كان يضربكم جميعا ولا يضربني ابدا ربما لأنه كان يخاف مني ..آه عيدو العزيز استشهد في الحرب هو ايضا ثم فتح عينيه ونظر إلى جليسه هل تتذكر تلك الأمسية عندما قبلتني ليلى؟ كان عليّ أن اتزوج بليلى.. لن تذهب الآن، أليس كذلك؟ سنتناول طعام الغداء معا!
ـ لا يا صديقي علي أن اذهب، لن ابقى إلى وقت الغداء، وتمتم بكلمات غير مفهومة وهو يهمّ بالخروج ملّوحا بيده.
تأثر من اهمال صديقه له وعدم اكتراثه بحديثه. عليه أن يفعل شيئا أخيرا يفتخر به ويذكرونه به قرار صادم وجريء ففي كل حياته كانت قراراته انهزامية وكان دائما متخاذلا وجبانا وعليه أن يكون هذه المرة. هذه المرة فقط شجاعا وجريئا. لم يفعل شيئا يتباهى به في طفولته دائما كان يختلق الأشياء ويكذب وحتى هذه المرة عندما زاره صديقه كذب عليه وصديقه هذا يعلم بكذبه ولهذا لم يلقي بالا بحديثه فهو لم يذهب يوما لسرقة الرمان في طفولته فقد كان يرتعب ويرتجف عندما الأطفال يحكون عن مغامراتهم الممتعة. ومرة وحيدة اراد أن يثبت لأصدقاءه بأنه لا يقل شأنا عنهم فذهب ليسرق البيض من قن دجاجاتها ورأي نصف عقربة قتلتها الدجاجات ومزقتها ومع ذلك تصبب عرقا وتصاعد لهاثه وهو يتراجع بسرعة للوراء خالي اليدين، وكيف كان دائما يجعلون منه حارسا للمرمى ولم يشارك ولو مرة واحدة في الدفاع أو الهجوم وكيف كان عيدو دائما وما أن يراه حتى يصفعه لسبب أو دون سبب، ولم يرد عليه يوما ولو بلسانه الكاذب. وكيف أن ابن عم ليلى أوقعه ارضا لأنه فقط نظر اليها وبدأ الأطفال يضحكون عليه ويتندرون لوقت طويل بتلك الحادثة. وكيف، وكيف انه اخيرا اعتزل اصدقاءه وشيئا فشيئا اعتزل الناس ولم يرغب بالأختلاط بهم ثم زوجوه برغبتهم ومرت سنين العمر وكبر الأولاد وتزوجوا واصبح لديه احفاد واولاد احفاد وهرم كلّ شيء وعتق إلا تلك الذكريات المؤلمة والمخجلة من طفولته لذا عليه أن يمحوها هذه المرة وللأبد وينهي حياته بنفسه وهذا ما كان. فقد اتخذ اشجع قرار في حياته كلها ونفذها برحابة صدر ورغبة عارمة عندما شنق نفسه بحبل في غرفته.






#مراد_سليمان_علو (هاشتاغ)       Murad_Hakrash#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السبية للمرة الرابعة والسبعين
- الإنسان
- الأوقات
- الأيزيدي الهائم
- حروف مبعثرة
- الصداقة
- الأعداد
- نزهة
- بتلات الورد/الجزء الثالث (75)
- وجها لوجه مع داعش 3
- وجها لوجه مع داعش 2
- الصعود
- بتلات الورد/الجزءالثالث (73)
- الوجهة
- وجها لوجه مع داعش
- للأيجار
- موعد الحقيقة
- ليل القمر
- الولادة
- روح الشاعر


المزيد.....




- في شهر الاحتفاء بثقافة الضاد.. الكتاب العربي يزهر في كندا
- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مراد سليمان علو - الرابح