صالح حمّاية
الحوار المتمدن-العدد: 5361 - 2016 / 12 / 4 - 22:54
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لست أتصور أن هناك عرقا تعرض للنقد و التحقير كما هو حال العرق العربي في هذا العالم ، فتقريبا هو العرق الوحيد الذي يتعرض للنقد، و من كل جانب ، فعلى الأقل هناك تقريبا كُتّاب، وكُتّاب كثر ، صارت كل مهمتهم هي إنتقاد العرب والتشنيع بهم ، فالعرب همج ، و متطرفون ، أغبياء و إرهابيون و طبعا لا صلة لهم بالحضارة إلخ ، أو هم حتى في أحسن الأحوال مجرد ظاهرة صوتيه على رأي القصيمي، و القصيمي معلوم أنه قال في العرب ما لم يقله مالك في الخمر؛ هذا مع أن أبسط قواعد المنطق و الإنصاف تقول؛ أن كل ذلك الكلام هو مجرد هراء عنصري لا معنى له ، فكيف تنتقد إنسان لمجرد أنه ينتمي لعرق معين ؟ ومتى كان الإنتماء لعرق حافزا للهمجية ، فهل العرق يخلق السلوك الإجرامي أو الإرهابي بالضرورة ؟ أم أن الفكر والعقيدة هي التي تفعل ، وهو الأمر الذي كثير من هؤلاء المنتقدين يتجاهلونه و يهملونه ، ولا ندري أهذا تعمدا منهم ، أم جهلا و قلة وعي ؟ وعموما وحتى لو تقبلنا منهم ذلك فنحن و بالعودة لتاريخ العرب ، فنحن في الواقع لم نرى أي شيء من هذا الذي الكم من المزاعم التي ينسبونها لهم، والتي يتكلمون عنها على أنها خصائص ملازمة للعربي بالضرورة ، بل على العكس فنحن وبالعودة للماضي ، نجده ماضي مشرق و مضيء إذا أخذنا بالحسبان سياق الزمن والظروف، و نحن و إذا أردنا الإنصاف بحق العرب ، فحال العرب في الواقع لم يسوء ، و لم تصبح تلك الصفات التي تطلق عليهم من المنتقدين صالحة لأن تطلق عليهم ، سوى حين فُرض عليهم أن يكونوا مسلمين ، ولهذا فالأصل للمنصف اذا أراد الإنتقاد نقدا موضوعيا فهو أن ينتقد أصل الداء وهو الإسلام، وليس العرب ، وعن نفسي لا أضنني أشطح بفكري ، إذا قلت أن العرب لو لم يظهر فيهم الإسلام لكانت السعودية الآن كسويسرا أو أكثر ، و قبل أن تتصور أن هذا الكلام مني هو مجرد لغو وهذيان ، فلنعد للماضي قبل ظهور الإسلام و نرى حال العرب .
نعم اليوم وبلا شك حالي العرب مزري ، فالإرهاب و التطرف و الجهل هو سمتهم ، و لكن يجب الإنتباه أنه ورغم التطرف الديني الذي يغرق "العرب" مجازا فيه اليوم ( ونقول " العرب" مجازا لان التطرف الديني مس كثير من الأعراق كالفرس والأتراك و الهنود ، و لم يجمع بين هذه الأعراق سوى الإسلام ) فهل تعلم أن الأمة الوحيدة ربما في التاريخ القديم ،و التي كان لها معبد يحوي ثماثيل آلهة لأديان مختلفة كانوا هم العرب فقط ، فهل تعلم ان الكعبة قبل الإسلام كانت تحوي كثيرا من الآلهة لأديان مختلفة ، وكانت مكة عاصمة العرب ، من أكثر البلاد تسامحا دينيا ، فقد عاش فيها المسيحي و اليهودي و الوثني ، ولم يضطهد فيها أي شخص دينيا ، سوى ديانة واحدة هي الإسلام وبعد 13 سنة من محاولات الإقناع لنبيها بان يتوقف عن بث كراهيته ضد الأديان الأخرى فيها ، فمحمد وكما هو معلوم سخر من آلهة العرب و مرغها في التراب ، ولكن العرب لم يقتلوه أو يصادروا حقه في الكلام ، بل هم كانوا متسامحين لأقصى درجة لدرجة أنهم طلبوا منه أن يوقف خرافاته الإرهابية بجزاء أن يجعلوه ملكا عليهم ، ولكن طبعا نبي الكراهية ، لم يرد عليهم سوى برده المشهور ( والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله، أو أهلك فيه ما تركته. ) وهذا في إصرار مريع على ولاءه للإرهاب ، وعليه فلم يكن على سادة العرب حينها سوى محاولة قتله ليكفوا عنهم شره ، فهو أساسا من أصر أنه سيموت من اجل أفكاره الإرهابية ، و أنتبه هنا أنه و أي أمة هذه قد فعلت هذا ( و هنا نحن نتكلم عن الزمن القديم حيث مثلا كانت روما المقدسة تحرق المهرطقين ) فالعرب حاولوا معه باللين ولكن هو من رفض ، وكذلك فهنا أمر أخر يجب الإنتباه له ، وهو انه فحتى سويسرا ليوم فليس فيها هذا التسامح ، و ان تجد مثلا معبد يحوي جميع الديانات كما كان الحال في مكة ، ففي سويسرا نعم تجد الجامع و الكنسية والمعبد البوذي الخ ، ولكنك لن تجدا معبدا يتعبد فيه أتباع كل تلك الديانات مجتمعين ، و عليه فلو تخيلنا حال السعودية مثلا لو لم يظهر فيها الإسلام ، فهي لكانت رائدة العلمانية قبل أي دولة أخرى وبلا شك .
حسنا قد ترد على هذا الكلام بالقول أن العرب رغم ما تقوله لم يبنوا حضارة وعليه فهم همج ؟ و الرد على هذا هو : ، وهل ظروف صحراء الربع الخالي تسمح ببناء حضارة ؟ فمعلوم أن الحضارة تحتاج لموارد لتزدهر ، أنهار و غابات وطبيعة تتيح للمجتمع أن يتطور ، و بالنظر لواقع البيئة البدوية العربية ، فما الذي كان لديهم ليس سوى الرمال ، و عليه و بالنظر لكيف تصرفوا معه فهذا أفضل المتاح الذي يقدرون ’ فهم يعيشون في صحراء لا موارد فيها ، و عليه فإمكانية نشوء حضارة أمر مستبعد ؟ بل هنا وجب التنويه لشيء ، وهو أن مدينة مكة كانت اختراع لشبه حضارة من العدم ، فبسبب الموارد الشحيحة عمل العرب كتجار لكي يدعموا مدينتهم ، و هم كانوا همزة وصل بين حضارات عظيمة لها موارد كفارس ومصر ، و هذا أمر ليس من السهل القيام به بالنظر لطبيعة الظروف ، ومع ما منحوه من حرية، فالأمر أكثر من معجزة ، و لهذا فمحاولة إدانة العرب بقصة اللاحضارة فهو تجني عليهم ، فكم من شعوب كانت لها الموارد و فشلت في بناء الحضارات ، فلماذا الحديث عن العرب فقط .
طبعا قد ترد وبعد هذا الكلام بالقول : ولكن العرب كان لديهم سلوكيات همجية كالوأد مثلا ( الوأد المشكوك في صحة حدوثه ، و الذي أثبث الباحث د. مرزوق بن تنباك أنها مجرد أكذوبة من أكاذيب المؤرخين المسلمين لتشويه واقع العرب قبل الإسلام – راجع دراسة الوأد عند العرب بين الوهم والحقيقة ) أو العبودية ؟ ، و الرد على هذا ، و أي أمة في ذلك التاريخ لم يكن فيها سلوكيات هي بنظرنا همجية اليوم ، فالقرطاجيون كانوا يحرقون الأطفال أحياء تقربا من إلههم المعبود مالوخ ، و العبودية فقد أنغمس فيها كل العالم ومنها أمريكا العظيمة حتى تاريخ قريب قبل ثورة لنكولن ، أما حضارة روما العظيمة فقد كانت تتسلى بالمذابح بين العبيد في مسرح الكولسيوم ، وهي في طغيانها ذهبت حتى لذبح أحد أشهر الأحرار في التاريخ وهو سبارتاكوس لأنه ثار على العبودية ، أما عن أثينا سيدة الفلسفة ، فهي قد كانت تقف على جيوش من العبيد الذين سمحوا لسقراط و افلاطون أن يجدوا الوقت لاختراع الفلسفة ، أما عن الحضارات الأخرى كالإنكى و المايا فحدث و لاحرج ، ففي تلك الحضارات كانت طقوس العبادة تقوم على تقديم القرابين من البشر ، وعلى المذابح ، و عليه فقصة الهمجية في السلوك قصة لاغية ، و هي لم تصبح مشكلة حقيقية في الواقع لتستحق الإستهجان سوى حين ادلج الإسلام الهمجية وجعلها دينا مقدسا ، ونقصد هنا جعله الرق و بتر الأطراف واحتقار المراة كشريعة صالحة لكل زمان و مكان ، فمن هنا حلت الكارثة ـ لأنه وفيما باقي الأمم تخلصت من السلوك الهمجي بتطور وعي البشرية ، ظل المسلم هو المتمسك الوحيد بها ليحوز لقب همجي العصر الحديث ، وهنا عموما وجب الإنتباه لشيء ، وهو أن العرب قبل الإسلام لم يفعلوا هذا مطلقا ، ولا دعوا إليه حتى و إن مارسوا بعضه ، فالعرب لم يدعوا لأي من تلك الشرائع من الرجم و الجلد ، بل إن تاريخهم زاخر بقصص الحب و الغراميات و الكرم و قيم الفروسية ، و منه فكل تلك الهمجية حتى إن صحت فهي كانت ليزول مع تطور البشرية و مع الوقت ، فالهمجية في تاريخ البشر نتيجة لظروف الزمن القديم ، ومع الوقت تلاشت ، ف مثلا الفرنسيون الراقون ليوم و سادة الذوق و الثقافة ، كانوا في قديم الزمن يجرون في الغابات يلاحقون الساحرات لحرقهن ، و أمريكا العظيمة الآن وسيدة التقدم المعرفي، في سابق عصرها ، كان ذبح الهنود قديما الحمر من خصالها ، وعليه ففكرة أن همجية العرب همجية أصيلة فيهم فكرة بائسة ومضحكة ، و من يرددها ليس سوى عنصري مقيت .
يتبع ..
#صالح_حمّاية (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.