أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حبيب مال الله ابراهيم - المتسول الصغير














المزيد.....

المتسول الصغير


حبيب مال الله ابراهيم
(Habeeb Ibrahim)


الحوار المتمدن-العدد: 5332 - 2016 / 11 / 3 - 01:07
المحور: الادب والفن
    


المتسول الصغير
قصة قصيرة
د. حبيب مال الله ابراهيم

- لم يبق في هذا البيت سوى متسول صغير.
هذا ما تمتمت به شفتي السيدة نجوى لزوجها الدكتور هادي في أصيل أحد أيام الشتاء. كانت واقفة أمام نافذة غرفتها تنظر إلى البيت المهجور، حين قام زوجها كأنه تذكر شيئا ونظر إليها قائلا:
- أتعلمين لماذا أصبح ذلك الطفل متسولا يا عزيزتي؟
ذهلت الزوجة وسألته باهتمام:
- عن أي طفل تتحدث؟
-الطفل المتسول الذي ما زال في ذلك البيت المهجور!
خطا نحوها ووقف بجانبها ينظر هو الآخر إلى البيت المهجور وقطرات الندى غافية على أديم النافذة تحول دون رؤية الخارج بوضوح:
- وماذا يعنيك من أمره؟
نظر إليها وقال كأنه يهمس:
- اجل، ماذا يعنيني؟
كأنه يبحث عن سبب مقنع لما يريد القيام به، وأردف أخيرا:
- أتعلمين بان الفضول يقتلني!
- أي فضول؟
قال بقلق خشية أن ترفض فكرته:
- الفضول من أن اعرف دوافع تشرده.
جلست السيدة على حافة السرير غير مكترثة تنقل نظرها بين أصابعها:
- يبدو انك بدأت الاهتمام بالأطفال بعد أن عجزت عن إنجابهم لك.
التفت نحوها بعد فترة صمت وتشجع قائلا:
- أتسمحين لي بإحضاره؟ سنضمه الينا وندخله المدرسة عسى ان يكون من المتفوقين.
تنهدت، وكادت أن تبكي قبل أن تجيبه:
- تستطيع الذهاب، ثم أكملت:
-كيف ستخرج في هذا المطر؟ ألن تأخذ مظلتك معك؟
فابتسم وهو يقول:
- عمل الخير لن يبلله المطر.
خرج الدكتور هادي مسرعا قبل أن توسوس نفس زوجته وتغير رأيها في قبول الطفل، حين توقف أمام الباب الخارجي لذلك البيت المهجور أطال النظر إليه متأملاً ملامحه، يتملكه الشوق لمعرفة من كانوا يعيشون يوما بين جدرانه. اهتدى إلى السلم وبدأ الصعود إلى الطابق الأول ودار بين أرجاء الغرف باحثا عن المتسول الصغير. شعر بإخفاق حين عجز عن إيجاده، فتخيله جالسا على رصيف تائه بانتظار من يتفضل عليه بقطعة نقود. وقبل أن يهم بالنزول سمع صوت أنين، فدخل غرفة إلى اليمين مفتوحة على واحدة اصغر على اليسار، وشاهد على الأرض رجلا عجوزا مستلق على حصيرة قديمة وعلى مرأى منه يستلقي المتسول الصغير، وهو في السابعة من عمره، له شعر أصفر وعيون تكحلها براءة سن السابعة، قام العجوز وقال بصوت أجش:
- من أنت؟
- أنا الدكتور هادي، واسكن في البيت المجاور.
وأشار بيده إليه. ضحك العجوز الثمل بسخرية، وسأله الطفل بعد ذلك:
- لماذا جئت؟
نظر إليه باهتمام:
-جئت من أجلك.
نظر إليه الطفل في ذهول في حين أكمل هو:
- لمحتك زوجتي من نافذة غرفتنا وأخبرتني بوجودك.
تدخل العجوز الثمل:
-لك زوجة أيضا (وضحك بسخرية)
-تعال معي يا صغيري، سوف آخذك إلى البيت.
قام الطفل، بينما ابتسم العجوز قائلا:
- اللعنة عليكم أيها الأطباء، إنكم لا تولون كبار السن الاهتمام الذي تولونه للأطفال، كأننا أدخلنا الى الحياة دون رغبة فينا.
أصبح عوني منذ ذلك اليوم طفلا محظوظا بعد أن شطب اسمه من قائمة المتسولين، لم يعد يراه أحد على قارعة الطريق يتحدث بهذه اللهجة الميئوس، كي يكسب شفقة الآخرين، صار يستحم كل يوم ويتناول ثلاث وجبات كأي طفل من أطفال ذلك الحي الهادئ. عرفته المدارس بعد أيام، فطبع خطواته على الطريق المؤدية إليها مع زملاء في سنه، وعند طريق العودة كانت سعادته بحياته الجديدة تدفعه لرؤية زملائه ممن كانوا يتسولون معه، لكنه لم يظفر برؤية أحدهم لذلك كان يتردد إلى الأماكن التي كان يجلس فيها كلما راوده الاشتياق.
في أحد أيام الربيع الدافئة رن جرس الباب، فأسرع الدكتور هادي لفتحه وزوجته تنظر من النافذة. وقع نظره على مجموعة من الأطفال، فمد إليه أحدهم يده مصافحا فصافحه الدكتور وهو يقول لهم:
- أهلا يا صغار، صديقكم عوني يدرس في غرفته.
قدم أحدهم إليه صندوقا صغيرا، تناوله وفتحه في الحال. وجد فيه عملات نقدية فسألهم باستغراب:
- لمن هذه؟
رد أحدهم:
- نقدمها لصديقنا عوني.
تعجب الدكتور وسألهم من جديد:
- لماذا؟
-لأنه طلب منا ذلك.
وقال آخر معاتبا:
- لماذا لا تعطه النقود، ألست غنيا؟
ابتسم قائلا:
- لكني أعطيه ما يريد واشتري له ما يطلب.
انصرف الصغار دون أن يقتنعوا بكلامه. حين التفت إلى الوراء رأى زوجته وهي واقفة عند الباب منتصبة فسألها:
- أسمعتي ما دار بيننا؟
أومأت بالإيجاب ومضت إلى الداخل. في اليوم التالي زار الدكتور مدرسة عوني وجلس مع مدير المدرسة في غرفته، اخبره بأن عوني يتسول من زملائه فبدأت دموعه تسيل. استفسر المدير عن سبب هذه الدموع. لم يتمالك نفسه فأفضى له بما لديه وحين انتهى من حديثه، واساه المدير قائلا:
- إنك رجل طيب القلب وعمل الخير لا يضيع.
*****
بعد أسبوع على تلك الحوادث شوهد الصغير عوني جالساً على الأرصفة، يدخل المحال ويتحدث بهذه اللهجة الميئوس ليكسب شفقة المارة. دخل اسمه من جديد إلى قائمة المتسولين وراوده الاشتياق إلى المدرسة التي قضى فيها أشهرا. كان ينظر إلى بنائها العالي والتلاميذ خارجين منها وفي نفسه حنين للعودة إليها. أغلب الظن إنه كان يأتي لرؤية زملائه، فيقف في مكان يرى ولا يُرى.
اشتاق إلى النعمة التي اضاعها، لذلك لفظه البيت المهجور من جديد. عاد يقاسم العجوز الثمل حياته ووعد نفسه لو ضمه الدكتور هادي إليه من جديد ألا يتسول أو يفسد حياته، لكن هيهات لأن الدكتور هادي قد مات، أما زوجته فقد كانت تنظر إلى الشارع من نافذة غرفتها في شقة واسعة في حي جديد.



#حبيب_مال_الله_ابراهيم (هاشتاغ)       Habeeb_Ibrahim#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مفاتيح الحب
- نشأة المجلس الوطني الكوردستاني وتطوره
- الحركة السياسية في كوردستان العراق
- ضفتان
- شيزوفرينيا قصصية
- الخطاب السياسي في التلفزيون
- الرحيل
- ماذا بعد مظاهرات كوردستان؟
- انتظار
- حكاية قصة
- حلم أدبي
- كونراد… كان هناك
- مفهوم المعلومات واهميتها
- المعلومات
- تأريخ الصحافة
- الدكتور زهدي الداوودي .. والبعد الرابع
- الصحافة الاستقصائية
- الوقت بين الماضي والحاضر..
- حرية الصحافة بين النظرية والتطبيق
- الاعلام الحديث


المزيد.....




- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حبيب مال الله ابراهيم - المتسول الصغير