|
موجة جديدة 1990(جان لوك غودار): الاسلام لم يبني على الشك مثل حضارتنا،ولكن على اليقين
بلال سمير الصدّر
الحوار المتمدن-العدد: 5334 - 2016 / 11 / 5 - 18:12
المحور:
الادب والفن
موجة جديدة 1990(جان لوك غودار): الاسلام لم يبني على الشك مثل حضارتنا،ولكن على اليقين أفلام الحقبة الأخيرة لجان لوك غودار والتي قلنا عنها بأنها لازالت مستمرة حتى الآن تتحد بالاسلوب،بحيث تبدو وكأنها سلسلة اسلوبية مغايرة للمألوف الصوري السينمائي،بحيث ومرة أخرى،تبدو الصورة عند غودار كصفحة من كتاب فلسفي عميق غائر في الأسئلة الوجودية التي تتسم بالتكرار بالطرح في كل زمن وفي كل عصر،ومن الممكن القول ان غودار أكثر منه فيلسوف من فنان في حقبته الأخيرة. فان كان هذا اللقاء الأول بين غودار وعملاق التمثيل الفرنسي الغني عن التعريف(الن ديلون)،فهذا لن يغني عن القول أن الحبكة تضيع تماما في خضم حوار مكثف فلسفي خاصة مع استخدام الراوي والكلمة المكتوبة على الشاشة،فالشكل التكويني للفيلم عند غودار بات مألوفا ومفهوما،وهو من هذه الناحية وكأنه ملتزم بهذا الشكل لايحيد عنه ابدا،فهل من الممكن ان يعبر فنان بقامة ديلون عن لقاء طبقي في فيلم يغوض في الموضوع الثقافي الفلسفي الوجودي الى درجة كبيرة...؟! الشخصية لازالت عند غودار تستخدم كنموذج توضيحي للفكر الفلسفي،وهذا من الممكن ان يحيد قدرة الممثل الى درجة كبيرة،ويجعل الحبكة برمتها كمسار تقديري لمسار مضموني في ذهن المخرج ليس الا،فغودار يمسك بالفيلم من كل ناحية والشخصية ستقول ما الذي يريد ان يقوله غودار من دون اي احتكام لي شيء آخر. للفيلم موضوعان رئيسيان هما:المظهر الطبقي والعلاقات الانسانية مع تركيز شديد على العلاقة بين الرجل والمرأة،ويتميز الطرح بشيء كبير من التداخل بين الموضوعين،مع مواضيح اخرى مكررة من الممكن ان تكون هامشية بالنسبة للموضوعين السابقين. النوذج الطبقي المطروح في الفيلم تقليدي بين (روجر-الن ديلون)،البرجوازي الكبير،وطبقة الخدم،وان كانت الطبقة العاملة مدحورة طبيعيا،ولكن هنا هي غير مدحورة ثقافيا لأن كل شخصيات غودار الفيلمية ذات أفق ثقافي واسع. ومن ثم تبدأ الاسئلة بالتحليق ذات القيم المجردة...فأسئلة على هذه الشاكلة تتكرر كثيرا: هل يوجد حب مجرد..؟! أو جمل على هذه الشاكلة:رجل واحد لايكفي لأمرأة واحدة،أو ربما ان يكون رجل واحد هو شيء كثير جدا على امرأة واحدة،أو جملة تتسم بالتكرار المألوف في كتب الفلسفة:ولد الانسان في محنة ومعاناة هذه الاسئلة،وهذه التعليقات تظهر أو تنبع في احيان كثيرة من مصادر من خارج الحيز الفيلمي،ولكنها تتعلق بقوة بكل معطيات الفيلم،وغودار لايقوم بتحليل مجتمع برجوازي،بل هو يعمل على الاعادة الى التجريد...كل شيء يعود به في الفيلم الى الغاية من وجوده. فالحب خطأ مميت يفتقد القدرة على الوجود وهنا تظهر طبيعة العلاقات البشرية وكأنها محكومة بالبرود،ميتة وليست محكومة بالمصلحة كاعتبار تقليدي،فالاكتئاب يحيط بنوعية العلاقة بين الطبقة البرجوازية نفسها التي تعجز عن التواصل... على ان هذه الفكرة تبقى فكرة انسانية عامة تخص العلاقات الاجتماعية ككل وليس فقط(مجتمع برجوازي). موجة جديدة فيلم حكمته العلاقات وليس العلاقة الطبقية وحسب،بل وحتى العلاقات الادبية،وان كان هناك محاولة من قبل غودار لاقتناص حبكة معينة،ولكن لازالت شخصياته تبدو كنماذج توضيحية للفكرة،فالمضمون غالب تماما على الشكل،والشكل بحد ذاته شكل مختلف. من الممكن ان يكون الاعتبار الطبقي كاقتباس من (ديستيوفسكي): لما كان (ديستيوفسكي) مهووسا بتعذيب طفل بريء من قبل شخص وحشي؟! التعبير أو الاقتباس السابق هو عن الطبقية،ولكن غودار يتحدث عن فكرة الطبقية بحد ذاتها-اي التشكيل المعرفي لها-التي تخضع بدورها لمفهوم العلاقة البشرية بكل اشكالياتها،ولأن غودار يسعى الى التجريد فأنه لايتحول الى التفصيل من حيث تقسيم الفكرة المجردة الى معطيات أو اقسام معينة،فالحيز هنا لايعني ابدا فكرة المساواة أو المساومة على اي فكرة سياسية،وان كان غودار يلمح بانتقادات تقليدية عن السياسة الامريكية والرأسمالية وطبيعة العلاقة البشرية البرجوازية التي تحكمها المصلحة. قلنا أن هناك تشكيل من نوع معين...نقاط مجردة: النساء يحبون الحب،والرجال يحبون العزلة... وبين الفكرة الانثوية والطبيعة الذكرية يخوض غودار في التحليل اكثر،فالتغير الشخصي بالنسبة لروجر تزييف للحقيقة البشرية:لماذا يطلبون من احدهم التغيير،واذا تغيرت لن اكون بعد الآن من كنت من قبل؟! وحتى هنا وكأن غودار يسعى الى تجريد الأنا المتصلة،ولكن هناك اشياء تدور بين الطبقة السفلى من الخدم الغير مدحورة ثقافيا:هل من الممكن بأننا نحاول التقاط ما الذي حدث قبل ان نولد؟! هل نستطيع القول (نساء...أطفال..أولاد)غير مدركين ان هذه الكلمات تمتلك جمعا شيء لانهائي من المفردات ..جمع مفرد بمعنى واحد وليس مفرد لغوي... اللغة تكمل مفهوم الانانية من خلال انعكاس الجمع بالهاجس البشري على المفرد فقط،فمن الممكن أن تنعكس كلمة (اطفال) في ادراك شخص معين على انها طفل واحد،والحديث يطول ولكن الاختصار يؤدي بنا الى القول أن العلاقة محكومة بضرورة احترام وجود الآخرين. بالتأكيد علينا الاختصار،لأن الفيلم ذو صبغة فلسقية لانهائية من الممكن ان لاتقودنا الى اي شيء،والفيلم تأملي من الدرجة الأولى،والايحاء من الممكن ان يشتت،فعلى سبيل المثال عندما يعرج غودار على موضوع الذاكرة: الذاكرة هي الجنة الوحيدة التي لانستطيع أن نطرد منها تقول الينا:هذا ليس دائما صحيح من الجدير ذكره ان الاشتعال الفلسفي أو حتى خموده اساس العلاقة التي تحكم كل من الينا وروجر الذي على ما يبدو بأنهما أزواجا. إذا الذاكرة هي الجحيم الوحيد الذي حكمناه بكل براءة هل من الممكن ان يكون غودار يربط بين فكرة الخليقة وفكرة الذاكرة...؟ّ! كاحتمال هو وراد بقوة ونحن نستطيع ان نعلق على هذا بشكل مطول جدا الشخصيات محصورة في عمق بشري معين،عمق مليء بالشك الوجودي مؤمن تماما بلا بشرية المسار البشري برمته،وبالأنا الموجود الذ يعتبر ان كلمة صغيرة تقول لنا اين نحن...الى اين نحن ذاهبون،تساوي ثروة،وشخصيات تعيش بذات مغلقة على الوعي،فهي تدرك وجود العلاقة البشرية ولكنها في تساؤل مستمر. فالهاجس الفكري بالنسبة اليها يبدو اقوى واكثر شمولا وارتباطا بها من اي شيء آخر. الوجود من كل النواحي...الوجود الماضي..الآني أو اللحظي...الوجود من ناحية تكوينية ومن ناحية خارجية ايضا الشخصيات هنا ليست نموذج وحسب،بل هي شخصيات عالقة بالنموذج التساؤلي التكويني،وهذا بحد ذاته منحى قوة وليس ضعف في الفيلم. الينا تقتل روجر بقلب بارد،ومع نهاية الفيلم ينعكس المشهد برمته ومن ثم تظهر شخصية تحمل كتابا عنوانه:مديح الجريمة... القتل المتبادل هو قتل تجريدي لنواحي سلبية في الشخصية البشرية الذكرية أو الانثوية،ولكن ليس حلا مثاليا لأنه خاضع لمقياس بشري وهو (وجهة نظر) كل من الرجل والمرأة،والمقياس البشري ناقص بمل تأكيد. غودار يتحدث عن الاسلام لأول مرة على لسان روجر: الاسلام لم يبني على الشك مثل حضارتنا،ولكن على اليقين كلمة:الشك في الحضارة الغربية هو مصدر قوة العلوم البشرية الوجودية،ومهنا ومن خلال هذه الجملة نستطيع ان نفهم لماذا لم تحمل هذه العلوم ابداعا كبيرا في البيئة المسلمة،لأن اليقين موجود،فليس على المسلم أن يسأل نفسه كل تلك الاسئلة التي يطرحها غودار أو حتى بيرغمان أو أنتونيوني في افلامهم...بل كل تلك الاسئلة يقين بنيوي سابق لحالة الوجود بالنسبة للمسلم،وهذا بحد ذاته نعمة كبيرة.
#بلال_سمير_الصدّر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
keep you right up1987(جان لوك غودار):لملمة أفكار-الانسان في
...
-
محقق 1985(جان لوك غودار):بورنو فكري
-
فالتحيا مريم 1985(جان لوك غودار):ثنائية الروح والجسد
-
اسمها الأول كارمن1983(جان لوك غودار): غودار يغيب تماما في حي
...
-
شغف (Passion) 1982 (جان لوك غودار):اختلاط
-
حدس 1967(جان لوك غودار): غودار يحقق تحفة فنية في عشرين دقيقي
...
-
حركة بطيئة(جان لوك غودار):الوقت الملفت للنظر
-
أثنان أو ثلاثة أشياء اعرفهم عنها1967(غودار):تجريد هزلي ضخم
-
صنع في الولايات المتحدة1969(غودار):بروفا لصناعة فيلم هوليوود
...
-
مذكر مؤنث (جان لوك غودار)1965:ذلك التبنبؤ الشهير لجان لوك غو
...
-
بييرو المجنون 1966 جان لوك غودار:الجنون في مواجهة منطق الحيا
...
-
الفافيفل 1965(جان لوك غودار):عن الحضارة التي تفتقد للجوهر
-
الجنس في باريس 1965(شابرول-رومير-غودار-بوليت-روش):تحية الى ب
...
-
امرأة متزوجة 1964(جان لوك غودار):الخطيئة والمعنى والآلية وال
...
-
عصبة من الدخلاء1964(جان لوك غودار):التماس اسلوبي
-
ازدراء1963(جان لوك غودار): تشريح ادبي لأنفصال زوجين متوقع
-
الجندي الصغير 1963(جان لوك غودار): الرفض للمحيط المتأزم الذي
...
-
فلتحيا حياتها1962(جان لوك غودار):فيلم غارق في اللحظة
-
المرأة هي المرأة 1961(جان لوك غودار):عن فيلم موسيقي ناقص
-
لاهث 1960(جان لوك غودار): حالة بنيوية نقطة بدايتها عند جان ل
...
المزيد.....
-
بمشاركة قطرية.. افتتاح منتدى BRICS+ Fashion Summit الدولي لل
...
-
معرض الرياض للكتاب يناقش إشكالات المؤلفين وهمومهم
-
الرئيس الايراني: نأمل ان نشهد تعزيز العلاقات الثقافية والسيا
...
-
-الآداب المرتحلة- في الرباط بمشاركة 40 كاتبا من 16 دولة
-
جوامع الجزائر.. فن معماري وإرث ديني خالد
-
-قيامة ليّام تقترب-.. الصور الأولى من الفيلم السعودي -هوبال-
...
-
الدوحة.. إسدال الستار على ملتقى السرد الخليجي الخامس وتكريم
...
-
فنانون عرب يطلقون مبادرات لدعم اللبنانيين المتضررين من العدو
...
-
عمرو دياب يعلن اعتزال الغناء في الأفراح بعد أشهر من واقعة -ا
...
-
-جيل الصابرا-.. كيف تنبأ عالم مصري بمستقبل نتنياهو وإسرائيل
...
المزيد.....
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال
...
/ مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
-
المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر
...
/ أحمد محمد الشريف
-
مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية
/ أكد الجبوري
-
هندسة الشخصيات في رواية "وهمت به" للسيد حافظ
/ آيةسلي - نُسيبة بربيش لجنة المناقشة
-
توظيف التراث في مسرحيات السيد حافظ
/ وحيدة بلقفصي - إيمان عبد لاوي
-
مذكرات السيد حافظ الجزء الرابع بين عبقرية الإبداع وتهمي
...
/ د. ياسر جابر الجمال
-
الحبكة الفنية و الدرامية في المسرحية العربية " الخادمة وال
...
/ إيـــمـــان جــبــــــارى
-
ظروف استثنائية
/ عبد الباقي يوسف
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
سيمياء بناء الشخصية في رواية ليالي دبي "شاي بالياسمين" لل
...
/ رانيا سحنون - بسمة زريق
المزيد.....
|